التصنيف: أديان

  • نسر العرب

    نسر العرب

    على أهل فكرة اللاعربيّة الخجل والاستحياء عند التكلّم بذمّ في العرب لإنكار الحضارة العربية.

    النسر، الذي تتغنّى به أغلب الرموز السياسيّة اليوم، على أنّه تراث روماني أو إغريقي، هو في الواقع من التراث العربي… لم يعرف التاريخ بلداً عربياً قديماً لم يتّخذ من النسر رمزاً له، قبل الإغريق وقبل الرومان، ومن عصر المورو. حتّى أنّ المدن العربية كانت تضع رمز النسر على مداخلها بديلاً عن اسم الهُوِيَّة العربية.

    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.
    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.

    الصورة هنا من القرن الأوّل، نحت نبطي لنسر يحمل البرق تحت مخالبه، كان النسر رمز شائع مرتبط بالإله العربي الأعلى دُسارة أو دوشرع (ذو الشرى)، وتركت العرب الدواسر له منحوتات على نطاق واسع في مقابر الحجر في البتراء بصفة مصدر للحماية الإلهية ضدّ اللصوص وتجده في كلّ مكان إن جلت حوران أو الأرْدُنّ أو فلسطين أو السُّعُودية، وكذلك في العديد من المدن المهجورة في الجزيرة العربية.

    وذو الشرى هو ابن عشتار، استمرّت عبادته عند بعض العرب من العهد السومري حتّى العهد المسيحي، وبأسماء مختلفة. وفي آخر عهوده العربية عُرف عبدته باسم الدوسريّين، وكان منهم والد الإمبراطور الروماني فيليپ العرب. حتّى يكاد علم الآثار أن يقول أنّ الديانة المسيحيّة التي حاول فيليپ تحويل روما إليها هي في الواقع ديانة ذو الشرى نفسها.

    {ذو الشرى} 𐢇𐢎𐢕𐢏𐢄𐢇 هو اسمه المعيني اليماني، أمّا اسمه النبطي فكان {دوشرع} 𐢅𐢈𐢝𐢛𐢀، وفي بعض اللّهجات اليمانية كذلك {ذو سراة} و {دوسرات} ومنه اسم جبال السرات والسروات الممتدّة اليوم في المملكة السُّعُودية واليمن، وعلى أعلى قممها تتربّع مدينة المحجّ القديمة لذو الشرى: مدينة القليس؛ صنعاء.

    اسمه السومري هو {شره} 𒀭𒁈 (شرع، ساره) وهو ابن {إننّة} العذراء؛ التي عُرفت ومنذ العصر البابلي باسم عشتار، بتشكيلاته المختلفة. وكان شره هو القمح وهو الشعير وهو واهب الخير والحبوب، ومن جسده أكلت الناس خبزاً كافياً كلّ يوم (خبز الشعير) ومن دمه شربت الناس خمراً شافياً كلّ يوم (البيرة ولاحقاً نبيذ العنب).

    قدّست العرب النسر والطير منذ العهد الموري الأوّل، عهد المورو (الأمو، الأموريّين) الذين كانوا إذا مات منهم أحد، رفعوا جسده إلى أعلى قمم الجبال لتأكلها النسور، وظنّوا هكذا أنّ الخالق يستعيد الجسد المَيِّت فترفعه إليه النسور. وعليه عدّوا أن النسر المحلّق هو عين اللّه ترقب الناس من العُلا، فهو الرقيب من يخبر اللّه عن العصاة كي ينولوا العقاب. وهو العتيد من يحمل البرق كي يضرب به المفسدين في الأرض. وهو الرسول من يحمل شرع اللّه إلى أهل الأرض فتنتظم حياتهم.

    يعود استعمال النسر كرمز سياسي بين العرب إلى أكثر من خمس آلاف سنة، طالمَا أنّه كان بالأساس رمزاً دينياً وإلى زمن يعود عمقاً إلى ثماني آلاف سنة على الأقل.

    كامل التدوينة مع المراجع على مدوّنة البخاري من هنا

  • جذور المعتقدات العربية القديمة

    جذور المعتقدات العربية القديمة

    لا أقدر على السخرية من معتقدات أسلافنا العرب، وأديانهم التي قدّست السمك والأفاعي والثيران والوعول والأيائل والنسور والذئاب والبوم وغيرها من الحيوانات. ولا أغفر لأهل العربفوبيا واللاعربية سخريتهم من أسلافي العرب.

    حين درست فلسفة تلك المعتقدات القديمة وجدت أنها بدأت بمفهوم شكر المخلوق امتناناً للتضحية بجسده غذاء حياة الإنسان. فصارت الناس تصلّي للحيوان بعد صيده امتناناً وشكراً له لمعروفه.

    ثمّ صارت الناس تشكر الخالق على توفير هذه المخلوقات زاداً للحياة، وتعبّر عن شكرها هذا بواسطة أكل واحترام أكل هذه المخلوقات، والاحتفال بمواسم خاصّة للتعبير عن هذا الشكر.

    مثلاً، العربي القديم ومن حسن الأخلاق فيه، شعر بالامتنان للسمكة التي صادها وأكلها، فقد ماتت لتمنحه وأولاده حياتها كي يستمروا. فصار يحترم تقدمة هذه السمكة ويضع معروفها على رأسه.

    ثمّ ذهب إدراكه أن لا بدّ للسمكة من خالق يوفّر وجودها ويكرّسها لحياة الإنسان، فصار يجلّ ويحترم هذا الخالق ويتعبّد امتناناً لمعروفه.

    هذا العربي قديماً لم يعبد السمكة، فهو يقتلها ويأكلها يوميّاً. إنما شكرها امتناناً لفضلها على حياته. وصار يعقد الاحتفالات الدينية لشكر السمك وخالق السمك، وليس للتعبّد للسمك.

    فهذا العربيّ قديماً ما شعر بالاستعلاء على مخلوقات الأرض، إنما رأى نفسه معها سواء، فخجل أمام تضحية السمكة، وشكرها باحترامها.

    وكعادة الأديان في كلّ عصر، انحرف بعض أتباعها لاحقاً عن المفهوم الأول، وصاروا يتعبّدون للسمك ويحرّمون أكله، تكرار للاحترام القديم؛ دون فهم لفحوى العقيدة الأولى.

    المعتقدات العربيّة القديمة بدأت كلّها على أساس الامتنان وشكر المعروف، قبل الغرق في فلسفة الخطايا ودفع العقوبات. وهذه أخلاق عالية تُحترم. ولو خالفت معتقداتنا المعاصرة.

  • حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    لمّا أخذ القشتاليّون إشبيلية عدّوا أنفسهم يحرّرون “بلادهم” من الحكم المغربي، بناء على الدعاية التي نشرتها البابويّة الرومانيّة، التي أطلقت صفة {حرب الاسترداد} على حروب الإبادة الجماعيّة لغير الكاثوليك في إبيريا. المسألة بالنسبة لهم ما كانت تحرير إبيريا من المسلمين، إنّما كانت بشكل أكثر خصوصيّة، تحرير الأندلس من المغاربة. لأنّ الأندلس وحتّى ذلك التاريخ كانت تحت سلطة دولة تعصمها مدينة مراكش في المغرب الموحّديّة.

    أي أنّ القشتالي لم ينظر إلى غير الكاثوليكي على أنّه مواطن أندلسي، إنّما غسلت الپروپاگندا الرومانيّة دماغه حتّى اقتنع أن اليهوديّ والمسلم والأريوسي والكاثاري (وغيرهم) مستوطن من بقايا الاحتلال المغربي، وعليه الرحيل إلى المغرب. أي أنّ الفترة السابقة لحكم المغاربة للأندلس كانت ممسوحة تماماً من ذاكرة القشتالي لا يوجد فيها غير أساطير مذابح المغاربة في حقّ الكاثوليك.

    كانت إشبيلية في القرن 13 أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصوناً، وأكثرها سكاناً، ومركزاً لحكومة دولة مراكش الموحّديّة في الأندلس. وتوالت عليها حكومات متعدّدة؛ فتارّة تحت طاعة الموحّدين، وتارة أخرى تخلع طاعتهم، إلى أن ألقت بمقاليدها عن رضى واختيار إلى دولة قشتالة المسيحيّة، بسقوط دولة الموحّدين في المغرب ونشوء دولة المرينيّين سنة 1244.

    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius
    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius

    سنة 1244 ولحماية استقلاله عن المرينيّين، قام حاكم إشبيلية {يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبى بكر} المعروف باسم {أبو عمرو بن الجد} بتوقيع معاهدة مع قشتالة تنصّ على أن تكون مملكة إشبيلية (أي مملكة الأندلس) تابعة لمملكة قشتالة، وأن يحضر اجتماعات البلاط القشتالي لأنّه أصبح أحد ملوك المملكة القشتالية، وأن يؤدّي الجزية لملك قشتالة، وأن يقدّم له العون متى طلب إليه ذلك.

    ثمّ استجلب {بن الجد} حرّاساً حفصيّين من تونس لحماية عرشه واستبداده بالحكم، وكان الحفصيّون قد تعاهدوا مع القشتاليّين كذلك. فثار الناس على {أبو عمرو بن الجد} بعد سنتين وخلعوه وأعلنوا بطلان المعاهدة، ما أغضب الملك القشتالي {فرناندو الثالث} فأمر قوّات غرناطة وقرطبة النصريّة بالزحف واستعادة السلطة في إشبيلية، ونجحت تلك القوّات بعد حصار سنة ونصف وأخضعت إشبيلية للعرش القشتالي، ونفي مسلميها ويهودها إلى غرناطة.

    بعد دخول قوّات ملك قشتالة {فرناندو الثالث} إشبيلية نهاية سنة 1248، وكانت قوّات مسلمة بالمناسبة بقيادة حاكم غرناطة {الغالب بالله محمد بن يُوسُف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر}، دخلت مملكة إشبيلية الحماية القشتالية وتغيّرت فيها السلطة إلى أيدي المسيحيّين ولو أنّ الحكومة بقيت مشتركة مسيحية-مسلمة حتّى القرن 15 وعهد طرد المورسكيّين. وبقيت الدولة على حالها ستّ قرون إلى أن قامت إسپانيا بحلّ مملكة إشبيلية سنة 1833 وبدأ من بعدها عهد الإفقار والقمع القومي.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {مملكة إشبيلية وبذور نهضة المجتمع غرب الأوروپي} من هنا

  • مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    English edition here

    في العصور القديمة، كان اسم مدينة إيميسا (الآن تعرف باسم حمص في سوريا) مرتبطاً بإلهة أو إله الشمس يدعى “مي”. كانت هذه الإلهة معروفة بأنها إلهة حامية لإيميسا، وكانت تعتبر تجسيداً للشمس.

    وفقاً للمصادر القديمة، كانت “مي” إلهة عربية محلية تُعبد بشكل رئيس في مدينة إيميسا والمنطقة المحيطة بها. وكانت غالباً ما تصوَّر على أنها شخصية أنثوية لها سمات شمسية، مثل تاج من الأشعة أو قرص يمثل الشمس. وفي بعض المجتمعات، كانت “مي” مرتبطة أيضاً بالقمر باسم “مه” وكانت تُعبد كإلهة قمرية أيضاً في ماده (القمريّة) في عراق عجم.

    كانت “مي” إلهة مهمة في الحياة الدينية لإيميسا، وكانت عبادتها مرتبطة بشكل وثيق بالهوية السياسية والاجتماعية للمدينة. وكان يعتقد أنها تحمي المدينة وسكانها، وكان يدعم عبادتها شبكة من الكهنة والكاهنات الذين يؤدون شعائرًا وتضحياتٍ في شرفها.

    مع مرور الوقت، انتشرت عبادة “مي” خارج إيميسا إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية الرومانية، وكانت في بعض الأحيان تُجسّد كإلهة إيزيس أو الإلهة الإغريقية آرتيميس. ومع ذلك، كانت ارتباطاتها الأساسية دائماً بالشمس والتقاليد المحلية لإيميسا.

    وكان يكتب اسم إلهة الشمس “مي” بالعديد من اللّغات القديمة حسب الفترة الزمنية والسياق الثقافي. وفيما يلي بعض الأمثلة:

    1. الآرامية: كان اللّغة المُتحدّثة في إيميسا خلال عصر إلهة “مي” الآرامية، وكان اسم الإلهة في هذه اللغة سيكتب كما يلي: ما أو مء “מא” (ميم-أليف)، وهي كلمة آرامية تعني “الماء”. ويمكن مقارنة ذلك باللغة العربية “مَيّه” و “ماي” و “ماء”.

    2. الإغريقية: كان غالباً ما يتم تهجئة اسم إلهة “مي” في اللغة الإغريقية على شكل “Μα” (ما)، وهي المعادلة اليونانية للآرامية “מא”.

    3. اللاتينية: كان اسم الإلهة “مي” مسجلاً أيضًا في المصادر اللاتينية، حيث كان يتم كتابته على هيئة “Maia” أو “Maja” أو “Maiestas”. وكان من المرجح أن تكون هذه الأشكال اللاتينية للاسم متأثرة بإلهة الرومانية “مايا” التي كان لها ارتباط أيضاً بالشمس.

    4. المصرية القديمة: تذكر بعض المصادر القديمة المصرية الإلهة “مي”، التي كانت معروفة أيضاً باسم “سيدة إيميسا”. وفي الصُوريّة (الهيروگليفية) المصرية، كان يتم كتابة اسمها على شكل “m3″، وهي تشكيلة صوتية للآرامية “מא”.

    يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الإملائية والنطق قد تختلف اعتمادًا على الفترة الزمنية والسياق الثقافي، وأن الإلهة “مي” قد تكون معروفة بأسماء وألقاب مختلفة في اللّغات والمناطق الأخرى.

    بإمكانك الاطّلاع على بعض المراجع التي تناولت الإلهة “مي” وتاريخ مدينة إيميسا، وهي على النحو التالي:

    • – “The Gods of Roman Syria: Divine Politics and Identity in the Eastern Mediterranean” لـ Ted Kaizer وجون دارك، الناشر: BRILL، 2009.
    • – “The Oxford Handbook of Roman Syria”، الناشر: Oxford University Press، 2011.
    • – “The Religion of the Nabataeans: A Conspectus” لـ Peter Alpass، الناشر: Brill، 2013.
    • – “Syria: A Historical and Architectural Guide” لـ Warwick Ball، الناشر: Interlink Books، 2011.
    • – “The Encyclopedia of Ancient History” لـ Roger S. Bagnall وغيره، الناشر: Wiley-Blackwell، 2012.

    هذه المراجع تشمل معلومات حول الإلهة “مي”، وتاريخ مدينة إيميسا، وتاريخ سوريا الرومانية عمومًا. يمكنك العثور على هذه الكتب في مكتبات الجامعات أو المكتبات العامة.

  • حكاية أوّل تَرْجَمَة تركيّة كاملة للقرآن الكريم

    حكاية أوّل تَرْجَمَة تركيّة كاملة للقرآن الكريم

    صانع الفكر الإسلامي الاجتماعي الأوزبكستاني المعاصر، من عرب قازاقستان، ومن رموز النضال القومي التركستاني في المهجر.

    قبل سنة 1956 لم يعرف أتراك تركستان قرآن بغير اللّغة العربيّة، وكان على مسلمي إمارة بخارى والدول المحيطة تعلّم اللّغة العربيّة إذا أرادوا قراءة القرآن. وفعلاً، كان التعليم في الطفولة يبدأ بتعلّم قراءة القرآن باللّغة العربيّة، ثمّ ينتقل الطالب إلى المدارس بتخصّصات مختلفة. وهكذا، كان يندر أن تجد في بلاد تركستان (وبالأخص أوزبكستان) شخصاً لا يفهم العربيّة، سواء أكانت لغة بيته هي التركيّة أو الفارسيّة أو غيرها. وهي حالة تشبه علاقتنا اليوم باللّغة الإنگليزيّة. لكن، مع إضفاء لمسة القدسيّة على تداول العربيّة.

    بعد أن احتلّ الروس إمارة بخارى سنة 1917 غيّروا اسمها إلى تركستان الروسيّة (تمييزاً عن تركستان الصينيّة)، ثمّ إلى تركستان السوڤيتيّة (جمهوريّة بخارى الشعبيّة السوڤيتيّة) ثمّ قسّمنها خمس دول. واجتهد البلاشفة من عهدهم الأوّل في منع تعليم اللّغة العربيّة والتضييق عليها، حتّى وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى هدم البيت الذي يُعثر فيه على كتب تعليم اللّغة أو الخطّ العربيّ. وكانت بعض القرى قد حافظت على مدارس سرّيّة لتعليم لغة القرآن في أقبية أو جدران البيوت الريفيّة. 

    وبهذا التضييق نشأت أجيال من المسلمين الأتراك بعيدة عن القرآن ونصوصه، فالمصاحف في بيوتهم باللّغة العربيّة وتعليمها ممنوع. هذا إلى جانب حرمان الجالية البخارية التركستانية في البلاد غير العربية من تعلّم اللّغة العربيّة في مدارسها، فصاروا في عزلة تراثيّة عن معتقدات آبائهم وعادات مجتمعاتهم البخاريّة.

    لحلّ هذه المشكلة قام السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} بترجمة القرآن إلى اللّغة التركستانيّة (الأوزبكيّة) وطبع النسخة الأولى منها سنة 1956 في مومباي في الهند في ستّ مجلّدات، لمصلحة الجالية البخاريّة في هذا البلد، وهرّبها إلى تركستان. وتضمّنت التَّرْجَمَةً كذلك ترجمة التفسير (الحواشي). ثمّ طبع منه نسخ إضافيّة في كراتشي وفي المدينة المنوّرة وفي جدّة وفي الدوحة وفي إسطنبول. وكان يعمل على تسريب هذه الطبعات إلى تركستان بواسطة إهدائها إلى شخصيّات دينيّة وإلى مستشرقين روس وأوزبك من جمهورية أوزبكستان الاشتراكيّة السوڤيتيّة.

    غلاف طبعة بومبي في الهند للقرآن الكريم مترجم ومحشّى باللغة التركستانية
    غلاف طبعة بومبي في الهند للقرآن الكريم مترجم ومحشّى باللغة التركستانية

    وعلى الرغم من الملاحقة الجنائيّة لتوزيع مطبوعات الطرازي في دول تركستان، لوجودها الممنوع في البلاد، غير أنّ تَرْجَمَة القرآن التي كتبها الطرازي صارت تظهر ومن بداية ثمانينيّات القرن 20 بشكل غير قانوني في أسواق الجمعة في قوقند وطشقند وسمرقند وبخارى، وخاصّة الجزء الثلاثين من القرآن. وكانت على أجزاء بسبب ارتفاع كلفة النسخة الكاملة من المصحف الشريف في العهد السوڤييتي. ثمّ سنة 1991 احتفل الأوزبك باستقلالهم عن الاتّحاد السوڤييتي بتوزيع نسخ مجّانية بالآلاف من تَرْجَمَة الطرازي للقرآن الكريم وغيرها من الكتب الإسلاميّة. ورُفع حظر التداول عنها بشكل قانوني سنة 1993 فصارت تملأ البازارات بشكل علني. (~فيليپ خُسنُتدينڤ (حسن الدين)، طالب دكتوراه في معهد البيروني للدراسات الشرقي في طشقند، أوزبكستان).

    بعد أن أتمّ تَرْجَمَة القرآن إلى التركستانية (الأوزبكيّة) ترجم العديد من الكتب الإسلاميّة العربيّة إلى التركستانية كذلك، وألّف العديد من الكتب بالتركستانيّة والفارسيّة؛ التي كان منها كتاب {حالات مسمانان ترکستان بعد از انقلاب بولشویکان 1918م} أي تركستان للتركستانيّين بعد الثورة الشيوعيّة  1918م. وكانت مجموعة منشورات تدعوا إلى الثورة على الحكم الشيوعي السوڤييتي وإسقاطه. ولهذه الغاية أقام فترة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، حين تأسّست الإدارة الدينيّة للجنة الوحدة القوميّة التركستانيّة فيها، وعيّنته المفتي الأكبر للتركستان القوميّة. ولجنة الوحدة القوميّة التركستانيّة كانت منظمة تركستانيّة (بخاريّة) تناضل لأجل تركستان موحّدة، حرّة من الاحتلال السوڤييتي، وتنادي العالم الإسلامي لدعم هذا النضال.

    قامت دار الإيمان بصناعة نسخة حديثة وقامت مكتبة الوقفية التابعة لمكتب الروضة للدعوة والإرشاد بالرياض بتصويرها، ويمكن سحبها كاملة من هنا  

    قامت دار الإيمان بصناعة نسخة حديثة وقامت مكتبة الوقفية التابعة لمكتب الروضة للدعوة والإرشاد بالرياض بتصويرها، ويمكن سحبها كاملة من هنا  

    وكان مئات الآلاف من التركستانيّين قد نزحوا عن بلادهم إلى الشرق الأوسط، ما بين سنوات 1917-1922، ونشأت منهم جاليات ملحوظة في پاكستان والهند وتركيا والحجاز وفلسطين وعموم بلاد الشام. ومن هؤلاء كان السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني}، أحد عرب تركستان، الذي نزح بداية إلى بومباي. وكان السيّد محمود الطرازي قد وُلد حوالي سنة 1895 في مدينة {أوليا آته} (عرش الأولياء) العربيّة، وهي اليوم جَنُوب قازاقستان. وتوفّى سنة 1991 في المدينة المنوّرة.

    صورة مرمّمة للسيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} التركستاني
    صورة مرمّمة للسيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} التركستاني

    ومن نسب السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} نجد في مصر الأستاذ الدكتور {نصر الله مبشّر الطرازي الحسيني} خبير المخطوطات بدار الكتب المصريّة وأستاذ اللّغات الشرقية بالجامعات المصريّة. وهو ابن الخطيب {مبشّر الطرازي الحسيني المدني} الذي أعاد طابا لمصر، ودرّس العديد من الأجيال المصريّة قبل وفاته سنة 1977. وكان قد شكّل في شبابه اتّحاد الطلبة التركستانيّين سنة 1917 في مقاومة للأنشطة الشيوعيّة في البلد. ثمّ اعتقلته موسكو وصادرت مؤلّفاته التركيّة والفارسيّة والعربيّة وسجنته لعدّة سنوات. وخرج واستمرّ في أنشطة المقاومة حتّى سنة 1949 حين انتقل للإقامة في المملكة المصريّة، بعد أن دعاه الملك فاروق، ثمّ منحه جمال عبد الناصر الجنسيّة المصريّة لكثرة أفضاله في مصر، ولم يزل أولاده إلى اليوم من مواطنيّ الجمهوريّة المصريّة، ومنهم الدكتور {نصر الله الطرازي}.

  • في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    واحدة من أهمّ الكلمات في تراث العرب. مسؤولة عن حرفين من أهمّ وأوّل أحرف لغتنا العربيّة؛ حرف الألف، وحرف التاء. وسبب لخروج كلمات طور و توراه و حكمة التاو.

    هي كلمة ثور، وبشكلها المعاصر قديمة جدّاً. فهي في البداية {ثَوْرُ} وكانت تشير إلى ذكر كل حيوان ثدي مستأنس ذو قرون. فلم يكن الثور هو ذكر البقر فقط، بل كان كذلك هو الوعل والشاة والظبي وغيرهم.

    في الآرامية كان اسمه تَورا תַּוְרָא والألف الأخيرة مائلة صوب الياء. وعنها في السريانيّة تَورا و تَوراء ܬܱ݁ܘܪܳܐ. وعن الآراميّة كذلك في الپهلويّة توور (توڤر) و تَوَر. وعنها في الفارسيّة تاول (تاڤل). وعن الآراميّة كذلك في التركيّة القارلوقية تَوَر. وفي الأرمينية تَڤَر.

    قبلها كانت في الأگّديّة شورُم 𒋗𒌑𒊒 وفي الإبلاويّة شُلُم 𒄞𒌉 وفي الأُگاريتيّة ثور 𐎘𐎗. وعنها في الكنعانيّة شور و صور و سور שׁוֹר. وفي الفنيقيّة كذلك شور و صور 𐤔𐤓.

    في السبئيّة ثور وكُتبت بشكلين 𐩻𐩥𐩧 و 𐩻𐩧 على نمط الكتابة الفنيقي. وعنها في القتبانيّة ثور 𐩻𐩥𐩧. وفي المعينيّة ثور 𐩻𐩥𐩧.

    وعليه فقد تعدّدت طرق لفظ الكلمة في العربيّة القديمة ما بين شور، شل، ثور، صور، تور.

    لمّا عبد الحثيّون وعل العرب المقدّس حداد، كتبوا اسمه في نقوشهم: تَرُ، تَور، تَورو. ومع توسّع حكم الحثيّين في الأناضول وشرق أوروپا وصلت ديانتهم؛ عربيّة الأصل، إلى تلك البلاد، ووصل عبرها لفظ تَوروس Ταῦρος إلى اللّغة الإغريقية كاسم لكوكبة الثور في أبراج السماء. واستعمل الإغريق تسمية هذا البرج على مجموعة من القبائل التركية التي كانت تعيش في مرتفعات القرم وعبدت برج الثور. وبسبب هؤلاء صار اسم الجبال نفسها بالإغريقيّة كذلك جبال تَوروس (طوروس، طور).

    عن الحثّيّة كذلك صارت الكلمة في اللاتينية تَورُس taurus عن كلمة متداولة في إيطاليا من قبل ميلاد اللّغة اللاتينيّة وقبل نشوء روما، هي كلمة تَوروس tauros التي تشير إلى الثور البرّي وإلى حيوان الأُرْخُص الذي انقرض سنة 1627، وكان الحيوان الذي استأنسه الناس قبل البقر المعاصر، ويصل طول قرنه حتّى 80 سم.

    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).
    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).

    هذه الشعوب القديمة التي عاشت في إيطاليا عبدت الثور كذلك كما العرب القدامى وكما الحثّيين، ولهذا صارت كلمة تَوروس Ταῦρος الإغريقيّة تعبّر عن إله مقدّس تماماً كمنزلة كلمة تَورا תַּוְרָא الآراميّة ومنزلة كلمة صور שׁוֹר الكنعانيّة ومنزلة كلمة ثور 𐩻𐩥𐩧 السبئيّة.

    يقابل المعبود ثور في الشرق، المعبود أپِس 𓃾 في مصر القديمة، واسمه ورمزه هو سبب وجود شكل حرف ا في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤀، وهو كذلك سبب وجود شكل حرف ت في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤕. وتنوّعت أسماءه بتنوّع رؤاه الفلسفيّة، فهو ألِپ و ألِف و أوخ و خَپِس و خيپو و خَپِى و خَپِعنخ و هِپو… وعدّ المصريّون القدامى فرس النهر من تجسيداته، ولو أنّه بغير قرنين.

    لمّا عبد الأجداد الثور أطلقوا على الحكمة والشريعة اسم تاو (طاو) ذات اسم الثور تَورا، وخرج عن هذه التسمية حرف تاو 𐤕 الفنيقي الذي انتشر في أبجديّات العالم الغربي بشكله المعاصر T. ويُعتقد أنّ اسم كتاب التَوراة תּוֹרָה يعني في الواقع كتاب جمع الحكمة والشريعة (التاو) المأخوذ عن اسم الثور المقدّس تَورا תַּוְרָא.

  • اللّهجة العربيّة الصينيّة، مجهولة الوجود في بلاد العرب!

    اللّهجة العربيّة الصينيّة، مجهولة الوجود في بلاد العرب!

    مذ وصل الإسلام إلى شرق الصين، ومذ بُني مسجد قوانگتشو هوايشينگ 广州怀圣寺 سنة 627 ومساجد الصين تطوّر خطّاً عربيّاً خاصّاً بها. واليوم يتداول أتباع مذهب گَديمو 格迪目 الإسلامي وأغلب الخوي (الهوي) في الصين ما يسمّى بالخطّ الصيني ويستعملنه لكتابة اللّهجة العربيّة الصينيّة، وهي ما يعتقدها أتباع مذهب گَديمو الإسلامي أنّها العربيّة الصحيحة. وأنّ العربيّة الفصحى الحالية ليست العربيّة الصحيحة.

    سمات اللّهجة العربيّة الصينيّة قريبة من سمات اللّهجة الشاميّة البدويّة، مثلاً: تستعمل مثل الشاميّة نون الجمع بدلاً عن ميم الجمع الساكنة، فتقول عليكن بدلاً عن عليكم، وتستعمل الواو بدلاً عن التنوين، والگاف بدلاً عن القاف، والهمزة بدلاً عن الـ التعريف، وتلفظ الألف مائلة نحو الياء. وتقول: قَيْبُلؤِ 蓋布勒 بدلاً عن قَبُول. وتقول: سَيْلِيمُ 赛俩目 بدلاً عن سَلَامُ.

    مسجد قوانگتشو هوايشينگ 广州怀圣寺
    مسجد قوانگتشو هوايشينگ 广州怀圣寺

    يتبع مسلمي گَديمو (قديمٌ) المدرسة الحنفيّة (ما قبل الصوفيّة) على المذهب السنّي. وفي مطلع القرن 20 ومع انفتاح مسلمي الصين على الأتراك المسلمين وَسَط آسيا، تحوّل جزء من الخوي الصينيّين إلى الحنفيّة الصوفيّة، النسخة التركيّة من الإسلام، وصاروا يُعرفون باسم چينجيا 新教 أي أتباع التعاليم الجديدة، الذين يمارسون الإسلام بعربيّة بغداد، ويتبعون مدارس بخارى وسمرقند الشرعيّة في أوزبكستان. ومع ضمّ تركستان الشرقية إلى الصين سنة 1948 صار إسلام چينجيا يقوم مقام الپروتستانتيّة في مقابل محافظة مسلمي گَديمو الصيني.

    خريطة شعب خُوِزُو وهو منتشر في كل أرجاء الصين تقريباً، و يتحدث اليوم اللغة الصينية الحديثة كلغة أولى إلى جانب تعلّم العربية الصينية في المساجد. وتعدادهم داخل الصين حوالي عشر ملايين نسمة.
    اسمهم بلغتهم المحلية شعب خُوِزُو وهو منتشر في كل أرجاء الصين تقريباً، و يتحدث اليوم اللغة الصينية الحديثة كلغة أولى إلى جانب تعلّم العربية الصينية في المساجد. وتعدادهم داخل الصين حوالي عشر ملايين نسمة.

    في القرن السابع أو الثامن تحول يهود الصين بأغلبهم إلى الإسلام وانضمّوا إلى قوميّة الخوي.

    مصحف صيني باللغة العربية في مدرسة من مدارس {چينگتانگ چياوهو} 经堂教育
    مصحف صيني باللغة العربية في مدرسة من مدارس {چينگتانگ چياوهو} 经堂教育

    اليوم ومنذ القرن 16 يتعلّم مسلمي گَديمو الإسلام محافظين على طريقة الأديرة الصينية القديمة، بتقاليد تسمّى {چينگتانگ چياوهو} 经堂教育 التي تعني حرفيّاً نظام {تعليم قاعة الكتب المقدّسة}، وهي 13 كتاب بالعربيّة والفارسيّة. ويكتبون اللّغة العربيّة بأحرف صينيّة، مع الإبقاء على العبارات العربيّة المقدّسة بالخطّ الصيني العربي، وهو الذي تراه في الصورة وفيها آية الكرسي مكتوبة بالخطّ الصيني العربي… هل تقدر على قراءتها؟

    آية الكرسي مخطوطة بالخطّ الصيني العربي
    آية الكرسي مخطوطة بالخطّ الصيني العربي

    في القرن 19 خرجت عن الگَديمو طائفة جديدة خالفتها في كلّ المظاهر. وهي طائفة إيخوْواني 伊赫瓦尼 (أي الإخوان) التي تمرّدت على ما سمّته باللاوجياو (أي العقيدة القديمة) الصينيّة. وصارت تبني المساجد على نمط شرق أوسطي بدلاً عن النمط الصيني، وتقوم بنشر الإسلام على الطريقة الأزهريّة المصرية بدلاً عن الصينيّة القديمة.