التصنيف: هوية

  • اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ولغتهم العربية ما كان لهم فضل على الحضارة الإنسانية منذ فجر الإسلام… فلنحك نقطة في بحر فضل اللّغة العربية على العالم.

    منذ فجر التاريخ وعبر آلاف السنين، اتّخذت العربية مكانةً مرموقةً بين لغات العالم، تاركةً بصمةً حضاريةً خالدةً عبر مسار الزمن. ومن ذلك حملها لنواة الأديان الأكثر انتشاراً في عالم اليوم. فمَا هي الثمار التي جنتها البشرية من رحلةٍ استمرّت 1400 سنة الأخيرة مع لغة الظاء؟

    تُعدّ اللّغة العربية حاملةً راية حضارةٍ عريقةٍ، غنيّةٍ بالعلوم والآداب والفلسفة. تابعها العصر الإسلامي الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث شهدت ازدهارًا في مختلف المجالات العلمية والفكرية. إليك بعض العلوم التي نشأت وتطورت باستخدام اللّغة العربية:

    أسهم الأطباء والعلماء بتطوّر كبير في الطبّ باللّغة العربية، بواسطة تأليف الكتب والموسوعات التي تعالج مختلف الأمراض وطرق العلاج. وبالعربية كُتب “القانون في الطبّ” و”الحاوي في الطبّ”، والذين كانا مرجعًا طبيًا لقرون في الشرق والغرب. وبقيت العربية لغة تدريس الطب في أوروپا مثلاً لأكثر من خمس قرون.

    وبالعربية انفصلت الكيمياء كعلم عن الخيمياء مع العلماء العرب مثل جابر بن حيان، الذي يعدّ “أبو الكيمياء”. وأدخل العلماء العرب مفاهيم مثل التقطير والتبلور والتصعيد.

    بالعربية نما علم الصيدلة كعلم منفصل عن الطب، حيث قام العلماء بتصنيف الأدوية وتحضير الوصفات الصيدلانية ووضع معايير للجودة. الزهراوي، الذي ألف كتاب “التصريف لمن عجز عن التأليف”، يعدّ من الروّاد في هذا المجال، وقد أسهم كتابه في تطور الجراحة والصيدلة. فهو أبو الصيدلية.

    بالعربية ازدهر علم الفلك في العالم، حيث قام العلماء ببناء المراصد وتطوير الأدوات الفلكية مثل الأسطرلاب. كانوا يدرسون حركة الكواكب والنجوم وألّفوا الزيجات الفلكية التي تحتوي على جداول معقّدة لحركات الأجرام السماوية. البتّاني مثلاً هو أبو علم الفلك المعاصر.

    في الرياضيات. نجد البغدادي الخوارزمي، الذي يُعدّ أحد أعظم الرياضيّين، أسهم في تأسيس الجبر والخوارزميّات، وأدخل نظام الأرقام العربية، الذي يعتمد على النظام العددي وأصبح أساس النظام العددي المستخدم اليوم في كل أرجاء العالم.

    بالعربية ألّف الجزري كتابه “كتاب في معرفة الحيل الهندسية” والذي ضمّ تصاميم لأجهزة ميكانيكية متطورة مثل الساعات المائية. وكان له فضل اختراع المحرّك المعاصر وعلبة المحرّكات (التروس) والبسطون (المكبس).

    بالعربية تأسّس علم البصريّات وعلم المناظير. ابن الهيثم البصري، مؤلف “كتاب البصريات” و”كتاب المناظر”، قدم نظريات هامة حول كيفية عمل العين وكيف يتم تشكيل الرؤية. واخترع القُمرة (الكميرا).

    ابن العوام وأبو زكريا القسطلاني كتبوا كتبًا هامة في الزراعة، تضمّنت وصفًا لطرق الزراعة، وتحسين التربة، وتقنيات الري، وتصنيف النباتات. كتاب ابن العوام “الفلاحة الأندلسية” يعتبر مرجعًا مهمًّا في هذا العلم، ويقوم عليه علم الزراعة الحديث.

    الفارابي وابن مسكويه من الفلاسفة الذين بحثوا في الأخلاق والقانون، مقدّمين أفكارًا حول العدالة والحكم الرشيد والسلوك الأخلاقي. وعلومهم التي قدّموها باللّغة العربية صارت أساساً لفلسفة الأخلاق في علوم غرب أوروپا الحديثة.

    هذه العلوم تطورت في بيئة ثقافية غنية ومتفاعلة، حيث كانت اللّغة العربية هي وسيلة تدوين المعرفة ونقلها. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذه الفترة هو ابتكار نظام التعليم النظامي لتدريس اللّغة العربية والفقه، ولم يزل هذا النظام قائماً مستخدماً في أنحاء العالم المختلفة إلى اليوم.

    اليوم تُعدّ اللّغة العربية لغةً رسميةً لأكثر من 25 دولة، ومعترف بها كلغة أقلّية في أكثر من 40 دولة غيرها، منها الولايات المتحدة الأميركية. ويتحدّثها أكثر من نصف مليار شخص حول العالم.  وتؤدّي دورًا هامًا في التواصل بين الشعوب العربية، ونشر المعرفة والثقافة. كما تُعدّ لغةً دينيةً للقرآن الكريم، ما يمنحها مكانةً مقدسةً لدى المسلمين.

    السؤال الأهم، هو طوال 1400 سنة، ماذا قدّم كارهوا اللّغة العربية اللاعربيّين منكري الحضارة العربية؟

    مراجع

    1. الرصافي، مصطفى صادق. “من تاريخ الحضارة العربية.”
    2. حسين، محمد كامل. “تاريخ الفكر الإسلامي.”
    3. رصا، رجاء نعمة. “اللغة العربية وآدابها في العصر الإسلامي.”
    4. السيد، رشدي. “فجر العلم في الحضارة الإسلامية.”
    5. رضا، محمد عبد الحليم. “العلوم عند العرب.”
    6. الخوارزمي، محمد بن موسى. “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة.”
    7. ابن النديم، محمد بن إسحاق. “الفهرست.”
    8. ابن سينا. “القانون في الطب.”
    9. جابر بن حيان. “كتاب الكيمياء.”
    10. البتاني، عبد الرحمن بن عمر. “الزيج الصابي.”
    11. ابن الهيثم، حسن بن الهيثم. “كتاب المناظر.”
    12. الجزري، بديع الزمان أبو العز. “كتاب في معرفة الحيل الهندسية.”
    13. ابن العوام، أبو زكريا يحيى. “كتاب الفلاحة الأندلسية.”
    14. ابن رشد، أبو الوليد. “تهافت التهافت.”
    15. الفارابي، أبو نصر. “آراء أهل المدينة الفاضلة.”
    16. ابن مسكويه، أحمد بن محمد. “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.”
  • نسر العرب

    نسر العرب

    على أهل فكرة اللاعربيّة الخجل والاستحياء عند التكلّم بذمّ في العرب لإنكار الحضارة العربية.

    النسر، الذي تتغنّى به أغلب الرموز السياسيّة اليوم، على أنّه تراث روماني أو إغريقي، هو في الواقع من التراث العربي… لم يعرف التاريخ بلداً عربياً قديماً لم يتّخذ من النسر رمزاً له، قبل الإغريق وقبل الرومان، ومن عصر المورو. حتّى أنّ المدن العربية كانت تضع رمز النسر على مداخلها بديلاً عن اسم الهُوِيَّة العربية.

    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.
    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.

    الصورة هنا من القرن الأوّل، نحت نبطي لنسر يحمل البرق تحت مخالبه، كان النسر رمز شائع مرتبط بالإله العربي الأعلى دُسارة أو دوشرع (ذو الشرى)، وتركت العرب الدواسر له منحوتات على نطاق واسع في مقابر الحجر في البتراء بصفة مصدر للحماية الإلهية ضدّ اللصوص وتجده في كلّ مكان إن جلت حوران أو الأرْدُنّ أو فلسطين أو السُّعُودية، وكذلك في العديد من المدن المهجورة في الجزيرة العربية.

    وذو الشرى هو ابن عشتار، استمرّت عبادته عند بعض العرب من العهد السومري حتّى العهد المسيحي، وبأسماء مختلفة. وفي آخر عهوده العربية عُرف عبدته باسم الدوسريّين، وكان منهم والد الإمبراطور الروماني فيليپ العرب. حتّى يكاد علم الآثار أن يقول أنّ الديانة المسيحيّة التي حاول فيليپ تحويل روما إليها هي في الواقع ديانة ذو الشرى نفسها.

    {ذو الشرى} 𐢇𐢎𐢕𐢏𐢄𐢇 هو اسمه المعيني اليماني، أمّا اسمه النبطي فكان {دوشرع} 𐢅𐢈𐢝𐢛𐢀، وفي بعض اللّهجات اليمانية كذلك {ذو سراة} و {دوسرات} ومنه اسم جبال السرات والسروات الممتدّة اليوم في المملكة السُّعُودية واليمن، وعلى أعلى قممها تتربّع مدينة المحجّ القديمة لذو الشرى: مدينة القليس؛ صنعاء.

    اسمه السومري هو {شره} 𒀭𒁈 (شرع، ساره) وهو ابن {إننّة} العذراء؛ التي عُرفت ومنذ العصر البابلي باسم عشتار، بتشكيلاته المختلفة. وكان شره هو القمح وهو الشعير وهو واهب الخير والحبوب، ومن جسده أكلت الناس خبزاً كافياً كلّ يوم (خبز الشعير) ومن دمه شربت الناس خمراً شافياً كلّ يوم (البيرة ولاحقاً نبيذ العنب).

    قدّست العرب النسر والطير منذ العهد الموري الأوّل، عهد المورو (الأمو، الأموريّين) الذين كانوا إذا مات منهم أحد، رفعوا جسده إلى أعلى قمم الجبال لتأكلها النسور، وظنّوا هكذا أنّ الخالق يستعيد الجسد المَيِّت فترفعه إليه النسور. وعليه عدّوا أن النسر المحلّق هو عين اللّه ترقب الناس من العُلا، فهو الرقيب من يخبر اللّه عن العصاة كي ينولوا العقاب. وهو العتيد من يحمل البرق كي يضرب به المفسدين في الأرض. وهو الرسول من يحمل شرع اللّه إلى أهل الأرض فتنتظم حياتهم.

    يعود استعمال النسر كرمز سياسي بين العرب إلى أكثر من خمس آلاف سنة، طالمَا أنّه كان بالأساس رمزاً دينياً وإلى زمن يعود عمقاً إلى ثماني آلاف سنة على الأقل.

    كامل التدوينة مع المراجع على مدوّنة البخاري من هنا

  • جذور المعتقدات العربية القديمة

    جذور المعتقدات العربية القديمة

    لا أقدر على السخرية من معتقدات أسلافنا العرب، وأديانهم التي قدّست السمك والأفاعي والثيران والوعول والأيائل والنسور والذئاب والبوم وغيرها من الحيوانات. ولا أغفر لأهل العربفوبيا واللاعربية سخريتهم من أسلافي العرب.

    حين درست فلسفة تلك المعتقدات القديمة وجدت أنها بدأت بمفهوم شكر المخلوق امتناناً للتضحية بجسده غذاء حياة الإنسان. فصارت الناس تصلّي للحيوان بعد صيده امتناناً وشكراً له لمعروفه.

    ثمّ صارت الناس تشكر الخالق على توفير هذه المخلوقات زاداً للحياة، وتعبّر عن شكرها هذا بواسطة أكل واحترام أكل هذه المخلوقات، والاحتفال بمواسم خاصّة للتعبير عن هذا الشكر.

    مثلاً، العربي القديم ومن حسن الأخلاق فيه، شعر بالامتنان للسمكة التي صادها وأكلها، فقد ماتت لتمنحه وأولاده حياتها كي يستمروا. فصار يحترم تقدمة هذه السمكة ويضع معروفها على رأسه.

    ثمّ ذهب إدراكه أن لا بدّ للسمكة من خالق يوفّر وجودها ويكرّسها لحياة الإنسان، فصار يجلّ ويحترم هذا الخالق ويتعبّد امتناناً لمعروفه.

    هذا العربي قديماً لم يعبد السمكة، فهو يقتلها ويأكلها يوميّاً. إنما شكرها امتناناً لفضلها على حياته. وصار يعقد الاحتفالات الدينية لشكر السمك وخالق السمك، وليس للتعبّد للسمك.

    فهذا العربيّ قديماً ما شعر بالاستعلاء على مخلوقات الأرض، إنما رأى نفسه معها سواء، فخجل أمام تضحية السمكة، وشكرها باحترامها.

    وكعادة الأديان في كلّ عصر، انحرف بعض أتباعها لاحقاً عن المفهوم الأول، وصاروا يتعبّدون للسمك ويحرّمون أكله، تكرار للاحترام القديم؛ دون فهم لفحوى العقيدة الأولى.

    المعتقدات العربيّة القديمة بدأت كلّها على أساس الامتنان وشكر المعروف، قبل الغرق في فلسفة الخطايا ودفع العقوبات. وهذه أخلاق عالية تُحترم. ولو خالفت معتقداتنا المعاصرة.

  • لماذا لم تنشأ الحضارة الإسلامية في السُّعُودية وقطر والإمارات كما في بلاد الروم والفرس؟ نظرة تاريخية

    لماذا لم تنشأ الحضارة الإسلامية في السُّعُودية وقطر والإمارات كما في بلاد الروم والفرس؟ نظرة تاريخية

    أمسِ تحدّتني واحدة من العربفوبيّات لأستجمع شجاعتي وأجيبها عن سؤال غريب. ومع أنّني استغرب عَلاقة الموضوع بالشجاعة، غير أنّني أحبّ تقديم إجابة. 

    كان سؤالها “ليش الحضارة الإسلامية صارت في دول الروم والفرس وما صارت في السُّعُودية وقطر والإمارات؟” وبصراحة، لم أفهم في سؤالها ماذا تقصد بدول الروم والفرس. فأهمّ مراكز الحضارة الإسلامية في عصر الإسلام الذهبي لم تكن في دول للروم أو للفرس، إنّما كانت (على ترتيب النشاط): بغداد، دمشق، القاهرة، الرقّة، قرطبة، بخارى، سمرقند، الري، مكّة المكرّمة، المدينة المنوّرة، بيت المقدس، فاس، الرباط، مُرسيّة، تونس، طرابلس (الغرب)، المُكلّا، الغيضة، عتق، شبوة، عدن، زبيد، تعز، صنعاء… والمملكة الرسوليّة بالعموم كانت دولة علماء، أطبّاء وفلكيّين، حكموا المملكة ملوكاً وعلماء، وهذه ليست للفرس ولا للروم.

    من جهة ثانية، لم أفهم تماماً سبب تحديدها “السُّعُودية وقطر والإمارات” في سؤالها. لربّما جهلها بالتاريخ يدفعها للظنّ ألّا بلاد لغير “الروم والفرس” في هذا العالم سوى هذه البلدان الثلاث. وهذا طبيعي حين تكون من بنات العربفوبيا. مع ذلك، هذه إجابة على سؤالها، دون زيادة، عسى أن ترضيها وترضي جمع العربفوبيّين واللاعربيّين كذلك.

    وأحبّ أن أذكر هنا، أنّ إقناع العربفوبيّين واللاعربيّين لا يهمّني فعلاً، فهؤلاء عقدوا العزم على كراهة العرب ومعاداة العرب وجعلوا ديدنهم نكران الحضارة العربية ونفي عروبة شعوب العرب، لمحو التاريخ العربي تمهيداً لمحو الهُوِيَّة العربية بالمطلق من هذا العالم. وهذا ما يهمّني فعلاً، يهمّني أن يحافظ أبناءنا وبناتنا في نفوسهم على هويّة عربية صحيحة وسليمة من خرافات وسموم العربفوبيّين واللاعربيّين هؤلاء.

    عربفوبي
    عربفوبي

    للأسف، التوثيق التاريخي للإنجازات العلمية في المناطق التي تشمل اليوم السُّعُودية وقطر والإمارات محدود بالمقارنة مع بعض المراكز العلمية الأخرى في العالم الإسلامي مثل بغداد، القاهرة، تعز، وقرطبة خلال العصور الذهبية. ببساطة، لأنّها لم تكن مراكز قيادات سياسية على صعيد دُوَليّ. ومع ذلك، سأحاول تقديم معلومات أكثر تحديداً حول المنجزات العلمية في هذه المناطق:

    لنبدأ مع السُّعُودية: مع أنّ معظم الإنجازات العلمية التي نسبت إلى الحضارة الإسلامية لم تكن منسوبة مباشرة إلى منطقة قلب الجزيرة العربية، إلا أن هناك بعض الجوانب التي يمكن الإشارة إليها في علم الفلك والتقويم، ففي السُّعُودية الحالية، ولا سيما في مكّة والمدينة، كان هناك اهتمام بتحديد الأوقات الدقيقة للصلاة ومواقع النجوم والأهلة، الأمر الذي كان له بالغ الأهمية في تحديد الأشهر الهجرية ومواسم الحج. لهذا نشأت أكاديميّات فلكية ذات مراصد مهمّة، درست الفلك وأخرجت فلكيّين مهمّين، كانت لهم الكلمة العلمية في عموم العالم الإسلامية.

    رسم تخيّلي رمزي للفلكيّين في الحجاز في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي رمزي للفلكيّين في الحجاز في القرون الوسطى

    منطقة قطر كان لها تاريخ طويل في الملاحة البحرية، فتطوير تقنيات الملاحة البحرية وأساليب صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ. كان القطريّون يعتمدون على المعرفة العميقة بالتيارات البحرية والنجوم للإبحار والعودة إلى سواحلهم. ويعتمد العالم على خبرائهم لتطوير هذه العلوم. بالإضافة إلى صناعة السفن، إذ أنّ تطوير تقنيات بناء السفن الخشبية التي كانت تستخدم في الإبحار والتجارة، وهذا يشمل معرفة بالهندسة البحرية وتصميم السفن. وكانت في قطر والإمارات أكاديميّات مهمّة للهندسة البحرية بقيت حتى عهد استيلاء بريطانيا على الخليج العربية في القرن ١٩. وفي القرون الوسطى كانت الساحل الغربي للخليج العربية هو المصدر الأوّل للسفن في كل بلاد العالم.

    رسم تخيّلي رمزي لصناعة السفن في قطر في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي رمزي لصناعة السفن في قطر في القرون الوسطى

    الإمارات، وخاصّة منطقة العين، كانت معروفة بنظام الري التقليدي: نظام الأفلاج: وهو نظام معقّد لتوزيع المياه يتألّف من قنوات تحت الأرض تنقل المياه من الآبار إلى المناطق الزراعية. هذا النظام يظهر معرفة متقدمة بالهيدرولوجيا وإدارة الموارد المائية. فضلاً على ذلك، يجدر الذكر أنّ البيئة الصحراوية والساحلية في الإمارات طورت معرفة خاصة في العديد من المجالات، مثل المعمار والبناء كتطوير تقنيات البناء المناسبة للظروف الصحراوية، مثل تقنيات التبريد الطبيعي واستخدام مواد البناء المحلية. وفي الزراعة والرعي كان تطوير أساليب زراعية معينة للتكيف مع البيئة القاحلة، مثل استخدام نظم الري المحورية وأساليب الزراعة الموسمية.

    رسم تخيّلي لمنطقة العين في الإمارات العربية المتحدة في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي لمنطقة العين في الإمارات العربية المتحدة في القرون الوسطى

    من الجدير بالذكر أنه في السنوات الأخيرة، تمّ الاهتمام بشكل متزايد في تلك المناطق بالحفاظ على التراث وتوثيق الإنجازات التاريخية. وقد شمل هذا إعادة بناء وصيانة الأفلاج والآثار التاريخية الأخرى، وكذلك دراسة التقاليد البحرية والصحراوية والأساليب التقليدية في الملاحة والزراعة والبناء.

    مع الرغم من أن هذه المناطق لم تكن مراكز علمية بارزة في العصور الوسطى بالمقارنة مع بعض المناطق الأخرى في العالم الإسلامي، إلا أنها كانت لها إسهامات مهمّة في مجالات مثل الملاحة البحرية وإدارة الموارد المائية والزراعة والبناء، والتي كانت تظهر التكيف مع البيئة المحلية والمعرفة العملية المتوارثة.

    بكلّ حال، يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأن العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ثم، على نهج غرب الأوروپيين، يبارزونك بدليل من خيالهم أن جزيرة العرب صحراء خالية من الحضارات القديمة.

    لو افترضنا، كما يريدون، أنّ بلاد العرب تقتصر على جزيرة العرب فقط. ولو تساهلنا وقلنا أن ّجزيرة العرب لا تشمل العراق والشام، فنحن نمسك بأرض تعاقبت عليها الحضارات منذ القِدم. حضارات تركت بصماتها الواضحة على التاريخ والتراث العربي والإنساني. مثل حضارات سبأ ومعين وحضرموت والقتبان ودلمون ومگان والأنباط والدادان وغيرهم الكثير.

    رسم تخيّلي رمزي لمعالم الحضارة العربية قبل الإسلام في منطقة جَنُوب جزيرة العرب
    رسم تخيّلي رمزي لمعالم الحضارة العربية قبل الإسلام في منطقة جَنُوب جزيرة العرب

    حضارة سبأ اشتهرت بالزراعة المتقدّمة والتجارة، واشتهرت كذلك بتقدّمها ببناء السدود، ومن أشهرها سد مأرب، الذي كان يُعد من أعظم السدود في العالم القديم.

    حضارة معين اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن واخترعت بعضها، واشتهرت كذلك بصناعة الفَخَّار المزخرف.

    حضارة حضرموت اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الأختام. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط سواحل بحر العرب جميعاً، من الهند إلى الصومال إلى جَنُوب أفريقيا.

    حضارة دلمون اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الحلي والمجوهرات. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط جَنُوب شرق آسيا بالخليج العربي.

    حضارة الأنباط ورثت حضارة دادان والپونت واشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك ببناء المدن المحفورة في الصخر. من الحجاز إلى تركيا المعاصرة.

    حضارة مگان أعظم حضارات الخليج العربي. نقلت العالم إلى العصر النحاسي، واشتهرت بصناعة المعادن والتجارة البحرية، وابتكرت العديد من أنواع السفن. وامتلكت أعظم شبكة نقل بحري في العالم القديم.

    تميزت هذه الحضارات بتقدّمها الحضاري في مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة والصناعات والعمارة والفنون. وتعدّ هذه الحضارات القديمة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وتراث شبه الجزيرة العربية، حيث ساهمت في تشكيل الهُوِيَّة العربية وإثراء الثقافة العربية.

    تتمثّل أبرز منجزات الحضارات القديمة في شبه الجزيرة العربية في ابتكارات الزراعة والتجارة والصناعة والعمارة والفنون.

    ساهمت هذه الحضارات في تطوير الزراعة في العالم، حيث طورت أساليب الري الحديثة، وتقنيّات تخزين الماء. وزرعت المحاصيل المختلفة، مثل القمح والشعير والتمر. وهي محاصيل لم يعرفها العالم قبلهم.

    كانت هذه الحضارات العربية من أهمّ مراكز التجارة في العالم القديم، حيث ربطت بين الحضارات الأخرى في آسيا وأفريقيا وأوروپا. وابتكرت أنظمة النقد الدولي ومبادئ التجارة الدولية.

    ازدهرت الصناعات المختلفة في هذه الحضارات، مثل صناعة المعادن وصناعة الفَخَّار وصناعة الحلي والمجوهرات. وابتكرت أصناف جديدة من المعادن. أهمّها النحاس والبرونز والفولاذ.

    تميّزت هذه الحضارات بعمارتها الرائعة، حيث شيّدت المعابد والقصور والمدن المحفورة في الصخر. وازدهرت الفنون المختلفة في هذه الحضارات، مثل الفنون التشكيلية والفنون الأدبية والموسيقى.

  • الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    لماذا يخجل العرب بالتصريح علناً بآثار حضارتهم العربية؟ ولماذا يستحي العربي عن القول أن هذه الآثار في بلاد العرب هي آثار أجداد العرب؟

    بينما نرى كارهي العرب وناكري الحضارة العربية، لا يستحون عن السرقة وعن القول بصوت مرتفع بأنّ آثار أجدادنا هي لأجدادهم، بل وينسبنها لخرافاتهم بكل وقاحة.

    يقول المثل: المال الداشر بيعلّم السرقة… ونحن دشّرنا آثار أجدادنا لغيرنا ليسرقها، لأننا نستحي عن القول بكل صراحة أنها آثار أجدادنا وأنها عربية، لأنّ أجدادنا، من نهر زرافشان إلى محيط الأطلس، عرب مثلنا.

    مسألة الخلط بين الهُوِيَّة العربية والحضارات القديمة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، لطالما شكلت تحدّيا كبيرا أمام فهمنا لتراثنا وهويتنا العربية. فالكثير منّا مازال يعتقد أنّ الآثار القديمة في بلاد العرب هي آثار لحضارات أخرى غير عربية، في حين الواقع أن تلك الحضارات كانت حضارات عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

    فهويّتنا العربية ليست وليدة الإسلام فحسب، بل سبقته بآلاف السنين. حيث عاش أجدادنا العرب على هذه الأرض وتركوا لنا إرثا حضاريا عظيما في مجالات عديدة. لكن الجهل بالتاريخ وعدم الثقة بالنفس وقلّة الجهود المبذولة في نشر الوعي، أدّت إلى طمس هذه الحقيقة لدى الكثيرين من شبابنا.

    علينا كعرب أن نستعيد ثقتنا من جديد من طريق تعزيز معرفتنا بتاريخنا الحضاري العريق، ونشر الوعي بأهمّية المحافظة على هويّتنا واعتزازنا بإرثنا الحضاري. يجب إدراج دراسة تاريخ الحضارة العربية بعمق في مناهجنا التعليمية، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لنتعرّف على تراثنا ونفتخر به ونستفيد من الدروس والعبر في بناء حاضرنا ومستقبلنا.

    كما يجب محاربة الجهل والأفكار الخاطئة التي تشوه صورة حضارتنا العريقة. لن يتأتّى لنا ذلك إلا من طريق نشر التعليم والثقافة والإعلام. فالاعتزاز بهويّتنا وجذورنا العربية أينما كنّا، هو السبيل لاستعادة مكانتنا الحضارية وريادتنا في مجالات العلم والمعرفة. إن شاء الله ستزدهر أمتنا من جديد.

    المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    خريطة: المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    لحضارات المشرق العربي أثر وتأثير كبير على قارّات العالم القديم طوال الـ3500 سنة الماضية، وقد تجلّى ذلك في المجالات التالية:

    • العلوم والتكنولوجيا: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الاختراعات والاكتشافات:
      • الكتابة: حيث كانت بلاد ما بين النهرين مهدًا لظهور الكتابة المسمارية، وهي أول نظام كتابة معروف في العالم.
      • الرياضيات: حيث كان البابليون بارعين في الرياضيات، وقد طوروا العديد من المفاهيم الرياضية الأساسية، مثل الجبر والهندسة.
      • الفلك: حيث كان البابليّون والمصريّون بارعين في الفلك، وقد طوروا العديد من المفاهيم الفلكية الأساسية، مثل التقويم.
      • الطب: حيث كان المصريّون بارعين في الطبّ، وقد طوّروا العديد من التقنيات الطبّية المتقدّمة، مثل الجراحة وعلاج الجروح.
    • الدين والفلسفة: كان المشرق العربي أيضاً مهداً للعديد من الأديان والفلسفات التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأديان والفلسفات:
      • اليهودية: حيث كانت اليهودية أول ديانة توحيدية في العالم، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الإله الواحد.
      • المسيحية: حيث نشأت المسيحية في المشرق العربي، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الثالوث.
      • الإسلام: حيث نشأ الإسلام في المشرق العربي، وقد ساهم في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم التوحيد.
    • الفنون والعمارة: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الأشكال الفنية والمعمارية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأشكال:
      • العمارة: حيث تميزت العمارة في المشرق العربي بأشكالها الرائعة، مثل الأهرامات المصرية والمدن البابلية.
      • الفنون التشكيلية: حيث تميزت الفنون التشكيلية في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل اللّوحات المصرية وفسيفساء الفينيقيين.
      • الموسيقى: حيث تميزت الموسيقى في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل الموسيقى العربية والموسيقى اليهودية المعاصرة.

    ومن الأمثلة على تأثير حضارات المشرق العربي على قارات العالم القديم:

    • انتشار الكتابة: انتشرت الكتابة المسمارية من بلاد ما بين النهرين إلى العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مثل الحضارة المصرية والحضارة الفينيقية.
    • التبادل التجاري: كان المشرق العربي مركزاً تجارياً مهمّاً في العالم القديم، ممّا أدّى إلى انتشار الأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة.
    • الغزوات العسكرية: شنت حضارات المشرق العربي العديد من الغزوات العسكرية على العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مما أدّى إلى انتشار ثقافاتها وتأثيراتها.

    عموماً، يمكن القول أنّ حضارات المشرق العربي كانت لها تأثير عميق وملموس على تطور الحضارات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

    برأيك، لماذا يستهدف الجميع الهويّة العربيّة؟ ويشتغلون على تزييفها؟

    تمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي شعوراً بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه، وتجعله يشعر بالارتباط بتاريخه وحضارته، ممّا يعزّز من ثقته بنفسه وشعوره بالكرامة.

    وتساعد الهويّة العربيّة الإنسان العربيّ على التواصل مع الآخرين من أبناء ثقافته، ما يسهّل عليه التعبير عن نفسه وفهم الآخرين.

    وتمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي القدرة على الإبداع والابتكار، ممّا يساهم في تقدمه وازدهار حياته.

    يجب أن يتمّ تدريس التاريخ العربي والثقافة العربية بشكل سليم في المدارس والجامعات، حتّى يتمكّن الطلّاب من التعرّف على هويّتهم وتاريخهم بشكل صحيح. ويجب أن يحرص الإعلام العربي على نقل الصورة الصحيحة عن الهويّة العربيّة والتاريخ العربي، ومقاومة أيّ محاولات لتزييف هذه الصورة. ويجب أن يتمّ دعم الفنون والثقافات العربيّة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على هويّتها وتميّزها.

    الحفاظ على الهويّة العربيّة والدفاع عن تاريخها ومقاومة تزويره، هو واجب كل إنسان عربيّ، فهو أمر لا يقل أهمّيّة عن الحفاظ على الأرض والوطن.

    العروبة في جوهرها قيم نبيلة وإنسانية سامية. العروبة هي حياة مشتركة قائمة على التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة. وهي أخلاق سمحاء مستمدّة من تعاليم تراثنا الحنيف وآدابنا الراقية.

    والعروبة شهامة وشجاعة والتصاق بالأرض والدفاع عن الحقوق. كما أنّها تحضّر ورقي في العلم والفكر وسمو في الفن والأدب. والعروبة كرم وجود وبذل من غير حدود. لذلك يجب أن نتمسّك بعروبتنا ونعتز بها، ونسعى لتطويرها نحو الأفضل دائماً.

    أكثر العلوم التي أحبّها هي الفيزياء والتاريخ… الفيزياء أرشدتني إلى طريق فهم الحياة، والتاريخ جذبني إلى علوم الجغرافيا والسوسيولوجيا والإتيمولوجيا، وأكثر بكثير من علوم الأحياء…

    تعلّمت من دراسة التاريخ أنّ الثابتة الوحيدة في أيّ معرفة هي أنّها متغيرة. حتّى أكثر اليقينيّات رسوّا تنجرف كوريقة يابسة متى أزالها كشف جديد. وهذه حقيقة برهنتها فيزياء الكم.

    لذا وصلت إلى قناعة أنّ من أساسيات الإدراك: الإنكار. وإنكار البديهيّات هو أوّل الفتوحات المعرفيّة؛ وعماد اليقين. ولو أنّ الظاهر يبدو دائماً وكأنّ إنكار البديهيّات هادم لليقين. لكنّ اليقين هشّ وضعيف جداً إذا لم تدعمه عمدانٌ جذورها الإنكار. إذ أنّ الشكّ هو طريق اليقين.

    من دون فعل الشكّ لا نحصل على معرفة. إنّما نتّجه صوب الرسوب والتخامد، ولا منفعة للحياة من الرواسب.

    ومن باب المعرفة، أعتقد أنّ أبرز النِّقَاط والموضوعات التي يجب على شباب العرب مناقشتها باستمرار، في هذه المرحلة:

    • الاعتزاز باللغة العربية وأهمّية المحافظة عليها
    • التاريخ والتراث والثقافة العربية المشتركة
    • العلاقة بين العروبة والإسلام
    • قيم الكرم والتسامح والتضامن الاجتماعي
    • الوحدة العربية والتحدّيات التي تواجهها
    • انتقادات لفكرة القومية العربية
    • الهُوِيَّة العربية في مواجهة التغريب

    ويمكن تحقيق ذلك من طريق التركيز على:

    • تأكيد أهمّية المحافظة على الهُوِيَّة والتاريخ العربي في مواجهة محاولات التشويه أو التزييف.
    • ضرورة تصحيح مسار تدريس التاريخ والثقافة العربية في المناهج التعليمية، بعيدًا عن الأفكار المغلوطة.
    • دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهُوِيَّة، ومقاومة محاولات تزييفها.
    • أهمّية دعم الثقافة والفنون العربية لتعزيز الانتماء الحضاري.
    • ضرورة غرس قيم الانتماء الوطني والدفاع عن الهُوِيَّة لدى الأجيال الجديدة.
    • التأكيد على أن الاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري لا يتنافى مع التقدم والازدهار.

    تعدّ الهُوِيَّة العربية من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكرين العرب. فالبعض يرى أن الهُوِيَّة العربية ثابتة وراسخة، في حين يرى آخرون أنها مهددة ومنقوصة. وتنبع هذه الاختلافات من وجهات نظر متباينة حول التاريخ والحضارة والثقافة العربية.

    فمن جهة، هناك من ينظر إلى الماضي العربي القديم بعين الإعجاب والتقدير، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية رائدة في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والآداب، وانتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في أصقاع الأرض. لكن من جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن هذا الماضي بالكاد يمثل الواقع الحالي للعرب، إذ تراجعت مكانتهم ودورهم الحضاري، وأصبحوا يعانون من تخلف سياسي واقتصادي وثقافي.

    وقد أدت هذه الازدواجية في نظرة العرب إلى أنفسهم وتاريخهم إلى إشكاليات كثيرة في تحديد معالم الهُوِيَّة العربية المعاصرة. فالبعض ينادي بالتمسك الحرفي بالتراث ورفض الانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين يدعو آخرون إلى الانصهار الكامل في الحداثة الغربية والتخلي عن كل ما هو عربي تقليدي.

    والحقيقة أن كلا الموقفين يفتقر إلى التوازن. فالمطلوب هو الجمع بين الاعتزاز بتراثنا وهويتنا العربية من جهة، وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى. إننا بحاجة إلى نهج وسطي متزن يراعي خصوصيتنا الحضارية مع السعي نحو التجديد والإبداع، نهج يوفق بين الأصالة والمعاصرة، فنأخذ من تراثنا وثقافتنا ما يعزز هويتنا، ونتفاعل مع الآخرين بما يخدم مصالحنا ويحقق طموحاتنا.

    في النهاية، الهُوِيَّة العربية ليست شيئًا جامدًا بل هي حالة من التفاعل المستمر مع تراكمات الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل. وما دمنا نؤمن بأنفسنا ونعتز بانتمائنا، فإننا قادرون على تجاوز أزمات الهُوِيَّة وبناء مستقبل عربي أفضل يواكب التقدم والازدهار البشري.

  • الهُوِيَّة العربية والإسلامية: تأمّلات الشباب العربي

    الهُوِيَّة العربية والإسلامية: تأمّلات الشباب العربي

    زغبتُ الأحبّة المتابعين على فيٓسبوك في استطلاع رأي دام ثلاث أيّام. وبواسطته تحقّقت من آراء شباب مجتمعنا العربي المتنوّع، باستطلاع آراء عيّنة شملت أكثر من ٣٠٠ شخص. أغلب العينة ذكور، من جيل ما بين ٢٥-٣٥ سنة، من مختلف البلاد العربية، والأغلبية الساحقة أظهرت عدم رضى عن الحدود السياسية الحالية لبلادهم.

    قدّمتُ خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين، وكان المُلفت أنّ أغلب المعلّقين تعامل مع الخارطة على أنّها تمثيل للدولة الإسلامية في عهدها الذهبي. وفي المجمل، تعكس التعليقات مجموعة متنوّعة من الردود والآراء في الخريطة، بدءًا من الاستحسان والرغبة في التغيير، إلى النقد التاريخي والجغرافي، وصولاً إلى التشكيك في الدقّة والذهاب إلى السلبية.

    خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين
    خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين

    عمومًا يمكن تلخيص الآراء كما يلي:

    1. رغبة في التغيير والوحدة: بعض المعلّقين أبدوا إعجابهم بالخريطة وقدّموا تعليقات إيجابية تّجاهها، معبّرين عن رغبتهم في رؤية تحقيق هذه الرؤية أو الخارطة، في حين أبدى آخرون رغبتهم في الوحدة.
    2. النقد التاريخي والجغرافي: العديد من التعليقات تناولت الجوانب التاريخية والجغرافية للخريطة. بعض المعلّقين ناقشوا الأماكن التي سيطر عليها العرب أو المسلمين تاريخياً. كما أشار بعضهم إلى أنّ الخريطة تفتقد لبعض المناطق التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية في فترات معينة من التاريخ.
    3. الشكوك حول الدقّة والتحقّق: بعض المعلّقين استفسروا حول دقّة الخريطة وما إذا كانت تعكس بشكل صحيح التاريخ أو الواقع الجغرافي. كانت هناك بعض الاعتراضات حول تقسيم بعض المناطق أو الدول.
    4. التعليقات السلبية: بعض المعلّقين أبدوا تعليقات سلبية حول الخريطة، معتبرين أنّها غير واقعية أو أنّها قد تسبّب المزيد من التوتّرات السياسية أو الجغرافية. ومن هؤلاء كان القوميّون الكرد والقوميّون المصريّون، والوطنيّون المتمسّكون بالأنظمة الحاكمة في بلادهم.

    وبشكل تفصيلي آخر:

    • – بعض المعلّقين أبدى إعجابه بالخريطة ووصفها بالجميلة والمنطقية وأنها تمثّل حلمهم.
    • – البعض الآخر انتقد عدم دقّة الخريطة حَسَبَ رأيهم، مثل عدم ضم سيناء لمصر أو ضم مكة والمدينة لليمن.
    • – هناك من طالب بإضافة مناطق غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا للخريطة.
    • – بعض التعليقات تحدّثت عن الخلافات التاريخية بين مناطق الشام والعراق ومن يملك أحقّيّة كل منطقة.
    • – عدّة تعليقات ذكرت أنّ المهمّ ليس مساحة الأرض بل نوع الحكم والحرّية التي يتمتّع بها الشعب.
    • – تعليقات أخرى تحدّثت عن أهمّية الوحدة الإسلامية بغض النظر عن الحدود الجغرافية.
    • – وكان هناك بعض التعليقات المعارضة تماماً لفكرة الخريطة أصلاً.

    عمومًا، نرى تباين واختلاف كبير في وجهات النظر حول هذا الموضوع الحساس. وبناءً على تحليل التعليقات، أقدّر النسب المئوية لكل فئة من فئات المعلقين كالتالي:

    نتيجة استطلاع إعادة تخطيط الحدود
    نتيجة استطلاع إعادة تخطيط الحدود
    • – المؤيدون للخريطة والفكرة: حوالي 25%
    • – المنتقدون لعدم دقة الخريطة: حوالي 15%
    • – المتحدّثون عن الخلافات التاريخية: حوالي 15%
    • – الداعون للوحدة الإسلامية: حوالي 15%
    • – المطالبون بإضافة مناطق: حوالي 10%
    • – المهتمّون بنوع الحكم أكثر من الحدود: حوالي 10%
    • – المعارضون تماماً: حوالي 10%

    في الختام، يمكن القول أنّ تباين الآراء في الخارطة المقدّمة يعكس التنوّع الكبير والتعقيد في الثقافة والهوية العربية والإسلامية. يُظهر استطلاع الرأي هذا أنّ الكثير من المتابعين لديهم أفكار وآراء مختلفة في الحدود السياسية والجغرافية، وما يمثلها تاريخياً وعلى الواقع. من الواضح أنّ هناك رغبة في التغيير وفي الوحدة بين بعض الشباب العرب، في حين يركز البعض الآخر على الجوانب التاريخية والجغرافية.

    هذا الاختلاف في الآراء يبرز التحديات التي تواجهها الفكرة العمومية للوحدة العربية أو الإسلامية، ويوضح الحاجة لمزيد من الحوار والمناقشة حول هذه القضايا. وفي ضوء هذه النتائج، يتعيّن علينا أن نعترف بأنّ الطريق نحو الوحدة والتغيير ليس سهلاً، وأنّه يتطلب تفهّماً وتقديراً أعمق لتعقيدات التاريخ والجغرافيا والهوية الثقافية. وفي النهاية، يجب أن نتذكّر دائماً أنّ الأهمّ من الحدود الجغرافية هو الحرّية والعدالة والرفاهية لجميع الشعوب، بغضّ النظر عن اسم المكان الذي يعيشون فيه.

  • في سردية الأصالة: رحلة استكشاف الذات

    في سردية الأصالة: رحلة استكشاف الذات

    إذًا، ما أنا اليوم؟

    باعتقادي الشخصي، إذا أردت قتل إنسان فعلًا، فكلّ ما عليك فعله، هو إقناعه بأنّه ليس في حاجة إلى أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة: ما أنا اليوم؟ من أنا؟ ما هي هويّتي الفرديّة؟ وما هي هويّتي التراثيّة؟ ولكي تقتله تمامًا وتمحو وجوده إلى العدم، أقنعه بأجوبة جاهزة، مسبقة الصنع، تقنعه بأنّه يعرف حتمًا أجوبة هذه التساؤلات.

    فمَا هي معاني هذه المصطلحات؟ ما هي الهويّة الفرديّة؟ وما هي الهويّة التراثيّة؟ وكيف تتشكّل بهم ذات الإنسان وهويّته؟

    لنبدأ بالهوية الفرديّة

    مفهوم الهُوِيَّة الفردية على بساطته هو مفهوم معقّد ومتعدّد الأوجه، يشمل جوانب مختلفة من مفهوم الذات لدى الشخص، والوعي الذاتي، والشعور بالتفرّد الشخصي. يتشكّل بواسطة مجموعة من العوامل، بما في ذلك التأثيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية.

    الصفات الجينيّة، الموروثة من آبائنا، تساهم في العديد من جوانب هويّتنا الفرديّة، مثل المظهر الجسدي، والمزاج، وحتّى بعض سمات الشخصيّة (الطبيعة). يلعب تركيبنا الجيني دورًا في تشكيل صفاتنا وخصائصنا الفريدة. كذلك تساهم تجاربنا الشخصيّة وأفكارنا وعواطفنا بشكل كبير في إحساسنا بالذات. تشمل الجوانب النفسيّة الرئيسة للهويّة الفرديّة احترام الذات والفعّالية الذاتية والوعي الذاتي. معتقداتنا ومواقفنا وقيمنا ودوافعنا هي أيضًا مكوّنات مهمّة لهويتنا.

    التراث والمجتمع الذي نشأنا فيه لهما تأثير عميق على تكوين هويّتنا. إذ يمكن للقيم والأعراف والتقاليد الثقافيّة تشكيل معتقداتنا وسلوكيّاتنا والطريقة التي نرى بها أنفسنا. تؤدّي أدوارنا الاجتماعية وعلاقاتنا وتفاعلاتنا بالآخرين أيضًا دورًا أساسيًا في تشكيل مفهومنا الذاتي. ويعدّ الشعور القوي والمترابط بالذات أمرًا ضروريًا للرفاهية العامّة والصحّة العقليّة. الأشخاص الذين لديهم فهم واضح لهويّتهم الفرديّة يكونون عمومًا أكثر مرونة، ولديهم آليّات تكيّف أفضل، ولديهم إحساس أكبر بالهدف والمعنى من الحياة. 

    طوال حياتنا، تخضع هويّتنا الفرديّة للتطوير والتحوّل المستمر. تتّضح هذه العملية بشكل خاص خلال مدّة المراهقة، عندما يبدأ الأفراد في استكشاف وترسيخ شعورهم بالذات. تشير نظريّات مختلفة، مثل مراحل التطوّر النفسي الاجتماعي لإرك إركسون، إلى أنّ تشكيل الهويّة هو عملية تستمرّ مدى الحياة تتضمن مواجهة التحديّات والصراعات المختلفة وحلها.

    وإرك إركسون Erik Homburger Erikson هو عالم نفس تنموي ومحلل نفسي ألماني-أميركي. عاش في القرن العشرين.

    الهويّة الفرديّة مهمّة لعدّة أسباب، لأنّها تُؤدّي دورًا محوريًا في تشكيل تجارِب حياة الشخص ورفاهيّته وقدرته على العمل بفعّالية في المجتمع. ولهذه الأهميّة عدّة جوانب منها الوعي الذاتي، آلية صنع القرارات، الصحّة النفسية، العلاقات الاجتماعية، الهُوِيَّة التراثية، الفاعلية الشخصية، وغرض الحياة ومعناها.

    الإحساس الواضح بالهوية الفردية يعزّز الوعي الذاتي، وهو الذي يمكّن الشخص من فهم أفكاره وعواطفه ونقاط قوته وضعفه بشكل أفضل. هذا الوعي الذاتي يعزّز النمو والتطور الشخصي. كما تساعد الهُوِيَّة الفردية القوية الأشخاص على اتّخاذ قرارات مستنيرة تساير قيمهم ومعتقداتهم وأهدافهم. يمكن أن يؤدّي هذا الوضوح في اتّخاذ القرار إلى مزيد من الرضا والنجاح في مختلف جوانب الحياة، مثل المهنة والعلاقات والإنجازات الشخصية.

    يساهم الشعور المتماسك والمستقرّ بالذات في تحسين الصحّة العقلية والرفاهية العامة. الأشخاص الذين لديهم فهم واضح لهويتهم الفردية يكونون عمومًا أكثر مرونة، ولديهم آليات تكيّف صحية، ويمكنهم الحفاظ على نَظْرَة إيجابية للحياة حتّى في أثناء المواقف الصعبة. كذلك تؤثر الهُوِيَّة الفردية في كيفية تفاعل الشخص مع الآخرين وتشكيل الروابط الاجتماعية. يمكّن الإحساس الواضح بالذات الناس من إنشاء حدود صحّية، والتواصل بفعالية، وبناء علاقات هادفة قائمة على التفاهم والاحترام المتبادلين.

    يساعد فهم الهُوِيَّة الفردية الإنسان في تقدير التراث الاجتماعي للفرد والتواصل معه. يعزّز هذا الارتباط الشعور بالانتماء والفخر والتقدير لتنوّع الخبرات البشرية. كما يُمكِّن الإحساس المتطوّر بالهوية الفردية الأشخاص من التحكّم في حياتهم واتّخاذ الخيارات التي تساير قيمهم وتطلّعاتهم. هذا الشعور بالقدرة الشخصية يمكن أن يؤدّي إلى زيادة الثقة بالنفس والشعور بالاستقلالية.

    وفوق كلّ هذا، يمكن للهوية الفردية القوية أن توفّر إحساسًا بالهدف والمعنى من الحياة، وتوجيه الشخص نحو وجود مُرضٍ وذو مغزى. يمكن أن يساهم هذا في زيادة الشعور بالرضا والسعادة.

    طيّب، لنتحدّث أكثر عن التراث وعلاقته بالهويّة

    يمكن للهوية التراثية أن تؤثّر بشكل كبير على هُوِيَّة الشخص الفردية وبطرق مختلفة، لأنّها توفّر سياقًا لفهم الذات والعالم. ومن هذه الطرق مثلًا القيم والمعتقدات، الأعراف والتوقّعات الاجتماعية، اللّغة، التقاليد والشعائر، نموذج القدوة والرموز التراثية، التكيّف والتكامل الثقافي، والأخلاط.

    تُعدّ اللّغة مكوّنًا أساسيًا للهوية التراثية، فهي لا تعمل بصفة وسيلة للتواصل فقط بل إنّها تحمل أيضًا المعاني والتعبيرات والمفاهيم التراثية. يمكن للّغة تشكيل عمليّات تفكير الفرد، ونظرته للعالم، والتعبير عن الذات، وعلى هذا التأثير على هويّته الفردية. 

    تُعرّف الهُوِيَّة التراثية الأفراد على مجموعة من القيم والمعتقدات ووجهات النظر التي غالبًا ما تشكّل أساس أنظمة معتقداتهم الشخصية. يمكن لهذه القيم والمعتقدات أن توجّه أفكار الأفراد وعواطفهم وأفعالهم، وتشكّل إحساسهم العام بالذات. كما أنّ لكلّ ثقافة معاييرها الاجتماعية وتوقّعاتها التي تحكم السلوك المقبول وأنماط الاتّصال والعلاقات الشخصية. يمكن أن تشكّل هذه المعايير والتوقّعات كيف يرى الأفراد أنفسهم ويتفاعلون مع الآخرين، ممّا يؤثّر على مفهومهم الذاتي وهويّتهم الاجتماعية.

    يمكن للممارسات والتقاليد والشعائر الاجتماعية أن تساهم في هُوِيَّة الفرد بواسطة تعزيز الشعور بالانتماء والاستمرارية والارتباط بتراثه الاجتماعي. المشاركة في هذه الأنشطة يمكن أن تساعد الأفراد على فهم جذورهم والقيم التي تدعم هويّتهم. كما تزوّد الهُوِيَّة الثقافية الأفراد بنماذج يحتذى بها ورموز تراثية يمكن أن تُلهم وتؤثّر في تطلّعاتهم وقيمهم وصورتهم الذاتية. يمكن أن تكون هذه “القدوات” أمثلة لما هو ممكن في سياق تراثي معيّن والمساهمة في تطوير هُوِيَّة الفرد.

    بالنسبة للأفراد الذين يعيشون في سياقات متعدّدة المرجعيّات التراثية أو يهاجرون إلى ثقافة مختلفة، يمكن لعملية التكيّف والتكامل الثقافي أن تتحدّى هويّتهم الفردية وتعيد تشكيلها. قد يواجهون تحوّلًا في قيمهم ومعتقداتهم وسلوكيّاتهم في أثناء تنقّلهم في تعقيدات بيئتهم الثقافية الجديدة. كما تتأثّر الهُوِيَّة الفردية أيضًا بتقاطع الهويّات التراثية المتعدّدة، مثل الإثنية والجنسية والدين والطبقة الاجتماعية. يمكن أن يخلق هذا التقاطع تجارِب ووجهات نظر فريدة من نوعها تساهم في إحساس الشخص بالذات.

    الهُوِيَّة التراثية، أطوار قمر!

    ويمكن أن تتغيّر الهويّات التراثية بمرور الوقت بسبب عوامل مختلفة مثل التجارِب الشخصية والسياقات الاجتماعية والسياسية والهجرة والتعرّض للثقافات المختلفة. ومن الطرق التي يمكن أن تتغيّر بها الهويات التراثية التثاقف، الاستيعاب، التطور الثقافي، النموّ الشخصي والتطوّر، التغيّرات الاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين الثقافات.

    عندما ينتقل الأفراد إلى بلد أو ثقافة جديدة، قد يمرّون بعملية التثاقف، حيث يتكيّفون مع قيم ومعتقدات وممارسات الثقافة الجديدة. يمكن أن تؤدّي هذه العملية إلى تغييرات في هويّتهم التراثية لأنّها تدمج جوانب الثقافة الجديدة في مفهومهم الذاتي. وقد يصل الأمر إلى الاستيعاب، وهو شكل متطرّف من التثاقف، حيث يتبنى الأفراد قيم ومعتقدات وممارسات ثقافة جديدة، غالبًا على حساب هويّتهم التراثية الأصلية. يمكن أن تؤدّي هذه العملية إلى تغيير كبير في الهُوِيَّة التراثية للفرد.

    من جهة ثانية، الثقافات ليست جامدة؛ إنّما هي كالكائن الحيّ، تتطوّر وتتغيّر بمرور الوقت بسبب عوامل مختلفة مثل العولمة والتقدّم التكنولوجي والتبادل بين الثقافات. مع تغيّر الثقافات، تتغيّر كذلك الهويات التراثية للأفراد الذين يشكلون جزءًا من تلك الثقافات. ومع نموّ الأفراد وتطوّرهم، قد تتغيّر قيمهم ومعتقداتهم وممارساتهم، ممّا يؤدّي إلى تحوّلات في هويّتهم الثقافية. يمكن أن تتأثّر هذه العملية بعوامل مثل التعليم والتعرّف بالأفكار الجديدة والتجارب الشخصية.

    تغييرات الثقافة في السياق الاجتماعي والسياسي، مثل التحوّلات في السياسات الحكومية أو الحركات الاجتماعية أو الأحداث التاريخية، يمكن أن تؤدّي إلى تغييرات في القيم والمعتقدات والممارسات الثقافية. يمكن لهذه التغييرات، بدورها، أن تؤثّر على الهويّات التراثية للأفراد داخل تلك الثقافة. ويمكن أن يؤدّي الانخراط في علاقات وثيقة بأشخاص من خلفيّات تراثية مختلفة إلى تغييرات في الهُوِيَّة التراثية للفرد، حيث قد يتبنّون قيمًا ومعتقدات وممارسات جديدة من شركائهم أو أصدقائهم.

    كيف أنجو في بحر من الهويّات التراثية المتلاطمة؟

    من الضروري إدراك أنّ الهويّات التراثية مرنة ويمكن أن تتطوّر بمرور الوقت، حيث يتكيّف الأفراد مع التجارِب والسياقات الجديدة. تتيح هذه المرونة للناس التنقّل في تعقيدات عالم مترابط ومتنوّع بشكل متزايد. وقد يكون التوفيق بين الهويّات التراثية المتضاربة أمرًا صعبًا، لكنّه ضروري للنموّ الشخصي والرفاهية. ومن الاستراتيجيّات التي تساعد الأفراد على التنقّل ودمج الهويات الثقافية المتعدّدة التأمّل الذاتي، التعليم وتطوير الفهم، الحِوار المفتوح، البحث عن أرضية مشتركة، تقبّل التعقيد والمرونة، إنشاء توليفة شخصية، التِماس الدعم، والاحتفال بالتنوع.

    تأمّل في ذاتك، انخرط في التفكير الذاتي لاستكشاف وفهم الجوانب المختلفة لهويّاتك التراثية. ضع في اعتبارك كيف شكّلت كلّ هويّة قيمك ومعتقداتك وخبراتك ونظرتك للعالم. فكّر في مناطق الصراع داخلك والأسباب الكامنة وراء التوترات. وتعرّف إلى تواريخ وقيم وتقاليد الثقافات المختلفة التي تتعرّف عليها. يمكن أن يساعدك تطوير فهم أعمق لكل ثقافة على اكتساب نَظْرَة ثاقبة لجذور النزاعات وتقدير الجوانب الفريدة لكلّ هُوِيَّة.

    انخرط في محادثات صريحة وصادقة مع أفراد العائلة والأصدقاء والمعارف من خلفيّات تراثية مختلفة. يمكن أن توفّر مشاركة تجاربك والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين رؤى قيّمة وتساعدك على التنقّل في هويّاتك التراثية المتضاربة. حدّد القيم والمعتقدات والخبرات المشتركة عبر الهويّات التراثية المختلفة. إذ يمكن أن يساعدك التأكيد على هذه القواسم المشتركة في بناء شعور أكثر تماسكًا وتكاملًا بالذات.

    من المهم أن تدرك أنّ هويّتك ليست ثابتة ولا جامدة ولكنّها جانب مرن ومتطوّر من ما هو أنت. احتضن تعقيد هويّاتك التراثية المتعدّدة وكن منفتحًا على التكيّف والتغيير عندما تواجه تجارِب ووجهات نظر جديدة. طوّر توليفة شخصية لهويّاتك الثقافية تتضمّن الجوانب التي تقدّرها من كلّ ثقافة. قد تتضمّن هذه العملية مزج عناصر من ثقافات مختلفة، وتبنّي بعض الجوانب ورفض البعض الآخر، أو إنشاء هُوِيَّة تراثية ثقافية جديدة وفريدة من نوعها تعكس تجاربك الفردية.

    تواصل مع الآخرين الذين يشاركونك تجارِب مماثلة للهويّات التراثية المتضاربة، سواء من طريق مجموعات الدعم أو المنتديات عبر الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية. يمكن أن توفّر مشاركة خبراتك والتعلم من الآخرين رؤى قيمة وإحساسًا بالصداقة الحميمة. احتضن تنوّع هويّاتك التراثية واعتبرها مصدر قوّة وليست مصدرًا للصراع. احتفل بوجهات النظر المختلفة والمهارات والخبرات الفريدة التي تجلبها هويّاتك التراثية المتعدّدة إلى حياتك وعلاقاتك.

    طيّب، ما أنا العربي اليوم؟

    كشخص عربي، ستتأثر هويّتك الفردية والتراثية بمجموعة متنوّعة من العوامل، بما في ذلك خلفيّتك الإقليمية والإثنية والدينية واللّغوية، فضلًا عن تجاربك الشخصية وقيمك ومعتقداتك. من الضروري الانتباه إلى أنّ الهُوِيَّة الفردية فريدة لكلّ شخص، وهي مزيج من التأثيرات المختلفة التي تجعلك ما أنت عليه. فمن أنت؟ وماذا يمكنك أن تقدّم كعربي إلى هذا العالم؟

    على صعيد الهُوِيَّة التراثية، التراث العربي غني ومتنوّع وله تاريخ طويل وتقاليد عريقة. قد تتضمّن بعض جوانب هويتك التراثية بصفة شخص عربي اللّغة، والدين، والقيم، والتقاليد والعادات، والتاريخ.

    اللّغة العربية بلهجاتها المختلفة وجه موحّد للتراث العربي. وهي ليست وسيلة تواصل فحسب، بل هي أيضًا وسيلة للتعبير عن القيم التراثية والمعتقدات والشعر والأدب. وإلى جانب اللّغة فإنّ الإسلام هو الدين السائد في العالم العربي، ويؤثّر على العديد من جوانب التراث العربي، بما في ذلك القيم والتقاليد والممارسات المشتركة. ومع ذلك، من المهمّ أن نعترف بوجود مسيحيّين ويهود عرب، هذه الأديان العربية القديمة، بالإضافة إلى أفراد من ديانات أخرى أو لا دين لهم، ممّا يساهم في تنوع الثقافة العربية.

    غالبًا ما يركّز التراث العربي بشدّة على قيم مثل الأسرة والضيافة والكرامة والاحترام. يمكن أن تشكّل هذه القيم نظرتك للعالم وعلاقاتك وسلوكك. ويشتهر التراث العربي بتقاليده وعاداته الثرية كالفن والموسيقى والرقص والمطبخ والاحتفالات. قد تلعب هذه الجوانب من التراث دورًا في هويّتك الشخصية وتوفّر إحساسًا بالارتباط بتراثك.

    للعالم العربي تاريخ طويل ومعقّد، بما في ذلك المساهمات في العلوم والرياضيّات والأدب والفلسفة. يمكن أن يثري فهم تاريخك التراثي هويّتك ويوفّر لك الشعور بالفخر والانتماء. 

    على صعيد الهُوِيَّة الفردية، ستتشكّل هويّتك الفردية بواسطة مزيج من خلفيّتك التراثية وتجاربك الشخصية وقيمك ومعتقداتك وتطلّعاتك. سيحدّد هذا المزيج الفريد من العوامل شعورك بالذات ونظرتك إلى الحياة.

    فبصفتك شخصًا عربيًا، يمكنك أن تقدّم للعالم منظورًا فريدًا يعتمد على تراثك الثقافي وتجاربك الشخصية. ويمكن أن تشمل هذه المساهمات على تعزيز التبادل الثقافي، ومدّ الجسور، والتعبير الإبداعي، والإنجازات الأكاديمية والمهنية، والمشاركة الاجتماعية والسياسية.

    من طريق مشاركة تراثك وتقاليدك وخبراتك مع الآخرين، يمكنك تعزيز فهم وتقدير أكبر لتنوّع الخبرات البشرية. وبصفتك شخصًا يتمتّع بخلفية تراثية فريدة، يمكنك تأدية دور في سدّ الفجوات بين المجموعات الثقافية المختلفة وتعزيز الحِوار والتفاهم والتعاون. 

    للثقافة العربية تراث غني في الفن والموسيقى والأدب والشعر. بواسطة الانخراط في التعبير الإبداعي، يمكنك المساهمة في النسيج الثقافي العالمي وتعزيز فهم وتقدير الثقافة العربية. ويمكن لوجهة نظرك وخبراتك الفريدة أن تساهم في التقدّم في مختلف المجالات، مثل العلوم والتكنولوجيا والتعليم والفنون.

    ومن طريق المشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية أو الانخراط في خدمة المجتمع، يمكنك المساعدة في مواجهة التحدّيات العالمية الملحّة والمساهمة في التغيير الإيجابي. وهناك طرق عدّة للانخراط في التعبير الإبداعي والمساهمة في النسيج الثقافي العالمي. منها مثلًا الفنون البصرية، والتأليف، والموسيقى، والرقص، والمسرح وفنّ الأداء، وصناعة الأفلام، وفنون الطهي، والحِرف والتصميم، والمشروعات الفنية المجتمعية، والتدريس والإرشاد.

    الرسم والخطّ والنحت والتصوير والفن الرقمي كلّها أشكال من التعبير البصري. يمكنك إنشاء عمل فني يظهر تراثك الثقافي أو تجاربك الشخصية أو منظورك الفريد ومشاركتها في المعارض أو المنصّات عبر الإنترنت أو الأنشطة الفنية المحلية. ويُعدّ التأليف وسيلة قوية للتعبير عن الذات ويمكن أن يتّخذ أشكالًا عدّة، مثل الشِعر أو القصص القصيرة أو الروايات أو المقالات أو التدوينات. اكتب عن مواضيع ذات مغزى بالنسبة لك، واستكشف خلفيتك التراثية، أو شارك الخبرات الشخصية للتواصل مع القرّاء وتعزيز التفاهم.

    ألّف أو أدّ أو أنتج موسيقى مستوحاة من تراثك الثقافي أو تجاربك الشخصية. يمكنك التعاون مع موسيقيّين آخرين من خلفيّات متنوّعة لإنشاء موسيقى مدمجة أو تجرِبة أنواع وأنماط مختلفة. والرقص لغة عالميّة تتجاوز الحدود الثقافية. تعلّم الرقصات التقليدية من عاداتك العربية، أو صمّم رقصاتك التي تعكس هويّتك الفريدة. واعرضها في الأنشطة الثقافية أو التجمّعات المجتمعية أو شارك عروضك على الإنترنت.

    شارك في أو أنشئ إنتاجًا مسرحيًا أو عروض كلمات منطوقة أو فنون أداء تستكشف موضوعات تتعلّق بتراثك العربي مع تجاربك الشخصية والقضايا المعاصرة. هذه طريقة ممتازة للتواصل مع مختلف الجماهير وتعزيز الحِوار. واصنع أفلامًا قصيرة أو وثائقية أو أفلامًا روائية تسرد قصصًا مستوحاة من تراثك العربي مع تجاربك ووجهات نظرك الفريدة. شارك عملك بواسطة مهرجانات الأفلام أو المنصّات عبر الإنترنت أو عروض المجتمع.

    يعدّ الطعام جانبًا أساسيًا من التراث وطريقة قوية للجمع بين الناس. شارك تراثك العربي في الطهي عن طريق طهي أطباق تقليدية، أو ابتكار أطباق مُدمجة بثقافات مختلفة، أو شارك بتعليم دروس طبخ عربي من مطبخك التراثي. 

    انخرط في الحِرف التقليدية أو المعاصرة، مثل الفخّار أو النسيج أو التطريز أو تصميم الأزياء، والتي تعكس ثقافتك العربية وإبداعك الشخصي. وتعاون مع الآخرين في مجتمعك لإنشاء تطبيقات فنّية عامة أو جداريات أو حدائق مجتمعية تحتفي بالتنوع وتعزز التبادل الثقافي. وشارك مهاراتك الإبداعية ومعارفك مع الآخرين من طريق تقديم ورشات أو دروس أو برامج إرشادية. هذه طريقة رائعة لتمكين الآخرين من استكشاف إبداعاتهم والمساهمة في النسيج الثقافي.

    أهميّة هذا الموضوع لا تقتصر على تقديم التراث العربي لأهل الثقافات المختلفة، بل إنّ مشاركة أبناء مجتمعك العربية على القيام بهذه الأنشطة يعزّر الهُوِيَّة التراثية ويدعم إحساسك بهويّتك الفردية. والهويّة الفردية والتراثية، عند الفرد العربي، أهمّ وأعلى درجة من أهميّة تعريف العالم بالتراث العربي.

    وأختم باقتباس…

    ~ عالم النفس الاجتماعي الأميركي ديڤد مايرز David G. Myers

    مراجع ومواد للتوسّع

    • الهُوِيَّة والعصر الحرج، إريك إريكسون. (1968).
    • أنا، يهوداه هاريس. (2014). يتناول مفهوم الذات وتشكيل الهُوِيَّة.
    • نظرية الهُوِيَّة: التطوّر النفسي والاجتماعي والثقافيّ، روبرت بروسفيلد وهوارد فاينبرگ. (2010).
    • قصة العرب: من قبل ظهور الإسلام إلى العصر الحاضر، جون بارتليت. (2013).
    • الثقافة المادية والتراث الثقافي، توني بنت. (2015).
    • ذاتية الذات والمجتمع، جورج هربرت ميد. منشورات الجامعة الأمريكية في القاهرة. (2000).
  • أطياف البَشَرَة العربيّة

    أطياف البَشَرَة العربيّة

    قد يكون أكثر ما يشغل أذهان العروبيّين أو القوميّين العرب هو لون البَشَرَة، وتقييم عروبة الناس بناء عليها. هذا يظنّ أنّ العرب في الأصل كذا، وآخر يعاكسه بظنّ مختلف تماماً. وبغضّ النظر عن عنصريّة فكرة تقييم الهويّات والجذور بناء على “اللاحة” و “الهيئة” المتمثّلة بلون البَشَرَة. فأحبّ هنا مناقشة تراث بعض أهمّ أقطاب العرب، طوال القرون العشرين الماضية، وكيف أنّ من شعراء ما قبل الإسلام من العرب من مدح شدّة بياض المرأة العربيّة، ومنهم من مدح سُمرتها! وهذا ردّ بسيط على من يبغبغ، بلا وعي ولا فهم، أنّ العرب كانوا بلون كذا… ثمّ دخلت فيهم الألوان المختلفة.

    يقول بعض العرب في لون بشرتهم أنّها خضراء أو خمريّة، وهي تسمية تختلف بمعناها ما بين لهجات العرب المختلفة. وما يجهله أغلب عرب اليوم، بفضل تفاهة الإعلام المعاصر، أنّ التصنيف العلمي للبشرة الخضراء يعطيها درجات، هي في الواقع تمثيل لطيف ألوان بَشَرَة أغلب العرب. من اللّون الحنطي المصفر إلى اللّون البنّي الداكن شديد الدكن، كلّها في الحقيقة مجرّد درجات لذات اللّون، المعروف في اليمن باسم الخمري، والمشهور في علم الإنسان باللّون الزيتوني.

    البَشَرَة الزيتونيّة هي في الواقع بَشَرَة تتأثّر بظروف مختلفة، أهمّها UV الشمس وتتغيّر درجاتها ما بين البنّي المحمرّ والأخضر والذهبي والبنّي الفاتح والمعتدل وحتّى الأصفر… وهذا الأخير هو أصفر تَغْلِبُ الذي وصفه شعراء العصور القديمة، لون عاجيّ أبيض مائل إلى الصفرة.

    إذاً، جميعها: ما يسمّى بالأبيض بين العرب، وما يسمّى بالبنّي الداكن والأسمر… كلّها طيف لنفس البَشَرَة، نفس الجلدة، نفس الجينات، وقد ينجب البنّي حنطيّ وبالعكس. وفق لظروف البيئة من ضوء ومأكل وغيرها. فأصحاب البَشَرَة الزيتونيّة معروفين بشحوب ألوانهم إذا قلّ تعرّضهم لأشعة الشمس لفترات طويلة، أو إذا تغيّرت درجة الـUV، كما أصابني في برلين. وكذلك تتميّز البَشَرَة الزيتونيّة، مهما كانت فاتحة، بقدرتها السريعة على اكتساب السُمرة. فأصلها داكن، وتعود إليه أسرع من غيرها. مع ذلك، تحتفظ بدرجات من اللّون الأصفر أو الأخضر الواضح. (حسب مسمّيات لهجات العربيّة).

    ويتشارك العرب من أصحاب البَشَرَة الزيتونية لونهم هذا وسمات بشرتهم البيولوجيّة مع أغلب سكّان منطقة البحر الأبيض المتوسّط وآسيا وأميركا اللاتينيّة، وبعض الهند وبعض أفريقيا. فقد تجد من يحمل بَشَرَة زيتونيّة بين العرب والإغريق والإيطاليين والصينيّين، وهي أكثر الشعوب تميّزاً بهذه البَشَرَة.

    ألوان البَشَرَة الأكثر شيوعاً بين العرب، أطياف البَشَرَة الزيتونية الخضراء الخمرية، وكلّها أسماء لنفس الجلدة
    ألوان البَشَرَة الأكثر شيوعاً بين العرب، أطياف البَشَرَة الزيتونية الخضراء الخمرية، وكلّها أسماء لنفس الجلدة

    وفي الصورة هنا، تدرّجات طيف البَشَرَة الزيتونيّة، الخضراء الخمريّة، الأكثر شيوعاً بين البشر من حملة البَشَرَة الزيتونيّة. ولو وقعت على عرب بهذه الألوان فهم عرب، وألوانهم متغيّرة ليس بسبب نسب مغولي أو تركي أو أفريقي… هم عرب، ذوي بَشَرَة زيتونيّة، تغيّرت درجة اللّون فيهم، لكنّ لون الجلد واحد.

    فلا تكن عنصريّاً على بني جلدتك… “جلدتك”.

    وصف اُمْرُؤُ القَيْس حُنْدُجُ بْنُ حُجْرُ بْنُ الحَارِثِ الكِنْدِي نظرته إلى الجمال الأنثوي فقال أجملهنّ امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية، وصدرها برّاق اللون متلألئ الصفاءة كتلألؤ المرآة وجيدها جيد الرئم، وعيونها عيون المها، واللون المحبب هو اللون الأبيض المشوب بصفرة تشبه بيض النعام، وأمّا القامة فإنّها لا يشتكى قصر منها ولا طول، معتدلة في طولها… وامرؤ القيس شاعر وزعيم أخواله من تغلب وبكر من الجزيرة حيث عاش في القرن الأول قبل الهجرة.

    لكن، يبدو أن ذوق تغلب تغيّر بعد ثلاث عقود فقط! فالمرأة من وجهة نظر أبُو الأَسْوَدِ عَمْرُو بْنُ كَلْثُوْمٍ التَّغْلِبِي هي امرأة سمينة بذراعين ممتلئتين، وثدي مثل حُق العاج بياضا واستدارة، وقامتها لينة طويلة تتثنى وأردافها ثقيلة تتناغم مع تلك القامة بجمال آسر، يأخذ بالألباب، وأما الأوراك فضخمة ممتلئة لحما، يدل على دلالها، وساقين كأسطوانتين من رخام أبيض أو عاج.

    يتّفق ذوق تغلب في كلا القرنين الثاني والأول قبل الهجرة على البياض العاجي المشوب بصُفرة، وهو فعلاً صنف بياض أهل الجزيرة وأهل امتدادها الغربي غرب الفرات حتى اليوم… غير أنّ الحسناء في وصف امرؤ القيس نحيلة أقصر ودقيقة الخصر طويلة الرقبة النحيلة، أمّا في وصف عمرو بن كلثوم فإنها ممتلئة طويلة عظيمة الأرداف والأوراك والصدر.

    إذا كانت تغلب وبكر لم تتّفق على صفات الجمال الأنثوي العربي، فهل نتّفق عنهم اليوم؟

    الأبيض العاجي المشوب بصفرة، بياض بَشَرَة تغلب
    الأبيض العاجي المشوب بصفرة، بياض بَشَرَة تغلب

    وبينما يسهل التقاط وصوف الشكل والجمال في قصائد شعراء عرب منطقة الجزيرة القدامى شمال شبه الجزيرة العربية، يصعب ذلك في الموروث من قصائد شعراء عرب جَنُوب شبه الجزيرة العربية، اليمانية. فالعرب اليمانيّة أكثروا من مدح السلوك والتصرّفات والعادات والملابس والحركات، وركّزوا على الآداب قبل أيّ شيء آخر. مع الإقلال من وصف الأشكال. مقارنة بعرب الجزيرة القيسيّة.

    لكن، ممّ جمعته حتّى اليوم يمكنني القول أنّ الشكل الأنثوي الممدوح لم يتغيّر عند اليمانيّة ولا في اليمن طوال أكثر من عشرين قرن. فالممدوحة اليوم هي ذاتها الممدوحة أمس، وتكون سمراء خمريّة، بخدود زهريّة متورّدة، وأجفان ذابلة، وشفاه مكنوزة، دقيقة الخصر، ضامرة البطن، ضخمة الأرداف، سمينة الأوراك.

    كما أنّ الشعر اليمنيّ القديم مدح استدارة وجه المرأة، تشبيها لها بالقمر البدر… وما كان القصد التشبيه بلون بياض القمر، إذ كان هذا من ألوان العزاء والموت عند القدامى من العرب اليمانية، ومذموم في صفات الشكل وما عدّه الناس من صفات الجمال. لكن، استدارة الوجه كانت هي المقصد المطلوب المرغوب، تزيّنه الأعين الواسعة البلقاء (الحوراء) التي يتمايز فيها بياضها الشديد عن سوادها الداكن.

    أمّا في صفة الخمريّة، وهي أكثر الصفات جذباً عند اليمانية، وهم في الأصل أكثر من ربط خمرة مُزر الأعناب بكلّ تفاصيل حياتهم. فقد طرحت السؤال في مجموعة معجم اللّهجات العربية وتبيّن من الإجابات أنّ صفة الخمريّة تحمل أربع معاني مختلفة جدّاً ما بين أقطار بلاد العرب. ففي الجزيرة الخمريّة هي الورديّة، المرأة البيضاء ذات الأطراف الزهريّة وبياضها تشوبه صُفرة. وفي مصر والسودان هي السمراء المائلة بلونها إلى لون القمح الذهبي في موسم الحصاد. أمّا في بلاد المغرب العربي فالخمريّة هي ذات اللّون القمحي كذلك، لكن أظنّها الحنطيّة (بتعاريف الشام) التي تحمرّ خدودها بسهولة ووضوح، وهذه تبدو كأنّها مرشوشة بالذهب تحت سطعة أشعّة الشمس. ولونها فاتح؛ أوّل درجات السُمرة بعد البيضاء مباشرة.

    أمّا في اليمن، فالخمريّة هي التي بلون أسمر بنّي محمرّ، سُمرتها أكثر من حنطيّة، وأقل من سمراء. ونرى هذا اللّون ذو انتشار واسع على سواحل المتوسط كلّها، وحول البحر الأحمر كلّه، باختلاف تسمياته. وهو في الواقع لون بَشَرَة الحِميريّين وسبب تسميتهم. لأنّ وجناتهم تبدو تحت سطعة الشمس حمراء لاهبة.

    الحنطي-الأسمر البنّي المحمر، خُمرة بَشَرَة حِمير
    الحنطي-الأسمر البنّي المحمر، خُمرة بَشَرَة حِمير

    هذا اللّون هو النسخة الداكنة من لون البَشَرَة الحِميَري المسمّى في اليمن بالخمري. وكما أسلفت أمس، يختلف خمري اليمن عن خمري باقي العرب.

    لكن، لون البَشَرَة هذا منتشر حول سواحل المتوسط كلها، وهو شائع كذلك على سواحل البحر الأحمر، ونجده في الكلدانيين والموارنة، وفي مناطقنا حيث عرب جَنُوب أوزبكستان. ويسمّى بسُمرة عرب المتوسط. والبعض كذلك يسمّيه بالسُمرة الفنيقية.

    سمرة الخمري، سُمرة عرب المتوسط
    سمرة الخمري، سُمرة عرب المتوسط
  • لو لم أكن عربيّ الأبوين

    لو لم أكن عربيّ الأبوين

    لو لم أكن عربيّ الأبوين لتمنّيت أن أكون عربياً، لأنّ من يطّلع على ما قام به العرب من خِدْمَات للإنسانيّة، وللعلم والحضارة العالمية ليَقف إجلالاً للعلماء العرب في عصورهم الزاهية وإمبراطوريّتهم الواسعة.

    ولو لم أكن عربيّ الأبوين نسباً لتمنّيت أن أكون عربيّاً بالولاء، ذلك لأنّ المسلمين قديماً، على اختلاف ألوانهم، وأجناسهم، قد انتسبوا إلى قبائل عربيّة، وأُسر عربيّة، وأعلام من العرب؛ رجالاً ونساء، وأصبحوا منهم، لا يختلفون عنهم في الحقّ، ولا واجب. اعتزّوا بالعرب، وعلت مكانتهم بهم وبالإسلام.

    ولو لم أكن عربيّاً نسباً أو ولاء لتمنّيت أن أكون عربيّاً بالثقافة. ذلك لأنّ اللّغة العربيّة، والثقافة الإسلاميّة، كونتا شعوباً وأجيالاً من الناس ما زالت مخلصة للعرب، تحبّهم كأنفسهم أو أكثر حبّاً، لأنّ العربيّة لغة القرآن الكريم هي لغة رسول الله ص ولغة أصحابه وهم من العرب. وعروبة الثقافة كعروبة النسب.

    ما سبق، كتبه المؤرّخ العراقي الأستاذ أبو رجاء ناجي معروف عبد الرزاق العبيدي الأعظمي، وتركه في كتابه الرائع: {عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية في المشرق الإسلامي}. وهو موسوعة تحقيقيّة من جزئين في ألف ومئة صفحة، أثبت فيها الدكتور معروف زَيف تنسيب أكثر من ثلاثمئة عالم عربي إلى الفرس. ما يوضح بجلاء سَعَة انتشار المدن العربيّة عبر غرب ووسط آسيا حتّى القرن 11. وسعة التطوّر والتفوّق العلمي الذي امتازت به هذه المدن العربيّة، قبل أن تُكره على التحوّل إلى الفارسيّة، ثمّ تزال بجهد من إيلخانات فارس المغول في القرن 13.

    يمكن تنزيل كتاب الأستاذ معروف من هنا

    ويمكنك كذلك قراءته وتنزيله من هنا

    في كتاب الأستاذ ناجي معروف ستتضّح لك الصورة في أنّ ألقاباً مثل الرازي والنيسابوري والجرجاني والأصفهاني والسمرقندي… هي في الواقع أنساب عربيّة وليست أعجميّة. وسترى بجلاء وبوضوح أنّ الدول الفارسيّة من أمثال الصفاريّين والسامانيّين وغيرهم قد سرقت الحضارة العربيّة فنسبنها لأنفسهم، فجعلنها فارسيّة، فقط ليقولوا أنّ العرب ما أبدعوا ولا أضافوا شيئاً إلى هذا العالم. وهو كذب وافتراء صريح.

    عُيّن الأستاذ ناجي معروف مدرّساً في الإعدادية المركزية في بغداد. ثم سافر إلى فرنسا في عام 1935م ملتحقاً بالبعثة العلمية فدرس في جامعة السوربون ومتحف اللوفر بإشراف الأستاذ (ديموبين) وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في التاريخ، وكان عنوان أطروحته “المدرسة لمستنصرية” وبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال الألمان مدينة باريس عاد إلى بغداد، قبل أن يناقش أطروحته وعاد معه الدكتور مصطفى جواد، والدكتور سليم النعيمي، وهما مثله كانوا بانتظار مناقشة الرسالة.

    أبو رجاء ناجي معروف عبد الرزاق العبيدي الأعظمي، مؤرخ عراقي، أستاذ التاريخ في جامعة بغداد، ألّف فيه مجموعة من الكتب، وهو عضو المجمع العلمي العراقي. وينتمي إلى قبيلة العبيد العربية الزبيدية القحطانية الحميرية، وأهل مدينة الأعظمية في بغداد أغلبهم من أبناء هذه القبيلة، وهو شقيق عواد معروف و أحمد معروف ووالد خلدون ناجي معروف وعم بشار عواد معروف.

    عمل الأستاذ ناجي معروف بعد عودته إلى العراق من فرنسا في مديرية الآثار العامة بعد فشل ثورة مايس في عام 1941م، ثمّ اعتُقل ولبث في المعتقل ثلاث سنوات. وفي عام 1946م عُيّن مديراً لأوقاف بغداد، ثم عُيّن بعد ذلك عميداً لكلية الإمام الأعظم. وعُيّن في عام 1952م، عميداً لكلية الشريعة، وفي عام 1963م، عُيّن عميداً لكلية الآداب بجامعة بغداد. وفي عام 1965م، عُيّن عضواً في مجلس الخدمة.

    وفي عام 1972م انتخب الأستاذ ناجي معروف عضواً عاملا في المجمّع العلمي العراقي. كما انتخب عضواً في مجمع اللّغة العربية بدمشق في سوريا. وعُيّن أستاذاً في قسم التاريخ للدراسات العليا في جامعة بغداد، وكان عضواً في مجلس أمانة بغداد. ومن أهم إنجازاته على الصعيد الشخصي أنّه كان أحد المساهمين في تأسيس جمعية منتدى الإمام أبي حنيفة في الأعظميّة عام 1968م، وانتخب رئيساً لها مدة تسع سنوات حتى وفاته، ولقد سعى بواسطتها لإنشاء المساجد والجمعيات الخيرية في القرى والأرياف.

    ـ

    الصور لريفيّين عرب من قرية جيناو العربيّة في قشقداريا الأوزبكيّة. مقدّمة من الخدمة الصحفية للإدارة الإقليمية لتنمية السياحة في منطقة قشقداريا، أوزبكستان.

  • منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    يعاني التاريخ العربي المدرّس في مدارسنا من عدّة مشكلات، من أبرزها غياب الرواية العربية الأصيلة وسيطرة الروايات الأجنبية المشوّهة للتاريخ العربي. وفي هذه التدوينة أطرح وجهة نظري حول أسباب هذه المشكلة وسبل معالجتها.

    لا يوجد نسخة عربية من التاريخ العربي المدرّس في مدارس اليوم العربية. نسخة التاريخ العربي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الأوروپية، لا العربية. ونسخة التاريخ الإسلامي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الفارسية والتركية والقوقازية، لا العربية.

    من دراستي التاريخ وجدت أنّ من علّم التاريخ إلى الأجيال العربية في القرن العشرين اشتغل على خطّة ممنهجة، لإحباط الروح العربية وتدميرها وإخضاعها بالدونيّة.

    كقوّة استعمار في أيّ بلد حول العالم تكون لك القدرة على الكذب كما تشاء، لتشويه أرواح الشعوب المستعمرة من تحتك. وهذا بالضبط ما فعله الاستعمار غرب الأوروپي بالعرب. حين أقنع الاستعمار القديم العرب أنّ كلّ الآثار في بلادهم ليست لهم، إنّما لحضارات قديمة لا تمت بالصلة إلى العرب. نشأت الأجيال في غربة عن تراثها. ترى الآثار في أرضها ثمّ تقول هذه صنيعة الآخرين، نحن لم نصنع.

    جيل وجيلين وصارت سنّة العرب إنكار تراث الآباء والأجداد، باتت روح العرب خجولة بموقعها، ترى أنّها لا تصنع. وهكذا، تلقائياً صار أبناء اللّغة العربية يرون أنفسهم غزاة، حفاة عراة، يعيشون على أنقاض الحضارات القديمة. وخطأ شاعت أقوال “الآراميّين غير العرب”، و”الأگّديّين غير العرب”، و”السبئيّين غير العرب”، و”المصريّين القدماء غير العرب”… سخافات لا غاية منها إلّا نفي الذات عن الذات. ولم يبق إلّا القول بأنّ العرب غير العرب.

    نفس المنهج يتّبعه الأميركيّون اليوم حين يقنعون شعوب مصر والعراق أنّ الآثار العظيمة في بلادهم هي من صنيعة الفضائيّين، كي لا يقتنع المصريّ وابن العراق أنّه حفيد صُنّاع حضارات عِظام. وذات المنهج تتّبعه ذات القوّة الأميركية كذلك في الپيرو والمكسيك وپاكستان واليابان وغيرها من حضارات العالم القديمة… لا يوجد فضائيّين، نحن نسل صنّاع هذه الحضارات القديمة.

    كلّ ما درستُه من الآثار والنقوش والتدوينات القديمة واللّغات وأنظمة الكتابة والوقائع التاريخيّة… كلّها تقول أنّ العرب المعاصرين هم استمرار وثيق للأسلاف، استمرار ليس فيه انقطاع ولا تغيير ولا تبديل. لكنّ العرب بتغيير أديانهم استنكروا أنسابهم بأصولهم، ثمّ فتحوا الباب لأدوات الاستعمار تطبخ الذهن العربيّ كما تشاء.

    هذي الآثار الكثيرة في بلاد العرب هي صنيعة أجداد العرب. كلّها آثار حضارات صنعها العرب وأسلاف العرب. كلّ لغات المنطقة القديمة هي اللّغات العربيّة القديمة، لا وافدة من الفضاء ولا من الصين. لم يحدث تعريب. هي اللّغات الّتي تطوّرت حتّى صارت اللّغة العربيّة المعاصرة. والعرب هم نسل وسلالة من عاشوا ورفعوا عمدان الحضارة في بلاد العرب. وكلّ ما يخالف هذا؛ خرافات وأساطير لا تهدف إلّا لهدم عزوة الروح العربية في بلادها.

    يؤدي تشويه وتزييف التاريخ العربي إلى أثر سلبي كبير على الهُوِيَّة العربية، ومن أبرز هذه الآثار:

    • الشعور بالدونية وعدم الاعتزاز بالهوية العربية، لأن التاريخ يقدم وكأن العرب لا إنجازات لهم.
    • فقدان الثقة بالنفس والإحساس بالعجز، فالتاريخ المشوّه يوحي أن العرب عاجزون عن الإنجاز.
    • الشعور بالغربة والانفصال عن التراث والإرث الحضاري، فالتاريخ ينسب الإرث لغير العرب.
    • ضعف الانتماء والهوية الجمعية، فالشعور بالانتماء يتأثر سلبًا عندما يُشوَّه تاريخ الجماعة.
    • انتشار الأساطير والخرافات التي تزرع الشكوك حول الهُوِيَّة العربية.
    • سهولة التأثر بالأفكار الهدامة التي تستغل هذا الفراغ في الهُوِيَّة.

    لذا، من الضروري إعادة كتابة التاريخ بموضوعية لبناء هُوِيَّة عربية معتزّة بنفسها وبإرثها الحضاري. ويجب عليها اتّخاذ بعض الخطوات التي لتعزيز الوعي بتاريخنا العربي:

    • إصلاح مناهج تدريس التاريخ في المدارس والجامعات بما يركز على التاريخ العربي ويقدم وجهة نظر عربية أصيلة.
    • تشجيع البحث الأكاديمي الجاد في التاريخ العربي ونشر الدراسات والبحوث الموثقة.
    • إنتاج برامج وأفلام وثائقية تروي التاريخ العربي بصدق وموضوعية.
    • تنظيم معارض ومتاحف تسلط الضوء على الحضارات والإنجازات العربية.
    • الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي لنشر الوعي.
    • إحياء المناسبات والأعياد التاريخية وربطها بالشباب.
    • إشراك المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع في مبادرات تعزيز الوعي التاريخي.
    • تفعيل دور الأسرة في غرس حب التاريخ والاعتزاز به لدى الأجيال الجديدة.

    إنّ إحياء الروح العربية يتطلّب جهداً مضاعفاً لإعادة كتابة تاريخنا بعيداً عن التشويه والتزييف، والاعتزاز بهويّتنا وإرثنا الحضاري العريق. وعلى مؤسّساتنا التعليمية والثقافية تحمّل مسؤولياتها في نشر الوعي بتاريخنا وتصحيح مسار تعليمه في مدارسنا.

    كما هي منشورة على مدوّنة البخاري