الوسم: أديان

  • نسر العرب

    نسر العرب

    على أهل فكرة اللاعربيّة الخجل والاستحياء عند التكلّم بذمّ في العرب لإنكار الحضارة العربية.

    النسر، الذي تتغنّى به أغلب الرموز السياسيّة اليوم، على أنّه تراث روماني أو إغريقي، هو في الواقع من التراث العربي… لم يعرف التاريخ بلداً عربياً قديماً لم يتّخذ من النسر رمزاً له، قبل الإغريق وقبل الرومان، ومن عصر المورو. حتّى أنّ المدن العربية كانت تضع رمز النسر على مداخلها بديلاً عن اسم الهُوِيَّة العربية.

    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.
    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.

    الصورة هنا من القرن الأوّل، نحت نبطي لنسر يحمل البرق تحت مخالبه، كان النسر رمز شائع مرتبط بالإله العربي الأعلى دُسارة أو دوشرع (ذو الشرى)، وتركت العرب الدواسر له منحوتات على نطاق واسع في مقابر الحجر في البتراء بصفة مصدر للحماية الإلهية ضدّ اللصوص وتجده في كلّ مكان إن جلت حوران أو الأرْدُنّ أو فلسطين أو السُّعُودية، وكذلك في العديد من المدن المهجورة في الجزيرة العربية.

    وذو الشرى هو ابن عشتار، استمرّت عبادته عند بعض العرب من العهد السومري حتّى العهد المسيحي، وبأسماء مختلفة. وفي آخر عهوده العربية عُرف عبدته باسم الدوسريّين، وكان منهم والد الإمبراطور الروماني فيليپ العرب. حتّى يكاد علم الآثار أن يقول أنّ الديانة المسيحيّة التي حاول فيليپ تحويل روما إليها هي في الواقع ديانة ذو الشرى نفسها.

    {ذو الشرى} 𐢇𐢎𐢕𐢏𐢄𐢇 هو اسمه المعيني اليماني، أمّا اسمه النبطي فكان {دوشرع} 𐢅𐢈𐢝𐢛𐢀، وفي بعض اللّهجات اليمانية كذلك {ذو سراة} و {دوسرات} ومنه اسم جبال السرات والسروات الممتدّة اليوم في المملكة السُّعُودية واليمن، وعلى أعلى قممها تتربّع مدينة المحجّ القديمة لذو الشرى: مدينة القليس؛ صنعاء.

    اسمه السومري هو {شره} 𒀭𒁈 (شرع، ساره) وهو ابن {إننّة} العذراء؛ التي عُرفت ومنذ العصر البابلي باسم عشتار، بتشكيلاته المختلفة. وكان شره هو القمح وهو الشعير وهو واهب الخير والحبوب، ومن جسده أكلت الناس خبزاً كافياً كلّ يوم (خبز الشعير) ومن دمه شربت الناس خمراً شافياً كلّ يوم (البيرة ولاحقاً نبيذ العنب).

    قدّست العرب النسر والطير منذ العهد الموري الأوّل، عهد المورو (الأمو، الأموريّين) الذين كانوا إذا مات منهم أحد، رفعوا جسده إلى أعلى قمم الجبال لتأكلها النسور، وظنّوا هكذا أنّ الخالق يستعيد الجسد المَيِّت فترفعه إليه النسور. وعليه عدّوا أن النسر المحلّق هو عين اللّه ترقب الناس من العُلا، فهو الرقيب من يخبر اللّه عن العصاة كي ينولوا العقاب. وهو العتيد من يحمل البرق كي يضرب به المفسدين في الأرض. وهو الرسول من يحمل شرع اللّه إلى أهل الأرض فتنتظم حياتهم.

    يعود استعمال النسر كرمز سياسي بين العرب إلى أكثر من خمس آلاف سنة، طالمَا أنّه كان بالأساس رمزاً دينياً وإلى زمن يعود عمقاً إلى ثماني آلاف سنة على الأقل.

    كامل التدوينة مع المراجع على مدوّنة البخاري من هنا

  • جذور المعتقدات العربية القديمة

    جذور المعتقدات العربية القديمة

    لا أقدر على السخرية من معتقدات أسلافنا العرب، وأديانهم التي قدّست السمك والأفاعي والثيران والوعول والأيائل والنسور والذئاب والبوم وغيرها من الحيوانات. ولا أغفر لأهل العربفوبيا واللاعربية سخريتهم من أسلافي العرب.

    حين درست فلسفة تلك المعتقدات القديمة وجدت أنها بدأت بمفهوم شكر المخلوق امتناناً للتضحية بجسده غذاء حياة الإنسان. فصارت الناس تصلّي للحيوان بعد صيده امتناناً وشكراً له لمعروفه.

    ثمّ صارت الناس تشكر الخالق على توفير هذه المخلوقات زاداً للحياة، وتعبّر عن شكرها هذا بواسطة أكل واحترام أكل هذه المخلوقات، والاحتفال بمواسم خاصّة للتعبير عن هذا الشكر.

    مثلاً، العربي القديم ومن حسن الأخلاق فيه، شعر بالامتنان للسمكة التي صادها وأكلها، فقد ماتت لتمنحه وأولاده حياتها كي يستمروا. فصار يحترم تقدمة هذه السمكة ويضع معروفها على رأسه.

    ثمّ ذهب إدراكه أن لا بدّ للسمكة من خالق يوفّر وجودها ويكرّسها لحياة الإنسان، فصار يجلّ ويحترم هذا الخالق ويتعبّد امتناناً لمعروفه.

    هذا العربي قديماً لم يعبد السمكة، فهو يقتلها ويأكلها يوميّاً. إنما شكرها امتناناً لفضلها على حياته. وصار يعقد الاحتفالات الدينية لشكر السمك وخالق السمك، وليس للتعبّد للسمك.

    فهذا العربيّ قديماً ما شعر بالاستعلاء على مخلوقات الأرض، إنما رأى نفسه معها سواء، فخجل أمام تضحية السمكة، وشكرها باحترامها.

    وكعادة الأديان في كلّ عصر، انحرف بعض أتباعها لاحقاً عن المفهوم الأول، وصاروا يتعبّدون للسمك ويحرّمون أكله، تكرار للاحترام القديم؛ دون فهم لفحوى العقيدة الأولى.

    المعتقدات العربيّة القديمة بدأت كلّها على أساس الامتنان وشكر المعروف، قبل الغرق في فلسفة الخطايا ودفع العقوبات. وهذه أخلاق عالية تُحترم. ولو خالفت معتقداتنا المعاصرة.

  • مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    English edition here

    في العصور القديمة، كان اسم مدينة إيميسا (الآن تعرف باسم حمص في سوريا) مرتبطاً بإلهة أو إله الشمس يدعى “مي”. كانت هذه الإلهة معروفة بأنها إلهة حامية لإيميسا، وكانت تعتبر تجسيداً للشمس.

    وفقاً للمصادر القديمة، كانت “مي” إلهة عربية محلية تُعبد بشكل رئيس في مدينة إيميسا والمنطقة المحيطة بها. وكانت غالباً ما تصوَّر على أنها شخصية أنثوية لها سمات شمسية، مثل تاج من الأشعة أو قرص يمثل الشمس. وفي بعض المجتمعات، كانت “مي” مرتبطة أيضاً بالقمر باسم “مه” وكانت تُعبد كإلهة قمرية أيضاً في ماده (القمريّة) في عراق عجم.

    كانت “مي” إلهة مهمة في الحياة الدينية لإيميسا، وكانت عبادتها مرتبطة بشكل وثيق بالهوية السياسية والاجتماعية للمدينة. وكان يعتقد أنها تحمي المدينة وسكانها، وكان يدعم عبادتها شبكة من الكهنة والكاهنات الذين يؤدون شعائرًا وتضحياتٍ في شرفها.

    مع مرور الوقت، انتشرت عبادة “مي” خارج إيميسا إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية الرومانية، وكانت في بعض الأحيان تُجسّد كإلهة إيزيس أو الإلهة الإغريقية آرتيميس. ومع ذلك، كانت ارتباطاتها الأساسية دائماً بالشمس والتقاليد المحلية لإيميسا.

    وكان يكتب اسم إلهة الشمس “مي” بالعديد من اللّغات القديمة حسب الفترة الزمنية والسياق الثقافي. وفيما يلي بعض الأمثلة:

    1. الآرامية: كان اللّغة المُتحدّثة في إيميسا خلال عصر إلهة “مي” الآرامية، وكان اسم الإلهة في هذه اللغة سيكتب كما يلي: ما أو مء “מא” (ميم-أليف)، وهي كلمة آرامية تعني “الماء”. ويمكن مقارنة ذلك باللغة العربية “مَيّه” و “ماي” و “ماء”.

    2. الإغريقية: كان غالباً ما يتم تهجئة اسم إلهة “مي” في اللغة الإغريقية على شكل “Μα” (ما)، وهي المعادلة اليونانية للآرامية “מא”.

    3. اللاتينية: كان اسم الإلهة “مي” مسجلاً أيضًا في المصادر اللاتينية، حيث كان يتم كتابته على هيئة “Maia” أو “Maja” أو “Maiestas”. وكان من المرجح أن تكون هذه الأشكال اللاتينية للاسم متأثرة بإلهة الرومانية “مايا” التي كان لها ارتباط أيضاً بالشمس.

    4. المصرية القديمة: تذكر بعض المصادر القديمة المصرية الإلهة “مي”، التي كانت معروفة أيضاً باسم “سيدة إيميسا”. وفي الصُوريّة (الهيروگليفية) المصرية، كان يتم كتابة اسمها على شكل “m3″، وهي تشكيلة صوتية للآرامية “מא”.

    يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الإملائية والنطق قد تختلف اعتمادًا على الفترة الزمنية والسياق الثقافي، وأن الإلهة “مي” قد تكون معروفة بأسماء وألقاب مختلفة في اللّغات والمناطق الأخرى.

    بإمكانك الاطّلاع على بعض المراجع التي تناولت الإلهة “مي” وتاريخ مدينة إيميسا، وهي على النحو التالي:

    • – “The Gods of Roman Syria: Divine Politics and Identity in the Eastern Mediterranean” لـ Ted Kaizer وجون دارك، الناشر: BRILL، 2009.
    • – “The Oxford Handbook of Roman Syria”، الناشر: Oxford University Press، 2011.
    • – “The Religion of the Nabataeans: A Conspectus” لـ Peter Alpass، الناشر: Brill، 2013.
    • – “Syria: A Historical and Architectural Guide” لـ Warwick Ball، الناشر: Interlink Books، 2011.
    • – “The Encyclopedia of Ancient History” لـ Roger S. Bagnall وغيره، الناشر: Wiley-Blackwell، 2012.

    هذه المراجع تشمل معلومات حول الإلهة “مي”، وتاريخ مدينة إيميسا، وتاريخ سوريا الرومانية عمومًا. يمكنك العثور على هذه الكتب في مكتبات الجامعات أو المكتبات العامة.

  • في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    واحدة من أهمّ الكلمات في تراث العرب. مسؤولة عن حرفين من أهمّ وأوّل أحرف لغتنا العربيّة؛ حرف الألف، وحرف التاء. وسبب لخروج كلمات طور و توراه و حكمة التاو.

    هي كلمة ثور، وبشكلها المعاصر قديمة جدّاً. فهي في البداية {ثَوْرُ} وكانت تشير إلى ذكر كل حيوان ثدي مستأنس ذو قرون. فلم يكن الثور هو ذكر البقر فقط، بل كان كذلك هو الوعل والشاة والظبي وغيرهم.

    في الآرامية كان اسمه تَورا תַּוְרָא والألف الأخيرة مائلة صوب الياء. وعنها في السريانيّة تَورا و تَوراء ܬܱ݁ܘܪܳܐ. وعن الآراميّة كذلك في الپهلويّة توور (توڤر) و تَوَر. وعنها في الفارسيّة تاول (تاڤل). وعن الآراميّة كذلك في التركيّة القارلوقية تَوَر. وفي الأرمينية تَڤَر.

    قبلها كانت في الأگّديّة شورُم 𒋗𒌑𒊒 وفي الإبلاويّة شُلُم 𒄞𒌉 وفي الأُگاريتيّة ثور 𐎘𐎗. وعنها في الكنعانيّة شور و صور و سور שׁוֹר. وفي الفنيقيّة كذلك شور و صور 𐤔𐤓.

    في السبئيّة ثور وكُتبت بشكلين 𐩻𐩥𐩧 و 𐩻𐩧 على نمط الكتابة الفنيقي. وعنها في القتبانيّة ثور 𐩻𐩥𐩧. وفي المعينيّة ثور 𐩻𐩥𐩧.

    وعليه فقد تعدّدت طرق لفظ الكلمة في العربيّة القديمة ما بين شور، شل، ثور، صور، تور.

    لمّا عبد الحثيّون وعل العرب المقدّس حداد، كتبوا اسمه في نقوشهم: تَرُ، تَور، تَورو. ومع توسّع حكم الحثيّين في الأناضول وشرق أوروپا وصلت ديانتهم؛ عربيّة الأصل، إلى تلك البلاد، ووصل عبرها لفظ تَوروس Ταῦρος إلى اللّغة الإغريقية كاسم لكوكبة الثور في أبراج السماء. واستعمل الإغريق تسمية هذا البرج على مجموعة من القبائل التركية التي كانت تعيش في مرتفعات القرم وعبدت برج الثور. وبسبب هؤلاء صار اسم الجبال نفسها بالإغريقيّة كذلك جبال تَوروس (طوروس، طور).

    عن الحثّيّة كذلك صارت الكلمة في اللاتينية تَورُس taurus عن كلمة متداولة في إيطاليا من قبل ميلاد اللّغة اللاتينيّة وقبل نشوء روما، هي كلمة تَوروس tauros التي تشير إلى الثور البرّي وإلى حيوان الأُرْخُص الذي انقرض سنة 1627، وكان الحيوان الذي استأنسه الناس قبل البقر المعاصر، ويصل طول قرنه حتّى 80 سم.

    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).
    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).

    هذه الشعوب القديمة التي عاشت في إيطاليا عبدت الثور كذلك كما العرب القدامى وكما الحثّيين، ولهذا صارت كلمة تَوروس Ταῦρος الإغريقيّة تعبّر عن إله مقدّس تماماً كمنزلة كلمة تَورا תַּוְרָא الآراميّة ومنزلة كلمة صور שׁוֹר الكنعانيّة ومنزلة كلمة ثور 𐩻𐩥𐩧 السبئيّة.

    يقابل المعبود ثور في الشرق، المعبود أپِس 𓃾 في مصر القديمة، واسمه ورمزه هو سبب وجود شكل حرف ا في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤀، وهو كذلك سبب وجود شكل حرف ت في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤕. وتنوّعت أسماءه بتنوّع رؤاه الفلسفيّة، فهو ألِپ و ألِف و أوخ و خَپِس و خيپو و خَپِى و خَپِعنخ و هِپو… وعدّ المصريّون القدامى فرس النهر من تجسيداته، ولو أنّه بغير قرنين.

    لمّا عبد الأجداد الثور أطلقوا على الحكمة والشريعة اسم تاو (طاو) ذات اسم الثور تَورا، وخرج عن هذه التسمية حرف تاو 𐤕 الفنيقي الذي انتشر في أبجديّات العالم الغربي بشكله المعاصر T. ويُعتقد أنّ اسم كتاب التَوراة תּוֹרָה يعني في الواقع كتاب جمع الحكمة والشريعة (التاو) المأخوذ عن اسم الثور المقدّس تَورا תַּוְרָא.