لماذا يخجل العرب بالتصريح علناً بآثار حضارتهم العربية؟ ولماذا يستحي العربي عن القول أن هذه الآثار في بلاد العرب هي آثار أجداد العرب؟
بينما نرى كارهي العرب وناكري الحضارة العربية، لا يستحون عن السرقة وعن القول بصوت مرتفع بأنّ آثار أجدادنا هي لأجدادهم، بل وينسبنها لخرافاتهم بكل وقاحة.

يقول المثل: المال الداشر بيعلّم السرقة… ونحن دشّرنا آثار أجدادنا لغيرنا ليسرقها، لأننا نستحي عن القول بكل صراحة أنها آثار أجدادنا وأنها عربية، لأنّ أجدادنا، من نهر زرافشان إلى محيط الأطلس، عرب مثلنا.
مسألة الخلط بين الهُوِيَّة العربية والحضارات القديمة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، لطالما شكلت تحدّيا كبيرا أمام فهمنا لتراثنا وهويتنا العربية. فالكثير منّا مازال يعتقد أنّ الآثار القديمة في بلاد العرب هي آثار لحضارات أخرى غير عربية، في حين الواقع أن تلك الحضارات كانت حضارات عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فهويّتنا العربية ليست وليدة الإسلام فحسب، بل سبقته بآلاف السنين. حيث عاش أجدادنا العرب على هذه الأرض وتركوا لنا إرثا حضاريا عظيما في مجالات عديدة. لكن الجهل بالتاريخ وعدم الثقة بالنفس وقلّة الجهود المبذولة في نشر الوعي، أدّت إلى طمس هذه الحقيقة لدى الكثيرين من شبابنا.
علينا كعرب أن نستعيد ثقتنا من جديد من طريق تعزيز معرفتنا بتاريخنا الحضاري العريق، ونشر الوعي بأهمّية المحافظة على هويّتنا واعتزازنا بإرثنا الحضاري. يجب إدراج دراسة تاريخ الحضارة العربية بعمق في مناهجنا التعليمية، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لنتعرّف على تراثنا ونفتخر به ونستفيد من الدروس والعبر في بناء حاضرنا ومستقبلنا.
كما يجب محاربة الجهل والأفكار الخاطئة التي تشوه صورة حضارتنا العريقة. لن يتأتّى لنا ذلك إلا من طريق نشر التعليم والثقافة والإعلام. فالاعتزاز بهويّتنا وجذورنا العربية أينما كنّا، هو السبيل لاستعادة مكانتنا الحضارية وريادتنا في مجالات العلم والمعرفة. إن شاء الله ستزدهر أمتنا من جديد.
المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

لحضارات المشرق العربي أثر وتأثير كبير على قارّات العالم القديم طوال الـ3500 سنة الماضية، وقد تجلّى ذلك في المجالات التالية:
- العلوم والتكنولوجيا: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الاختراعات والاكتشافات:
- الكتابة: حيث كانت بلاد ما بين النهرين مهدًا لظهور الكتابة المسمارية، وهي أول نظام كتابة معروف في العالم.
- الرياضيات: حيث كان البابليون بارعين في الرياضيات، وقد طوروا العديد من المفاهيم الرياضية الأساسية، مثل الجبر والهندسة.
- الفلك: حيث كان البابليّون والمصريّون بارعين في الفلك، وقد طوروا العديد من المفاهيم الفلكية الأساسية، مثل التقويم.
- الطب: حيث كان المصريّون بارعين في الطبّ، وقد طوّروا العديد من التقنيات الطبّية المتقدّمة، مثل الجراحة وعلاج الجروح.
- الدين والفلسفة: كان المشرق العربي أيضاً مهداً للعديد من الأديان والفلسفات التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأديان والفلسفات:
- اليهودية: حيث كانت اليهودية أول ديانة توحيدية في العالم، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الإله الواحد.
- المسيحية: حيث نشأت المسيحية في المشرق العربي، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الثالوث.
- الإسلام: حيث نشأ الإسلام في المشرق العربي، وقد ساهم في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم التوحيد.
- الفنون والعمارة: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الأشكال الفنية والمعمارية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأشكال:
- العمارة: حيث تميزت العمارة في المشرق العربي بأشكالها الرائعة، مثل الأهرامات المصرية والمدن البابلية.
- الفنون التشكيلية: حيث تميزت الفنون التشكيلية في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل اللّوحات المصرية وفسيفساء الفينيقيين.
- الموسيقى: حيث تميزت الموسيقى في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل الموسيقى العربية والموسيقى اليهودية المعاصرة.
ومن الأمثلة على تأثير حضارات المشرق العربي على قارات العالم القديم:
- انتشار الكتابة: انتشرت الكتابة المسمارية من بلاد ما بين النهرين إلى العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مثل الحضارة المصرية والحضارة الفينيقية.
- التبادل التجاري: كان المشرق العربي مركزاً تجارياً مهمّاً في العالم القديم، ممّا أدّى إلى انتشار الأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة.
- الغزوات العسكرية: شنت حضارات المشرق العربي العديد من الغزوات العسكرية على العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مما أدّى إلى انتشار ثقافاتها وتأثيراتها.
عموماً، يمكن القول أنّ حضارات المشرق العربي كانت لها تأثير عميق وملموس على تطور الحضارات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
برأيك، لماذا يستهدف الجميع الهويّة العربيّة؟ ويشتغلون على تزييفها؟

تمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي شعوراً بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه، وتجعله يشعر بالارتباط بتاريخه وحضارته، ممّا يعزّز من ثقته بنفسه وشعوره بالكرامة.
وتساعد الهويّة العربيّة الإنسان العربيّ على التواصل مع الآخرين من أبناء ثقافته، ما يسهّل عليه التعبير عن نفسه وفهم الآخرين.
وتمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي القدرة على الإبداع والابتكار، ممّا يساهم في تقدمه وازدهار حياته.
يجب أن يتمّ تدريس التاريخ العربي والثقافة العربية بشكل سليم في المدارس والجامعات، حتّى يتمكّن الطلّاب من التعرّف على هويّتهم وتاريخهم بشكل صحيح. ويجب أن يحرص الإعلام العربي على نقل الصورة الصحيحة عن الهويّة العربيّة والتاريخ العربي، ومقاومة أيّ محاولات لتزييف هذه الصورة. ويجب أن يتمّ دعم الفنون والثقافات العربيّة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على هويّتها وتميّزها.
الحفاظ على الهويّة العربيّة والدفاع عن تاريخها ومقاومة تزويره، هو واجب كل إنسان عربيّ، فهو أمر لا يقل أهمّيّة عن الحفاظ على الأرض والوطن.
العروبة في جوهرها قيم نبيلة وإنسانية سامية. العروبة هي حياة مشتركة قائمة على التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة. وهي أخلاق سمحاء مستمدّة من تعاليم تراثنا الحنيف وآدابنا الراقية.
والعروبة شهامة وشجاعة والتصاق بالأرض والدفاع عن الحقوق. كما أنّها تحضّر ورقي في العلم والفكر وسمو في الفن والأدب. والعروبة كرم وجود وبذل من غير حدود. لذلك يجب أن نتمسّك بعروبتنا ونعتز بها، ونسعى لتطويرها نحو الأفضل دائماً.

أكثر العلوم التي أحبّها هي الفيزياء والتاريخ… الفيزياء أرشدتني إلى طريق فهم الحياة، والتاريخ جذبني إلى علوم الجغرافيا والسوسيولوجيا والإتيمولوجيا، وأكثر بكثير من علوم الأحياء…
تعلّمت من دراسة التاريخ أنّ الثابتة الوحيدة في أيّ معرفة هي أنّها متغيرة. حتّى أكثر اليقينيّات رسوّا تنجرف كوريقة يابسة متى أزالها كشف جديد. وهذه حقيقة برهنتها فيزياء الكم.
لذا وصلت إلى قناعة أنّ من أساسيات الإدراك: الإنكار. وإنكار البديهيّات هو أوّل الفتوحات المعرفيّة؛ وعماد اليقين. ولو أنّ الظاهر يبدو دائماً وكأنّ إنكار البديهيّات هادم لليقين. لكنّ اليقين هشّ وضعيف جداً إذا لم تدعمه عمدانٌ جذورها الإنكار. إذ أنّ الشكّ هو طريق اليقين.
من دون فعل الشكّ لا نحصل على معرفة. إنّما نتّجه صوب الرسوب والتخامد، ولا منفعة للحياة من الرواسب.
ومن باب المعرفة، أعتقد أنّ أبرز النِّقَاط والموضوعات التي يجب على شباب العرب مناقشتها باستمرار، في هذه المرحلة:
- الاعتزاز باللغة العربية وأهمّية المحافظة عليها
- التاريخ والتراث والثقافة العربية المشتركة
- العلاقة بين العروبة والإسلام
- قيم الكرم والتسامح والتضامن الاجتماعي
- الوحدة العربية والتحدّيات التي تواجهها
- انتقادات لفكرة القومية العربية
- الهُوِيَّة العربية في مواجهة التغريب
ويمكن تحقيق ذلك من طريق التركيز على:
- تأكيد أهمّية المحافظة على الهُوِيَّة والتاريخ العربي في مواجهة محاولات التشويه أو التزييف.
- ضرورة تصحيح مسار تدريس التاريخ والثقافة العربية في المناهج التعليمية، بعيدًا عن الأفكار المغلوطة.
- دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهُوِيَّة، ومقاومة محاولات تزييفها.
- أهمّية دعم الثقافة والفنون العربية لتعزيز الانتماء الحضاري.
- ضرورة غرس قيم الانتماء الوطني والدفاع عن الهُوِيَّة لدى الأجيال الجديدة.
- التأكيد على أن الاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري لا يتنافى مع التقدم والازدهار.

تعدّ الهُوِيَّة العربية من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكرين العرب. فالبعض يرى أن الهُوِيَّة العربية ثابتة وراسخة، في حين يرى آخرون أنها مهددة ومنقوصة. وتنبع هذه الاختلافات من وجهات نظر متباينة حول التاريخ والحضارة والثقافة العربية.
فمن جهة، هناك من ينظر إلى الماضي العربي القديم بعين الإعجاب والتقدير، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية رائدة في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والآداب، وانتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في أصقاع الأرض. لكن من جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن هذا الماضي بالكاد يمثل الواقع الحالي للعرب، إذ تراجعت مكانتهم ودورهم الحضاري، وأصبحوا يعانون من تخلف سياسي واقتصادي وثقافي.
وقد أدت هذه الازدواجية في نظرة العرب إلى أنفسهم وتاريخهم إلى إشكاليات كثيرة في تحديد معالم الهُوِيَّة العربية المعاصرة. فالبعض ينادي بالتمسك الحرفي بالتراث ورفض الانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين يدعو آخرون إلى الانصهار الكامل في الحداثة الغربية والتخلي عن كل ما هو عربي تقليدي.
والحقيقة أن كلا الموقفين يفتقر إلى التوازن. فالمطلوب هو الجمع بين الاعتزاز بتراثنا وهويتنا العربية من جهة، وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى. إننا بحاجة إلى نهج وسطي متزن يراعي خصوصيتنا الحضارية مع السعي نحو التجديد والإبداع، نهج يوفق بين الأصالة والمعاصرة، فنأخذ من تراثنا وثقافتنا ما يعزز هويتنا، ونتفاعل مع الآخرين بما يخدم مصالحنا ويحقق طموحاتنا.
في النهاية، الهُوِيَّة العربية ليست شيئًا جامدًا بل هي حالة من التفاعل المستمر مع تراكمات الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل. وما دمنا نؤمن بأنفسنا ونعتز بانتمائنا، فإننا قادرون على تجاوز أزمات الهُوِيَّة وبناء مستقبل عربي أفضل يواكب التقدم والازدهار البشري.


أضف تعليق