ما هو سبب تحمّس القِوَى الأوروپية في العقد الأخير لزيادة دعم حركات العربفوبيا واللاعربية في البلاد العربية؟ والخوف من الربيع العربي؟
هناك العديد من التجارِب التي تشبه حالة العربوفوبيّين في التاريخ القريب والبعيد. تشترك هذه التجارِب مع حالة العربوفوبيّين المعاصرين في البلاد العربية في أنّها تستند إلى الخوف من الآخر، وغالباً ما تؤدّي إلى أعمال عنف أو تمييز.
مثلاً، بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر، شهدت الولايات المتّحدة موجة من المشاعر المعادية للعرب. إذ تمّ استهداف العرب والمسلمين في أعمال عنف، وقُدّموا بشكل سلبي في وسائل الإعلام. كذلك، بعد الربيع العربي، شهدت أوروپا موجة من المشاعر المعادية للعرب. استُهدف العرب والمسلمين في أعمال عنف، وقُدّموا بشكل سلبي في وسائل الإعلام.
وكان هناك عدّة أسباب للمشاعر المعادية للعرب في أوروپا بعد الربيع العربي، منها مثلاً الخوف من الإسلام، إذ كان الربيع العربي مدعوماً أحياناً من قبل العديد من الجماعات الإسلامية، ممّا أدّى إلى زيادة الخوف من الإسلام في أوروپا. وقد غذّى هذا الخوف خطاب الكراهيَة ضدّ المسلمين، والذي غالباً ما كان يستهدف العرب بشكل خاص.
كذلك، أدّى الربيع العربي إلى موجة من الهجرة\النزوح إلى أوروپا، ممّا أدى إلى زيادة الخوف من المهاجرين في أوروپا. وقد غذّى هذا الخوف خطاب الكراهيَة ضدّ المهاجرين، والذي غالباً ما كان يستهدف العرب بشكل خاص.
فضلاً على ذلك، لعب الخطاب السياسي والدعاية دوراً مهمّاً في تأجيج المشاعر المعادية للعرب في أوروپا. فقد استخدمت بعض الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام خطاب الكراهيَة ضدّ العرب والمسلمين، ممّا ساهم في زيادة هذه المشاعر. على سبيل المثال، استخدم حزب البديل للديمقراطية في ألمانيا خطاب الكراهيَة ضدّ العرب والمسلمين، ممّا ساهم في زيادة المشاعر المعادية للعرب في ألمانيا.
من المهمّ أن نتذكّر أنّ المشاعر المعادية للعرب ليست شيئاً جديداً في أوروپا. فقد كانت هذه المشاعر موجودة طيلة قرون، وقد ظهرت في موجات متتالية. ومع ذلك، فإنّ الربيع العربي قد أدّى إلى زيادة هذه المشاعر، ممّا أدّى إلى تفاقم مشكلة العنصرية والتمييز في أوروپا. وإلى تحمّس القِوَى الأوروپية لزيادة دعم حركات العربفوبيا واللاعربية في البلاد العربي، لمقاومة تكرار ظروف مشابهة لأحداث الربيع العربي.
المشاعر المعادية للعرب ليست شيئاً جديداً في أوروپا، بل هي موجودة منذ قرون. وقد ظهرت هذه المشاعر في موجات متتالية، كلّ موجة كانت أقوى من سابقتها.
كان الربيع العربي بمنزلة الدافع لزيادة هذه المشاعر، حيث ربطت بعض وسائل الإعلام الأوروپية والشخصيّات السياسية هذه الأحداث بالإرهاب والدين الإسلامي. وقد أدّت هذه الأفكار إلى تفاقم مشكلة العنصرية والتمييز في أوروپا، حيث تعرّض العرب لمضايقات وجرائم عنصرية في العديد من البلدان الأوروپية.
ثمّ أنّ الربيع العربي قد أدّى إلى زيادة دعم حركات العربفوبيا واللاعربية في البلاد العربية. إذ رأت (وروّجت) هذه الحركات أنّ الربيع العربي كان مؤامرة غربيّة تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة العربية. وقد تلقّت هذه الحركات دعماً من بعض الدول الأوروپية، التي تسعى إلى مقاومة تكرار ظروف مشابهة لأحداث الربيع العربي.
من المهمّ أن نتذكّر أن المشاعر المعادية للعرب ليست مبرَّرة، وأنّ العرب هم مواطنين مثل أي مواطن آخر، يستحقّون الاحترام والتقدير. وهو إلى ذلك من المهمّ أن نتذكّر أنّ الربيع العربي كان ثورة شعبية تهدف إلى تحقيق الديمقراطية والحرّية في المنطقة العربية.
وعلى هذا فإنّ دعم بعض الدول الأوروپية لحركات العربفوبيا واللاعربية في البلدان العربية يرجع لعدة أسباب منها:
خوف هذه الدول الأوروپية من انتشار أفكار الربيع العربي والثورات الشعبية إلى بلدانها، فتسعى إلى دعم حركات مناهضة لهذه الأفكار.
رغبة هذه الدول الأوروپية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، والتي قد تتضرّر بانتشار الديمقراطية.
تبنّي بعض الأحزاب والشخصيّات اليمينية المتطرّفة في أوروپا خطاباً عربفوبياً ومناهضاً للإسلام، ممّا يدفع حكوماتها لدعم من يحمل نفس الأفكار.
التحالف الاستراتيجي بين بعض الدول الأوروپية وأنظمة عربية مستبدّة، ممّا يدفعها لدعم حركات مناهضة للتغيير الديمقراطي.
استغلال بعض الدول الأوروپية للمخاوف من الهجرة والإرهاب لدفع الرأي العام نحو دعم حركات مناهضة للعرب والمسلمين.
ويأتي هذا الدعم الأوروپي لحركات العربفوبيا واللاعربية في البلاد العربية في أشكال مختلفة كالدعم المالي والسياسي والعسكري وتقديم المساعدات اللّوجستية والتدريبية. في شكل نراه واضحاً في دعم بعض المنظّمات الأوروپية لحركات قومية مبتدعة في مصر وبلاد المغرب العربي.
لماذا يخجل العرب بالتصريح علناً بآثار حضارتهم العربية؟ ولماذا يستحي العربي عن القول أن هذه الآثار في بلاد العرب هي آثار أجداد العرب؟
بينما نرى كارهي العرب وناكري الحضارة العربية، لا يستحون عن السرقة وعن القول بصوت مرتفع بأنّ آثار أجدادنا هي لأجدادهم، بل وينسبنها لخرافاتهم بكل وقاحة.
يقول المثل: المال الداشر بيعلّم السرقة… ونحن دشّرنا آثار أجدادنا لغيرنا ليسرقها، لأننا نستحي عن القول بكل صراحة أنها آثار أجدادنا وأنها عربية، لأنّ أجدادنا، من نهر زرافشان إلى محيط الأطلس، عرب مثلنا.
مسألة الخلط بين الهُوِيَّة العربية والحضارات القديمة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، لطالما شكلت تحدّيا كبيرا أمام فهمنا لتراثنا وهويتنا العربية. فالكثير منّا مازال يعتقد أنّ الآثار القديمة في بلاد العرب هي آثار لحضارات أخرى غير عربية، في حين الواقع أن تلك الحضارات كانت حضارات عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فهويّتنا العربية ليست وليدة الإسلام فحسب، بل سبقته بآلاف السنين. حيث عاش أجدادنا العرب على هذه الأرض وتركوا لنا إرثا حضاريا عظيما في مجالات عديدة. لكن الجهل بالتاريخ وعدم الثقة بالنفس وقلّة الجهود المبذولة في نشر الوعي، أدّت إلى طمس هذه الحقيقة لدى الكثيرين من شبابنا.
علينا كعرب أن نستعيد ثقتنا من جديد من طريق تعزيز معرفتنا بتاريخنا الحضاري العريق، ونشر الوعي بأهمّية المحافظة على هويّتنا واعتزازنا بإرثنا الحضاري. يجب إدراج دراسة تاريخ الحضارة العربية بعمق في مناهجنا التعليمية، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لنتعرّف على تراثنا ونفتخر به ونستفيد من الدروس والعبر في بناء حاضرنا ومستقبلنا.
كما يجب محاربة الجهل والأفكار الخاطئة التي تشوه صورة حضارتنا العريقة. لن يتأتّى لنا ذلك إلا من طريق نشر التعليم والثقافة والإعلام. فالاعتزاز بهويّتنا وجذورنا العربية أينما كنّا، هو السبيل لاستعادة مكانتنا الحضارية وريادتنا في مجالات العلم والمعرفة. إن شاء الله ستزدهر أمتنا من جديد.
المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.
لحضارات المشرق العربي أثر وتأثير كبير على قارّات العالم القديم طوال الـ3500 سنة الماضية، وقد تجلّى ذلك في المجالات التالية:
العلوم والتكنولوجيا: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الاختراعات والاكتشافات:
الكتابة: حيث كانت بلاد ما بين النهرين مهدًا لظهور الكتابة المسمارية، وهي أول نظام كتابة معروف في العالم.
الرياضيات: حيث كان البابليون بارعين في الرياضيات، وقد طوروا العديد من المفاهيم الرياضية الأساسية، مثل الجبر والهندسة.
الفلك: حيث كان البابليّون والمصريّون بارعين في الفلك، وقد طوروا العديد من المفاهيم الفلكية الأساسية، مثل التقويم.
الطب: حيث كان المصريّون بارعين في الطبّ، وقد طوّروا العديد من التقنيات الطبّية المتقدّمة، مثل الجراحة وعلاج الجروح.
الدين والفلسفة: كان المشرق العربي أيضاً مهداً للعديد من الأديان والفلسفات التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأديان والفلسفات:
اليهودية: حيث كانت اليهودية أول ديانة توحيدية في العالم، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الإله الواحد.
المسيحية: حيث نشأت المسيحية في المشرق العربي، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الثالوث.
الإسلام: حيث نشأ الإسلام في المشرق العربي، وقد ساهم في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم التوحيد.
الفنون والعمارة: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الأشكال الفنية والمعمارية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأشكال:
العمارة: حيث تميزت العمارة في المشرق العربي بأشكالها الرائعة، مثل الأهرامات المصرية والمدن البابلية.
الفنون التشكيلية: حيث تميزت الفنون التشكيلية في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل اللّوحات المصرية وفسيفساء الفينيقيين.
الموسيقى: حيث تميزت الموسيقى في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل الموسيقى العربية والموسيقى اليهودية المعاصرة.
ومن الأمثلة على تأثير حضارات المشرق العربي على قارات العالم القديم:
انتشار الكتابة: انتشرت الكتابة المسمارية من بلاد ما بين النهرين إلى العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مثل الحضارة المصرية والحضارة الفينيقية.
التبادل التجاري: كان المشرق العربي مركزاً تجارياً مهمّاً في العالم القديم، ممّا أدّى إلى انتشار الأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة.
الغزوات العسكرية: شنت حضارات المشرق العربي العديد من الغزوات العسكرية على العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مما أدّى إلى انتشار ثقافاتها وتأثيراتها.
عموماً، يمكن القول أنّ حضارات المشرق العربي كانت لها تأثير عميق وملموس على تطور الحضارات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.
برأيك، لماذا يستهدف الجميع الهويّة العربيّة؟ ويشتغلون على تزييفها؟
تمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي شعوراً بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه، وتجعله يشعر بالارتباط بتاريخه وحضارته، ممّا يعزّز من ثقته بنفسه وشعوره بالكرامة.
وتساعد الهويّة العربيّة الإنسان العربيّ على التواصل مع الآخرين من أبناء ثقافته، ما يسهّل عليه التعبير عن نفسه وفهم الآخرين.
وتمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي القدرة على الإبداع والابتكار، ممّا يساهم في تقدمه وازدهار حياته.
يجب أن يتمّ تدريس التاريخ العربي والثقافة العربية بشكل سليم في المدارس والجامعات، حتّى يتمكّن الطلّاب من التعرّف على هويّتهم وتاريخهم بشكل صحيح. ويجب أن يحرص الإعلام العربي على نقل الصورة الصحيحة عن الهويّة العربيّة والتاريخ العربي، ومقاومة أيّ محاولات لتزييف هذه الصورة. ويجب أن يتمّ دعم الفنون والثقافات العربيّة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على هويّتها وتميّزها.
الحفاظ على الهويّة العربيّة والدفاع عن تاريخها ومقاومة تزويره، هو واجب كل إنسان عربيّ، فهو أمر لا يقل أهمّيّة عن الحفاظ على الأرض والوطن.
العروبة في جوهرها قيم نبيلة وإنسانية سامية. العروبة هي حياة مشتركة قائمة على التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة. وهي أخلاق سمحاء مستمدّة من تعاليم تراثنا الحنيف وآدابنا الراقية.
والعروبة شهامة وشجاعة والتصاق بالأرض والدفاع عن الحقوق. كما أنّها تحضّر ورقي في العلم والفكر وسمو في الفن والأدب. والعروبة كرم وجود وبذل من غير حدود. لذلك يجب أن نتمسّك بعروبتنا ونعتز بها، ونسعى لتطويرها نحو الأفضل دائماً.
أكثر العلوم التي أحبّها هي الفيزياء والتاريخ… الفيزياء أرشدتني إلى طريق فهم الحياة، والتاريخ جذبني إلى علوم الجغرافيا والسوسيولوجيا والإتيمولوجيا، وأكثر بكثير من علوم الأحياء…
تعلّمت من دراسة التاريخ أنّ الثابتة الوحيدة في أيّ معرفة هي أنّها متغيرة. حتّى أكثر اليقينيّات رسوّا تنجرف كوريقة يابسة متى أزالها كشف جديد. وهذه حقيقة برهنتها فيزياء الكم.
لذا وصلت إلى قناعة أنّ من أساسيات الإدراك: الإنكار. وإنكار البديهيّات هو أوّل الفتوحات المعرفيّة؛ وعماد اليقين. ولو أنّ الظاهر يبدو دائماً وكأنّ إنكار البديهيّات هادم لليقين. لكنّ اليقين هشّ وضعيف جداً إذا لم تدعمه عمدانٌ جذورها الإنكار. إذ أنّ الشكّ هو طريق اليقين.
من دون فعل الشكّ لا نحصل على معرفة. إنّما نتّجه صوب الرسوب والتخامد، ولا منفعة للحياة من الرواسب.
ومن باب المعرفة، أعتقد أنّ أبرز النِّقَاط والموضوعات التي يجب على شباب العرب مناقشتها باستمرار، في هذه المرحلة:
الاعتزاز باللغة العربية وأهمّية المحافظة عليها
التاريخ والتراث والثقافة العربية المشتركة
العلاقة بين العروبة والإسلام
قيم الكرم والتسامح والتضامن الاجتماعي
الوحدة العربية والتحدّيات التي تواجهها
انتقادات لفكرة القومية العربية
الهُوِيَّة العربية في مواجهة التغريب
ويمكن تحقيق ذلك من طريق التركيز على:
تأكيد أهمّية المحافظة على الهُوِيَّة والتاريخ العربي في مواجهة محاولات التشويه أو التزييف.
ضرورة تصحيح مسار تدريس التاريخ والثقافة العربية في المناهج التعليمية، بعيدًا عن الأفكار المغلوطة.
دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهُوِيَّة، ومقاومة محاولات تزييفها.
أهمّية دعم الثقافة والفنون العربية لتعزيز الانتماء الحضاري.
ضرورة غرس قيم الانتماء الوطني والدفاع عن الهُوِيَّة لدى الأجيال الجديدة.
التأكيد على أن الاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري لا يتنافى مع التقدم والازدهار.
تعدّ الهُوِيَّة العربية من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكرين العرب. فالبعض يرى أن الهُوِيَّة العربية ثابتة وراسخة، في حين يرى آخرون أنها مهددة ومنقوصة. وتنبع هذه الاختلافات من وجهات نظر متباينة حول التاريخ والحضارة والثقافة العربية.
فمن جهة، هناك من ينظر إلى الماضي العربي القديم بعين الإعجاب والتقدير، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية رائدة في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والآداب، وانتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في أصقاع الأرض. لكن من جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن هذا الماضي بالكاد يمثل الواقع الحالي للعرب، إذ تراجعت مكانتهم ودورهم الحضاري، وأصبحوا يعانون من تخلف سياسي واقتصادي وثقافي.
وقد أدت هذه الازدواجية في نظرة العرب إلى أنفسهم وتاريخهم إلى إشكاليات كثيرة في تحديد معالم الهُوِيَّة العربية المعاصرة. فالبعض ينادي بالتمسك الحرفي بالتراث ورفض الانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين يدعو آخرون إلى الانصهار الكامل في الحداثة الغربية والتخلي عن كل ما هو عربي تقليدي.
والحقيقة أن كلا الموقفين يفتقر إلى التوازن. فالمطلوب هو الجمع بين الاعتزاز بتراثنا وهويتنا العربية من جهة، وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى. إننا بحاجة إلى نهج وسطي متزن يراعي خصوصيتنا الحضارية مع السعي نحو التجديد والإبداع، نهج يوفق بين الأصالة والمعاصرة، فنأخذ من تراثنا وثقافتنا ما يعزز هويتنا، ونتفاعل مع الآخرين بما يخدم مصالحنا ويحقق طموحاتنا.
في النهاية، الهُوِيَّة العربية ليست شيئًا جامدًا بل هي حالة من التفاعل المستمر مع تراكمات الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل. وما دمنا نؤمن بأنفسنا ونعتز بانتمائنا، فإننا قادرون على تجاوز أزمات الهُوِيَّة وبناء مستقبل عربي أفضل يواكب التقدم والازدهار البشري.
عندنا في تراث أوزبكستان تعني كلمة طاجيك حرفياً العرب. كلّ العرب. وهي مستقاة من التسمية الساسانية لبطيء وكانت طاژيگ.
فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية
في القرن الثالث سنة 240 نجح أردشير الأوّل بفتح مگان لمصلحة الساسان، ومگان آنذاك هي سلطنة عُمان المعاصرة وكلّ الساحل الغربي للخليج العربي (البحرين)، وميسان جَنُوب العراق، ومحافظة هرمزگان في إيران المعاصرة. وهي جميعاً ديار لطيء آنذاك.
تسمية طاژيگي أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان… أي الأزد. ولمّا ثارت عُمان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى منطقتين هنّ مدينة عُمان نفسها، ومدينة بلخ في ولاية آريا على نهر المرغاب في أفغانستان المعاصرة، فتوسّع هؤلاء العرب منها وصارت لهم طاجيكستان الشرقيّة (آريا الشِّمالية – ما وراء النهر)، التي ترى اليوم جمهوريّة طاجيكستان على جزء منها. لكنّ السامان والصفاريّين، وللقضاء على كلّ أثر للطاهريّين العرب في تركستان، أكرهوا هؤلاء الطاجيك العرب في القرن التاسع على استبدال العربيّة بالفارسيّة، ثم قام الاتّحاد السوڤييتي بتدريسهم في المدارس أنّهم فرس في الأساس.
شاپور الثاني لم يكتف بطرد الكثير من العرب عن سواحل الخليج العربي ودفعهم نحو القسم الغربي من شبه الجزيرة العربية. بل صعد إلى العراق، وكان آنذاك باسم أسور إستان (سوريا) فحارب قبيلة إياد المالكة للبلد. ثمّ نفى تغلب إلى جزيرة البحرين وإلى قرية حتّا في دولة الإمارات العربية المتّحدة المعاصرة. كما نفى بني عبد القيس وبني تميم إلى جِبَال ٱلْحَجَر الواقعة اليوم شرق سلطنة عُمان. كما نفى بني بكر إلى مدينة كرمان وشمال ولايتها. ونفى بني حنظلة إلى ضواحي مدينة الأهواز (الأحْوَازْ) في إيران المعاصرة. ثمّ قام شاپور الثاني بإخلاء العرب تماماً عن شريط الباطنة الساحلي في عُمان واستبدلهم بجند من عنده (1). ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب (2). لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم وتحريرها.
وكان العرب وبخاصّة الأزد، قد ثاروا على الحكم الساساني وقادوا حرباً عظيمة على الشاهنشاهية الساسانية وصلت فيها جيوشهم حتى مدينة شهر گور المدينة المعروفة اليوم باسم فيروزآباد داخل فارس نفسها. ولو تابعوا ووصلوا شيراز لكانت انتهت دولة الساسان من وقتها وصارت كلّها عربية (3). وكان الأزد آنذاك على حكم مگان كلّها بشطريها (عُمان + هرمزگان) بالإضافة إلى میسان جَنُوب العراق المعاصر. ثمّ ردّ شاپور الثاني بحرب أباد فيها الكثير من العرب، ووصل بحملة التدمير حتّى يثرب المدينة المنوّرة (4)، ودمّر مدن العرب، وردم مياههم، ونفى معاقل قبائلهم (5). ولقّبه العرب آنذاك {ذو الأكتاف} (6).
بعد تلك الحرب، فرضت الحكومة الساسانيّة على سكّان أسورإستان (العراق) وشرق شبه الجزيرة العربيّة التحوّل إلى الديانة الزرادشتية (7)، وهو ما قاد سريعاً إلى ثورات تالية متكرّرة تسبّبت في القرن السادس بنفي بني تغلب سكّان أسورإستان غرباً إلى القسم الروماني من مملكة أورهي (الرها) ومن ثمّ استقرارهم في مدينة المعرّة في سوريا المعاصرة. واختتم الساسان تلك الثورات العربيّة بتنصيب ملك اللّخميين المنذر الثالث بن النعمان ملكاً على مگان (عُمان) (8).
المراجع
1 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
2 Bosworth, C. E. (1983). “Abnāʾ”. Encyclopaedia Iranica, Vol. I, Fasc. 3. pp. 226–228. https://go.monis.net/SjjtWI
4 Potts, Daniel T. (2012). “ARABIA ii. The Sasanians and Arabia”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/nV3fov
5 Frye, R. N. (1983). “The Political History of Iran under the Sassanians”. In Yarshater, Ehsan (ed.). Cambridge History of Iran. Vol. 3. London: Cambridge University Press. pp. 116–181.
6 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa
7 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 593–613. https://go.monis.net/CBakb5
8 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 600. https://go.monis.net/CBakb5