من الخرافات التي دأب عليها مستشرقي الحِقْبَة الاستعمارية؛ اختراع أمّم وقوميّات بناء على أسماء عواصم دولهم… ولو تمكّن لهم اليوم لتحدّثوا مثلاً في القوميّة القاهرية بدل المصرية، والقومية البغدادية، والقومية السُّعُودية! المهم عندهم ألّا يقال: شعوب عربية.
هذه الأكذوبة هي خرافة اللّغة الأكادية والحضارة الأكادية والأمّة الأكادية… والمكذوب على لسانه فيها هو عالم الأشّوريّات القدير إگناس گلِب Ignace Gelb. الذي برهن، ومن لحظة اكتشافه الأوّل للعاصمة أگَّدة (أقَّدة) أنّ اسم المدينة منسوب إلى اسم أسلاف العرب القدرو، وأنّ معنى اسم القدرو الأصلي هو البنّائين والمنظِّمين.
بعد هذا الاكتشاف، كُذب على لسانه، واخترعت القوميّة الأگّديّة، دون أيّ اعتبار إلى أنّ أگَّد كان مجرّد اسم دولة منسوب إلى اسم عاصمتها، إحدى دول شعب المنطقة العربية.
في النقوش العراقية استخدمت النصوص الأگّدية كلمة أگَّدة، وهي مشابهة للكلمة السومرية أقاد 𒀝 التي تعني “بناء” أو “تنظيم” أو “تشييد” أو “توجيه”.
كذلك الكلمة الأگّدية أگّيدُ (أكيدو) 𒀕𒅖𒋾𒄿 ومعناها “باني”، وهي مرتبطة أيضاً بكلمة أگَّد ومطابقة للكلمة السومريّة أقّيدُ بنفس المعنى، باستبدال حرف ق بحرف گ.
اسم أگَّدة مشتقّ في الأساس من اسم شعب القِدرو (گِدْرُ) 𒆕𒉈𒇓 (جِدرو)، وهم قبيلة سومريّة كانت تعيش في منطقة أگَّد، سجّلت مسماريّات أُرُگ (أوروك) تسميتهم بصيغة أُگِّد (أُقِّد) 𒀠𒆗𒀖.
عدد من علماء الآثار شاركوا گلِب نظريّته ودافعوا عن الصلة بين قوم گِدرُ (قِدرو) والعرب. ومن هؤلاء العلماء متخصّص الأشّوريّات نيقولاس پوستگيٓت والآثارية جوان أوتس، الذين يرون أنّ قوم گِدرُ كانوا مجموعة إثنيّة مميّزة منحدرة عن السومريّين وسلف للعرب.
عُرف عن قوم الگِدرُ مهارتهم في البناء والهندسة، ويُنسب إليهم بناء مدينة أگَّدة التي كانت عاصمة الإمبراطورية الأگّديّة. وهذا يشير إلى أنّهم كانوا شعباً متقدّماً تقنيّاً وذا ثقافة راقية. ويرى پوستگيٓت أنّ لغة قوم گِدرُ مرتبطة باللّغة العربية ولهجاتها. وعليه، فالتاريخ واضح في أنّ عرب اليوم هم نسل حضارات أگّد وسومر.
ترتبط القوميّة الفارسية ارتباطاً وثيقاً بحركات العربفوبيا والاعربية. فالقوميّة الفارسية هي حركة سياسية وثقافية ظهرت مع الأسرة الپهلوية عقب الحرب العالمية الأولى، وتسعى إلى تعزيز الهُوِيَّة الفارسية والثقافة الفارسية. وغالباً ما ترتبط هذه الحركة بمشاعر العداء تجاه العرب، ممّا يؤدّي إلى ظهور حركات العربفوبيا والاعربية في إيران وبين الموالين لها.
لتعزيز مشاعر العداء هذه، يدّعي منظّرو القومية الفارسية خرافات عن تاريخ طويل من صراع مُفترض بين الفُرس والعرب، وهي ذاتها رواية الشعوبيّة. وتروي هذه الخرافة أسطورة تقول: أنّ العرب ومنذ القرن السابع الميلادي، حكموا بلاد فارس مدة خمس قرون. وترك هذا الحكم تأثيراً عميقاً على الثقافة الفارسية، ممّا أدّى إلى ظهور مشاعر العداء تجاه العرب لدى بعض الفرس. وهكذا تدّعي خرافة القوميّين الفرس أنّ ثقافتهم مهدّدة من قبل الثقافة العربية.
ومن حركات العربفوبيا والاعربية في إيران الملكية والجمهورية:
– جمعية “فرهنگ” (الثقافة) السرية التي تأسّست عام ١٨٩٠، والتي كانت أوّل منظّمة تدعو إلى القومية الفارسية. وأدّت هذه الأفكار إلى ظهور مشاعر العداء تجاه العرب لدى أعضاء الجمعية، الذين كانوا يعتقدون أنّ الثقافة العربية تهديد للهوية الفارسية. إذ زعم بعض أعضاء الجمعية أنّ العرب هم “غزاة” لبلاد فارس، وأنّهم حاولوا القضاء على الثقافة الفارسية. فدعا أعضاء الجمعية إلى طرد العرب من بلاد فارس. وهاجموا الإسلام، الذي يُرى أنّه دين عربي.
شكّل العرب آنذاك نسبة حوالي ٢٥٪ من سكّان إيران (باستثناء الأحواز التي لم تكن جزء من إيران قبل ١٩٢٥ والعرب كانوا ٨٠٪ من أهلها)
– حركة الفدائيّين الماركسيّين-اللينينيّين (فدائيان خلق)، التي تأسّست في عام ١٩٦٥. و كانت هذه الحركة متطرّفة في موقفها من العرب، حيث كانت تدعو إلى طرد جميع العرب من إيران.
– حركة جبهة التحرير الوطني للإيرانيّين (فليت)، التي تأسست في عام ١٩٧٩. و كانت هذه الحركة أيضاً متطرّفة في موقفها من العرب، حيث كانت تدعو إلى إنشاء دولة فارسية قومية خالية من العرب.
– حركة المقاومة الوطنية الإيرانية (مجاهدين خلق)، التي تأسّست في عام ١٩٦٥. و كانت هذه الحركة أقل تطرفاً من الحركات السابقة، لكنّها كانت أيضاً تدعو إلى تعزيز الهُوِيَّة الفارسية والثقافة الفارسية، ممّا أدّى إلى ظهور بعض المشاعر العدائية تجاه العرب.
وأخيراً، فإنّ ظهور حركات القوميّة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين أدّى دوراً في ظهور حركات العربفوبيا وأفكار الاعربية في إيران. فأدّت هذه الحركات إلى تصاعد الشعور العربي القومي في المنطقة، ممّا أثار مخاوف بعض الفرس من أن تصبح بلاد فارس جزء من العالم العربي.
ولم تزل حركات العربفوبيا والاعربية في إيران مصدر للقلق بالنسبة للعديد من العرب. إذ وبالرغم من ضمّ الأحواز العربية إلى إيران، غير أنّ مجموع العرب لا يشكّل أكثر من ١٠٪ من سكّان جمهورية إيران الإسلامية المعاصرة، انخفاض كبير عمّ كانت عليه قبل مئة عام.
لحركات العربفوبيا واللاعربية في إيران تأثير كبير على انخفاض أعداد العرب من سكّان الجمهورية الإيرانية المعاصرة. فهذه الحركات تروّج لأفكار عنصرية وتمييزية ضدّ العرب، ممّا يخلق جوّاً من الكراهيَة والعداء تجاههم. وهذا الجو من الكراهيَة والعداء يؤدي إلى هجرة العرب من إيران أو اندماجهم في الثقافة الفارسية.
إذ تروّج حركات العربفوبيا واللاعربية في إيران لخرافة أنّ العرب هم “غزاة” أو “خطر” على الثقافة الفارسية. وهذا يؤدّي إلى خلق جو من الكراهيَة والعداء تجاه العرب، ممّا يدفع بعض العرب إلى الهجرة من إيران بحثاً عن بيئة أكثر أماناً.
وتحاول حركات العربفوبيا واللاعربية في إيران فرض الثقافة الفارسية على العرب، ممّا يدفع بعض العرب إلى الاندماج في الثقافة الفارسية. وهذا الاندماج يؤدّي إلى فقدان العرب لهويّتهم العربية، ممّا يساهم في انخفاض عددهم في إيران.
في عام ١٩٧٩، اندلعت انتفاضة في منطقة الأحواز العربية، حيث طالب العرب بحقّهم في تقرير المصير. وقامت الحكومة الإيرانية بقمع هذه الانتفاضة بقسوة، ممّا أدى إلى هجرة العديد من العرب من الأحواز.
في عام ١٩٨٠، اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، حيث دعمت الحكومة الإيرانية الفصائل العربية والكردية التي كانت تقاتل ضدّ الحكومة العراقية. وقامت هذه الفصائل بارتكاب جرائم ضدّ المدنيين العرب، ممّا أدّى إلى هجرة العديد من العرب من إيران.
في السنوات الأخيرة، تعرضت الأقلية العربية في إيران لحملة من القمع من قبل الحكومة الإيرانية. وأدّت هذه الحملة إلى هجرة العديد من العرب من إيران.
انتهجت الحكومة الإيرانية سياسات تمييزية ضدّ العرب، مما أدّى إلى هجرة بعض العرب من إيران أو اندماجهم في الثقافة الفارسية. ففي القرن التاسع عشر، فرضت الحكومة الإيرانية قيوداً على حرية العرب في التعليم والعمل والسفر. وفي القرن العشرين، استمرّت الحكومة الإيرانية في التمييز ضدّ العرب، مما أدّى إلى هجرة بعض العرب من إيران أو اندماجهم في الثقافة الفارسية.
هناك عدة أسباب لانخفاض نسبة العرب من سكّان الجمهورية الإيرانية المعاصرة خلال مئة عام، إذ هاجرت أعداد كبيرة من العرب من إيران إلى دول عربية أخرى، وذلك بحثاً عن فرص عمل أفضل أو هربًا من القمع السياسي. وانتهجت الحكومة الإيرانية سياسات تمييزية ضدّ العرب، مما أدّى إلى هجرة بعض العرب من إيران أو اندماجهم في الثقافة الفارسية.
عموماً، يمكن القول أنّ حركات العربفوبيا واللاعربية في إيران تشكّل تهديداً شديد الْخَطَر على الأقلّية العربية في إيران.
لربّما لم يعرف العالم لصوص تاريخ أوقح من القوميّين الفرس ودولة رضا شاه پهلوی والجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة. يزوّرون التاريخ في پروپاگندا شديدة الخبث تسرق تراث حضارات أمم برمّتها، لصناعة تاريخ فارسيّ، ما وُجد قط.
ومن ذلك منازعة العرب على بلادهم وتراثهم وحتّى تركة أجدادهم. ومنها بحرهم الأهمّ على مستوى التراث، خليج العرب، الخليج الأحمر، أقدم ضفاف حضارات العرب.
الزعم الفارسي
تدّعي الجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة أنّ الخليج العربي هو خليج فارسي من الأساس، وتطالب بتعميم هذه التسمية بديلة عن تسمية الخليج العربي… وما يزعج إيران فعلاً بتسمية الخليج العربي أنّها تذكّر العالم بالبلاد العربيّة المحتلّة، التي كانت على الضفة الشرقيّة للخليج، قبل أن تستولي عليها إيران سنة 1925، ثمّ تعمل جهدها لتغيير ديموغرافيتها العربيّة. واليوم تريد الجمهوريّة الإيرانيّة محو ذكر هذه البلاد من التراث كلّه، لا بل والاستيلاء على تراث بلاد العرب على الضفّة الغربيّة للخليج كذلك.
ويستعين القوميّون الفرس بدليل واحد فقط من التاريخ العربي، يستعملنه بكثرة شهادة على أنّ العرب قديماً استعملوا تسمية الخليج الفارسي اسماً للخليج العربي. ويزعم قوميّي الفرس أنّ مَطْرَان منبج {محبوب بن قسطنطين} قد سجّل في كتابه من القرن العاشر تسمية الخليج الفارسي، وهو يؤرّخ للدولة العبّاسيّة والخلافة فيها. لكنّني راجعت الكتاب وما وجدت في نصوصه العربيّة ذكر الخليج الفارسي ولو مرّة واحدة. غير أنّها مذكورة في التَّرْجَمَةً الفرنسيّة للكتاب. ويمكنك مطالعة كتاب المَطْرَان محبوب بنفسك من هنا.
وللحقّ، وردت كلمة خليج فارس على خرائط القرون القليلة الماضية اسماً للخليج الداخل في محافظة فارس الإيرانية شمال شرق الخليج العربي. في الوقت الذي حمل فيه الخليج عموماً تسمية خليج البصرة. أي أنّ خليج فارس كان جزء من خليج البصرة، لا كلّه. في حين أنّ أدبيّات الممالك الإيرانيّة القديمة جميعاً سمّت هذا الخليج باسم خليج الطاژيّين أي العرب (الطائيّين).
خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.
مع ذلك، حتّى لو سلّمنا جدلاً بأنّ أحداً في الماضي قد استعمل تسمية خليج فارسي على هذا البحر، فمن كان؟ ولأجل أيّ دولة سيستعمل هذه التسمية؟
الأخمينيّين آريّين، يعودون بأصولهم إلى مملكة آريا على نهر المُرغاب في أفغانستان. استجلبهم الأسوريّون مماليك لحكم إيلام. ثمّ خرجوا منها يحرّرون البلاد من الميديّين ويعيدون توحيدها.
الأشكان الپارثيّين تُرك من الساكا الطوران، يعودون بأصولهم إلى منطقة ضفاف نهر الپنج في طاجيكستان المعاصرة. ثاروا على السلوقيّين ثمّ زحفوا عليهم واستبدلنهم.
الساسان پُنجابيّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة مدينة ٹيکسلا شمال پاكستان المعاصرة. استجلبهم الأشكان مماليك، فانقلبوا عليهم وسلبنهم السلطة بالدين.
فمن هم الفرس الذين منح العالم تسمية الخليج بالفارسي لأجلهم؟ ليس في التاريخ مكان لهذه الخرافة.
خديعة القوميّة الفارسيّة
في الواقع، وبرغم حداثة تسمية الخليج العربي. لكن، مع ذلك، لم يسبقنا أحد نحن أبناء القرن العشرين، إلى تسمية هذا البحر بالخليج الفارسي، ولا يطلق عليه هذه التسمية إلا الجمهوريّة الإيرانية وراثة عن مملكة الشاه پهلوی. فمن مصائبنا المعاصرة تَرْجَمَة كلمة Persian بأشكالها المختلفة وحيثما وردت بكلمة فارسي. وهذه تَرْجَمَة خاطئة لمعنيين متعارضين، تستعملها پروپاگندا القومية الفارسية لسرقة تراث المنطقة كلّه وتزوير التاريخ.
كلمة Persian الإنگليزيّة تشير في الواقع إلى الهضبة الإيرانيّة، ولا تعني الهويّة الفارسيّة كهويّة قوميّة. أصلها من الكلمة الإنگليزية القديمة percynne عن الفرنسية القديمة persien عن اللاتينيّة Persiānus عن الإغريقيّة Περσίς پيرسيس (والياء الأولى هنا هي ألف مائلة صوب الياء) المقتبسة عن اللّقب الذي منحه الملوك الأخمينيّين لأنفسهم: أسرة پارسه 𐎱𐎠𐎼𐎿. فهو في البداية اسم أسرة وقبيلة وليس اسم بلد. على سياق أسماء من مثل: السعوديّة، الهاشميّة، المتوكّليّة… وهكذا. لهذا، ينبغي أن تُترجم كلمة Persian حيثما وردت وبلغات أوروپا بالمختلفة، بكلمة إيراني، لا بكلمة فارسي. والهضبة الإيرانيّة متعدّدة الهويّات الإثنيّة.
والتسمية التي اتّخذتها الأسرة الأخمينيّة پارسه من الأساس هي اسم قبيلتها من قبل تأسيس العرش الأخميني، حين كانت لم تزل تعيش على ضفاف نهر المُرغاب في مملكة كان اسمها آريا (أريو، هَرَيڤه) جَنُوب أفغانستان المعاصرة. فالتسمية في الأصل هي {پَارَشُ} أو {پَارَچُ} परशु التي تعني فأس المحارب، تطوير عن الأگّديّة {پاشُ} 𒂆 التي تعني فأس. وهو فعلاً رمز قبيلة قورش مؤسّس الدولة الأخمينيّة وسلاحها الأوّل. ومع تميّز القبيلة الأخمينيّة بمهمّات حربيّة في خدمة الدولة الأسوريّة الحديثة صار اسمها بلسانها {پَارْشُ} पर्शु تحوير عن اسم سلاح الفأس. وهو الاسم الذي تحوّل إلى {پَارْسُ} بقلب ش إلى س.
سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده، رسم Dario T. W.
ولمّا حكم الأخمينيّون إمبراطوريّة واسعة سجّلها الإغريق كلّها باسم پارسه، ثمّ تراجعت جغرافيّة هذه التسمية مع تقهقر مساحة الدول اللاحقة إلى الهضبة الإيرانيّة وحدها. هذا مع التأثير المباشر الذي صنعه الملوك السلوقيّين حين غيّروا اسم الدولة كلّها في الأدب الإغريقي إلى سوريا بدلاً پارسه، مستعيدين الاسم الإمبراطوري الأخميني والأسوري. فصارت پيرسيس تشير إلى وسط الهضبة الإيرانيّة وحدها، خصوصاً تلك المساحة الصغيرة التي خصّها السلوقيّين باسم پيرسيس، وهي التي تحوّل اسمها في العهد الإسلامي إلى مملكة فارس ثمّ صارت اليوم محافظة فارس الإيرانيّة، التي عُرفت كذلك باسم مملكة شيراز، حين كان اسم شيراز نفسها مدينة فارس.
ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق
المهم، بنتيجة هذه التعابير الجغرافيّة في الأدب الإغريقي وكلّ من ورث عنه في أوروپا، صار البحر شرق جزيرة العرب يحمل في بعض الآداب الغربيّة تسمية بحر پيرسيس أو خليج پيرسيس، وهي تسمية لا تشر بأيّ شكل من الأشكال إلى ترجمتها الخاطئة: خليج فارسي، لأنّها تشير إلى إقليم سياسي زال من الوجود قبل 2500 سنة. ولم يكن فارسيّاً من الأساس، إنّما كان آريّاً أخمينيّاً.
ولأجل ذلك، نالت في الأدب الروماني سمة پيرسيس Περσίς أو پيرسيانُس Persiānus كلّ الدول التي حكمت أجزاء من الهضبة الإيرانية، سواء أكانت ممالك أزديّة طائيّة عربيّة أو ساكيّة تركيّة أو پشتونيّة وغيرها. ولهذا، لا يصحّ تَرْجَمَة كلمة Persian في كلّ مكان وردت فيه بكلمة فارسي، فليست كلّ شعوب المنطقة فارسيّة ولا كانت ممالكها كلّها فارسيّة، ولا يقصد المصطلح القوميّة الفارسيّة من الأساس.
مع ذلك فإنّ الجغرافيا الرومانيّة منحت الخليج تسمية الخليج العربي، ويظهر ذلك بوضوح في أدبيّات رسائل المحامي الدبلوماسي پليني الأصغر Gaius Plinius Caecilius Secundus من القرن الأوّل. ويقول بأنّ سكّان سواحله جميعاً من العرب. على الضفّتين الشرقيّة والغربيّة.
أسماء الخليج العربي عبر التاريخ
حمل الخليج العربي، وعلى لسان أهله وسكّانه، عدّة أسماء على مرّ التاريخ. آخرها كان خليج البصرة (بصرة كورفزي) لأنّ إيالة البصرة أحكمت عليه سيطرتها في العهد العثماني، وهي التسمية الأطول عمراً، لأنّها موروثة عن عهد عمر بن الخطّاب حين كان خليفة الدولة الإسلاميّة، وورد ذكر الخليج في مراسلاته باسم بحر البصرة، ولو أنّ فترات من الدولة العبّاسيّة غيّرت اسمه إلى خليج العراق، أو بحر العراق. مقارنة ببحر الشام على الغرب.
خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.
ومن أسمائه العربية كذلك بحر مُسَنْدَم على اسم رأس مُسَنْدَم العُماني. وبحر القطيف على اسم ميناء القطيف البحراني في المملكة السعوديّة. بالإضافة إلى اسم البحرين كذلك. وقبلها حمل الخليج اسم مملكة هرمز العبّاسيّة المعروفة كذلك باسم خانيّة بستك و إمارات عرب الهولة.
قبل ذلك عُرف الخليج العربي في نقوش إمبراطوريّات العراق القديمة باسم البحر الأدنى (الأخفض) وبحر الجَنُوب وبحر الكلدان وبحر ميسان والبحر المرّ، وهي التسمية الأخيرة قبل نشوء الإمبراطوريّة الأخمينيّة. في العهد الأخميني كان اسمه {البحر} فقط دون نسبة، ثمّ أعقب الأخمينيّين السلوقيّين الذين أطلقوا عليه تسمية خليج العرب والخليج الأحمر (نسبة إلى لون العرب الإثني). ثمّ حكم الأشكان والساسان الذين أطلقوا عليه تسمية بحر الطاژيگان أي بحر الطائيّين، وكان الخليج فعلاً محكوم بمحيطه كلّه بممالك أزديّة طائيّة.
خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.
استبدال تسمية خليج البصرة
في فترة ثلاثينيّات القرن 19 نزل الخليج العربي كاملاً تحت الهيمنة البريطانيّة، فحاولت بريطانيا سنة 1840 تغيير اسم الخليج إلى بحر بريطانيا Britain Sea وهو ما بدأ كلّ هذه البلبلة حول تسمية الخليج ونسبته القوميّة.
تجاهلت دول المنطقة الرغبة البريطانيّة وحافظت بأغلبها على تسمية خليج البصرة، حتّى فترة دولة رضا شاه پهلوی، الذي أزال التركمان عن السلطة في إيران ورغب بفرض حضور قومي فارسي على كلّ الصعد. وبعد أن ابتلعت دولته هدايا بريطانيا، التي سلّمته كامل الساحل الشرقي للخليج العربي بدوله العربية، بدأ في فترة ثلاثينيّات القرن 20 باستعمال تسمية خليج فارس في صحافته المحلّيّة بدلاً عن تسمية خليج البصرة ليؤكّد تفوّق الحضور الفارسي في المنطقة. وفي ردّ عليه بدأت الصِّحافة في بعض الدول العربيّة باستعمال تسمية الخليج العربي، خصوصاً تلك الصِّحافة التي نالت سلفاً دعماً وتمويلاً من أسرة الشيخ خزعل الكعبيّ.
سنة 1955 قام البريطاني تشارلز بلگريڤ Charles Belgrave باستعمال تسمية الخليج العربي بدلاً عن خليج بريطانيا، وكان آنذاك مستشار حكّام البحرين، وشخصية تمثّل الإمبراطوريّة البريطانيّة. فكان بالتالي أوّل شخصيّة غربيّة رفيعة المستوى تصرّح بتسمية الخليج العربي. وما هي إلا خمس سنوات حتّى اعتمدت الدول العربيّة المستقلّة تسميّة الخليج العربي بديلة عن خليج البصرة.
سنة 1974 قام شاه إيران الابن ولأوّل مرّة باستعمال تسمية الخليج الفارسي في مقابلة مع الصِّحافة الأميركية، وكانت المرّة الأولى التي تخرج فيها هذه التسمية إلى فضاء دوليّ. ثمّ سنة 2010 فرضت إيران على شركات الطيران التي تستعمل أجواءها استعمال تسمية الخليج الفارسي، أو تُحرم من الطيران فوق إيران.
احتلال إيران للساحل الشرقي
خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925
في فترة الحرب العالمية الأولى سقطت إمارات عرب الهولة العبّاسيّة تحت الاحتلال البريطاني المطلق، ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي عزلت محمد رضا خان البستكي العباسي عن مُلكه بعد دوام 3 قرون، وغيّرت اسم بلاده إلى شهرستان بندرعبّاس، ثم إلى محافظة هرمزگان، مع تعيين ابن محمد رضا خان البستكي العباسي محافظاً عليها.
قبلها كانت مشيخة بني كعب الناصريّة قد نزلت تحت الحماية البريطانية سنة 1890، التي غيّرت اسمها إلى مشيخة المحمّرة. ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي اعتقلت الشيخ خزعل الكعبيّ مع أبنائه على يختهم الخاص واختطفتهم، ثمّ أسرتهم في طِهران، ثمّ أعدمتهم سنة 1936، بينما نشرت قوّاتها في الأحواز وضمّت الناصريّة بشكل نهائيّ إلى إيران. بعد أن عاشت دولة عربيّة مستقلّة مدّة 235 سنة.
أمّا منطقة أبو شهر فقد كانت مقتسمة ما بين القواسم والكعبيّين، وكان القواسم قد حاولوا الاستقلال عن الكعبيّين من الأساس. ثمّ، لمّا أسقط الإنگليز حكم القواسم جَنُوب أبو شهر وعدوا الشيخ خزعل الكعبي بإعادة سيطرة المشيخة الناصريّة على أبو شهر كلّها، وجعلوا مكتب الارتباط التجاري ما بين المحمّرة وبريطانيا في مدينة أبو شهر. وذلك إغراء للشيخ خزعل لإيقاف التقارب مع روسيا وإيقاف مشروع ميناء لنجة الروسي العسكري سنة 1902. وبالفعل صار شريط أبو شهر تحت السيادة الناصريّة دوليّاً، ولو أنّه بقي تحت الإدارة البريطانيّة فعليّاً. هكذا إلى أن سلّمت بريطانيا مشيخة المحمّرة للاحتلال الإيراني سنة 1925.
أمّا القسم الأخير من بلاد العرب على الساحل الشرقي للخليج العربي، وهو گوادر في الجَنُوب على بحر العرب، فقد تخلّت عنه سلطنة عُمان سنة 1958 لمصلحة الحكومة الپاكستانية، وانتهى هكذا أي وجود سياسي للعرب على الساحل الشرقي.
الخليج العربي بحر للعرب من قديم الأزمان، ليس باسم على ورق وحسب، بل هويّة وحضارة وتراث.
عندنا في تراث أوزبكستان تعني كلمة طاجيك حرفياً العرب. كلّ العرب. وهي مستقاة من التسمية الساسانية لبطيء وكانت طاژيگ.
فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية
في القرن الثالث سنة 240 نجح أردشير الأوّل بفتح مگان لمصلحة الساسان، ومگان آنذاك هي سلطنة عُمان المعاصرة وكلّ الساحل الغربي للخليج العربي (البحرين)، وميسان جَنُوب العراق، ومحافظة هرمزگان في إيران المعاصرة. وهي جميعاً ديار لطيء آنذاك.
تسمية طاژيگي أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان… أي الأزد. ولمّا ثارت عُمان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى منطقتين هنّ مدينة عُمان نفسها، ومدينة بلخ في ولاية آريا على نهر المرغاب في أفغانستان المعاصرة، فتوسّع هؤلاء العرب منها وصارت لهم طاجيكستان الشرقيّة (آريا الشِّمالية – ما وراء النهر)، التي ترى اليوم جمهوريّة طاجيكستان على جزء منها. لكنّ السامان والصفاريّين، وللقضاء على كلّ أثر للطاهريّين العرب في تركستان، أكرهوا هؤلاء الطاجيك العرب في القرن التاسع على استبدال العربيّة بالفارسيّة، ثم قام الاتّحاد السوڤييتي بتدريسهم في المدارس أنّهم فرس في الأساس.
شاپور الثاني لم يكتف بطرد الكثير من العرب عن سواحل الخليج العربي ودفعهم نحو القسم الغربي من شبه الجزيرة العربية. بل صعد إلى العراق، وكان آنذاك باسم أسور إستان (سوريا) فحارب قبيلة إياد المالكة للبلد. ثمّ نفى تغلب إلى جزيرة البحرين وإلى قرية حتّا في دولة الإمارات العربية المتّحدة المعاصرة. كما نفى بني عبد القيس وبني تميم إلى جِبَال ٱلْحَجَر الواقعة اليوم شرق سلطنة عُمان. كما نفى بني بكر إلى مدينة كرمان وشمال ولايتها. ونفى بني حنظلة إلى ضواحي مدينة الأهواز (الأحْوَازْ) في إيران المعاصرة. ثمّ قام شاپور الثاني بإخلاء العرب تماماً عن شريط الباطنة الساحلي في عُمان واستبدلهم بجند من عنده (1). ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب (2). لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم وتحريرها.
وكان العرب وبخاصّة الأزد، قد ثاروا على الحكم الساساني وقادوا حرباً عظيمة على الشاهنشاهية الساسانية وصلت فيها جيوشهم حتى مدينة شهر گور المدينة المعروفة اليوم باسم فيروزآباد داخل فارس نفسها. ولو تابعوا ووصلوا شيراز لكانت انتهت دولة الساسان من وقتها وصارت كلّها عربية (3). وكان الأزد آنذاك على حكم مگان كلّها بشطريها (عُمان + هرمزگان) بالإضافة إلى میسان جَنُوب العراق المعاصر. ثمّ ردّ شاپور الثاني بحرب أباد فيها الكثير من العرب، ووصل بحملة التدمير حتّى يثرب المدينة المنوّرة (4)، ودمّر مدن العرب، وردم مياههم، ونفى معاقل قبائلهم (5). ولقّبه العرب آنذاك {ذو الأكتاف} (6).
بعد تلك الحرب، فرضت الحكومة الساسانيّة على سكّان أسورإستان (العراق) وشرق شبه الجزيرة العربيّة التحوّل إلى الديانة الزرادشتية (7)، وهو ما قاد سريعاً إلى ثورات تالية متكرّرة تسبّبت في القرن السادس بنفي بني تغلب سكّان أسورإستان غرباً إلى القسم الروماني من مملكة أورهي (الرها) ومن ثمّ استقرارهم في مدينة المعرّة في سوريا المعاصرة. واختتم الساسان تلك الثورات العربيّة بتنصيب ملك اللّخميين المنذر الثالث بن النعمان ملكاً على مگان (عُمان) (8).
المراجع
1 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
2 Bosworth, C. E. (1983). “Abnāʾ”. Encyclopaedia Iranica, Vol. I, Fasc. 3. pp. 226–228. https://go.monis.net/SjjtWI
4 Potts, Daniel T. (2012). “ARABIA ii. The Sasanians and Arabia”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/nV3fov
5 Frye, R. N. (1983). “The Political History of Iran under the Sassanians”. In Yarshater, Ehsan (ed.). Cambridge History of Iran. Vol. 3. London: Cambridge University Press. pp. 116–181.
6 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
7 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 593–613. https://go.monis.net/CBakb5
8 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 600. https://go.monis.net/CBakb5