الوسم: تزوير التاريخ

  • الزراعة والتجارة والصناعة: أبرز منجزات الحضارات العربية القديمة

    الزراعة والتجارة والصناعة: أبرز منجزات الحضارات العربية القديمة

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأن العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ثم، على نهج الأوروپيين، يبارزونك بدليل من خيالهم أن جزيرة العرب صحراء خالية من الحضارات القديمة.

    لو افترضنا، كما يريدون، أن بلاد العرب تقتصر على جزيرة العرب فقط. ولو تساهلنا وقلنا أن ّجزيرة العرب لا تشمل العراق والشام، فنحن نمسك بأرض تعاقبت عليها الحضارات منذ القِدم. حضارات تركت بصماتها الواضحة على التاريخ والتراث العربي والإنساني. مثل حضارات سبأ ومعين وحضرموت والقتبان ودلمون ومگان والأنباط والدادان وغيرهم الكثير.

    حضارة سبأ اشتهرت بالزراعة المتقدّمة والتجارة، واشتهرت كذلك بتقدّمها ببناء السدود، ومن أشهرها سد مأرب، الذي كان يُعد من أعظم السدود في العالم القديم.

    حضارة معين اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن واخترعت بعضها، واشتهرت كذلك بصناعة الفَخَّار المزخرف.

    حضارة حضرموت اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الأختام. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط سواحل بحر العرب جميعاً، من الهند إلى الصومال إلى جَنُوب أفريقيا.

    حضارة دلمون اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الحلي والمجوهرات. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط جَنُوب شرق آسيا بالخليج العربي.

    حضارة الأنباط ورثت حضارة دادان والپونت واشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك ببناء المدن المحفورة في الصخر. من الحجاز إلى تركيا المعاصرة.

    حضارة مگان أعظم حضارات الخليج العربي. نقلت العالم إلى العصر النحاسي، واشتهرت بصناعة المعادن والتجارة البحرية، وابتكرت العديد من أنواع السفن. وامتلكت أعظم شبكة نقل بحري في العالم القديم.

    تميزت هذه الحضارات بتقدّمها الحضاري في مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة والصناعات والعمارة والفنون. وتعدّ هذه الحضارات القديمة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وتراث شبه الجزيرة العربية، حيث ساهمت في تشكيل الهُوِيَّة العربية وإثراء الثقافة العربية.

    تتمثّل أبرز منجزات الحضارات القديمة في شبه الجزيرة العربية في ابتكارات الزراعة والتجارة والصناعة والعمارة والفنون.

    ساهمت هذه الحضارات في تطوير الزراعة في العالم، حيث طورت أساليب الري الحديثة، وتقنيّات تخزين الماء. وزرعت المحاصيل المختلفة، مثل القمح والشعير والتمر. وهي محاصيل لم يعرفها العالم قبلهم.

    كانت هذه الحضارات العربية من أهمّ مراكز التجارة في العالم القديم، حيث ربطت بين الحضارات الأخرى في آسيا وأفريقيا وأوروپا. وابتكرت أنظمة النقد الدولي ومبادئ التجارة الدولية.

    ازدهرت الصناعات المختلفة في هذه الحضارات، مثل صناعة المعادن وصناعة الفَخَّار وصناعة الحلي والمجوهرات. وابتكرت أصناف جديدة من المعادن. أهمّها النحاس والبرونز والفولاذ.

    تميّزت هذه الحضارات بعمارتها الرائعة، حيث شيّدت المعابد والقصور والمدن المحفورة في الصخر. وازدهرت الفنون المختلفة في هذه الحضارات، مثل الفنون التشكيلية والفنون الأدبية والموسيقى.

  • حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    لمّا أخذ القشتاليّون إشبيلية عدّوا أنفسهم يحرّرون “بلادهم” من الحكم المغربي، بناء على الدعاية التي نشرتها البابويّة الرومانيّة، التي أطلقت صفة {حرب الاسترداد} على حروب الإبادة الجماعيّة لغير الكاثوليك في إبيريا. المسألة بالنسبة لهم ما كانت تحرير إبيريا من المسلمين، إنّما كانت بشكل أكثر خصوصيّة، تحرير الأندلس من المغاربة. لأنّ الأندلس وحتّى ذلك التاريخ كانت تحت سلطة دولة تعصمها مدينة مراكش في المغرب الموحّديّة.

    أي أنّ القشتالي لم ينظر إلى غير الكاثوليكي على أنّه مواطن أندلسي، إنّما غسلت الپروپاگندا الرومانيّة دماغه حتّى اقتنع أن اليهوديّ والمسلم والأريوسي والكاثاري (وغيرهم) مستوطن من بقايا الاحتلال المغربي، وعليه الرحيل إلى المغرب. أي أنّ الفترة السابقة لحكم المغاربة للأندلس كانت ممسوحة تماماً من ذاكرة القشتالي لا يوجد فيها غير أساطير مذابح المغاربة في حقّ الكاثوليك.

    كانت إشبيلية في القرن 13 أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصوناً، وأكثرها سكاناً، ومركزاً لحكومة دولة مراكش الموحّديّة في الأندلس. وتوالت عليها حكومات متعدّدة؛ فتارّة تحت طاعة الموحّدين، وتارة أخرى تخلع طاعتهم، إلى أن ألقت بمقاليدها عن رضى واختيار إلى دولة قشتالة المسيحيّة، بسقوط دولة الموحّدين في المغرب ونشوء دولة المرينيّين سنة 1244.

    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius
    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius

    سنة 1244 ولحماية استقلاله عن المرينيّين، قام حاكم إشبيلية {يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبى بكر} المعروف باسم {أبو عمرو بن الجد} بتوقيع معاهدة مع قشتالة تنصّ على أن تكون مملكة إشبيلية (أي مملكة الأندلس) تابعة لمملكة قشتالة، وأن يحضر اجتماعات البلاط القشتالي لأنّه أصبح أحد ملوك المملكة القشتالية، وأن يؤدّي الجزية لملك قشتالة، وأن يقدّم له العون متى طلب إليه ذلك.

    ثمّ استجلب {بن الجد} حرّاساً حفصيّين من تونس لحماية عرشه واستبداده بالحكم، وكان الحفصيّون قد تعاهدوا مع القشتاليّين كذلك. فثار الناس على {أبو عمرو بن الجد} بعد سنتين وخلعوه وأعلنوا بطلان المعاهدة، ما أغضب الملك القشتالي {فرناندو الثالث} فأمر قوّات غرناطة وقرطبة النصريّة بالزحف واستعادة السلطة في إشبيلية، ونجحت تلك القوّات بعد حصار سنة ونصف وأخضعت إشبيلية للعرش القشتالي، ونفي مسلميها ويهودها إلى غرناطة.

    بعد دخول قوّات ملك قشتالة {فرناندو الثالث} إشبيلية نهاية سنة 1248، وكانت قوّات مسلمة بالمناسبة بقيادة حاكم غرناطة {الغالب بالله محمد بن يُوسُف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر}، دخلت مملكة إشبيلية الحماية القشتالية وتغيّرت فيها السلطة إلى أيدي المسيحيّين ولو أنّ الحكومة بقيت مشتركة مسيحية-مسلمة حتّى القرن 15 وعهد طرد المورسكيّين. وبقيت الدولة على حالها ستّ قرون إلى أن قامت إسپانيا بحلّ مملكة إشبيلية سنة 1833 وبدأ من بعدها عهد الإفقار والقمع القومي.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {مملكة إشبيلية وبذور نهضة المجتمع غرب الأوروپي} من هنا

  • الأندلس: جريمة إبادة جماعية ضدّ العرب

    الأندلس: جريمة إبادة جماعية ضدّ العرب

    لا يثير العرب مسألة الأندلس بكاء على مُلك إسلامي ضاع، إنّما في المسألة مظلمة إنسانية مسكوت عنها.

    ماذا لو اعترفت إسپانيا القرن 13 بالمسلمين واليهود والعرب إحدى مكوّنات الشعب الإسپاني ولم تطرد العرب عن إبيريا بالقانون، حتى بعد قرنين من تحوّلهم إلى المسيحية؟

    هذه جريمة إنسانية ارتكبتها إسپانيا في حق إحدى شعوب شبه الجزيرة الإبيرية، ومن الخطأ في حقّها أساساً أن يُضطر المسلمون واليهود أو العرب للاستعانة بقوات إمبراطوريّة ما للمحافظة على وجودهم في بيوتهم ومدنهم وأراضيهم…

    عاش المسيحيّون 15 قرن في البلاد العربية الإسلامية ما اضطرّوا فيها مرّة إلى طلب الحماية من أيّ قوّة أجنبية، ولا اضطرّوا إلى حماية وجودهم بتكوين إمارات مستقلّة للمسيحيّين فقط. حتى حين حضر الصليبيون إلى المشرق، استنكر المسيحيون المشرقيون فعائلهم، ونالهم من الصليبيين مجازر كثيرة، دفعتهم للهرب والنزوح إلى قلبيريّة (كالابريا) وصقلية. حيث الصليبيين واستثماراتهم ممنوعين.

    لكن في إبيريا. ادّعى القوط الغربيون أنهم أصحاب الأرض الأصليّين، وزعموا أنهم يريدون بناء دولة مسيحية شديدة النقاء. فقاموا على أساس قومي بطرد كل من يمنع تحقيق “التجانس” وفق الرؤية القوطية الكاثوليكية، حتى لو تحوّل إلى المسيحية الكاثوليكية، وحتى حين مضى على تنصّره أجيال في قرنين من الزمن.

    من وُسم بالموريسكي في إبيريا القرن 16 كان مواطناً إبيرياً من حقّه البقاء والحياة في وطنه إبيريا. حتى لو خالفت معتقداته وعاداته تقاليد الدولة في عهده. لذا، فما حدث في إسپانيا القرن 16 هو جريمة إبادة جماعية فظيعة، لم يقدر العرب على نسيانها حتى بعد خمس قرون!

    الصورة للرسّام الموريسكي خوان الباريخي Juan de Pareja. وُلد عبداً في أنتقيرة في إسپانيا وروى كيف استرقّ القشتاليون أهله في مالقة فمنع صك عبوديّتهم طردهم عن إبيريا. ثم وُلد خوان عبداً سنة 1606 ثم درّسه مالكه الرسم واشتغل في هذه الحرفة حتى وفاته.

  • كيف سقطت غرناطة

    كيف سقطت غرناطة

    في مثل اليوم 2 كانون الثاني يناير من سنة 1492 انتهى في غرناطة حكم العرب وانتقلت أسرة بنو نصر منفية إلى فاس في المغرب. وأعتب على من يلوم العثمانيّين على “سقوط غرناطة” في حين الواقع أنّ إزالة حكم المسلمين فيها كان بموجب رضى من الخلافة العبّاسيّة في القاهرة، واتّفاق مع سلطنة المماليك فيها.

    في الصورة أدناه مقطع من الخطّ الزمني لأحداث الشرق الأوسط، وتظهر فيها الحرب العثمانيّة-المملوكيّة، والتي على غير ما يُعتقد، بدأت سنة 1485 وانتهت سنة 1517 بانتصار العثمانيّة وإزالة السلطنة المملوكيّة من الوجود. ونلاحظ على هذا الخطّ الزمني أهمّ التفاصيل: استيلاء المماليك الجركس على الحكم في القاهرة سنة 1382. اندلاع أوّل حرب مملوكية-عثمانية سنة 1485 والتحالف المملوكي-الإسپاني في نفس السنة. ثمّ، نهاية إمارة غرناطة النصريّة في نهاية هذه الحرب الأولى سنة 1492.

    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517
    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517

    وللردّ على التحالف المملوكي-الإسپاني، تحالفت السلطنة العثمانيّة مع إمارة النصريّين في غرناطة، التي قبلت بنشر قوّات عثمانية في غرناطة. وفي ذات الوقت سعى النصريّين للخلاص من الهيمنة القشتالية، والتحوّل عن وعود حماية مغربيّة لن تتحقّق، فتأمّلوا ضمان الاستقلال بحماية عثمانيّة. غير أنّ القوّات الإسپانيّة نجحت بإسقاط غرناطة قبل وصول القوّات العثمانيّة، التي أعاقتها القوّات البحريّة المملوكيّة وأخّرت وصولها.

    هذه الخارطة هنا هي لإمارة غرناطة سنة إعلانها 1230 وقبل خسارة قرطبة وإشبيلية وبَلَنْسِيَة. وأنصحك اليوم بقراءة ثلاث من تدويناتي. الأولى في تفاصيل {حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة} والثانية هي تدوينة {پروپگندا سقوط الأندلس} التي أتحدّث فيها باختزال عن تاريخ سقوط الأندلس كلّها. والثالثة هي تدوينة {عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيّين} التي أتحدّث فيها عن پروپگندا فتح الأندلس.

    حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة

    پروپگندا سقوط الأندلس

    عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيين

    ومن المهمّ أن نتذكّر أن سقوط غرناطة ما كان مجرّد سقوط حكم إسلامي في إبيريا، إنّما كان إبادة جماعية وتطهير عرقي نال مجتمعاً أوروپيّاً، انتهى بإكراه الناس على تغيير أديانها وهويّاتها الثقافيّة، وطرد الطوائف التي خالفت طائفة الحكم من بلادها. وفي منظوري، لا تختلف فعائل القشتاليّين عمّا فعله هيتلر في النصف الأوّل من القرن العشرين.

  • الكتاب المقدّس للرومانسية الأوروپية، كتاب عربي

    الكتاب المقدّس للرومانسية الأوروپية، كتاب عربي

    في القرن 11 عاش ابن حزم الأندلسي، وهو نبيّ الحبّ الأوروپي؛ في نظر الكثيرين من منظّري ونقّاد الأدب الأوروپي من مرحلة الثورة الصناعية. 

    وابن حزم هو {أَبُو مُحَمَّدْ عَلِي بْنْ أَحْمَدْ بْنْ سَعِيدْ بْنْ حَزْمِ بْنْ غَالِبِ بْنْ صَالِحِ بْنْ خَلَّفَ بْنْ مُعَدَّانِ بْنْ سُفْيَانْ بْنْ يَزِيدَ اَلْأَنْدَلُسِيُّ اَلْقُرْطُبِيُّ}. وعليّ هذا أنتج سنة 1022 كتاباً سمّاه {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف}، وفي القرن 13 تُرجم الكتاب باللّغة اللاتينية، ونُشر تحت اسم De amore libri tres أي ثلاث كتب عن الحبّ. مع إغفال اسم المؤلّف الأصلي. وصار الكتاب فعلاً بمنزلة كتابة الحبّ المقدّس.

    كان كتاب De amore libri tres لابن حزم مؤثرًا في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُقرأ على نطاق واسع من قبل الفلاسفة واللاهوتيّين والمؤلّفين والكتّاب، وحضّت الكنائس (الجديدة) على قراءته ومناقشة محتوياته في حلَقات خاصّة، عارضتها الكنيسة الكاثوليكية التقليدية. وكان الكتاب أيضًا مؤثرًا في الأدب الرومانسي الأوروپي. حتّى تمّ اقتباس العديد من أفكار ابن حزم في الأعمال الأدبية الرومانسية، مثل Tristan und Isolde و Roman de la Rose. 

    بعد تَرْجَمَة الكتاب إلى اللاتينيّة أُغفل اسم المؤلّف الأصلي {ابن حزم} وتمّ تغييره إلى الموهامّيتانُس Al-Mohammetanus أي “المسلم”. هذا التغيير في الاسم كان ناتجًا عن التحيّزات الدينيّة في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُنظر إلى المسلمين على أنّهم أعداء للمسيحيّة، لذلك كان من غير اللائق أن يُنسب عمل إلى اسم مسلم صريح. لكن، طالمَا حاربت الكنيسة الغربية التقليدية أفكار الكتاب فكانت نسبة الكتاب إلى الموهامّيتانُس “المسلم” وسيلة لتجنّب إثارة الجدل أو الإدانة، طالمَا أنّ الكثير من الأدباء استعملوا طريقة نقد الكتاب كرسائل معكوسة لتمرير أفكاره إلى المجتمع.

    ارتبط اسم الموهامّيتانُس بكتاب De amore libri tres في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى مع تغييب اسم ابن حزم. وظلّ هذا الاسم حتى القرن 17. إذ، اكتُشفت التَّرْجَمَةً اللاتينية الأصلية لكتاب ابن حزم وعليها اسمه في المكتبة البابوية في الفاتيكان سنة 1606. وكانت محفوظة فيها منذ القرن 13، وتمّ نسخها ثمّ نُشرت وسرعان ما أصبحت واحدة من أكثر الأعمال الأدبية شعبيّة في أوروپا الغربية. وترجمت عن اللّاتينية مرّة أخرى إلى العديد من اللّغات الأوروپية باسم “طوق الحمامة”.

    سنة 1931 اكتُشفت النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم {طوق الحمامة} في مدينة فاس في المملكة المغربية. كانت المخطوطة في حالة سيئة للغاية، وجرى ترميمها ونشرها في عام 1933. ثمّ، سنة 1951 نُشرت أوّل تَرْجَمَة إلى الإنگليزية مباشرة عن العربية. النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم هي مصدر قيّم للأدب العربي والتاريخ الإسلامي. لأنّها تقدّم نظرة ثاقبة للحياة في الأندلس في القرن 11، كما أنّها تكشف عن عبقرية ابن حزم كمؤلّف وعالم.

    كتاب “طوق الحمامة” مرجع هام في الأدب العربي ودراسة الحبّ. يمكن لكلّ شخص مهتم بالأدب أو الحبّ أو التاريخ الثقافي أن يجد فيه مادّة ثرية للتفكّر والاستمتاع. وكان له تأثير كبير على الأدب الأوروپي، خاصّة في العصور الوسطى وبعدها. حيث جرت ترجمته إلى العديد من اللّغات الأوروپية، بما في ذلك اللاتينية والإسپانية والفرنسية والإنگليزية.

    الكتاب يتضمّن العديد من الأفكار والمبادئ التي جرت الاستفادة منها في الأدب الرومانسي الأوروپي. فقد استكشف ابن حزم العديد من الأشكال المختلفة للحبّ، وهذا أمر مشترك مع الأدب الرومانسي الذي يركّز على العلاقات العاطفية بين الأفراد. ببساطة، نشأت الفكرة الرومانسية في الحبّ استناداً على كتاب {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف} لابن حزم الأندلسي، وخرج عنها الأدب الأوروپي الرومانسي كلّه.

    بل والأهم من ذلك، أعطى “طوق الحمامة” لغة وأسلوبًا للتعبير عن الحبّ والعاطفة، وهو ما كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت. فالعديد من مفاهيم الحبّ والغرام التي تمّ التعبير عنها في “طوق الحمامة” وجدت طريقها إلى الأدب الأوروپي، وتبقى جزءًا من الأدب الغربي حتى اليوم. ويمكن القول إنّ “طوق الحمامة” ساهم بشكل كبير في تطوّر الفكر الأوروپي، وأثّر على الطريقة التي يفكّر بها الأوروپيّون ويتحدّث بها عن الحبّ في الثقافة الغربية.

    في الختام، نكتشف من قصّة “طوق الحمامة” لابن حزم التأثير العميق وبعيد المدى للحضارة العربية على الثقافة الأوروپية. ومن خلال هذا العمل، نرى كيف تمكّنت الأفكار والمفاهيم العربيّة من التأثير في التفكير الأوروپي وتشكيله، خاصّة فيمَا يتعلّق بالحبّ والرومانسية. فـ”طوق الحمامة” هو دليل حيّ على القيمة والأهمّية الثقافية للحضارة العربية، وكيف أثّرت بشكل ملموس على حركة الرومانسية في أوروپا. بواسطة الشعر العربي والنثر، تمكّن ابن حزم من إعطاء الأوروپيين لغة وأسلوبًا جديدين للتعبير عن الحبّ والعاطفة، شيء كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت.

    ومع ذلك، فإنّ التاريخ الطويل للحضارة العربيّة في مجال التأثير على العالم الأوروپي لا يقتصر على الأدب فحسب. بل يمتدّ ليشمل العلوم، والفلسفة، والرياضيات، والفنون، في حين تستمرّ المساهمات العربية في تشكيل الثقافة الأوروپية حتى اليوم. وفي النهاية، يجب أن نذكر أنّ الحضارة العربية، مثلها مثل أيّ حضارة أخرى، تشكّل جزءًا أساسيًا من التراث الإنساني. والقصّة المحيطة بابن حزم و”طوق الحمامة” تعدّ تذكيرًا قويًّا بأنّ الثقافات والأفكار تتداخل وتتبادل التأثير، وتتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية. ومن هذا المنطلق، يتحتّم علينا احترام وتقدير للتأثيرات المتعدّدة التي تشكّل ثقافتنا العالمية المشتركة.

    يمكنك قراءة وتنزيل كتاب {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف} لعليّ بن حزم الأندلسي مجاناً من موقع مؤسّسة هنداوي من هنا.

    مراجع ومصادر

    1. ابن حزم الأندلسي، “طوق الحمامة في الألفة والألفاظ”، تحقيق/تَرْجَمَة د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1983.
    2. محمود علي مكي، “ابن حزم وأثره في الأدب الأوروبي”، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1997.
    3. “ديوان الحب الأندلسي”، تحقيق د. لويس گارثيا لاريا، مدريد، إسبانيا، 2001.
    4. ماريا روزا منوكال، “الحبّ العربي: كيف أثر العرب على الثقافة الأوروبية”، مِطْبَعَة جامعة هارڤارد، الولايات المتحدة الأمريكية، 2003.
    5. جون تولان، “أوروبا والإسلام: تاريخ التفاعلات المتبادلة”، مِطْبَعَة جامعة برينستون، الولايات المتحدة الأمريكية، 2002.
    6. إيميليو گارثيا غوميز، “ابن حزم وتراثه في الأدب الإسباني”، مدريد، إسپانيا، 1977.
    7. “التراث الأندلسي وأثره في الأدب الغربي”، تحقيق د. أنطونيو گونزاليس بالنسيا، مِطْبَعَة جامعة غرناطة، إسبانيا، 1990.
    8. “ابن حزم الأندلسي: دراسة تحليلية لكتاب طوق الحمامة”، تأليف د. نزار أباظة، دار الشروق، القاهرة، مصر، 2005.
  • مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    English edition here

    في العصور القديمة، كان اسم مدينة إيميسا (الآن تعرف باسم حمص في سوريا) مرتبطاً بإلهة أو إله الشمس يدعى “مي”. كانت هذه الإلهة معروفة بأنها إلهة حامية لإيميسا، وكانت تعتبر تجسيداً للشمس.

    وفقاً للمصادر القديمة، كانت “مي” إلهة عربية محلية تُعبد بشكل رئيس في مدينة إيميسا والمنطقة المحيطة بها. وكانت غالباً ما تصوَّر على أنها شخصية أنثوية لها سمات شمسية، مثل تاج من الأشعة أو قرص يمثل الشمس. وفي بعض المجتمعات، كانت “مي” مرتبطة أيضاً بالقمر باسم “مه” وكانت تُعبد كإلهة قمرية أيضاً في ماده (القمريّة) في عراق عجم.

    كانت “مي” إلهة مهمة في الحياة الدينية لإيميسا، وكانت عبادتها مرتبطة بشكل وثيق بالهوية السياسية والاجتماعية للمدينة. وكان يعتقد أنها تحمي المدينة وسكانها، وكان يدعم عبادتها شبكة من الكهنة والكاهنات الذين يؤدون شعائرًا وتضحياتٍ في شرفها.

    مع مرور الوقت، انتشرت عبادة “مي” خارج إيميسا إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية الرومانية، وكانت في بعض الأحيان تُجسّد كإلهة إيزيس أو الإلهة الإغريقية آرتيميس. ومع ذلك، كانت ارتباطاتها الأساسية دائماً بالشمس والتقاليد المحلية لإيميسا.

    وكان يكتب اسم إلهة الشمس “مي” بالعديد من اللّغات القديمة حسب الفترة الزمنية والسياق الثقافي. وفيما يلي بعض الأمثلة:

    1. الآرامية: كان اللّغة المُتحدّثة في إيميسا خلال عصر إلهة “مي” الآرامية، وكان اسم الإلهة في هذه اللغة سيكتب كما يلي: ما أو مء “מא” (ميم-أليف)، وهي كلمة آرامية تعني “الماء”. ويمكن مقارنة ذلك باللغة العربية “مَيّه” و “ماي” و “ماء”.

    2. الإغريقية: كان غالباً ما يتم تهجئة اسم إلهة “مي” في اللغة الإغريقية على شكل “Μα” (ما)، وهي المعادلة اليونانية للآرامية “מא”.

    3. اللاتينية: كان اسم الإلهة “مي” مسجلاً أيضًا في المصادر اللاتينية، حيث كان يتم كتابته على هيئة “Maia” أو “Maja” أو “Maiestas”. وكان من المرجح أن تكون هذه الأشكال اللاتينية للاسم متأثرة بإلهة الرومانية “مايا” التي كان لها ارتباط أيضاً بالشمس.

    4. المصرية القديمة: تذكر بعض المصادر القديمة المصرية الإلهة “مي”، التي كانت معروفة أيضاً باسم “سيدة إيميسا”. وفي الصُوريّة (الهيروگليفية) المصرية، كان يتم كتابة اسمها على شكل “m3″، وهي تشكيلة صوتية للآرامية “מא”.

    يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الإملائية والنطق قد تختلف اعتمادًا على الفترة الزمنية والسياق الثقافي، وأن الإلهة “مي” قد تكون معروفة بأسماء وألقاب مختلفة في اللّغات والمناطق الأخرى.

    بإمكانك الاطّلاع على بعض المراجع التي تناولت الإلهة “مي” وتاريخ مدينة إيميسا، وهي على النحو التالي:

    • – “The Gods of Roman Syria: Divine Politics and Identity in the Eastern Mediterranean” لـ Ted Kaizer وجون دارك، الناشر: BRILL، 2009.
    • – “The Oxford Handbook of Roman Syria”، الناشر: Oxford University Press، 2011.
    • – “The Religion of the Nabataeans: A Conspectus” لـ Peter Alpass، الناشر: Brill، 2013.
    • – “Syria: A Historical and Architectural Guide” لـ Warwick Ball، الناشر: Interlink Books، 2011.
    • – “The Encyclopedia of Ancient History” لـ Roger S. Bagnall وغيره، الناشر: Wiley-Blackwell، 2012.

    هذه المراجع تشمل معلومات حول الإلهة “مي”، وتاريخ مدينة إيميسا، وتاريخ سوريا الرومانية عمومًا. يمكنك العثور على هذه الكتب في مكتبات الجامعات أو المكتبات العامة.

  • في مسألة الخليج العربي والخرافة الفارسيّة

    في مسألة الخليج العربي والخرافة الفارسيّة

    لربّما لم يعرف العالم لصوص تاريخ أوقح من القوميّين الفرس ودولة رضا شاه پهلوی والجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة. يزوّرون التاريخ في پروپاگندا شديدة الخبث تسرق تراث حضارات أمم برمّتها، لصناعة تاريخ فارسيّ، ما وُجد قط.

    ومن ذلك منازعة العرب على بلادهم وتراثهم وحتّى تركة أجدادهم. ومنها بحرهم الأهمّ على مستوى التراث، خليج العرب، الخليج الأحمر، أقدم ضفاف حضارات العرب.

    الزعم الفارسي

    تدّعي الجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة أنّ الخليج العربي هو خليج فارسي من الأساس، وتطالب بتعميم هذه التسمية بديلة عن تسمية الخليج العربي… وما يزعج إيران فعلاً بتسمية الخليج العربي أنّها تذكّر العالم بالبلاد العربيّة المحتلّة، التي كانت على الضفة الشرقيّة للخليج، قبل أن تستولي عليها إيران سنة 1925، ثمّ تعمل جهدها لتغيير ديموغرافيتها العربيّة. واليوم تريد الجمهوريّة الإيرانيّة محو ذكر هذه البلاد من التراث كلّه، لا بل والاستيلاء على تراث بلاد العرب على الضفّة الغربيّة للخليج كذلك.

    ويستعين القوميّون الفرس بدليل واحد فقط من التاريخ العربي، يستعملنه بكثرة شهادة على أنّ العرب قديماً استعملوا تسمية الخليج الفارسي اسماً للخليج العربي. ويزعم قوميّي الفرس أنّ مَطْرَان منبج {محبوب بن قسطنطين} قد سجّل في كتابه من القرن العاشر تسمية الخليج الفارسي، وهو يؤرّخ للدولة العبّاسيّة والخلافة فيها. لكنّني راجعت الكتاب وما وجدت في نصوصه العربيّة ذكر الخليج الفارسي ولو مرّة واحدة. غير أنّها مذكورة في التَّرْجَمَةً الفرنسيّة للكتاب. ويمكنك مطالعة كتاب المَطْرَان محبوب بنفسك من هنا.

    وللحقّ، وردت كلمة خليج فارس على خرائط القرون القليلة الماضية اسماً للخليج الداخل في محافظة فارس الإيرانية شمال شرق الخليج العربي. في الوقت الذي حمل فيه الخليج عموماً تسمية خليج البصرة. أي أنّ خليج فارس كان جزء من خليج البصرة، لا كلّه. في حين أنّ أدبيّات الممالك الإيرانيّة القديمة جميعاً سمّت هذا الخليج باسم خليج الطاژيّين أي العرب (الطائيّين).

    خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.
    خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.

    مع ذلك، حتّى لو سلّمنا جدلاً بأنّ أحداً في الماضي قد استعمل تسمية خليج فارسي على هذا البحر، فمن كان؟ ولأجل أيّ دولة سيستعمل هذه التسمية؟

    • الأخمينيّين آريّين، يعودون بأصولهم إلى مملكة آريا على نهر المُرغاب في أفغانستان. استجلبهم الأسوريّون مماليك لحكم إيلام. ثمّ خرجوا منها يحرّرون البلاد من الميديّين ويعيدون توحيدها.
    • الأشكان الپارثيّين تُرك من الساكا الطوران، يعودون بأصولهم إلى منطقة ضفاف نهر الپنج في طاجيكستان المعاصرة. ثاروا على السلوقيّين ثمّ زحفوا عليهم واستبدلنهم.
    • الساسان پُنجابيّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة مدينة ٹيکسلا شمال پاكستان المعاصرة. استجلبهم الأشكان مماليك، فانقلبوا عليهم وسلبنهم السلطة بالدين.

    فمن هم الفرس الذين منح العالم تسمية الخليج بالفارسي لأجلهم؟ ليس في التاريخ مكان لهذه الخرافة.

    خديعة القوميّة الفارسيّة

    في الواقع، وبرغم حداثة تسمية الخليج العربي. لكن، مع ذلك، لم يسبقنا أحد نحن أبناء القرن العشرين، إلى تسمية هذا البحر بالخليج الفارسي، ولا يطلق عليه هذه التسمية إلا الجمهوريّة الإيرانية وراثة عن مملكة الشاه پهلوی. فمن مصائبنا المعاصرة تَرْجَمَة كلمة Persian بأشكالها المختلفة وحيثما وردت بكلمة فارسي. وهذه تَرْجَمَة خاطئة لمعنيين متعارضين، تستعملها پروپاگندا القومية الفارسية لسرقة تراث المنطقة كلّه وتزوير التاريخ. 

    كلمة Persian الإنگليزيّة تشير في الواقع إلى الهضبة الإيرانيّة، ولا تعني الهويّة الفارسيّة كهويّة قوميّة. أصلها من الكلمة الإنگليزية القديمة percynne عن الفرنسية القديمة persien عن اللاتينيّة Persiānus عن الإغريقيّة Περσίς پيرسيس (والياء الأولى هنا هي ألف مائلة صوب الياء) المقتبسة عن اللّقب الذي منحه الملوك الأخمينيّين لأنفسهم: أسرة پارسه 𐎱𐎠𐎼𐎿. فهو في البداية اسم أسرة وقبيلة وليس اسم بلد. على سياق أسماء من مثل: السعوديّة، الهاشميّة، المتوكّليّة… وهكذا. لهذا، ينبغي أن تُترجم كلمة Persian حيثما وردت وبلغات أوروپا بالمختلفة، بكلمة إيراني، لا بكلمة فارسي. والهضبة الإيرانيّة متعدّدة الهويّات الإثنيّة.

    والتسمية التي اتّخذتها الأسرة الأخمينيّة پارسه من الأساس هي اسم قبيلتها من قبل تأسيس العرش الأخميني، حين كانت لم تزل تعيش على ضفاف نهر المُرغاب في مملكة كان اسمها آريا (أريو، هَرَيڤه) جَنُوب أفغانستان المعاصرة. فالتسمية في الأصل هي {پَارَشُ} أو {پَارَچُ} परशु التي تعني فأس المحارب، تطوير عن الأگّديّة {پاشُ} 𒂆 التي تعني فأس. وهو فعلاً رمز قبيلة قورش مؤسّس الدولة الأخمينيّة وسلاحها الأوّل. ومع تميّز القبيلة الأخمينيّة بمهمّات حربيّة في خدمة الدولة الأسوريّة الحديثة صار اسمها بلسانها {پَارْشُ} पर्शु تحوير عن اسم سلاح الفأس. وهو الاسم الذي تحوّل إلى {پَارْسُ} بقلب ش إلى س.  

    سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده
    سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده، رسم Dario T. W.

    ولمّا حكم الأخمينيّون إمبراطوريّة واسعة سجّلها الإغريق كلّها باسم پارسه، ثمّ تراجعت جغرافيّة هذه التسمية مع تقهقر مساحة الدول اللاحقة إلى الهضبة الإيرانيّة وحدها. هذا مع التأثير المباشر الذي صنعه الملوك السلوقيّين حين غيّروا اسم الدولة كلّها في الأدب الإغريقي إلى سوريا بدلاً پارسه، مستعيدين الاسم الإمبراطوري الأخميني والأسوري. فصارت پيرسيس تشير إلى وسط الهضبة الإيرانيّة وحدها، خصوصاً تلك المساحة الصغيرة التي خصّها السلوقيّين باسم پيرسيس، وهي التي تحوّل اسمها في العهد الإسلامي إلى مملكة فارس ثمّ صارت اليوم محافظة فارس الإيرانيّة، التي عُرفت كذلك باسم مملكة شيراز، حين كان اسم شيراز نفسها مدينة فارس.

    ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق
    ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق

    المهم، بنتيجة هذه التعابير الجغرافيّة في الأدب الإغريقي وكلّ من ورث عنه في أوروپا، صار البحر شرق جزيرة العرب يحمل في بعض الآداب الغربيّة تسمية بحر پيرسيس أو خليج پيرسيس، وهي تسمية لا تشر بأيّ شكل من الأشكال إلى ترجمتها الخاطئة: خليج فارسي، لأنّها تشير إلى إقليم سياسي زال من الوجود قبل 2500 سنة. ولم يكن فارسيّاً من الأساس، إنّما كان آريّاً أخمينيّاً.

    ولأجل ذلك، نالت في الأدب الروماني سمة پيرسيس Περσίς أو پيرسيانُس Persiānus كلّ الدول التي حكمت أجزاء من الهضبة الإيرانية، سواء أكانت ممالك أزديّة طائيّة عربيّة أو ساكيّة تركيّة أو پشتونيّة وغيرها. ولهذا، لا يصحّ تَرْجَمَة كلمة Persian في كلّ مكان وردت فيه بكلمة فارسي، فليست كلّ شعوب المنطقة فارسيّة ولا كانت ممالكها كلّها فارسيّة، ولا يقصد المصطلح القوميّة الفارسيّة من الأساس.

    مع ذلك فإنّ الجغرافيا الرومانيّة منحت الخليج تسمية الخليج العربي، ويظهر ذلك بوضوح في أدبيّات رسائل المحامي الدبلوماسي پليني الأصغر Gaius Plinius Caecilius Secundus من القرن الأوّل. ويقول بأنّ سكّان سواحله جميعاً من العرب. على الضفّتين الشرقيّة والغربيّة.

    أسماء الخليج العربي عبر التاريخ

    حمل الخليج العربي، وعلى لسان أهله وسكّانه، عدّة أسماء على مرّ التاريخ. آخرها كان خليج البصرة (بصرة كورفزي) لأنّ إيالة البصرة أحكمت عليه سيطرتها في العهد العثماني، وهي التسمية الأطول عمراً، لأنّها موروثة عن عهد عمر بن الخطّاب حين كان خليفة الدولة الإسلاميّة، وورد ذكر الخليج في مراسلاته باسم بحر البصرة، ولو أنّ فترات من الدولة العبّاسيّة غيّرت اسمه إلى خليج العراق، أو بحر العراق. مقارنة ببحر الشام على الغرب.

    خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.
    خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.

    ومن أسمائه العربية كذلك بحر مُسَنْدَم على اسم رأس مُسَنْدَم العُماني. وبحر القطيف على اسم ميناء القطيف البحراني في المملكة السعوديّة. بالإضافة إلى اسم البحرين كذلك. وقبلها حمل الخليج اسم مملكة هرمز العبّاسيّة المعروفة كذلك باسم خانيّة بستك و إمارات عرب الهولة.

    قبل ذلك عُرف الخليج العربي في نقوش إمبراطوريّات العراق القديمة باسم البحر الأدنى (الأخفض) وبحر الجَنُوب وبحر الكلدان وبحر ميسان والبحر المرّ، وهي التسمية الأخيرة قبل نشوء الإمبراطوريّة الأخمينيّة. في العهد الأخميني كان اسمه {البحر} فقط دون نسبة، ثمّ أعقب الأخمينيّين السلوقيّين الذين أطلقوا عليه تسمية خليج العرب والخليج الأحمر (نسبة إلى لون العرب الإثني). ثمّ حكم الأشكان والساسان الذين أطلقوا عليه تسمية بحر الطاژيگان أي بحر الطائيّين، وكان الخليج فعلاً محكوم بمحيطه كلّه بممالك أزديّة طائيّة.

    تسمية طاژيگان أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان بضفّتيها الشرقيّة والغربيّة. ولمّا ثارت مگان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى الضفة الغربيّة، وإلى بلخ في أفغانستان. ثمّ سار على طول الساحل الغربي يهجّر العرب ويخرّب مدنهم. ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحِيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب. لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم شرق الخليج وتحريرها.

    خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.
    خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.

    استبدال تسمية خليج البصرة

    في فترة ثلاثينيّات القرن 19 نزل الخليج العربي كاملاً تحت الهيمنة البريطانيّة، فحاولت بريطانيا سنة 1840 تغيير اسم الخليج إلى بحر بريطانيا Britain Sea وهو ما بدأ كلّ هذه البلبلة حول تسمية الخليج ونسبته القوميّة.

    تجاهلت دول المنطقة الرغبة البريطانيّة وحافظت بأغلبها على تسمية خليج البصرة، حتّى فترة دولة رضا شاه پهلوی، الذي أزال التركمان عن السلطة في إيران ورغب بفرض حضور قومي فارسي على كلّ الصعد. وبعد أن ابتلعت دولته هدايا بريطانيا، التي سلّمته كامل الساحل الشرقي للخليج العربي بدوله العربية، بدأ في فترة ثلاثينيّات القرن 20 باستعمال تسمية خليج فارس في صحافته المحلّيّة بدلاً عن تسمية خليج البصرة ليؤكّد تفوّق الحضور الفارسي في المنطقة. وفي ردّ عليه بدأت الصِّحافة في بعض الدول العربيّة باستعمال تسمية الخليج العربي، خصوصاً تلك الصِّحافة التي نالت سلفاً دعماً وتمويلاً من أسرة الشيخ خزعل الكعبيّ.

    سنة 1955 قام البريطاني تشارلز بلگريڤ Charles Belgrave باستعمال تسمية الخليج العربي بدلاً عن خليج بريطانيا، وكان آنذاك مستشار حكّام البحرين، وشخصية تمثّل الإمبراطوريّة البريطانيّة. فكان بالتالي أوّل شخصيّة غربيّة رفيعة المستوى تصرّح بتسمية الخليج العربي. وما هي إلا خمس سنوات حتّى اعتمدت الدول العربيّة المستقلّة تسميّة الخليج العربي بديلة عن خليج البصرة.

    سنة 1974 قام شاه إيران الابن ولأوّل مرّة باستعمال تسمية الخليج الفارسي في مقابلة مع الصِّحافة الأميركية، وكانت المرّة الأولى التي تخرج فيها هذه التسمية إلى فضاء دوليّ. ثمّ سنة 2010 فرضت إيران على شركات الطيران التي تستعمل أجواءها استعمال تسمية الخليج الفارسي، أو تُحرم من الطيران فوق إيران.

    احتلال إيران للساحل الشرقي

    خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925
    خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925

    في فترة الحرب العالمية الأولى سقطت إمارات عرب الهولة العبّاسيّة تحت الاحتلال البريطاني المطلق، ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي عزلت محمد رضا خان البستكي العباسي عن مُلكه بعد دوام 3 قرون، وغيّرت اسم بلاده إلى شهرستان بندرعبّاس، ثم إلى محافظة هرمزگان، مع تعيين ابن محمد رضا خان البستكي العباسي محافظاً عليها.

    قبلها كانت مشيخة بني كعب الناصريّة قد نزلت تحت الحماية البريطانية سنة 1890، التي غيّرت اسمها إلى مشيخة المحمّرة. ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي اعتقلت الشيخ خزعل الكعبيّ مع أبنائه على يختهم الخاص واختطفتهم، ثمّ أسرتهم في طِهران، ثمّ أعدمتهم سنة 1936، بينما نشرت قوّاتها في الأحواز وضمّت الناصريّة بشكل نهائيّ إلى إيران. بعد أن عاشت دولة عربيّة مستقلّة مدّة 235 سنة. 

    أمّا منطقة أبو شهر فقد كانت مقتسمة ما بين القواسم والكعبيّين، وكان القواسم قد حاولوا الاستقلال عن الكعبيّين من الأساس. ثمّ، لمّا أسقط الإنگليز حكم القواسم جَنُوب أبو شهر وعدوا الشيخ خزعل الكعبي بإعادة سيطرة المشيخة الناصريّة على أبو شهر كلّها، وجعلوا مكتب الارتباط التجاري ما بين المحمّرة وبريطانيا في مدينة أبو شهر. وذلك إغراء للشيخ خزعل لإيقاف التقارب مع روسيا وإيقاف مشروع ميناء لنجة الروسي العسكري سنة 1902. وبالفعل صار شريط أبو شهر تحت السيادة الناصريّة دوليّاً، ولو أنّه بقي تحت الإدارة البريطانيّة فعليّاً. هكذا إلى أن سلّمت بريطانيا مشيخة المحمّرة للاحتلال الإيراني سنة 1925.

    أمّا القسم الأخير من بلاد العرب على الساحل الشرقي للخليج العربي، وهو گوادر في الجَنُوب على بحر العرب، فقد تخلّت عنه سلطنة عُمان سنة 1958 لمصلحة الحكومة الپاكستانية، وانتهى هكذا أي وجود سياسي للعرب على الساحل الشرقي.

    الخليج العربي بحر للعرب من قديم الأزمان، ليس باسم على ورق وحسب، بل هويّة وحضارة وتراث.

  • الخوارزميات علم عربي والخوارزمي عربي

    الخوارزميات علم عربي والخوارزمي عربي

    باستمرار يدّعي اللاعربيّون بأنّ أعظم علماء الحساب، الخوارزمي، تركي أو فارسي وغير عربي. وينسبنه إلى أوزبكستان… أنا من أوزبكستان ويشرّفني أنّ يحمل الخوارزمي اسم خيوة إحدى مدن أوزبكستان، لكن الرجل ليس من عندنا، إنما هو عراقي بغدادي.

    {أبو عَبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى الخَوارِزمي} ويكنّى كذلك بأبو جعفر، وُلد في بغداد سنة 781. أبوه موسى وُلد كذلك في بغداد، وكان أبو موسى (أي جدّ الخَوارِزمي وربّما جدّ أبيه) قد هاجر إلى بغداد من خيوة لما كانت تدير ولاية عبّاسيّة اسمها خوارزم (چوارزميا) 𐬓𐬁𐬌𐬭𐬌𐬰𐬆𐬨. وكما أسلفت، الخوارزمي بغدادي، ولد في بغداد ونشأ فيها ودرس فيها واشتغل فيها، وصعد في المراتب حتى عيّنه المأمون أمينا (رئيساً) للمكتبة العبّاسيّة الوطنيّة. ثمّ صعد منها لرئاسة جامعة دار الحكمة سنة 813 وبقي في منصبه هذا حتى سنة 833. كل ما أنجزه الخوارزمي عربي عراقي 100٪ وخرج عن أهمّ جامعات عصرها. دار الحكمة في بغداد.

    في سوريا وفلسطين والأردن اليوم الكثير من البخاريّين الذين يحملون لقب البخاري. هاجر أجدادهم إلى الشام قبل مئة ومئتين وثلاث مئة سنة… من وصل جدّه منهم إلى الشام في القرن 17 أو 18 وهو اليوم لا يتحدّث التركية ولا يستعمل غير العربيّة. هل يجوز أن يقال فيه اليوم أنّه أوزبكي غير شامي أو غير عربي؟ فقط لأنّه يحمل لقب بخاري! لا، هذا لا يجوز. ومحمّد الخوارزمي مثلهم، حمل لقب الخوارزمي لكنّه عراقي بغدادي، لم يعرف في حياته غير بغداد، وما اشتغل في غيرها.

    {مُحَمَّد الخَوارِزمي} أبدع علم الجبر، وبدأ ما نسمّيه اليوم بالخوارزميّات Algorismus، وهي التي تسيّر كل الأجهزة الذكيّة في كلّ مكان. وهي التي أعاد {أبو الحسن أحمد بن ابراهيم الإقليدسي} تطويرها في دمشق بعد ثلاث قرون وصنعها بشكلها المعاصر، وهو من سمّاها بالخوارزميّات، بالمناسبة. ويبقى هذا إبداع عراقي ومن حقّ العراق والعرب جميعاً الفخر به.

    يمكن تنزيل كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي لمن أحبّ قراءته من هنا

    أوزبكستان فخورة بهذا الرجل العراقي بالطبع، وخيوة فخورة بأنّه حمل اسم بلدها، لكنّه عراقيّ من بغداد. وهذا تمثاله العملاق على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان، حيث كُتب الأبِسْتاق أوّل مرّة، وحيث عاش زرادشت.

    تمثال الخوارزمي على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان
    تمثال الخوارزمي على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان

    {أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري} ولأنّه كان ربّما يكره الخوارزمي سمّاه في تدويناته: {محمد بن موسى الخوارزميّ المجوسيّ القطربّليّ}… إهانة له بأنّه من قطربل (قطرب) بالقرب من بغداد وليس من بغداد نفسها. وبأنّه مجوسي غير مسلم. لكن، ما سجّله الخوارزمي في مقدّمة كتابه {الجبر} يُظهر بوضوح أنّه كان مسلماً ملتزماً على عقيدة بغداد والخلافة العبّاسيّة في القرن التاسع.

  • الطاجيك العرب

    الطاجيك العرب

    عندنا في تراث أوزبكستان تعني كلمة طاجيك حرفياً العرب. كلّ العرب. وهي مستقاة من التسمية الساسانية لبطيء وكانت طاژيگ.

    فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية
    فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية

    في القرن الثالث سنة 240 نجح أردشير الأوّل بفتح مگان لمصلحة الساسان، ومگان آنذاك هي سلطنة عُمان المعاصرة وكلّ الساحل الغربي للخليج العربي (البحرين)، وميسان جَنُوب العراق، ومحافظة هرمزگان في إيران المعاصرة. وهي جميعاً ديار لطيء آنذاك.

    تسمية طاژيگي أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان… أي الأزد. ولمّا ثارت عُمان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى منطقتين هنّ مدينة عُمان نفسها، ومدينة بلخ في ولاية آريا على نهر المرغاب في أفغانستان المعاصرة، فتوسّع هؤلاء العرب منها وصارت لهم طاجيكستان الشرقيّة (آريا الشِّمالية – ما وراء النهر)، التي ترى اليوم جمهوريّة طاجيكستان على جزء منها. لكنّ السامان والصفاريّين، وللقضاء على كلّ أثر للطاهريّين العرب في تركستان، أكرهوا هؤلاء الطاجيك العرب في القرن التاسع على استبدال العربيّة بالفارسيّة، ثم قام الاتّحاد السوڤييتي بتدريسهم في المدارس أنّهم فرس في الأساس.

    شاپور الثاني لم يكتف بطرد الكثير من العرب عن سواحل الخليج العربي ودفعهم نحو القسم الغربي من شبه الجزيرة العربية. بل صعد إلى العراق، وكان آنذاك باسم أسور إستان (سوريا) فحارب قبيلة إياد المالكة للبلد. ثمّ نفى تغلب إلى جزيرة البحرين وإلى قرية حتّا في دولة الإمارات العربية المتّحدة المعاصرة. كما نفى بني عبد القيس وبني تميم إلى جِبَال ٱلْحَجَر الواقعة اليوم شرق سلطنة عُمان. كما نفى بني بكر إلى مدينة كرمان وشمال ولايتها. ونفى بني حنظلة إلى ضواحي مدينة الأهواز (الأحْوَازْ) في إيران المعاصرة. ثمّ قام شاپور الثاني بإخلاء العرب تماماً عن شريط الباطنة الساحلي في عُمان واستبدلهم بجند من عنده (1). ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب (2). لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم وتحريرها.

    وكان العرب وبخاصّة الأزد، قد ثاروا على الحكم الساساني وقادوا حرباً عظيمة على الشاهنشاهية الساسانية وصلت فيها جيوشهم حتى مدينة شهر گور المدينة المعروفة اليوم باسم فيروزآباد داخل فارس نفسها. ولو تابعوا ووصلوا شيراز لكانت انتهت دولة الساسان من وقتها وصارت كلّها عربية (3). وكان الأزد آنذاك على حكم مگان كلّها بشطريها (عُمان + هرمزگان) بالإضافة إلى میسان جَنُوب العراق المعاصر. ثمّ ردّ شاپور الثاني بحرب أباد فيها الكثير من العرب، ووصل بحملة التدمير حتّى يثرب المدينة المنوّرة (4)، ودمّر مدن العرب، وردم مياههم، ونفى معاقل قبائلهم (5). ولقّبه العرب آنذاك {ذو الأكتاف} (6).

    بعد تلك الحرب، فرضت الحكومة الساسانيّة على سكّان أسورإستان (العراق) وشرق شبه الجزيرة العربيّة التحوّل إلى الديانة الزرادشتية (7)، وهو ما قاد سريعاً إلى ثورات تالية متكرّرة تسبّبت في القرن السادس بنفي بني تغلب سكّان أسورإستان غرباً إلى القسم الروماني من مملكة أورهي (الرها) ومن ثمّ استقرارهم في مدينة المعرّة في سوريا المعاصرة. واختتم الساسان تلك الثورات العربيّة بتنصيب ملك اللّخميين المنذر الثالث بن النعمان ملكاً على مگان (عُمان) (8).

    المراجع

    1 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa 

    2 Bosworth, C. E. (1983). “Abnāʾ”. Encyclopaedia Iranica, Vol. I, Fasc. 3. pp. 226–228. https://go.monis.net/SjjtWI 

    3 Daryaee, Touraj (July 20, 2009a). “ŠĀPUR II”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/uN4QTV 

    4 Potts, Daniel T. (2012). “ARABIA ii. The Sasanians and Arabia”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/nV3fov 

    5 Frye, R. N. (1983). “The Political History of Iran under the Sassanians”. In Yarshater, Ehsan (ed.). Cambridge History of Iran. Vol. 3. London: Cambridge University Press. pp. 116–181.

    6 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa 

    7 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 593–613. https://go.monis.net/CBakb5 

    8 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 600. https://go.monis.net/CBakb5 

  • منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    يعاني التاريخ العربي المدرّس في مدارسنا من عدّة مشكلات، من أبرزها غياب الرواية العربية الأصيلة وسيطرة الروايات الأجنبية المشوّهة للتاريخ العربي. وفي هذه التدوينة أطرح وجهة نظري حول أسباب هذه المشكلة وسبل معالجتها.

    لا يوجد نسخة عربية من التاريخ العربي المدرّس في مدارس اليوم العربية. نسخة التاريخ العربي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الأوروپية، لا العربية. ونسخة التاريخ الإسلامي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الفارسية والتركية والقوقازية، لا العربية.

    من دراستي التاريخ وجدت أنّ من علّم التاريخ إلى الأجيال العربية في القرن العشرين اشتغل على خطّة ممنهجة، لإحباط الروح العربية وتدميرها وإخضاعها بالدونيّة.

    كقوّة استعمار في أيّ بلد حول العالم تكون لك القدرة على الكذب كما تشاء، لتشويه أرواح الشعوب المستعمرة من تحتك. وهذا بالضبط ما فعله الاستعمار غرب الأوروپي بالعرب. حين أقنع الاستعمار القديم العرب أنّ كلّ الآثار في بلادهم ليست لهم، إنّما لحضارات قديمة لا تمت بالصلة إلى العرب. نشأت الأجيال في غربة عن تراثها. ترى الآثار في أرضها ثمّ تقول هذه صنيعة الآخرين، نحن لم نصنع.

    جيل وجيلين وصارت سنّة العرب إنكار تراث الآباء والأجداد، باتت روح العرب خجولة بموقعها، ترى أنّها لا تصنع. وهكذا، تلقائياً صار أبناء اللّغة العربية يرون أنفسهم غزاة، حفاة عراة، يعيشون على أنقاض الحضارات القديمة. وخطأ شاعت أقوال “الآراميّين غير العرب”، و”الأگّديّين غير العرب”، و”السبئيّين غير العرب”، و”المصريّين القدماء غير العرب”… سخافات لا غاية منها إلّا نفي الذات عن الذات. ولم يبق إلّا القول بأنّ العرب غير العرب.

    نفس المنهج يتّبعه الأميركيّون اليوم حين يقنعون شعوب مصر والعراق أنّ الآثار العظيمة في بلادهم هي من صنيعة الفضائيّين، كي لا يقتنع المصريّ وابن العراق أنّه حفيد صُنّاع حضارات عِظام. وذات المنهج تتّبعه ذات القوّة الأميركية كذلك في الپيرو والمكسيك وپاكستان واليابان وغيرها من حضارات العالم القديمة… لا يوجد فضائيّين، نحن نسل صنّاع هذه الحضارات القديمة.

    كلّ ما درستُه من الآثار والنقوش والتدوينات القديمة واللّغات وأنظمة الكتابة والوقائع التاريخيّة… كلّها تقول أنّ العرب المعاصرين هم استمرار وثيق للأسلاف، استمرار ليس فيه انقطاع ولا تغيير ولا تبديل. لكنّ العرب بتغيير أديانهم استنكروا أنسابهم بأصولهم، ثمّ فتحوا الباب لأدوات الاستعمار تطبخ الذهن العربيّ كما تشاء.

    هذي الآثار الكثيرة في بلاد العرب هي صنيعة أجداد العرب. كلّها آثار حضارات صنعها العرب وأسلاف العرب. كلّ لغات المنطقة القديمة هي اللّغات العربيّة القديمة، لا وافدة من الفضاء ولا من الصين. لم يحدث تعريب. هي اللّغات الّتي تطوّرت حتّى صارت اللّغة العربيّة المعاصرة. والعرب هم نسل وسلالة من عاشوا ورفعوا عمدان الحضارة في بلاد العرب. وكلّ ما يخالف هذا؛ خرافات وأساطير لا تهدف إلّا لهدم عزوة الروح العربية في بلادها.

    يؤدي تشويه وتزييف التاريخ العربي إلى أثر سلبي كبير على الهُوِيَّة العربية، ومن أبرز هذه الآثار:

    • الشعور بالدونية وعدم الاعتزاز بالهوية العربية، لأن التاريخ يقدم وكأن العرب لا إنجازات لهم.
    • فقدان الثقة بالنفس والإحساس بالعجز، فالتاريخ المشوّه يوحي أن العرب عاجزون عن الإنجاز.
    • الشعور بالغربة والانفصال عن التراث والإرث الحضاري، فالتاريخ ينسب الإرث لغير العرب.
    • ضعف الانتماء والهوية الجمعية، فالشعور بالانتماء يتأثر سلبًا عندما يُشوَّه تاريخ الجماعة.
    • انتشار الأساطير والخرافات التي تزرع الشكوك حول الهُوِيَّة العربية.
    • سهولة التأثر بالأفكار الهدامة التي تستغل هذا الفراغ في الهُوِيَّة.

    لذا، من الضروري إعادة كتابة التاريخ بموضوعية لبناء هُوِيَّة عربية معتزّة بنفسها وبإرثها الحضاري. ويجب عليها اتّخاذ بعض الخطوات التي لتعزيز الوعي بتاريخنا العربي:

    • إصلاح مناهج تدريس التاريخ في المدارس والجامعات بما يركز على التاريخ العربي ويقدم وجهة نظر عربية أصيلة.
    • تشجيع البحث الأكاديمي الجاد في التاريخ العربي ونشر الدراسات والبحوث الموثقة.
    • إنتاج برامج وأفلام وثائقية تروي التاريخ العربي بصدق وموضوعية.
    • تنظيم معارض ومتاحف تسلط الضوء على الحضارات والإنجازات العربية.
    • الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي لنشر الوعي.
    • إحياء المناسبات والأعياد التاريخية وربطها بالشباب.
    • إشراك المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع في مبادرات تعزيز الوعي التاريخي.
    • تفعيل دور الأسرة في غرس حب التاريخ والاعتزاز به لدى الأجيال الجديدة.

    إنّ إحياء الروح العربية يتطلّب جهداً مضاعفاً لإعادة كتابة تاريخنا بعيداً عن التشويه والتزييف، والاعتزاز بهويّتنا وإرثنا الحضاري العريق. وعلى مؤسّساتنا التعليمية والثقافية تحمّل مسؤولياتها في نشر الوعي بتاريخنا وتصحيح مسار تعليمه في مدارسنا.

    كما هي منشورة على مدوّنة البخاري