يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ولغتهم العربية ما كان لهم فضل على الحضارة الإنسانية منذ فجر الإسلام… فلنحك نقطة في بحر فضل اللّغة العربية على العالم.
منذ فجر التاريخ وعبر آلاف السنين، اتّخذت العربية مكانةً مرموقةً بين لغات العالم، تاركةً بصمةً حضاريةً خالدةً عبر مسار الزمن. ومن ذلك حملها لنواة الأديان الأكثر انتشاراً في عالم اليوم. فمَا هي الثمار التي جنتها البشرية من رحلةٍ استمرّت 1400 سنة الأخيرة مع لغة الظاء؟
تُعدّ اللّغة العربية حاملةً راية حضارةٍ عريقةٍ، غنيّةٍ بالعلوم والآداب والفلسفة. تابعها العصر الإسلامي الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث شهدت ازدهارًا في مختلف المجالات العلمية والفكرية. إليك بعض العلوم التي نشأت وتطورت باستخدام اللّغة العربية:
أسهم الأطباء والعلماء بتطوّر كبير في الطبّ باللّغة العربية، بواسطة تأليف الكتب والموسوعات التي تعالج مختلف الأمراض وطرق العلاج. وبالعربية كُتب “القانون في الطبّ” و”الحاوي في الطبّ”، والذين كانا مرجعًا طبيًا لقرون في الشرق والغرب. وبقيت العربية لغة تدريس الطب في أوروپا مثلاً لأكثر من خمس قرون.
وبالعربية انفصلت الكيمياء كعلم عن الخيمياء مع العلماء العرب مثل جابر بن حيان، الذي يعدّ “أبو الكيمياء”. وأدخل العلماء العرب مفاهيم مثل التقطير والتبلور والتصعيد.
بالعربية نما علم الصيدلة كعلم منفصل عن الطب، حيث قام العلماء بتصنيف الأدوية وتحضير الوصفات الصيدلانية ووضع معايير للجودة. الزهراوي، الذي ألف كتاب “التصريف لمن عجز عن التأليف”، يعدّ من الروّاد في هذا المجال، وقد أسهم كتابه في تطور الجراحة والصيدلة. فهو أبو الصيدلية.
بالعربية ازدهر علم الفلك في العالم، حيث قام العلماء ببناء المراصد وتطوير الأدوات الفلكية مثل الأسطرلاب. كانوا يدرسون حركة الكواكب والنجوم وألّفوا الزيجات الفلكية التي تحتوي على جداول معقّدة لحركات الأجرام السماوية. البتّاني مثلاً هو أبو علم الفلك المعاصر.
في الرياضيات. نجد البغدادي الخوارزمي، الذي يُعدّ أحد أعظم الرياضيّين، أسهم في تأسيس الجبر والخوارزميّات، وأدخل نظام الأرقام العربية، الذي يعتمد على النظام العددي وأصبح أساس النظام العددي المستخدم اليوم في كل أرجاء العالم.
بالعربية ألّف الجزري كتابه “كتاب في معرفة الحيل الهندسية” والذي ضمّ تصاميم لأجهزة ميكانيكية متطورة مثل الساعات المائية. وكان له فضل اختراع المحرّك المعاصر وعلبة المحرّكات (التروس) والبسطون (المكبس).
بالعربية تأسّس علم البصريّات وعلم المناظير. ابن الهيثم البصري، مؤلف “كتاب البصريات” و”كتاب المناظر”، قدم نظريات هامة حول كيفية عمل العين وكيف يتم تشكيل الرؤية. واخترع القُمرة (الكميرا).
ابن العوام وأبو زكريا القسطلاني كتبوا كتبًا هامة في الزراعة، تضمّنت وصفًا لطرق الزراعة، وتحسين التربة، وتقنيات الري، وتصنيف النباتات. كتاب ابن العوام “الفلاحة الأندلسية” يعتبر مرجعًا مهمًّا في هذا العلم، ويقوم عليه علم الزراعة الحديث.
الفارابي وابن مسكويه من الفلاسفة الذين بحثوا في الأخلاق والقانون، مقدّمين أفكارًا حول العدالة والحكم الرشيد والسلوك الأخلاقي. وعلومهم التي قدّموها باللّغة العربية صارت أساساً لفلسفة الأخلاق في علوم غرب أوروپا الحديثة.
هذه العلوم تطورت في بيئة ثقافية غنية ومتفاعلة، حيث كانت اللّغة العربية هي وسيلة تدوين المعرفة ونقلها. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذه الفترة هو ابتكار نظام التعليم النظامي لتدريس اللّغة العربية والفقه، ولم يزل هذا النظام قائماً مستخدماً في أنحاء العالم المختلفة إلى اليوم.
اليوم تُعدّ اللّغة العربية لغةً رسميةً لأكثر من 25 دولة، ومعترف بها كلغة أقلّية في أكثر من 40 دولة غيرها، منها الولايات المتحدة الأميركية. ويتحدّثها أكثر من نصف مليار شخص حول العالم. وتؤدّي دورًا هامًا في التواصل بين الشعوب العربية، ونشر المعرفة والثقافة. كما تُعدّ لغةً دينيةً للقرآن الكريم، ما يمنحها مكانةً مقدسةً لدى المسلمين.
السؤال الأهم، هو طوال 1400 سنة، ماذا قدّم كارهوا اللّغة العربية اللاعربيّين منكري الحضارة العربية؟
مراجع
الرصافي، مصطفى صادق. “من تاريخ الحضارة العربية.”
حسين، محمد كامل. “تاريخ الفكر الإسلامي.”
رصا، رجاء نعمة. “اللغة العربية وآدابها في العصر الإسلامي.”
السيد، رشدي. “فجر العلم في الحضارة الإسلامية.”
رضا، محمد عبد الحليم. “العلوم عند العرب.”
الخوارزمي، محمد بن موسى. “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة.”
ابن النديم، محمد بن إسحاق. “الفهرست.”
ابن سينا. “القانون في الطب.”
جابر بن حيان. “كتاب الكيمياء.”
البتاني، عبد الرحمن بن عمر. “الزيج الصابي.”
ابن الهيثم، حسن بن الهيثم. “كتاب المناظر.”
الجزري، بديع الزمان أبو العز. “كتاب في معرفة الحيل الهندسية.”
ابن العوام، أبو زكريا يحيى. “كتاب الفلاحة الأندلسية.”
ابن رشد، أبو الوليد. “تهافت التهافت.”
الفارابي، أبو نصر. “آراء أهل المدينة الفاضلة.”
ابن مسكويه، أحمد بن محمد. “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.”
العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة هي مصطلحات تُستخدم لوصف أنواع مختلفة من التحيّز والمواقف تجاه العرب والثقافة العربية. إليك تعريف كلّ منها:
العربفوبيا Arabophobia
ومعناها الحرفي: اضطراب رُهاب العرب
العربفوبيا هي مصطلح يُستخدم لوصف الخوف، والكراهيَة، أو التحيّز ضدّ العرب. يمكن أن يشمل هذا: الخوف أو الكراهيَة للّغة العربيّة، أو الثقافة العربيّة، أو الأديان السائدة في الدول العربيّة مثل الإسلام. العربفوبيا واحدة من أشكال ذُهان العنصريّة والتمييز الذي يمكن أن يؤدّي إلى سوء التفاهم، والإقصاء الاجتماعي، وأحيانا العنف ضدّ الأفراد العرب، سواء البدني أو اللّفظي.
كثيراً ما تتطوّر أعراض العربفوبيا إلى الإسلامفوبيا، من باب أن العربي لا يقدر على إنتاج ديانة راقية.
الشعوبيّة Shu’ubiyya
الشعوبية كانت في الأصل حركة ثقافيّة وسياسيّة داخل الإسلام، دعت إلى القوميّة؛ أي رفض مفهوم الأمّة الإسلاميّة وتفضيل الهويّات الشعوبيّة على الهُوِيَّة الدينيّة. لكن، حين رأت هذه الحركة ارتباط الإسلام بسمات الهُوِيَّة العربيّة، تحوّلت إلى حركة لانتقاد العروبة نفسها وتفضيل العجم على العرب، وتشجيع الفصل بين الإسلام وسمات العروبة، وتحقير العرب.
اللاعربيّة Anti-Arabism
اللاعربيّة كما اللاساميّة هي موقف أو إيديولوجيّة تتضمّن التحيّز ضدّ العرب وثقافتهم وتاريخهم. هذا يشمل إنكار إنجازات الحضارة العربيّة وتقليل شأن دور العرب في التاريخ العالمي والمساهمات الثقافيّة. واللاعربيّة يمكن أن تتّخذ أشكالاً متعدّدة من التمييز، بما في ذلك التمييز العنصري والثقافي والديني ضدّ الأشخاص الذين ينتمون إلى الهويّة العربيّة أو يعبّرون عن الثقافة العربيّة.
تتجلّى اللاعربيّة في العديد من السياقات، مثل الإعلام والسياسة والتعليم والممارسات الاجتماعيّة، حيث يُصوّر العرب بطريقة سلبيّة، وإنكار دورهم التاريخي والحالي في الحضارة الإنسانيّة.
مقارنة مع العربفوبيا والشعوبية
العربفوبيا تشير إلى الخوف غير المنطقي والكراهيّة أو التحيّز ضدّ العرب، وقد تتداخل مع اللاعربيّة ولكنّها تركّز أكثر على الخوف والنفور العاطفي.
الشعوبيّة في الاستخدام الحديث، تشير إلى تفضيل الهويّات القوميّة الأخرى على حساب الهُوِيَّة العربيّة، سواء داخل المجتمعات العربيّة أو خارجها. وهي هكذا جزء من العربفوبيا.
إنّ اللاعربية كإيديولوجية إنكاريّة تؤدّي إلى تشويه صورة العرب والتقليل من شأن مساهماتهم الثقافية والحضارية، ممّا يساهم في تغذية الصور النمطية السلبية والتمييز ضدّهم. وما يسق إليها هو اضطراب العربفوبيا.
في القرن 11 عاش ابن حزم الأندلسي، وهو نبيّ الحبّ الأوروپي؛ في نظر الكثيرين من منظّري ونقّاد الأدب الأوروپي من مرحلة الثورة الصناعية.
وابن حزم هو {أَبُو مُحَمَّدْ عَلِي بْنْ أَحْمَدْ بْنْ سَعِيدْ بْنْ حَزْمِ بْنْ غَالِبِ بْنْ صَالِحِ بْنْ خَلَّفَ بْنْ مُعَدَّانِ بْنْ سُفْيَانْ بْنْ يَزِيدَ اَلْأَنْدَلُسِيُّ اَلْقُرْطُبِيُّ}. وعليّ هذا أنتج سنة 1022 كتاباً سمّاه {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف}، وفي القرن 13 تُرجم الكتاب باللّغة اللاتينية، ونُشر تحت اسم De amore libri tres أي ثلاث كتب عن الحبّ. مع إغفال اسم المؤلّف الأصلي. وصار الكتاب فعلاً بمنزلة كتابة الحبّ المقدّس.
كان كتاب De amore libri tres لابن حزم مؤثرًا في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُقرأ على نطاق واسع من قبل الفلاسفة واللاهوتيّين والمؤلّفين والكتّاب، وحضّت الكنائس (الجديدة) على قراءته ومناقشة محتوياته في حلَقات خاصّة، عارضتها الكنيسة الكاثوليكية التقليدية. وكان الكتاب أيضًا مؤثرًا في الأدب الرومانسي الأوروپي. حتّى تمّ اقتباس العديد من أفكار ابن حزم في الأعمال الأدبية الرومانسية، مثل Tristan und Isolde و Roman de la Rose.
بعد تَرْجَمَة الكتاب إلى اللاتينيّة أُغفل اسم المؤلّف الأصلي {ابن حزم} وتمّ تغييره إلى الموهامّيتانُس Al-Mohammetanus أي “المسلم”. هذا التغيير في الاسم كان ناتجًا عن التحيّزات الدينيّة في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُنظر إلى المسلمين على أنّهم أعداء للمسيحيّة، لذلك كان من غير اللائق أن يُنسب عمل إلى اسم مسلم صريح. لكن، طالمَا حاربت الكنيسة الغربية التقليدية أفكار الكتاب فكانت نسبة الكتاب إلى الموهامّيتانُس “المسلم” وسيلة لتجنّب إثارة الجدل أو الإدانة، طالمَا أنّ الكثير من الأدباء استعملوا طريقة نقد الكتاب كرسائل معكوسة لتمرير أفكاره إلى المجتمع.
ارتبط اسم الموهامّيتانُس بكتاب De amore libri tres في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى مع تغييب اسم ابن حزم. وظلّ هذا الاسم حتى القرن 17. إذ، اكتُشفت التَّرْجَمَةً اللاتينية الأصلية لكتاب ابن حزم وعليها اسمه في المكتبة البابوية في الفاتيكان سنة 1606. وكانت محفوظة فيها منذ القرن 13، وتمّ نسخها ثمّ نُشرت وسرعان ما أصبحت واحدة من أكثر الأعمال الأدبية شعبيّة في أوروپا الغربية. وترجمت عن اللّاتينية مرّة أخرى إلى العديد من اللّغات الأوروپية باسم “طوق الحمامة”.
سنة 1931 اكتُشفت النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم {طوق الحمامة} في مدينة فاس في المملكة المغربية. كانت المخطوطة في حالة سيئة للغاية، وجرى ترميمها ونشرها في عام 1933. ثمّ، سنة 1951 نُشرت أوّل تَرْجَمَة إلى الإنگليزية مباشرة عن العربية. النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم هي مصدر قيّم للأدب العربي والتاريخ الإسلامي. لأنّها تقدّم نظرة ثاقبة للحياة في الأندلس في القرن 11، كما أنّها تكشف عن عبقرية ابن حزم كمؤلّف وعالم.
كتاب “طوق الحمامة” مرجع هام في الأدب العربي ودراسة الحبّ. يمكن لكلّ شخص مهتم بالأدب أو الحبّ أو التاريخ الثقافي أن يجد فيه مادّة ثرية للتفكّر والاستمتاع. وكان له تأثير كبير على الأدب الأوروپي، خاصّة في العصور الوسطى وبعدها. حيث جرت ترجمته إلى العديد من اللّغات الأوروپية، بما في ذلك اللاتينية والإسپانية والفرنسية والإنگليزية.
الكتاب يتضمّن العديد من الأفكار والمبادئ التي جرت الاستفادة منها في الأدب الرومانسي الأوروپي. فقد استكشف ابن حزم العديد من الأشكال المختلفة للحبّ، وهذا أمر مشترك مع الأدب الرومانسي الذي يركّز على العلاقات العاطفية بين الأفراد. ببساطة، نشأت الفكرة الرومانسية في الحبّ استناداً على كتاب {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف} لابن حزم الأندلسي، وخرج عنها الأدب الأوروپي الرومانسي كلّه.
بل والأهم من ذلك، أعطى “طوق الحمامة” لغة وأسلوبًا للتعبير عن الحبّ والعاطفة، وهو ما كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت. فالعديد من مفاهيم الحبّ والغرام التي تمّ التعبير عنها في “طوق الحمامة” وجدت طريقها إلى الأدب الأوروپي، وتبقى جزءًا من الأدب الغربي حتى اليوم. ويمكن القول إنّ “طوق الحمامة” ساهم بشكل كبير في تطوّر الفكر الأوروپي، وأثّر على الطريقة التي يفكّر بها الأوروپيّون ويتحدّث بها عن الحبّ في الثقافة الغربية.
في الختام، نكتشف من قصّة “طوق الحمامة” لابن حزم التأثير العميق وبعيد المدى للحضارة العربية على الثقافة الأوروپية. ومن خلال هذا العمل، نرى كيف تمكّنت الأفكار والمفاهيم العربيّة من التأثير في التفكير الأوروپي وتشكيله، خاصّة فيمَا يتعلّق بالحبّ والرومانسية. فـ”طوق الحمامة” هو دليل حيّ على القيمة والأهمّية الثقافية للحضارة العربية، وكيف أثّرت بشكل ملموس على حركة الرومانسية في أوروپا. بواسطة الشعر العربي والنثر، تمكّن ابن حزم من إعطاء الأوروپيين لغة وأسلوبًا جديدين للتعبير عن الحبّ والعاطفة، شيء كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت.
ومع ذلك، فإنّ التاريخ الطويل للحضارة العربيّة في مجال التأثير على العالم الأوروپي لا يقتصر على الأدب فحسب. بل يمتدّ ليشمل العلوم، والفلسفة، والرياضيات، والفنون، في حين تستمرّ المساهمات العربية في تشكيل الثقافة الأوروپية حتى اليوم. وفي النهاية، يجب أن نذكر أنّ الحضارة العربية، مثلها مثل أيّ حضارة أخرى، تشكّل جزءًا أساسيًا من التراث الإنساني. والقصّة المحيطة بابن حزم و”طوق الحمامة” تعدّ تذكيرًا قويًّا بأنّ الثقافات والأفكار تتداخل وتتبادل التأثير، وتتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية. ومن هذا المنطلق، يتحتّم علينا احترام وتقدير للتأثيرات المتعدّدة التي تشكّل ثقافتنا العالمية المشتركة.
صانع الفكر الإسلامي الاجتماعي الأوزبكستاني المعاصر، من عرب قازاقستان، ومن رموز النضال القومي التركستاني في المهجر.
قبل سنة 1956 لم يعرف أتراك تركستان قرآن بغير اللّغة العربيّة، وكان على مسلمي إمارة بخارى والدول المحيطة تعلّم اللّغة العربيّة إذا أرادوا قراءة القرآن. وفعلاً، كان التعليم في الطفولة يبدأ بتعلّم قراءة القرآن باللّغة العربيّة، ثمّ ينتقل الطالب إلى المدارس بتخصّصات مختلفة. وهكذا، كان يندر أن تجد في بلاد تركستان (وبالأخص أوزبكستان) شخصاً لا يفهم العربيّة، سواء أكانت لغة بيته هي التركيّة أو الفارسيّة أو غيرها. وهي حالة تشبه علاقتنا اليوم باللّغة الإنگليزيّة. لكن، مع إضفاء لمسة القدسيّة على تداول العربيّة.
بعد أن احتلّ الروس إمارة بخارى سنة 1917 غيّروا اسمها إلى تركستان الروسيّة (تمييزاً عن تركستان الصينيّة)، ثمّ إلى تركستان السوڤيتيّة (جمهوريّة بخارى الشعبيّة السوڤيتيّة) ثمّ قسّمنها خمس دول. واجتهد البلاشفة من عهدهم الأوّل في منع تعليم اللّغة العربيّة والتضييق عليها، حتّى وصلت الأمور في بعض الأحيان إلى هدم البيت الذي يُعثر فيه على كتب تعليم اللّغة أو الخطّ العربيّ. وكانت بعض القرى قد حافظت على مدارس سرّيّة لتعليم لغة القرآن في أقبية أو جدران البيوت الريفيّة.
وبهذا التضييق نشأت أجيال من المسلمين الأتراك بعيدة عن القرآن ونصوصه، فالمصاحف في بيوتهم باللّغة العربيّة وتعليمها ممنوع. هذا إلى جانب حرمان الجالية البخارية التركستانية في البلاد غير العربية من تعلّم اللّغة العربيّة في مدارسها، فصاروا في عزلة تراثيّة عن معتقدات آبائهم وعادات مجتمعاتهم البخاريّة.
لحلّ هذه المشكلة قام السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} بترجمة القرآن إلى اللّغة التركستانيّة (الأوزبكيّة) وطبع النسخة الأولى منها سنة 1956 في مومباي في الهند في ستّ مجلّدات، لمصلحة الجالية البخاريّة في هذا البلد، وهرّبها إلى تركستان. وتضمّنت التَّرْجَمَةً كذلك ترجمة التفسير (الحواشي). ثمّ طبع منه نسخ إضافيّة في كراتشي وفي المدينة المنوّرة وفي جدّة وفي الدوحة وفي إسطنبول. وكان يعمل على تسريب هذه الطبعات إلى تركستان بواسطة إهدائها إلى شخصيّات دينيّة وإلى مستشرقين روس وأوزبك من جمهورية أوزبكستان الاشتراكيّة السوڤيتيّة.
غلاف طبعة بومبي في الهند للقرآن الكريم مترجم ومحشّى باللغة التركستانية
وعلى الرغم من الملاحقة الجنائيّة لتوزيع مطبوعات الطرازي في دول تركستان، لوجودها الممنوع في البلاد، غير أنّ تَرْجَمَة القرآن التي كتبها الطرازي صارت تظهر ومن بداية ثمانينيّات القرن 20 بشكل غير قانوني في أسواق الجمعة في قوقند وطشقند وسمرقند وبخارى، وخاصّة الجزء الثلاثين من القرآن. وكانت على أجزاء بسبب ارتفاع كلفة النسخة الكاملة من المصحف الشريف في العهد السوڤييتي. ثمّ سنة 1991 احتفل الأوزبك باستقلالهم عن الاتّحاد السوڤييتي بتوزيع نسخ مجّانية بالآلاف من تَرْجَمَة الطرازي للقرآن الكريم وغيرها من الكتب الإسلاميّة. ورُفع حظر التداول عنها بشكل قانوني سنة 1993 فصارت تملأ البازارات بشكل علني. (~فيليپ خُسنُتدينڤ (حسن الدين)، طالب دكتوراه في معهد البيروني للدراسات الشرقي في طشقند، أوزبكستان).
بعد أن أتمّ تَرْجَمَة القرآن إلى التركستانية (الأوزبكيّة) ترجم العديد من الكتب الإسلاميّة العربيّة إلى التركستانية كذلك، وألّف العديد من الكتب بالتركستانيّة والفارسيّة؛ التي كان منها كتاب {حالات مسمانان ترکستان بعد از انقلاب بولشویکان 1918م} أي تركستان للتركستانيّين بعد الثورة الشيوعيّة 1918م. وكانت مجموعة منشورات تدعوا إلى الثورة على الحكم الشيوعي السوڤييتي وإسقاطه. ولهذه الغاية أقام فترة في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، حين تأسّست الإدارة الدينيّة للجنة الوحدة القوميّة التركستانيّة فيها، وعيّنته المفتي الأكبر للتركستان القوميّة. ولجنة الوحدة القوميّة التركستانيّة كانت منظمة تركستانيّة (بخاريّة) تناضل لأجل تركستان موحّدة، حرّة من الاحتلال السوڤييتي، وتنادي العالم الإسلامي لدعم هذا النضال.
وكان مئات الآلاف من التركستانيّين قد نزحوا عن بلادهم إلى الشرق الأوسط، ما بين سنوات 1917-1922، ونشأت منهم جاليات ملحوظة في پاكستان والهند وتركيا والحجاز وفلسطين وعموم بلاد الشام. ومن هؤلاء كان السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني}، أحد عرب تركستان، الذي نزح بداية إلى بومباي. وكان السيّد محمود الطرازي قد وُلد حوالي سنة 1895 في مدينة {أوليا آته} (عرش الأولياء) العربيّة، وهي اليوم جَنُوب قازاقستان. وتوفّى سنة 1991 في المدينة المنوّرة.
صورة مرمّمة للسيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} التركستاني
ومن نسب السيّد {محمود بن نذير الطرازي الحسيني المدني} نجد في مصر الأستاذ الدكتور {نصر الله مبشّر الطرازي الحسيني} خبير المخطوطات بدار الكتب المصريّة وأستاذ اللّغات الشرقية بالجامعات المصريّة. وهو ابن الخطيب {مبشّر الطرازي الحسيني المدني} الذي أعاد طابا لمصر، ودرّس العديد من الأجيال المصريّة قبل وفاته سنة 1977. وكان قد شكّل في شبابه اتّحاد الطلبة التركستانيّين سنة 1917 في مقاومة للأنشطة الشيوعيّة في البلد. ثمّ اعتقلته موسكو وصادرت مؤلّفاته التركيّة والفارسيّة والعربيّة وسجنته لعدّة سنوات. وخرج واستمرّ في أنشطة المقاومة حتّى سنة 1949 حين انتقل للإقامة في المملكة المصريّة، بعد أن دعاه الملك فاروق، ثمّ منحه جمال عبد الناصر الجنسيّة المصريّة لكثرة أفضاله في مصر، ولم يزل أولاده إلى اليوم من مواطنيّ الجمهوريّة المصريّة، ومنهم الدكتور {نصر الله الطرازي}.
كلمة دفتر واحدة من أقدم الكلمات العربيّة وأكثرها إثارة للاهتمام. لبقائها على معناها، ولانتشار في أدبيّات الشعوب المجاورة، مع الحفاظ على معناها القدير. وبالمناسبة، يشيع المستشرقون أنّ كلمة دفتر عن أصل إغريقي هو دِيپتِرا διφθέρα وكذب هؤلاء، وسأشرح السبب.
في الأصل كلمة دفتر عن السومريّة، ونشأت عن اسم منضدة الكاتب {دُب} 𒁾 وبسببها حافظ أهل العراق حتّى القرون الوسطى المتأخّرة على تسمية المحبرة دُبّة، لأنّها القارورة التي توضع على منضدة الكاتب. والكاتب كما هو من خمس آلاف سنة إلى القرن 19. شخص يتقن الكتابة فينصب منضدة في السوق، وتذهب إليه الناس ليكتب لها ما تشاء بمقابل. والكتب في العهد السومريّ كتب بالمسماريّة وأنيطت به الأمانة فصار محلّفاً، تثق الحكومة بما يكتب، وهي فعلاً مهنة كانت مطلوبة طالما أنّ أدوات الكتابة ما كانت متاحة لكلّ الناس، وما كان السبب الأميّة؛ إنّما: التوثيق من جهة، وصعوبة توفّر مواد الكتابة من جهة ثانية.
هذا الكاتب كان اسمه بالسومريّة: دُبسَر 𒁾𒊬. وهذه التسمية من جمع كلمتين:
دُب بمعنى منضدة الكتابة + سَر بمعنى الكتابة. أي اسم فعل الكتابة.
واسم الكاتب في السومريّة دُبسَر صار في العهد الأگّدي: طُپشَرُّم بإبدال الدال طاء، والباء پاء، والسين شين. وتحوّلت كذلك كلمة دُب المنضدة إلى طُپُّ بنفس الرسم السومري 𒁾.
وعن اسم الكاتب في الأگّدية طُپشَرُّم خرجت كلمة طبشورة، أي حجر الكتابة (الحوّار).
ولو ذهبت إلى كاتب في السوق في مدينة أگّد تريد أن تسأله مهنته فتسأله: طُپشَرُّم أتَّ؟ 𒌅𒌒𒊭𒊒𒌝 𒀜𒋫 أي: أُتطبشر أنت؟ وسيجيبك: طُپشَرُّم أناكُ. 𒌅𒌒𒊭𒊒𒌝 𒀀𒈾𒆪 أي: طُبشَريٌّ أنا.
تخيّل لمدرسة: إدُبَك من العهد الأگّدي
بسبب اسم منضدة الكتابة السومريّة دُب صار اسم المدرسة: إدُبَك 𒂍𒁾𒁀𒀀 ونشأ بالتالي مصطلح التأديب بمعنى التعليم. والأدب بمعنى المنشورات المكتوبة.
وبسبب كلمة دُب السومريّة صار اسم القلم: گِدُبَك 𒄀𒁾𒁀 (جِدُبَك).
وفي العهد الأخميني صار اسم منضدة الكاتب: دِيپِه 𐎮𐎡𐎱𐎡 (دِيفِه) تحوير عن السومرية دُب.
نقش لكتبة: دباسرة، من عهد أسوريا-نينوى
المهم، في العهد البابلي اخترع الناس الكتاب. وبدلاً عن اللوح (الدف) والصلصال صارت الناس تكتب على صفحات من الجلد أو القيمش أو البردي، وصارت تجمعها لفافات مطوّلة أو مطويّة في كتاب. ولهذا تغيّر معنى اسم الكاتب إلى الكتاب نفسه.
في العهد الآرامي-البابلي تغيّرت كلمة دُبسَر السومريّة إلى دپتره דפתרא (دفتره) وكانت بألف {دفترا} إذا قصدت الشيء الذي يُكتب عليه، وبهاء {دفتره} إذا قصدت من يقوم بفعل الكتابة.
في العهد السرياني نشأت كلمة دِپتراء ܕܦܬܪܐ (دِفتراء) التي تشير إلى ورق البرشمان الجلدي، سواء أكان لفافة أو مجموعة من الأوراق. وصارت الكتابة على هذا الدِفتراء أسهل، والكاتب يجلس أمامك على منضدته ببساطة، يخطّ بالحبر على البرشمان بدل السطر بطبشورة على دفّ أو السطر على صلصال. ثمّ، ما إن انتهى من الكتابة، يجفّف الحبر بالطبشور ويطوي صفحة البرشمان ويعطيكها.
الكلمة الآراميّة دپتره بمعنى الشيء الذي يُكتب عليه، انتقلت عبر الفنيقيّين إلى المقدونية القديمة فصارت: دِپتيره 𐀇𐁇𐀨، ثمّ انتقلت من المقدونيّين إلى الإغريق فصارت: دِپطيره διφθέρα وبنفس المعنى… وقد وُجدت كذلك كتابات إغريقية ذكرت اسم دفّ الكتابة بنفس الاسم السومري-الأخميني دِپسيره διψάρα والياء هنا مائلة صوب الياء. وهو فعلاً دفّ، رقاقة جلد مشدودة على إطار من الخشب، كانت تُستعمل للكتابة.
بالخلاصة، كلمة دفتر عن دِفتراء السريانيّة عن دفتره الآراميّة عن طُپشَره (دُپشَره) الأگّديّة عن دُبسَر السومريّة. وشكراً لأسلافنا العرب على اختراع أدوات للكتابة، ووسيلة لحفظ ونقل الكلام مكتوب.
واحدة من أهمّ الكلمات في تراث العرب. مسؤولة عن حرفين من أهمّ وأوّل أحرف لغتنا العربيّة؛ حرف الألف، وحرف التاء. وسبب لخروج كلمات طور و توراه و حكمة التاو.
هي كلمة ثور، وبشكلها المعاصر قديمة جدّاً. فهي في البداية {ثَوْرُ} وكانت تشير إلى ذكر كل حيوان ثدي مستأنس ذو قرون. فلم يكن الثور هو ذكر البقر فقط، بل كان كذلك هو الوعل والشاة والظبي وغيرهم.
في الآرامية كان اسمه تَورا תַּוְרָא والألف الأخيرة مائلة صوب الياء. وعنها في السريانيّة تَورا و تَوراء ܬܱ݁ܘܪܳܐ. وعن الآراميّة كذلك في الپهلويّة توور (توڤر) و تَوَر. وعنها في الفارسيّة تاول (تاڤل). وعن الآراميّة كذلك في التركيّة القارلوقية تَوَر. وفي الأرمينية تَڤَر.
قبلها كانت في الأگّديّة شورُم 𒋗𒌑𒊒 وفي الإبلاويّة شُلُم 𒄞𒌉 وفي الأُگاريتيّة ثور 𐎘𐎗. وعنها في الكنعانيّة شور و صور و سور שׁוֹר. وفي الفنيقيّة كذلك شور و صور 𐤔𐤓.
في السبئيّة ثور وكُتبت بشكلين 𐩻𐩥𐩧 و 𐩻𐩧 على نمط الكتابة الفنيقي. وعنها في القتبانيّة ثور 𐩻𐩥𐩧. وفي المعينيّة ثور 𐩻𐩥𐩧.
وعليه فقد تعدّدت طرق لفظ الكلمة في العربيّة القديمة ما بين شور، شل، ثور، صور، تور.
لمّا عبد الحثيّون وعل العرب المقدّس حداد، كتبوا اسمه في نقوشهم: تَرُ، تَور، تَورو. ومع توسّع حكم الحثيّين في الأناضول وشرق أوروپا وصلت ديانتهم؛ عربيّة الأصل، إلى تلك البلاد، ووصل عبرها لفظ تَوروس Ταῦρος إلى اللّغة الإغريقية كاسم لكوكبة الثور في أبراج السماء. واستعمل الإغريق تسمية هذا البرج على مجموعة من القبائل التركية التي كانت تعيش في مرتفعات القرم وعبدت برج الثور. وبسبب هؤلاء صار اسم الجبال نفسها بالإغريقيّة كذلك جبال تَوروس (طوروس، طور).
عن الحثّيّة كذلك صارت الكلمة في اللاتينية تَورُس taurus عن كلمة متداولة في إيطاليا من قبل ميلاد اللّغة اللاتينيّة وقبل نشوء روما، هي كلمة تَوروس tauros التي تشير إلى الثور البرّي وإلى حيوان الأُرْخُص الذي انقرض سنة 1627، وكان الحيوان الذي استأنسه الناس قبل البقر المعاصر، ويصل طول قرنه حتّى 80 سم.
رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).
هذه الشعوب القديمة التي عاشت في إيطاليا عبدت الثور كذلك كما العرب القدامى وكما الحثّيين، ولهذا صارت كلمة تَوروس Ταῦρος الإغريقيّة تعبّر عن إله مقدّس تماماً كمنزلة كلمة تَورا תַּוְרָא الآراميّة ومنزلة كلمة صور שׁוֹר الكنعانيّة ومنزلة كلمة ثور 𐩻𐩥𐩧 السبئيّة.
يقابل المعبود ثور في الشرق، المعبود أپِس 𓃾 في مصر القديمة، واسمه ورمزه هو سبب وجود شكل حرف ا في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤀، وهو كذلك سبب وجود شكل حرف ت في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤕. وتنوّعت أسماءه بتنوّع رؤاه الفلسفيّة، فهو ألِپ و ألِف و أوخ و خَپِس و خيپو و خَپِى و خَپِعنخ و هِپو… وعدّ المصريّون القدامى فرس النهر من تجسيداته، ولو أنّه بغير قرنين.
لمّا عبد الأجداد الثور أطلقوا على الحكمة والشريعة اسم تاو (طاو) ذات اسم الثور تَورا، وخرج عن هذه التسمية حرف تاو 𐤕 الفنيقي الذي انتشر في أبجديّات العالم الغربي بشكله المعاصر T. ويُعتقد أنّ اسم كتاب التَوراة תּוֹרָה يعني في الواقع كتاب جمع الحكمة والشريعة (التاو) المأخوذ عن اسم الثور المقدّس تَورا תַּוְרָא.
لربّما لم يعرف العالم لصوص تاريخ أوقح من القوميّين الفرس ودولة رضا شاه پهلوی والجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة. يزوّرون التاريخ في پروپاگندا شديدة الخبث تسرق تراث حضارات أمم برمّتها، لصناعة تاريخ فارسيّ، ما وُجد قط.
ومن ذلك منازعة العرب على بلادهم وتراثهم وحتّى تركة أجدادهم. ومنها بحرهم الأهمّ على مستوى التراث، خليج العرب، الخليج الأحمر، أقدم ضفاف حضارات العرب.
الزعم الفارسي
تدّعي الجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة أنّ الخليج العربي هو خليج فارسي من الأساس، وتطالب بتعميم هذه التسمية بديلة عن تسمية الخليج العربي… وما يزعج إيران فعلاً بتسمية الخليج العربي أنّها تذكّر العالم بالبلاد العربيّة المحتلّة، التي كانت على الضفة الشرقيّة للخليج، قبل أن تستولي عليها إيران سنة 1925، ثمّ تعمل جهدها لتغيير ديموغرافيتها العربيّة. واليوم تريد الجمهوريّة الإيرانيّة محو ذكر هذه البلاد من التراث كلّه، لا بل والاستيلاء على تراث بلاد العرب على الضفّة الغربيّة للخليج كذلك.
ويستعين القوميّون الفرس بدليل واحد فقط من التاريخ العربي، يستعملنه بكثرة شهادة على أنّ العرب قديماً استعملوا تسمية الخليج الفارسي اسماً للخليج العربي. ويزعم قوميّي الفرس أنّ مَطْرَان منبج {محبوب بن قسطنطين} قد سجّل في كتابه من القرن العاشر تسمية الخليج الفارسي، وهو يؤرّخ للدولة العبّاسيّة والخلافة فيها. لكنّني راجعت الكتاب وما وجدت في نصوصه العربيّة ذكر الخليج الفارسي ولو مرّة واحدة. غير أنّها مذكورة في التَّرْجَمَةً الفرنسيّة للكتاب. ويمكنك مطالعة كتاب المَطْرَان محبوب بنفسك من هنا.
وللحقّ، وردت كلمة خليج فارس على خرائط القرون القليلة الماضية اسماً للخليج الداخل في محافظة فارس الإيرانية شمال شرق الخليج العربي. في الوقت الذي حمل فيه الخليج عموماً تسمية خليج البصرة. أي أنّ خليج فارس كان جزء من خليج البصرة، لا كلّه. في حين أنّ أدبيّات الممالك الإيرانيّة القديمة جميعاً سمّت هذا الخليج باسم خليج الطاژيّين أي العرب (الطائيّين).
خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.
مع ذلك، حتّى لو سلّمنا جدلاً بأنّ أحداً في الماضي قد استعمل تسمية خليج فارسي على هذا البحر، فمن كان؟ ولأجل أيّ دولة سيستعمل هذه التسمية؟
الأخمينيّين آريّين، يعودون بأصولهم إلى مملكة آريا على نهر المُرغاب في أفغانستان. استجلبهم الأسوريّون مماليك لحكم إيلام. ثمّ خرجوا منها يحرّرون البلاد من الميديّين ويعيدون توحيدها.
الأشكان الپارثيّين تُرك من الساكا الطوران، يعودون بأصولهم إلى منطقة ضفاف نهر الپنج في طاجيكستان المعاصرة. ثاروا على السلوقيّين ثمّ زحفوا عليهم واستبدلنهم.
الساسان پُنجابيّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة مدينة ٹيکسلا شمال پاكستان المعاصرة. استجلبهم الأشكان مماليك، فانقلبوا عليهم وسلبنهم السلطة بالدين.
فمن هم الفرس الذين منح العالم تسمية الخليج بالفارسي لأجلهم؟ ليس في التاريخ مكان لهذه الخرافة.
خديعة القوميّة الفارسيّة
في الواقع، وبرغم حداثة تسمية الخليج العربي. لكن، مع ذلك، لم يسبقنا أحد نحن أبناء القرن العشرين، إلى تسمية هذا البحر بالخليج الفارسي، ولا يطلق عليه هذه التسمية إلا الجمهوريّة الإيرانية وراثة عن مملكة الشاه پهلوی. فمن مصائبنا المعاصرة تَرْجَمَة كلمة Persian بأشكالها المختلفة وحيثما وردت بكلمة فارسي. وهذه تَرْجَمَة خاطئة لمعنيين متعارضين، تستعملها پروپاگندا القومية الفارسية لسرقة تراث المنطقة كلّه وتزوير التاريخ.
كلمة Persian الإنگليزيّة تشير في الواقع إلى الهضبة الإيرانيّة، ولا تعني الهويّة الفارسيّة كهويّة قوميّة. أصلها من الكلمة الإنگليزية القديمة percynne عن الفرنسية القديمة persien عن اللاتينيّة Persiānus عن الإغريقيّة Περσίς پيرسيس (والياء الأولى هنا هي ألف مائلة صوب الياء) المقتبسة عن اللّقب الذي منحه الملوك الأخمينيّين لأنفسهم: أسرة پارسه 𐎱𐎠𐎼𐎿. فهو في البداية اسم أسرة وقبيلة وليس اسم بلد. على سياق أسماء من مثل: السعوديّة، الهاشميّة، المتوكّليّة… وهكذا. لهذا، ينبغي أن تُترجم كلمة Persian حيثما وردت وبلغات أوروپا بالمختلفة، بكلمة إيراني، لا بكلمة فارسي. والهضبة الإيرانيّة متعدّدة الهويّات الإثنيّة.
والتسمية التي اتّخذتها الأسرة الأخمينيّة پارسه من الأساس هي اسم قبيلتها من قبل تأسيس العرش الأخميني، حين كانت لم تزل تعيش على ضفاف نهر المُرغاب في مملكة كان اسمها آريا (أريو، هَرَيڤه) جَنُوب أفغانستان المعاصرة. فالتسمية في الأصل هي {پَارَشُ} أو {پَارَچُ} परशु التي تعني فأس المحارب، تطوير عن الأگّديّة {پاشُ} 𒂆 التي تعني فأس. وهو فعلاً رمز قبيلة قورش مؤسّس الدولة الأخمينيّة وسلاحها الأوّل. ومع تميّز القبيلة الأخمينيّة بمهمّات حربيّة في خدمة الدولة الأسوريّة الحديثة صار اسمها بلسانها {پَارْشُ} पर्शु تحوير عن اسم سلاح الفأس. وهو الاسم الذي تحوّل إلى {پَارْسُ} بقلب ش إلى س.
سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده، رسم Dario T. W.
ولمّا حكم الأخمينيّون إمبراطوريّة واسعة سجّلها الإغريق كلّها باسم پارسه، ثمّ تراجعت جغرافيّة هذه التسمية مع تقهقر مساحة الدول اللاحقة إلى الهضبة الإيرانيّة وحدها. هذا مع التأثير المباشر الذي صنعه الملوك السلوقيّين حين غيّروا اسم الدولة كلّها في الأدب الإغريقي إلى سوريا بدلاً پارسه، مستعيدين الاسم الإمبراطوري الأخميني والأسوري. فصارت پيرسيس تشير إلى وسط الهضبة الإيرانيّة وحدها، خصوصاً تلك المساحة الصغيرة التي خصّها السلوقيّين باسم پيرسيس، وهي التي تحوّل اسمها في العهد الإسلامي إلى مملكة فارس ثمّ صارت اليوم محافظة فارس الإيرانيّة، التي عُرفت كذلك باسم مملكة شيراز، حين كان اسم شيراز نفسها مدينة فارس.
ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق
المهم، بنتيجة هذه التعابير الجغرافيّة في الأدب الإغريقي وكلّ من ورث عنه في أوروپا، صار البحر شرق جزيرة العرب يحمل في بعض الآداب الغربيّة تسمية بحر پيرسيس أو خليج پيرسيس، وهي تسمية لا تشر بأيّ شكل من الأشكال إلى ترجمتها الخاطئة: خليج فارسي، لأنّها تشير إلى إقليم سياسي زال من الوجود قبل 2500 سنة. ولم يكن فارسيّاً من الأساس، إنّما كان آريّاً أخمينيّاً.
ولأجل ذلك، نالت في الأدب الروماني سمة پيرسيس Περσίς أو پيرسيانُس Persiānus كلّ الدول التي حكمت أجزاء من الهضبة الإيرانية، سواء أكانت ممالك أزديّة طائيّة عربيّة أو ساكيّة تركيّة أو پشتونيّة وغيرها. ولهذا، لا يصحّ تَرْجَمَة كلمة Persian في كلّ مكان وردت فيه بكلمة فارسي، فليست كلّ شعوب المنطقة فارسيّة ولا كانت ممالكها كلّها فارسيّة، ولا يقصد المصطلح القوميّة الفارسيّة من الأساس.
مع ذلك فإنّ الجغرافيا الرومانيّة منحت الخليج تسمية الخليج العربي، ويظهر ذلك بوضوح في أدبيّات رسائل المحامي الدبلوماسي پليني الأصغر Gaius Plinius Caecilius Secundus من القرن الأوّل. ويقول بأنّ سكّان سواحله جميعاً من العرب. على الضفّتين الشرقيّة والغربيّة.
أسماء الخليج العربي عبر التاريخ
حمل الخليج العربي، وعلى لسان أهله وسكّانه، عدّة أسماء على مرّ التاريخ. آخرها كان خليج البصرة (بصرة كورفزي) لأنّ إيالة البصرة أحكمت عليه سيطرتها في العهد العثماني، وهي التسمية الأطول عمراً، لأنّها موروثة عن عهد عمر بن الخطّاب حين كان خليفة الدولة الإسلاميّة، وورد ذكر الخليج في مراسلاته باسم بحر البصرة، ولو أنّ فترات من الدولة العبّاسيّة غيّرت اسمه إلى خليج العراق، أو بحر العراق. مقارنة ببحر الشام على الغرب.
خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.
ومن أسمائه العربية كذلك بحر مُسَنْدَم على اسم رأس مُسَنْدَم العُماني. وبحر القطيف على اسم ميناء القطيف البحراني في المملكة السعوديّة. بالإضافة إلى اسم البحرين كذلك. وقبلها حمل الخليج اسم مملكة هرمز العبّاسيّة المعروفة كذلك باسم خانيّة بستك و إمارات عرب الهولة.
قبل ذلك عُرف الخليج العربي في نقوش إمبراطوريّات العراق القديمة باسم البحر الأدنى (الأخفض) وبحر الجَنُوب وبحر الكلدان وبحر ميسان والبحر المرّ، وهي التسمية الأخيرة قبل نشوء الإمبراطوريّة الأخمينيّة. في العهد الأخميني كان اسمه {البحر} فقط دون نسبة، ثمّ أعقب الأخمينيّين السلوقيّين الذين أطلقوا عليه تسمية خليج العرب والخليج الأحمر (نسبة إلى لون العرب الإثني). ثمّ حكم الأشكان والساسان الذين أطلقوا عليه تسمية بحر الطاژيگان أي بحر الطائيّين، وكان الخليج فعلاً محكوم بمحيطه كلّه بممالك أزديّة طائيّة.
خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.
استبدال تسمية خليج البصرة
في فترة ثلاثينيّات القرن 19 نزل الخليج العربي كاملاً تحت الهيمنة البريطانيّة، فحاولت بريطانيا سنة 1840 تغيير اسم الخليج إلى بحر بريطانيا Britain Sea وهو ما بدأ كلّ هذه البلبلة حول تسمية الخليج ونسبته القوميّة.
تجاهلت دول المنطقة الرغبة البريطانيّة وحافظت بأغلبها على تسمية خليج البصرة، حتّى فترة دولة رضا شاه پهلوی، الذي أزال التركمان عن السلطة في إيران ورغب بفرض حضور قومي فارسي على كلّ الصعد. وبعد أن ابتلعت دولته هدايا بريطانيا، التي سلّمته كامل الساحل الشرقي للخليج العربي بدوله العربية، بدأ في فترة ثلاثينيّات القرن 20 باستعمال تسمية خليج فارس في صحافته المحلّيّة بدلاً عن تسمية خليج البصرة ليؤكّد تفوّق الحضور الفارسي في المنطقة. وفي ردّ عليه بدأت الصِّحافة في بعض الدول العربيّة باستعمال تسمية الخليج العربي، خصوصاً تلك الصِّحافة التي نالت سلفاً دعماً وتمويلاً من أسرة الشيخ خزعل الكعبيّ.
سنة 1955 قام البريطاني تشارلز بلگريڤ Charles Belgrave باستعمال تسمية الخليج العربي بدلاً عن خليج بريطانيا، وكان آنذاك مستشار حكّام البحرين، وشخصية تمثّل الإمبراطوريّة البريطانيّة. فكان بالتالي أوّل شخصيّة غربيّة رفيعة المستوى تصرّح بتسمية الخليج العربي. وما هي إلا خمس سنوات حتّى اعتمدت الدول العربيّة المستقلّة تسميّة الخليج العربي بديلة عن خليج البصرة.
سنة 1974 قام شاه إيران الابن ولأوّل مرّة باستعمال تسمية الخليج الفارسي في مقابلة مع الصِّحافة الأميركية، وكانت المرّة الأولى التي تخرج فيها هذه التسمية إلى فضاء دوليّ. ثمّ سنة 2010 فرضت إيران على شركات الطيران التي تستعمل أجواءها استعمال تسمية الخليج الفارسي، أو تُحرم من الطيران فوق إيران.
احتلال إيران للساحل الشرقي
خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925
في فترة الحرب العالمية الأولى سقطت إمارات عرب الهولة العبّاسيّة تحت الاحتلال البريطاني المطلق، ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي عزلت محمد رضا خان البستكي العباسي عن مُلكه بعد دوام 3 قرون، وغيّرت اسم بلاده إلى شهرستان بندرعبّاس، ثم إلى محافظة هرمزگان، مع تعيين ابن محمد رضا خان البستكي العباسي محافظاً عليها.
قبلها كانت مشيخة بني كعب الناصريّة قد نزلت تحت الحماية البريطانية سنة 1890، التي غيّرت اسمها إلى مشيخة المحمّرة. ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي اعتقلت الشيخ خزعل الكعبيّ مع أبنائه على يختهم الخاص واختطفتهم، ثمّ أسرتهم في طِهران، ثمّ أعدمتهم سنة 1936، بينما نشرت قوّاتها في الأحواز وضمّت الناصريّة بشكل نهائيّ إلى إيران. بعد أن عاشت دولة عربيّة مستقلّة مدّة 235 سنة.
أمّا منطقة أبو شهر فقد كانت مقتسمة ما بين القواسم والكعبيّين، وكان القواسم قد حاولوا الاستقلال عن الكعبيّين من الأساس. ثمّ، لمّا أسقط الإنگليز حكم القواسم جَنُوب أبو شهر وعدوا الشيخ خزعل الكعبي بإعادة سيطرة المشيخة الناصريّة على أبو شهر كلّها، وجعلوا مكتب الارتباط التجاري ما بين المحمّرة وبريطانيا في مدينة أبو شهر. وذلك إغراء للشيخ خزعل لإيقاف التقارب مع روسيا وإيقاف مشروع ميناء لنجة الروسي العسكري سنة 1902. وبالفعل صار شريط أبو شهر تحت السيادة الناصريّة دوليّاً، ولو أنّه بقي تحت الإدارة البريطانيّة فعليّاً. هكذا إلى أن سلّمت بريطانيا مشيخة المحمّرة للاحتلال الإيراني سنة 1925.
أمّا القسم الأخير من بلاد العرب على الساحل الشرقي للخليج العربي، وهو گوادر في الجَنُوب على بحر العرب، فقد تخلّت عنه سلطنة عُمان سنة 1958 لمصلحة الحكومة الپاكستانية، وانتهى هكذا أي وجود سياسي للعرب على الساحل الشرقي.
الخليج العربي بحر للعرب من قديم الأزمان، ليس باسم على ورق وحسب، بل هويّة وحضارة وتراث.
مذ وصل الإسلام إلى شرق الصين، ومذ بُني مسجد قوانگتشو هوايشينگ 广州怀圣寺 سنة 627 ومساجد الصين تطوّر خطّاً عربيّاً خاصّاً بها. واليوم يتداول أتباع مذهب گَديمو 格迪目 الإسلامي وأغلب الخوي (الهوي) في الصين ما يسمّى بالخطّ الصيني ويستعملنه لكتابة اللّهجة العربيّة الصينيّة، وهي ما يعتقدها أتباع مذهب گَديمو الإسلامي أنّها العربيّة الصحيحة. وأنّ العربيّة الفصحى الحالية ليست العربيّة الصحيحة.
سمات اللّهجة العربيّة الصينيّة قريبة من سمات اللّهجة الشاميّة البدويّة، مثلاً: تستعمل مثل الشاميّة نون الجمع بدلاً عن ميم الجمع الساكنة، فتقول عليكن بدلاً عن عليكم، وتستعمل الواو بدلاً عن التنوين، والگاف بدلاً عن القاف، والهمزة بدلاً عن الـ التعريف، وتلفظ الألف مائلة نحو الياء. وتقول: قَيْبُلؤِ 蓋布勒 بدلاً عن قَبُول. وتقول: سَيْلِيمُ 赛俩目 بدلاً عن سَلَامُ.
مسجد قوانگتشو هوايشينگ 广州怀圣寺
يتبع مسلمي گَديمو (قديمٌ) المدرسة الحنفيّة (ما قبل الصوفيّة) على المذهب السنّي. وفي مطلع القرن 20 ومع انفتاح مسلمي الصين على الأتراك المسلمين وَسَط آسيا، تحوّل جزء من الخوي الصينيّين إلى الحنفيّة الصوفيّة، النسخة التركيّة من الإسلام، وصاروا يُعرفون باسم چينجيا 新教 أي أتباع التعاليم الجديدة، الذين يمارسون الإسلام بعربيّة بغداد، ويتبعون مدارس بخارى وسمرقند الشرعيّة في أوزبكستان. ومع ضمّ تركستان الشرقية إلى الصين سنة 1948 صار إسلام چينجيا يقوم مقام الپروتستانتيّة في مقابل محافظة مسلمي گَديمو الصيني.
اسمهم بلغتهم المحلية شعب خُوِزُو وهو منتشر في كل أرجاء الصين تقريباً، و يتحدث اليوم اللغة الصينية الحديثة كلغة أولى إلى جانب تعلّم العربية الصينية في المساجد. وتعدادهم داخل الصين حوالي عشر ملايين نسمة.
في القرن السابع أو الثامن تحول يهود الصين بأغلبهم إلى الإسلام وانضمّوا إلى قوميّة الخوي.
مصحف صيني باللغة العربية في مدرسة من مدارس {چينگتانگ چياوهو} 经堂教育
اليوم ومنذ القرن 16 يتعلّم مسلمي گَديمو الإسلام محافظين على طريقة الأديرة الصينية القديمة، بتقاليد تسمّى {چينگتانگ چياوهو} 经堂教育 التي تعني حرفيّاً نظام {تعليم قاعة الكتب المقدّسة}، وهي 13 كتاب بالعربيّة والفارسيّة. ويكتبون اللّغة العربيّة بأحرف صينيّة، مع الإبقاء على العبارات العربيّة المقدّسة بالخطّ الصيني العربي، وهو الذي تراه في الصورة وفيها آية الكرسي مكتوبة بالخطّ الصيني العربي… هل تقدر على قراءتها؟
آية الكرسي مخطوطة بالخطّ الصيني العربي
في القرن 19 خرجت عن الگَديمو طائفة جديدة خالفتها في كلّ المظاهر. وهي طائفة إيخوْواني 伊赫瓦尼 (أي الإخوان) التي تمرّدت على ما سمّته باللاوجياو (أي العقيدة القديمة) الصينيّة. وصارت تبني المساجد على نمط شرق أوسطي بدلاً عن النمط الصيني، وتقوم بنشر الإسلام على الطريقة الأزهريّة المصرية بدلاً عن الصينيّة القديمة.
عندنا في تراث أوزبكستان تعني كلمة طاجيك حرفياً العرب. كلّ العرب. وهي مستقاة من التسمية الساسانية لبطيء وكانت طاژيگ.
فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية
في القرن الثالث سنة 240 نجح أردشير الأوّل بفتح مگان لمصلحة الساسان، ومگان آنذاك هي سلطنة عُمان المعاصرة وكلّ الساحل الغربي للخليج العربي (البحرين)، وميسان جَنُوب العراق، ومحافظة هرمزگان في إيران المعاصرة. وهي جميعاً ديار لطيء آنذاك.
تسمية طاژيگي أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان… أي الأزد. ولمّا ثارت عُمان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى منطقتين هنّ مدينة عُمان نفسها، ومدينة بلخ في ولاية آريا على نهر المرغاب في أفغانستان المعاصرة، فتوسّع هؤلاء العرب منها وصارت لهم طاجيكستان الشرقيّة (آريا الشِّمالية – ما وراء النهر)، التي ترى اليوم جمهوريّة طاجيكستان على جزء منها. لكنّ السامان والصفاريّين، وللقضاء على كلّ أثر للطاهريّين العرب في تركستان، أكرهوا هؤلاء الطاجيك العرب في القرن التاسع على استبدال العربيّة بالفارسيّة، ثم قام الاتّحاد السوڤييتي بتدريسهم في المدارس أنّهم فرس في الأساس.
شاپور الثاني لم يكتف بطرد الكثير من العرب عن سواحل الخليج العربي ودفعهم نحو القسم الغربي من شبه الجزيرة العربية. بل صعد إلى العراق، وكان آنذاك باسم أسور إستان (سوريا) فحارب قبيلة إياد المالكة للبلد. ثمّ نفى تغلب إلى جزيرة البحرين وإلى قرية حتّا في دولة الإمارات العربية المتّحدة المعاصرة. كما نفى بني عبد القيس وبني تميم إلى جِبَال ٱلْحَجَر الواقعة اليوم شرق سلطنة عُمان. كما نفى بني بكر إلى مدينة كرمان وشمال ولايتها. ونفى بني حنظلة إلى ضواحي مدينة الأهواز (الأحْوَازْ) في إيران المعاصرة. ثمّ قام شاپور الثاني بإخلاء العرب تماماً عن شريط الباطنة الساحلي في عُمان واستبدلهم بجند من عنده (1). ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب (2). لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم وتحريرها.
وكان العرب وبخاصّة الأزد، قد ثاروا على الحكم الساساني وقادوا حرباً عظيمة على الشاهنشاهية الساسانية وصلت فيها جيوشهم حتى مدينة شهر گور المدينة المعروفة اليوم باسم فيروزآباد داخل فارس نفسها. ولو تابعوا ووصلوا شيراز لكانت انتهت دولة الساسان من وقتها وصارت كلّها عربية (3). وكان الأزد آنذاك على حكم مگان كلّها بشطريها (عُمان + هرمزگان) بالإضافة إلى میسان جَنُوب العراق المعاصر. ثمّ ردّ شاپور الثاني بحرب أباد فيها الكثير من العرب، ووصل بحملة التدمير حتّى يثرب المدينة المنوّرة (4)، ودمّر مدن العرب، وردم مياههم، ونفى معاقل قبائلهم (5). ولقّبه العرب آنذاك {ذو الأكتاف} (6).
بعد تلك الحرب، فرضت الحكومة الساسانيّة على سكّان أسورإستان (العراق) وشرق شبه الجزيرة العربيّة التحوّل إلى الديانة الزرادشتية (7)، وهو ما قاد سريعاً إلى ثورات تالية متكرّرة تسبّبت في القرن السادس بنفي بني تغلب سكّان أسورإستان غرباً إلى القسم الروماني من مملكة أورهي (الرها) ومن ثمّ استقرارهم في مدينة المعرّة في سوريا المعاصرة. واختتم الساسان تلك الثورات العربيّة بتنصيب ملك اللّخميين المنذر الثالث بن النعمان ملكاً على مگان (عُمان) (8).
المراجع
1 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
2 Bosworth, C. E. (1983). “Abnāʾ”. Encyclopaedia Iranica, Vol. I, Fasc. 3. pp. 226–228. https://go.monis.net/SjjtWI
4 Potts, Daniel T. (2012). “ARABIA ii. The Sasanians and Arabia”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/nV3fov
5 Frye, R. N. (1983). “The Political History of Iran under the Sassanians”. In Yarshater, Ehsan (ed.). Cambridge History of Iran. Vol. 3. London: Cambridge University Press. pp. 116–181.
6 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
7 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 593–613. https://go.monis.net/CBakb5
8 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 600. https://go.monis.net/CBakb5