الوسم: لاعربية

  • حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    لمّا أخذ القشتاليّون إشبيلية عدّوا أنفسهم يحرّرون “بلادهم” من الحكم المغربي، بناء على الدعاية التي نشرتها البابويّة الرومانيّة، التي أطلقت صفة {حرب الاسترداد} على حروب الإبادة الجماعيّة لغير الكاثوليك في إبيريا. المسألة بالنسبة لهم ما كانت تحرير إبيريا من المسلمين، إنّما كانت بشكل أكثر خصوصيّة، تحرير الأندلس من المغاربة. لأنّ الأندلس وحتّى ذلك التاريخ كانت تحت سلطة دولة تعصمها مدينة مراكش في المغرب الموحّديّة.

    أي أنّ القشتالي لم ينظر إلى غير الكاثوليكي على أنّه مواطن أندلسي، إنّما غسلت الپروپاگندا الرومانيّة دماغه حتّى اقتنع أن اليهوديّ والمسلم والأريوسي والكاثاري (وغيرهم) مستوطن من بقايا الاحتلال المغربي، وعليه الرحيل إلى المغرب. أي أنّ الفترة السابقة لحكم المغاربة للأندلس كانت ممسوحة تماماً من ذاكرة القشتالي لا يوجد فيها غير أساطير مذابح المغاربة في حقّ الكاثوليك.

    كانت إشبيلية في القرن 13 أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصوناً، وأكثرها سكاناً، ومركزاً لحكومة دولة مراكش الموحّديّة في الأندلس. وتوالت عليها حكومات متعدّدة؛ فتارّة تحت طاعة الموحّدين، وتارة أخرى تخلع طاعتهم، إلى أن ألقت بمقاليدها عن رضى واختيار إلى دولة قشتالة المسيحيّة، بسقوط دولة الموحّدين في المغرب ونشوء دولة المرينيّين سنة 1244.

    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius
    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius

    سنة 1244 ولحماية استقلاله عن المرينيّين، قام حاكم إشبيلية {يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبى بكر} المعروف باسم {أبو عمرو بن الجد} بتوقيع معاهدة مع قشتالة تنصّ على أن تكون مملكة إشبيلية (أي مملكة الأندلس) تابعة لمملكة قشتالة، وأن يحضر اجتماعات البلاط القشتالي لأنّه أصبح أحد ملوك المملكة القشتالية، وأن يؤدّي الجزية لملك قشتالة، وأن يقدّم له العون متى طلب إليه ذلك.

    ثمّ استجلب {بن الجد} حرّاساً حفصيّين من تونس لحماية عرشه واستبداده بالحكم، وكان الحفصيّون قد تعاهدوا مع القشتاليّين كذلك. فثار الناس على {أبو عمرو بن الجد} بعد سنتين وخلعوه وأعلنوا بطلان المعاهدة، ما أغضب الملك القشتالي {فرناندو الثالث} فأمر قوّات غرناطة وقرطبة النصريّة بالزحف واستعادة السلطة في إشبيلية، ونجحت تلك القوّات بعد حصار سنة ونصف وأخضعت إشبيلية للعرش القشتالي، ونفي مسلميها ويهودها إلى غرناطة.

    بعد دخول قوّات ملك قشتالة {فرناندو الثالث} إشبيلية نهاية سنة 1248، وكانت قوّات مسلمة بالمناسبة بقيادة حاكم غرناطة {الغالب بالله محمد بن يُوسُف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر}، دخلت مملكة إشبيلية الحماية القشتالية وتغيّرت فيها السلطة إلى أيدي المسيحيّين ولو أنّ الحكومة بقيت مشتركة مسيحية-مسلمة حتّى القرن 15 وعهد طرد المورسكيّين. وبقيت الدولة على حالها ستّ قرون إلى أن قامت إسپانيا بحلّ مملكة إشبيلية سنة 1833 وبدأ من بعدها عهد الإفقار والقمع القومي.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {مملكة إشبيلية وبذور نهضة المجتمع غرب الأوروپي} من هنا

  • حضارات عربية قديمة: إنجازات حضارية تشكّل الهوية العربية

    حضارات عربية قديمة: إنجازات حضارية تشكّل الهوية العربية

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأن العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ثم، على نهج الأوروپيين، يبارزونك بدليل من خيالهم أن جزيرة العرب صحراء خالية من الحضارات القديمة.

    لو افترضنا، كما يريدون، أن بلاد العرب تقتصر على جزيرة العرب فقط. ولو تساهلنا وقلنا أن ّجزيرة العرب لا تشمل العراق والشام، فنحن نمسك بأرض تعاقبت عليها الحضارات منذ القِدم. حضارات تركت بصماتها الواضحة على التاريخ والتراث العربي والإنساني. مثل حضارات سبأ ومعين وحضرموت والقتبان ودلمون ومگان والأنباط والدادان وغيرهم الكثير.

    حضارة سبأ اشتهرت بالزراعة المتقدّمة والتجارة، واشتهرت كذلك بتقدّمها ببناء السدود، ومن أشهرها سد مأرب، الذي كان يُعد من أعظم السدود في العالم القديم.

    حضارة معين اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن واخترعت بعضها، واشتهرت كذلك بصناعة الفخار المزخرف.

    حضارة حضرموت اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الأختام. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط سواحل بحر العرب جميعاً، من الهند إلى الصومال إلى جنوب أفريقيا.

    حضارة دلمون اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الحلي والمجوهرات. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط جنوب شرق آسيا بالخليج العربي.

    حضارة الأنباط ورثت حضارة دادان والپونت واشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك ببناء المدن المحفورة في الصخر. من الحجاز إلى تركيا المعاصرة.

    حضارة مگان أعظم حضارات الخليج العربي. نقلت العالم إلى العصر النحاسي، واشتهرت بصناعة المعادن والتجارة البحرية، وابتكرت العديد من أنواع السفن. وامتلكت أعظم شبكة نقل بحري في العالم القديم.

    تميزت هذه الحضارات بتقدّمها الحضاري في مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة والصناعات والعمارة والفنون. وتعدّ هذه الحضارات القديمة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وتراث شبه الجزيرة العربية، حيث ساهمت في تشكيل الهوية العربية وإثراء الثقافة العربية.

    تتمثّل أبرز منجزات الحضارات القديمة في شبه الجزيرة العربية في ابتكارات الزراعة والتجارة والصناعة والعمارة والفنون.

    ساهمت هذه الحضارات في تطوير الزراعة في العالم، حيث طورت أساليب الري الحديثة، وتقنيّات تخزين الماء. وزرعت المحاصيل المختلفة، مثل القمح والشعير والتمر. وهي محاصيل لم يعرفها العالم قبلهم.

    كانت هذه الحضارات العربية من أهمّ مراكز التجارة في العالم القديم، حيث ربطت بين الحضارات الأخرى في آسيا وأفريقيا وأوروپا. وابتكرت أنظمة النقد الدولي ومبادئ التجارة الدولية.

    ازدهرت الصناعات المختلفة في هذه الحضارات، مثل صناعة المعادن وصناعة الفخار وصناعة الحلي والمجوهرات. وابتكرت أصناف جديدة من المعادن. أهمّها النحاس والبرونز والفولاذ.

    تميّزت هذه الحضارات بعمارتها الرائعة، حيث شيّدت المعابد والقصور والمدن المحفورة في الصخر. وازدهرت الفنون المختلفة في هذه الحضارات، مثل الفنون التشكيلية والفنون الأدبية والموسيقى.

  • الأندلس: جريمة إبادة جماعية ضدّ العرب

    الأندلس: جريمة إبادة جماعية ضدّ العرب

    لا يثير العرب مسألة الأندلس بكاء على مُلك إسلامي ضاع، إنّما في المسألة مظلمة إنسانية مسكوت عنها.

    ماذا لو اعترفت إسپانيا القرن 13 بالمسلمين واليهود والعرب إحدى مكوّنات الشعب الإسپاني ولم تطرد العرب عن إبيريا بالقانون، حتى بعد قرنين من تحوّلهم إلى المسيحية؟

    هذه جريمة إنسانية ارتكبتها إسپانيا في حق إحدى شعوب شبه الجزيرة الإبيرية، ومن الخطأ في حقّها أساساً أن يُضطر المسلمون واليهود أو العرب للاستعانة بقوات إمبراطوريّة ما للمحافظة على وجودهم في بيوتهم ومدنهم وأراضيهم…

    عاش المسيحيّون 15 قرن في البلاد العربية الإسلامية ما اضطرّوا فيها مرّة إلى طلب الحماية من أيّ قوّة أجنبية، ولا اضطرّوا إلى حماية وجودهم بتكوين إمارات مستقلّة للمسيحيّين فقط. حتى حين حضر الصليبيون إلى المشرق، استنكر المسيحيون المشرقيون فعائلهم، ونالهم من الصليبيين مجازر كثيرة، دفعتهم للهرب والنزوح إلى قلبيريّة (كالابريا) وصقلية. حيث الصليبيين واستثماراتهم ممنوعين.

    لكن في إبيريا. ادّعى القوط الغربيون أنهم أصحاب الأرض الأصليّين، وزعموا أنهم يريدون بناء دولة مسيحية شديدة النقاء. فقاموا على أساس قومي بطرد كل من يمنع تحقيق “التجانس” وفق الرؤية القوطية الكاثوليكية، حتى لو تحوّل إلى المسيحية الكاثوليكية، وحتى حين مضى على تنصّره أجيال في قرنين من الزمن.

    من وُسم بالموريسكي في إبيريا القرن 16 كان مواطناً إبيرياً من حقّه البقاء والحياة في وطنه إبيريا. حتى لو خالفت معتقداته وعاداته تقاليد الدولة في عهده. لذا، فما حدث في إسپانيا القرن 16 هو جريمة إبادة جماعية فظيعة، لم يقدر العرب على نسيانها حتى بعد خمس قرون!

    الصورة للرسّام الموريسكي خوان الباريخي Juan de Pareja. وُلد عبداً في أنتقيرة في إسپانيا وروى كيف استرقّ القشتاليون أهله في مالقة فمنع صك عبوديّتهم طردهم عن إبيريا. ثم وُلد خوان عبداً سنة 1606 ثم درّسه مالكه الرسم واشتغل في هذه الحرفة حتى وفاته.

  • العربفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية

    العربفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية

    لحركات الـ #عربفوبيا والـ #لاعربية آثار سيّئة على المجتمع العربي والمجتمع الإنساني كلّه:

    مثلاً، تؤدّي إلى شعور العرب بالتهميش والإقصاء، ممّا قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار المجتمعات العربية وزيادة التوتّرات الاجتماعية. كما تخلق جوّاً من الكراهيَة والعنف ضدّ العرب، ممّا قد يسوق إلى أعمال العنف والإرهاب. كذلك تعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربيّة، حيث تمنع الاستثمارات الأجنبية والتبادل الثقافي.

    كذلك تؤدّي إلى مزيد من الانقسام والتعصّب بين المجتمعات، ممّا قد يؤدّي إلى الحروب والصراعات. كما تمنع التبادل الثقافي والحضاري بين المجتمعات، ممّا يحدّ من التقدّم الإنساني. بالإضافة إلى أنّها تعزّز ثقافة الكراهيَة والعنف، ممّا يهدد السلام والأمن العالميّين.

    في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، وبسبب العربفوبيا واللاعربيّة، تواجه الجالية العربية تمييزاً في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم والعمل والسكن. أمّا في أوروپا، فتتعرّض الجاليات العربية لهجمات عنصرية وكراهية. وحتّى في الشرق الأوسط، أدّت العربفوبيا إلى تصاعد الصراعات الطائفية والسياسية. وفي الجزائر تسوق اللاعربيّة إلى المزيد من الانقسامات في المجتمع الجزائري، ما يمنع تركيز المواطنين على التقدّم وازدهار البلد.

    من المهمّ أن ندرك أنّ العربفوبيا واللاعربيّة هما شكلان من أشكال العنصرية والتمييز، وهما تهديد للمجتمع العربي والمجتمع الإنساني كليًّا. فيجب علينا جميعاً أن نكافح ضدّ هذه الظواهر السلبيّة، وأن نسعى إلى بناء عالم يسوده السلام والتفاهم بين جميع الشعوب.

  • كيف سقطت غرناطة

    كيف سقطت غرناطة

    في مثل اليوم 2 كانون الثاني يناير من سنة 1492 انتهى في غرناطة حكم العرب وانتقلت أسرة بنو نصر منفية إلى فاس في المغرب. وأعتب على من يلوم العثمانيّين على “سقوط غرناطة” في حين الواقع أنّ إزالة حكم المسلمين فيها كان بموجب رضى من الخلافة العبّاسيّة في القاهرة، واتّفاق مع سلطنة المماليك فيها.

    في الصورة أدناه مقطع من الخطّ الزمني لأحداث الشرق الأوسط، وتظهر فيها الحرب العثمانيّة-المملوكيّة، والتي على غير ما يُعتقد، بدأت سنة 1485 وانتهت سنة 1517 بانتصار العثمانيّة وإزالة السلطنة المملوكيّة من الوجود. ونلاحظ على هذا الخطّ الزمني أهمّ التفاصيل: استيلاء المماليك الجركس على الحكم في القاهرة سنة 1382. اندلاع أوّل حرب مملوكية-عثمانية سنة 1485 والتحالف المملوكي-الإسپاني في نفس السنة. ثمّ، نهاية إمارة غرناطة النصريّة في نهاية هذه الحرب الأولى سنة 1492.

    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517
    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517

    وللردّ على التحالف المملوكي-الإسپاني، تحالفت السلطنة العثمانيّة مع إمارة النصريّين في غرناطة، التي قبلت بنشر قوّات عثمانية في غرناطة. وفي ذات الوقت سعى النصريّين للخلاص من الهيمنة القشتالية، والتحوّل عن وعود حماية مغربيّة لن تتحقّق، فتأمّلوا ضمان الاستقلال بحماية عثمانيّة. غير أنّ القوّات الإسپانيّة نجحت بإسقاط غرناطة قبل وصول القوّات العثمانيّة، التي أعاقتها القوّات البحريّة المملوكيّة وأخّرت وصولها.

    هذه الخارطة هنا هي لإمارة غرناطة سنة إعلانها 1230 وقبل خسارة قرطبة وإشبيلية وبَلَنْسِيَة. وأنصحك اليوم بقراءة ثلاث من تدويناتي. الأولى في تفاصيل {حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة} والثانية هي تدوينة {پروپگندا سقوط الأندلس} التي أتحدّث فيها باختزال عن تاريخ سقوط الأندلس كلّها. والثالثة هي تدوينة {عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيّين} التي أتحدّث فيها عن پروپگندا فتح الأندلس.

    حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة

    پروپگندا سقوط الأندلس

    عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيين

    ومن المهمّ أن نتذكّر أن سقوط غرناطة ما كان مجرّد سقوط حكم إسلامي في إبيريا، إنّما كان إبادة جماعية وتطهير عرقي نال مجتمعاً أوروپيّاً، انتهى بإكراه الناس على تغيير أديانها وهويّاتها الثقافيّة، وطرد الطوائف التي خالفت طائفة الحكم من بلادها. وفي منظوري، لا تختلف فعائل القشتاليّين عمّا فعله هيتلر في النصف الأوّل من القرن العشرين.

  • الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    لماذا يخجل العرب بالتصريح علناً بآثار حضارتهم العربية؟ ولماذا يستحي العربي عن القول أن هذه الآثار في بلاد العرب هي آثار أجداد العرب؟

    بينما نرى كارهي العرب وناكري الحضارة العربية، لا يستحون عن السرقة وعن القول بصوت مرتفع بأنّ آثار أجدادنا هي لأجدادهم، بل وينسبنها لخرافاتهم بكل وقاحة.

    يقول المثل: المال الداشر بيعلّم السرقة… ونحن دشّرنا آثار أجدادنا لغيرنا ليسرقها، لأننا نستحي عن القول بكل صراحة أنها آثار أجدادنا وأنها عربية، لأنّ أجدادنا، من نهر زرافشان إلى محيط الأطلس، عرب مثلنا.

    مسألة الخلط بين الهُوِيَّة العربية والحضارات القديمة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، لطالما شكلت تحدّيا كبيرا أمام فهمنا لتراثنا وهويتنا العربية. فالكثير منّا مازال يعتقد أنّ الآثار القديمة في بلاد العرب هي آثار لحضارات أخرى غير عربية، في حين الواقع أن تلك الحضارات كانت حضارات عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

    فهويّتنا العربية ليست وليدة الإسلام فحسب، بل سبقته بآلاف السنين. حيث عاش أجدادنا العرب على هذه الأرض وتركوا لنا إرثا حضاريا عظيما في مجالات عديدة. لكن الجهل بالتاريخ وعدم الثقة بالنفس وقلّة الجهود المبذولة في نشر الوعي، أدّت إلى طمس هذه الحقيقة لدى الكثيرين من شبابنا.

    علينا كعرب أن نستعيد ثقتنا من جديد من طريق تعزيز معرفتنا بتاريخنا الحضاري العريق، ونشر الوعي بأهمّية المحافظة على هويّتنا واعتزازنا بإرثنا الحضاري. يجب إدراج دراسة تاريخ الحضارة العربية بعمق في مناهجنا التعليمية، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لنتعرّف على تراثنا ونفتخر به ونستفيد من الدروس والعبر في بناء حاضرنا ومستقبلنا.

    كما يجب محاربة الجهل والأفكار الخاطئة التي تشوه صورة حضارتنا العريقة. لن يتأتّى لنا ذلك إلا من طريق نشر التعليم والثقافة والإعلام. فالاعتزاز بهويّتنا وجذورنا العربية أينما كنّا، هو السبيل لاستعادة مكانتنا الحضارية وريادتنا في مجالات العلم والمعرفة. إن شاء الله ستزدهر أمتنا من جديد.

    المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    خريطة: المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    لحضارات المشرق العربي أثر وتأثير كبير على قارّات العالم القديم طوال الـ3500 سنة الماضية، وقد تجلّى ذلك في المجالات التالية:

    • العلوم والتكنولوجيا: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الاختراعات والاكتشافات:
      • الكتابة: حيث كانت بلاد ما بين النهرين مهدًا لظهور الكتابة المسمارية، وهي أول نظام كتابة معروف في العالم.
      • الرياضيات: حيث كان البابليون بارعين في الرياضيات، وقد طوروا العديد من المفاهيم الرياضية الأساسية، مثل الجبر والهندسة.
      • الفلك: حيث كان البابليّون والمصريّون بارعين في الفلك، وقد طوروا العديد من المفاهيم الفلكية الأساسية، مثل التقويم.
      • الطب: حيث كان المصريّون بارعين في الطبّ، وقد طوّروا العديد من التقنيات الطبّية المتقدّمة، مثل الجراحة وعلاج الجروح.
    • الدين والفلسفة: كان المشرق العربي أيضاً مهداً للعديد من الأديان والفلسفات التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأديان والفلسفات:
      • اليهودية: حيث كانت اليهودية أول ديانة توحيدية في العالم، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الإله الواحد.
      • المسيحية: حيث نشأت المسيحية في المشرق العربي، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الثالوث.
      • الإسلام: حيث نشأ الإسلام في المشرق العربي، وقد ساهم في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم التوحيد.
    • الفنون والعمارة: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الأشكال الفنية والمعمارية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأشكال:
      • العمارة: حيث تميزت العمارة في المشرق العربي بأشكالها الرائعة، مثل الأهرامات المصرية والمدن البابلية.
      • الفنون التشكيلية: حيث تميزت الفنون التشكيلية في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل اللّوحات المصرية وفسيفساء الفينيقيين.
      • الموسيقى: حيث تميزت الموسيقى في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل الموسيقى العربية والموسيقى اليهودية المعاصرة.

    ومن الأمثلة على تأثير حضارات المشرق العربي على قارات العالم القديم:

    • انتشار الكتابة: انتشرت الكتابة المسمارية من بلاد ما بين النهرين إلى العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مثل الحضارة المصرية والحضارة الفينيقية.
    • التبادل التجاري: كان المشرق العربي مركزاً تجارياً مهمّاً في العالم القديم، ممّا أدّى إلى انتشار الأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة.
    • الغزوات العسكرية: شنت حضارات المشرق العربي العديد من الغزوات العسكرية على العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مما أدّى إلى انتشار ثقافاتها وتأثيراتها.

    عموماً، يمكن القول أنّ حضارات المشرق العربي كانت لها تأثير عميق وملموس على تطور الحضارات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

    برأيك، لماذا يستهدف الجميع الهويّة العربيّة؟ ويشتغلون على تزييفها؟

    تمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي شعوراً بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه، وتجعله يشعر بالارتباط بتاريخه وحضارته، ممّا يعزّز من ثقته بنفسه وشعوره بالكرامة.

    وتساعد الهويّة العربيّة الإنسان العربيّ على التواصل مع الآخرين من أبناء ثقافته، ما يسهّل عليه التعبير عن نفسه وفهم الآخرين.

    وتمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي القدرة على الإبداع والابتكار، ممّا يساهم في تقدمه وازدهار حياته.

    يجب أن يتمّ تدريس التاريخ العربي والثقافة العربية بشكل سليم في المدارس والجامعات، حتّى يتمكّن الطلّاب من التعرّف على هويّتهم وتاريخهم بشكل صحيح. ويجب أن يحرص الإعلام العربي على نقل الصورة الصحيحة عن الهويّة العربيّة والتاريخ العربي، ومقاومة أيّ محاولات لتزييف هذه الصورة. ويجب أن يتمّ دعم الفنون والثقافات العربيّة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على هويّتها وتميّزها.

    الحفاظ على الهويّة العربيّة والدفاع عن تاريخها ومقاومة تزويره، هو واجب كل إنسان عربيّ، فهو أمر لا يقل أهمّيّة عن الحفاظ على الأرض والوطن.

    العروبة في جوهرها قيم نبيلة وإنسانية سامية. العروبة هي حياة مشتركة قائمة على التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة. وهي أخلاق سمحاء مستمدّة من تعاليم تراثنا الحنيف وآدابنا الراقية.

    والعروبة شهامة وشجاعة والتصاق بالأرض والدفاع عن الحقوق. كما أنّها تحضّر ورقي في العلم والفكر وسمو في الفن والأدب. والعروبة كرم وجود وبذل من غير حدود. لذلك يجب أن نتمسّك بعروبتنا ونعتز بها، ونسعى لتطويرها نحو الأفضل دائماً.

    أكثر العلوم التي أحبّها هي الفيزياء والتاريخ… الفيزياء أرشدتني إلى طريق فهم الحياة، والتاريخ جذبني إلى علوم الجغرافيا والسوسيولوجيا والإتيمولوجيا، وأكثر بكثير من علوم الأحياء…

    تعلّمت من دراسة التاريخ أنّ الثابتة الوحيدة في أيّ معرفة هي أنّها متغيرة. حتّى أكثر اليقينيّات رسوّا تنجرف كوريقة يابسة متى أزالها كشف جديد. وهذه حقيقة برهنتها فيزياء الكم.

    لذا وصلت إلى قناعة أنّ من أساسيات الإدراك: الإنكار. وإنكار البديهيّات هو أوّل الفتوحات المعرفيّة؛ وعماد اليقين. ولو أنّ الظاهر يبدو دائماً وكأنّ إنكار البديهيّات هادم لليقين. لكنّ اليقين هشّ وضعيف جداً إذا لم تدعمه عمدانٌ جذورها الإنكار. إذ أنّ الشكّ هو طريق اليقين.

    من دون فعل الشكّ لا نحصل على معرفة. إنّما نتّجه صوب الرسوب والتخامد، ولا منفعة للحياة من الرواسب.

    ومن باب المعرفة، أعتقد أنّ أبرز النِّقَاط والموضوعات التي يجب على شباب العرب مناقشتها باستمرار، في هذه المرحلة:

    • الاعتزاز باللغة العربية وأهمّية المحافظة عليها
    • التاريخ والتراث والثقافة العربية المشتركة
    • العلاقة بين العروبة والإسلام
    • قيم الكرم والتسامح والتضامن الاجتماعي
    • الوحدة العربية والتحدّيات التي تواجهها
    • انتقادات لفكرة القومية العربية
    • الهُوِيَّة العربية في مواجهة التغريب

    ويمكن تحقيق ذلك من طريق التركيز على:

    • تأكيد أهمّية المحافظة على الهُوِيَّة والتاريخ العربي في مواجهة محاولات التشويه أو التزييف.
    • ضرورة تصحيح مسار تدريس التاريخ والثقافة العربية في المناهج التعليمية، بعيدًا عن الأفكار المغلوطة.
    • دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهُوِيَّة، ومقاومة محاولات تزييفها.
    • أهمّية دعم الثقافة والفنون العربية لتعزيز الانتماء الحضاري.
    • ضرورة غرس قيم الانتماء الوطني والدفاع عن الهُوِيَّة لدى الأجيال الجديدة.
    • التأكيد على أن الاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري لا يتنافى مع التقدم والازدهار.

    تعدّ الهُوِيَّة العربية من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكرين العرب. فالبعض يرى أن الهُوِيَّة العربية ثابتة وراسخة، في حين يرى آخرون أنها مهددة ومنقوصة. وتنبع هذه الاختلافات من وجهات نظر متباينة حول التاريخ والحضارة والثقافة العربية.

    فمن جهة، هناك من ينظر إلى الماضي العربي القديم بعين الإعجاب والتقدير، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية رائدة في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والآداب، وانتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في أصقاع الأرض. لكن من جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن هذا الماضي بالكاد يمثل الواقع الحالي للعرب، إذ تراجعت مكانتهم ودورهم الحضاري، وأصبحوا يعانون من تخلف سياسي واقتصادي وثقافي.

    وقد أدت هذه الازدواجية في نظرة العرب إلى أنفسهم وتاريخهم إلى إشكاليات كثيرة في تحديد معالم الهُوِيَّة العربية المعاصرة. فالبعض ينادي بالتمسك الحرفي بالتراث ورفض الانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين يدعو آخرون إلى الانصهار الكامل في الحداثة الغربية والتخلي عن كل ما هو عربي تقليدي.

    والحقيقة أن كلا الموقفين يفتقر إلى التوازن. فالمطلوب هو الجمع بين الاعتزاز بتراثنا وهويتنا العربية من جهة، وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى. إننا بحاجة إلى نهج وسطي متزن يراعي خصوصيتنا الحضارية مع السعي نحو التجديد والإبداع، نهج يوفق بين الأصالة والمعاصرة، فنأخذ من تراثنا وثقافتنا ما يعزز هويتنا، ونتفاعل مع الآخرين بما يخدم مصالحنا ويحقق طموحاتنا.

    في النهاية، الهُوِيَّة العربية ليست شيئًا جامدًا بل هي حالة من التفاعل المستمر مع تراكمات الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل. وما دمنا نؤمن بأنفسنا ونعتز بانتمائنا، فإننا قادرون على تجاوز أزمات الهُوِيَّة وبناء مستقبل عربي أفضل يواكب التقدم والازدهار البشري.

  • الكتاب المقدّس للرومانسية الأوروپية، كتاب عربي

    الكتاب المقدّس للرومانسية الأوروپية، كتاب عربي

    في القرن 11 عاش ابن حزم الأندلسي، وهو نبيّ الحبّ الأوروپي؛ في نظر الكثيرين من منظّري ونقّاد الأدب الأوروپي من مرحلة الثورة الصناعية. 

    وابن حزم هو {أَبُو مُحَمَّدْ عَلِي بْنْ أَحْمَدْ بْنْ سَعِيدْ بْنْ حَزْمِ بْنْ غَالِبِ بْنْ صَالِحِ بْنْ خَلَّفَ بْنْ مُعَدَّانِ بْنْ سُفْيَانْ بْنْ يَزِيدَ اَلْأَنْدَلُسِيُّ اَلْقُرْطُبِيُّ}. وعليّ هذا أنتج سنة 1022 كتاباً سمّاه {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف}، وفي القرن 13 تُرجم الكتاب باللّغة اللاتينية، ونُشر تحت اسم De amore libri tres أي ثلاث كتب عن الحبّ. مع إغفال اسم المؤلّف الأصلي. وصار الكتاب فعلاً بمنزلة كتابة الحبّ المقدّس.

    كان كتاب De amore libri tres لابن حزم مؤثرًا في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُقرأ على نطاق واسع من قبل الفلاسفة واللاهوتيّين والمؤلّفين والكتّاب، وحضّت الكنائس (الجديدة) على قراءته ومناقشة محتوياته في حلَقات خاصّة، عارضتها الكنيسة الكاثوليكية التقليدية. وكان الكتاب أيضًا مؤثرًا في الأدب الرومانسي الأوروپي. حتّى تمّ اقتباس العديد من أفكار ابن حزم في الأعمال الأدبية الرومانسية، مثل Tristan und Isolde و Roman de la Rose. 

    بعد تَرْجَمَة الكتاب إلى اللاتينيّة أُغفل اسم المؤلّف الأصلي {ابن حزم} وتمّ تغييره إلى الموهامّيتانُس Al-Mohammetanus أي “المسلم”. هذا التغيير في الاسم كان ناتجًا عن التحيّزات الدينيّة في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى. إذ كان يُنظر إلى المسلمين على أنّهم أعداء للمسيحيّة، لذلك كان من غير اللائق أن يُنسب عمل إلى اسم مسلم صريح. لكن، طالمَا حاربت الكنيسة الغربية التقليدية أفكار الكتاب فكانت نسبة الكتاب إلى الموهامّيتانُس “المسلم” وسيلة لتجنّب إثارة الجدل أو الإدانة، طالمَا أنّ الكثير من الأدباء استعملوا طريقة نقد الكتاب كرسائل معكوسة لتمرير أفكاره إلى المجتمع.

    ارتبط اسم الموهامّيتانُس بكتاب De amore libri tres في أوروپا الغربية خلال العصور الوسطى مع تغييب اسم ابن حزم. وظلّ هذا الاسم حتى القرن 17. إذ، اكتُشفت التَّرْجَمَةً اللاتينية الأصلية لكتاب ابن حزم وعليها اسمه في المكتبة البابوية في الفاتيكان سنة 1606. وكانت محفوظة فيها منذ القرن 13، وتمّ نسخها ثمّ نُشرت وسرعان ما أصبحت واحدة من أكثر الأعمال الأدبية شعبيّة في أوروپا الغربية. وترجمت عن اللّاتينية مرّة أخرى إلى العديد من اللّغات الأوروپية باسم “طوق الحمامة”.

    سنة 1931 اكتُشفت النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم {طوق الحمامة} في مدينة فاس في المملكة المغربية. كانت المخطوطة في حالة سيئة للغاية، وجرى ترميمها ونشرها في عام 1933. ثمّ، سنة 1951 نُشرت أوّل تَرْجَمَة إلى الإنگليزية مباشرة عن العربية. النسخة العربية الأصلية من كتاب ابن حزم هي مصدر قيّم للأدب العربي والتاريخ الإسلامي. لأنّها تقدّم نظرة ثاقبة للحياة في الأندلس في القرن 11، كما أنّها تكشف عن عبقرية ابن حزم كمؤلّف وعالم.

    كتاب “طوق الحمامة” مرجع هام في الأدب العربي ودراسة الحبّ. يمكن لكلّ شخص مهتم بالأدب أو الحبّ أو التاريخ الثقافي أن يجد فيه مادّة ثرية للتفكّر والاستمتاع. وكان له تأثير كبير على الأدب الأوروپي، خاصّة في العصور الوسطى وبعدها. حيث جرت ترجمته إلى العديد من اللّغات الأوروپية، بما في ذلك اللاتينية والإسپانية والفرنسية والإنگليزية.

    الكتاب يتضمّن العديد من الأفكار والمبادئ التي جرت الاستفادة منها في الأدب الرومانسي الأوروپي. فقد استكشف ابن حزم العديد من الأشكال المختلفة للحبّ، وهذا أمر مشترك مع الأدب الرومانسي الذي يركّز على العلاقات العاطفية بين الأفراد. ببساطة، نشأت الفكرة الرومانسية في الحبّ استناداً على كتاب {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف} لابن حزم الأندلسي، وخرج عنها الأدب الأوروپي الرومانسي كلّه.

    بل والأهم من ذلك، أعطى “طوق الحمامة” لغة وأسلوبًا للتعبير عن الحبّ والعاطفة، وهو ما كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت. فالعديد من مفاهيم الحبّ والغرام التي تمّ التعبير عنها في “طوق الحمامة” وجدت طريقها إلى الأدب الأوروپي، وتبقى جزءًا من الأدب الغربي حتى اليوم. ويمكن القول إنّ “طوق الحمامة” ساهم بشكل كبير في تطوّر الفكر الأوروپي، وأثّر على الطريقة التي يفكّر بها الأوروپيّون ويتحدّث بها عن الحبّ في الثقافة الغربية.

    في الختام، نكتشف من قصّة “طوق الحمامة” لابن حزم التأثير العميق وبعيد المدى للحضارة العربية على الثقافة الأوروپية. ومن خلال هذا العمل، نرى كيف تمكّنت الأفكار والمفاهيم العربيّة من التأثير في التفكير الأوروپي وتشكيله، خاصّة فيمَا يتعلّق بالحبّ والرومانسية. فـ”طوق الحمامة” هو دليل حيّ على القيمة والأهمّية الثقافية للحضارة العربية، وكيف أثّرت بشكل ملموس على حركة الرومانسية في أوروپا. بواسطة الشعر العربي والنثر، تمكّن ابن حزم من إعطاء الأوروپيين لغة وأسلوبًا جديدين للتعبير عن الحبّ والعاطفة، شيء كان يفتقر إليه الأدب الأوروپي في ذلك الوقت.

    ومع ذلك، فإنّ التاريخ الطويل للحضارة العربيّة في مجال التأثير على العالم الأوروپي لا يقتصر على الأدب فحسب. بل يمتدّ ليشمل العلوم، والفلسفة، والرياضيات، والفنون، في حين تستمرّ المساهمات العربية في تشكيل الثقافة الأوروپية حتى اليوم. وفي النهاية، يجب أن نذكر أنّ الحضارة العربية، مثلها مثل أيّ حضارة أخرى، تشكّل جزءًا أساسيًا من التراث الإنساني. والقصّة المحيطة بابن حزم و”طوق الحمامة” تعدّ تذكيرًا قويًّا بأنّ الثقافات والأفكار تتداخل وتتبادل التأثير، وتتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية. ومن هذا المنطلق، يتحتّم علينا احترام وتقدير للتأثيرات المتعدّدة التي تشكّل ثقافتنا العالمية المشتركة.

    يمكنك قراءة وتنزيل كتاب {طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف} لعليّ بن حزم الأندلسي مجاناً من موقع مؤسّسة هنداوي من هنا.

    مراجع ومصادر

    1. ابن حزم الأندلسي، “طوق الحمامة في الألفة والألفاظ”، تحقيق/تَرْجَمَة د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1983.
    2. محمود علي مكي، “ابن حزم وأثره في الأدب الأوروبي”، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1997.
    3. “ديوان الحب الأندلسي”، تحقيق د. لويس گارثيا لاريا، مدريد، إسبانيا، 2001.
    4. ماريا روزا منوكال، “الحبّ العربي: كيف أثر العرب على الثقافة الأوروبية”، مِطْبَعَة جامعة هارڤارد، الولايات المتحدة الأمريكية، 2003.
    5. جون تولان، “أوروبا والإسلام: تاريخ التفاعلات المتبادلة”، مِطْبَعَة جامعة برينستون، الولايات المتحدة الأمريكية، 2002.
    6. إيميليو گارثيا غوميز، “ابن حزم وتراثه في الأدب الإسباني”، مدريد، إسپانيا، 1977.
    7. “التراث الأندلسي وأثره في الأدب الغربي”، تحقيق د. أنطونيو گونزاليس بالنسيا، مِطْبَعَة جامعة غرناطة، إسبانيا، 1990.
    8. “ابن حزم الأندلسي: دراسة تحليلية لكتاب طوق الحمامة”، تأليف د. نزار أباظة، دار الشروق، القاهرة، مصر، 2005.
  • مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    مي، الربّة العربية العظيمة للإمبراطورية الرومانية

    English edition here

    في العصور القديمة، كان اسم مدينة إيميسا (الآن تعرف باسم حمص في سوريا) مرتبطاً بإلهة أو إله الشمس يدعى “مي”. كانت هذه الإلهة معروفة بأنها إلهة حامية لإيميسا، وكانت تعتبر تجسيداً للشمس.

    وفقاً للمصادر القديمة، كانت “مي” إلهة عربية محلية تُعبد بشكل رئيس في مدينة إيميسا والمنطقة المحيطة بها. وكانت غالباً ما تصوَّر على أنها شخصية أنثوية لها سمات شمسية، مثل تاج من الأشعة أو قرص يمثل الشمس. وفي بعض المجتمعات، كانت “مي” مرتبطة أيضاً بالقمر باسم “مه” وكانت تُعبد كإلهة قمرية أيضاً في ماده (القمريّة) في عراق عجم.

    كانت “مي” إلهة مهمة في الحياة الدينية لإيميسا، وكانت عبادتها مرتبطة بشكل وثيق بالهوية السياسية والاجتماعية للمدينة. وكان يعتقد أنها تحمي المدينة وسكانها، وكان يدعم عبادتها شبكة من الكهنة والكاهنات الذين يؤدون شعائرًا وتضحياتٍ في شرفها.

    مع مرور الوقت، انتشرت عبادة “مي” خارج إيميسا إلى أجزاء أخرى من الإمبراطورية الرومانية، وكانت في بعض الأحيان تُجسّد كإلهة إيزيس أو الإلهة الإغريقية آرتيميس. ومع ذلك، كانت ارتباطاتها الأساسية دائماً بالشمس والتقاليد المحلية لإيميسا.

    وكان يكتب اسم إلهة الشمس “مي” بالعديد من اللّغات القديمة حسب الفترة الزمنية والسياق الثقافي. وفيما يلي بعض الأمثلة:

    1. الآرامية: كان اللّغة المُتحدّثة في إيميسا خلال عصر إلهة “مي” الآرامية، وكان اسم الإلهة في هذه اللغة سيكتب كما يلي: ما أو مء “מא” (ميم-أليف)، وهي كلمة آرامية تعني “الماء”. ويمكن مقارنة ذلك باللغة العربية “مَيّه” و “ماي” و “ماء”.

    2. الإغريقية: كان غالباً ما يتم تهجئة اسم إلهة “مي” في اللغة الإغريقية على شكل “Μα” (ما)، وهي المعادلة اليونانية للآرامية “מא”.

    3. اللاتينية: كان اسم الإلهة “مي” مسجلاً أيضًا في المصادر اللاتينية، حيث كان يتم كتابته على هيئة “Maia” أو “Maja” أو “Maiestas”. وكان من المرجح أن تكون هذه الأشكال اللاتينية للاسم متأثرة بإلهة الرومانية “مايا” التي كان لها ارتباط أيضاً بالشمس.

    4. المصرية القديمة: تذكر بعض المصادر القديمة المصرية الإلهة “مي”، التي كانت معروفة أيضاً باسم “سيدة إيميسا”. وفي الصُوريّة (الهيروگليفية) المصرية، كان يتم كتابة اسمها على شكل “m3″، وهي تشكيلة صوتية للآرامية “מא”.

    يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الإملائية والنطق قد تختلف اعتمادًا على الفترة الزمنية والسياق الثقافي، وأن الإلهة “مي” قد تكون معروفة بأسماء وألقاب مختلفة في اللّغات والمناطق الأخرى.

    بإمكانك الاطّلاع على بعض المراجع التي تناولت الإلهة “مي” وتاريخ مدينة إيميسا، وهي على النحو التالي:

    • – “The Gods of Roman Syria: Divine Politics and Identity in the Eastern Mediterranean” لـ Ted Kaizer وجون دارك، الناشر: BRILL، 2009.
    • – “The Oxford Handbook of Roman Syria”، الناشر: Oxford University Press، 2011.
    • – “The Religion of the Nabataeans: A Conspectus” لـ Peter Alpass، الناشر: Brill، 2013.
    • – “Syria: A Historical and Architectural Guide” لـ Warwick Ball، الناشر: Interlink Books، 2011.
    • – “The Encyclopedia of Ancient History” لـ Roger S. Bagnall وغيره، الناشر: Wiley-Blackwell، 2012.

    هذه المراجع تشمل معلومات حول الإلهة “مي”، وتاريخ مدينة إيميسا، وتاريخ سوريا الرومانية عمومًا. يمكنك العثور على هذه الكتب في مكتبات الجامعات أو المكتبات العامة.

  • أطياف البَشَرَة العربيّة

    أطياف البَشَرَة العربيّة

    قد يكون أكثر ما يشغل أذهان العروبيّين أو القوميّين العرب هو لون البَشَرَة، وتقييم عروبة الناس بناء عليها. هذا يظنّ أنّ العرب في الأصل كذا، وآخر يعاكسه بظنّ مختلف تماماً. وبغضّ النظر عن عنصريّة فكرة تقييم الهويّات والجذور بناء على “اللاحة” و “الهيئة” المتمثّلة بلون البَشَرَة. فأحبّ هنا مناقشة تراث بعض أهمّ أقطاب العرب، طوال القرون العشرين الماضية، وكيف أنّ من شعراء ما قبل الإسلام من العرب من مدح شدّة بياض المرأة العربيّة، ومنهم من مدح سُمرتها! وهذا ردّ بسيط على من يبغبغ، بلا وعي ولا فهم، أنّ العرب كانوا بلون كذا… ثمّ دخلت فيهم الألوان المختلفة.

    يقول بعض العرب في لون بشرتهم أنّها خضراء أو خمريّة، وهي تسمية تختلف بمعناها ما بين لهجات العرب المختلفة. وما يجهله أغلب عرب اليوم، بفضل تفاهة الإعلام المعاصر، أنّ التصنيف العلمي للبشرة الخضراء يعطيها درجات، هي في الواقع تمثيل لطيف ألوان بَشَرَة أغلب العرب. من اللّون الحنطي المصفر إلى اللّون البنّي الداكن شديد الدكن، كلّها في الحقيقة مجرّد درجات لذات اللّون، المعروف في اليمن باسم الخمري، والمشهور في علم الإنسان باللّون الزيتوني.

    البَشَرَة الزيتونيّة هي في الواقع بَشَرَة تتأثّر بظروف مختلفة، أهمّها UV الشمس وتتغيّر درجاتها ما بين البنّي المحمرّ والأخضر والذهبي والبنّي الفاتح والمعتدل وحتّى الأصفر… وهذا الأخير هو أصفر تَغْلِبُ الذي وصفه شعراء العصور القديمة، لون عاجيّ أبيض مائل إلى الصفرة.

    إذاً، جميعها: ما يسمّى بالأبيض بين العرب، وما يسمّى بالبنّي الداكن والأسمر… كلّها طيف لنفس البَشَرَة، نفس الجلدة، نفس الجينات، وقد ينجب البنّي حنطيّ وبالعكس. وفق لظروف البيئة من ضوء ومأكل وغيرها. فأصحاب البَشَرَة الزيتونيّة معروفين بشحوب ألوانهم إذا قلّ تعرّضهم لأشعة الشمس لفترات طويلة، أو إذا تغيّرت درجة الـUV، كما أصابني في برلين. وكذلك تتميّز البَشَرَة الزيتونيّة، مهما كانت فاتحة، بقدرتها السريعة على اكتساب السُمرة. فأصلها داكن، وتعود إليه أسرع من غيرها. مع ذلك، تحتفظ بدرجات من اللّون الأصفر أو الأخضر الواضح. (حسب مسمّيات لهجات العربيّة).

    ويتشارك العرب من أصحاب البَشَرَة الزيتونية لونهم هذا وسمات بشرتهم البيولوجيّة مع أغلب سكّان منطقة البحر الأبيض المتوسّط وآسيا وأميركا اللاتينيّة، وبعض الهند وبعض أفريقيا. فقد تجد من يحمل بَشَرَة زيتونيّة بين العرب والإغريق والإيطاليين والصينيّين، وهي أكثر الشعوب تميّزاً بهذه البَشَرَة.

    ألوان البَشَرَة الأكثر شيوعاً بين العرب، أطياف البَشَرَة الزيتونية الخضراء الخمرية، وكلّها أسماء لنفس الجلدة
    ألوان البَشَرَة الأكثر شيوعاً بين العرب، أطياف البَشَرَة الزيتونية الخضراء الخمرية، وكلّها أسماء لنفس الجلدة

    وفي الصورة هنا، تدرّجات طيف البَشَرَة الزيتونيّة، الخضراء الخمريّة، الأكثر شيوعاً بين البشر من حملة البَشَرَة الزيتونيّة. ولو وقعت على عرب بهذه الألوان فهم عرب، وألوانهم متغيّرة ليس بسبب نسب مغولي أو تركي أو أفريقي… هم عرب، ذوي بَشَرَة زيتونيّة، تغيّرت درجة اللّون فيهم، لكنّ لون الجلد واحد.

    فلا تكن عنصريّاً على بني جلدتك… “جلدتك”.

    وصف اُمْرُؤُ القَيْس حُنْدُجُ بْنُ حُجْرُ بْنُ الحَارِثِ الكِنْدِي نظرته إلى الجمال الأنثوي فقال أجملهنّ امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخية، وصدرها برّاق اللون متلألئ الصفاءة كتلألؤ المرآة وجيدها جيد الرئم، وعيونها عيون المها، واللون المحبب هو اللون الأبيض المشوب بصفرة تشبه بيض النعام، وأمّا القامة فإنّها لا يشتكى قصر منها ولا طول، معتدلة في طولها… وامرؤ القيس شاعر وزعيم أخواله من تغلب وبكر من الجزيرة حيث عاش في القرن الأول قبل الهجرة.

    لكن، يبدو أن ذوق تغلب تغيّر بعد ثلاث عقود فقط! فالمرأة من وجهة نظر أبُو الأَسْوَدِ عَمْرُو بْنُ كَلْثُوْمٍ التَّغْلِبِي هي امرأة سمينة بذراعين ممتلئتين، وثدي مثل حُق العاج بياضا واستدارة، وقامتها لينة طويلة تتثنى وأردافها ثقيلة تتناغم مع تلك القامة بجمال آسر، يأخذ بالألباب، وأما الأوراك فضخمة ممتلئة لحما، يدل على دلالها، وساقين كأسطوانتين من رخام أبيض أو عاج.

    يتّفق ذوق تغلب في كلا القرنين الثاني والأول قبل الهجرة على البياض العاجي المشوب بصُفرة، وهو فعلاً صنف بياض أهل الجزيرة وأهل امتدادها الغربي غرب الفرات حتى اليوم… غير أنّ الحسناء في وصف امرؤ القيس نحيلة أقصر ودقيقة الخصر طويلة الرقبة النحيلة، أمّا في وصف عمرو بن كلثوم فإنها ممتلئة طويلة عظيمة الأرداف والأوراك والصدر.

    إذا كانت تغلب وبكر لم تتّفق على صفات الجمال الأنثوي العربي، فهل نتّفق عنهم اليوم؟

    الأبيض العاجي المشوب بصفرة، بياض بَشَرَة تغلب
    الأبيض العاجي المشوب بصفرة، بياض بَشَرَة تغلب

    وبينما يسهل التقاط وصوف الشكل والجمال في قصائد شعراء عرب منطقة الجزيرة القدامى شمال شبه الجزيرة العربية، يصعب ذلك في الموروث من قصائد شعراء عرب جَنُوب شبه الجزيرة العربية، اليمانية. فالعرب اليمانيّة أكثروا من مدح السلوك والتصرّفات والعادات والملابس والحركات، وركّزوا على الآداب قبل أيّ شيء آخر. مع الإقلال من وصف الأشكال. مقارنة بعرب الجزيرة القيسيّة.

    لكن، ممّ جمعته حتّى اليوم يمكنني القول أنّ الشكل الأنثوي الممدوح لم يتغيّر عند اليمانيّة ولا في اليمن طوال أكثر من عشرين قرن. فالممدوحة اليوم هي ذاتها الممدوحة أمس، وتكون سمراء خمريّة، بخدود زهريّة متورّدة، وأجفان ذابلة، وشفاه مكنوزة، دقيقة الخصر، ضامرة البطن، ضخمة الأرداف، سمينة الأوراك.

    كما أنّ الشعر اليمنيّ القديم مدح استدارة وجه المرأة، تشبيها لها بالقمر البدر… وما كان القصد التشبيه بلون بياض القمر، إذ كان هذا من ألوان العزاء والموت عند القدامى من العرب اليمانية، ومذموم في صفات الشكل وما عدّه الناس من صفات الجمال. لكن، استدارة الوجه كانت هي المقصد المطلوب المرغوب، تزيّنه الأعين الواسعة البلقاء (الحوراء) التي يتمايز فيها بياضها الشديد عن سوادها الداكن.

    أمّا في صفة الخمريّة، وهي أكثر الصفات جذباً عند اليمانية، وهم في الأصل أكثر من ربط خمرة مُزر الأعناب بكلّ تفاصيل حياتهم. فقد طرحت السؤال في مجموعة معجم اللّهجات العربية وتبيّن من الإجابات أنّ صفة الخمريّة تحمل أربع معاني مختلفة جدّاً ما بين أقطار بلاد العرب. ففي الجزيرة الخمريّة هي الورديّة، المرأة البيضاء ذات الأطراف الزهريّة وبياضها تشوبه صُفرة. وفي مصر والسودان هي السمراء المائلة بلونها إلى لون القمح الذهبي في موسم الحصاد. أمّا في بلاد المغرب العربي فالخمريّة هي ذات اللّون القمحي كذلك، لكن أظنّها الحنطيّة (بتعاريف الشام) التي تحمرّ خدودها بسهولة ووضوح، وهذه تبدو كأنّها مرشوشة بالذهب تحت سطعة أشعّة الشمس. ولونها فاتح؛ أوّل درجات السُمرة بعد البيضاء مباشرة.

    أمّا في اليمن، فالخمريّة هي التي بلون أسمر بنّي محمرّ، سُمرتها أكثر من حنطيّة، وأقل من سمراء. ونرى هذا اللّون ذو انتشار واسع على سواحل المتوسط كلّها، وحول البحر الأحمر كلّه، باختلاف تسمياته. وهو في الواقع لون بَشَرَة الحِميريّين وسبب تسميتهم. لأنّ وجناتهم تبدو تحت سطعة الشمس حمراء لاهبة.

    الحنطي-الأسمر البنّي المحمر، خُمرة بَشَرَة حِمير
    الحنطي-الأسمر البنّي المحمر، خُمرة بَشَرَة حِمير

    هذا اللّون هو النسخة الداكنة من لون البَشَرَة الحِميَري المسمّى في اليمن بالخمري. وكما أسلفت أمس، يختلف خمري اليمن عن خمري باقي العرب.

    لكن، لون البَشَرَة هذا منتشر حول سواحل المتوسط كلها، وهو شائع كذلك على سواحل البحر الأحمر، ونجده في الكلدانيين والموارنة، وفي مناطقنا حيث عرب جَنُوب أوزبكستان. ويسمّى بسُمرة عرب المتوسط. والبعض كذلك يسمّيه بالسُمرة الفنيقية.

    سمرة الخمري، سُمرة عرب المتوسط
    سمرة الخمري، سُمرة عرب المتوسط
  • خرافة القوميّة الأمازيغية والتيفيناغ وسرقة التراث العربيّ

    خرافة القوميّة الأمازيغية والتيفيناغ وسرقة التراث العربيّ

    حين اخترع روّاد القوميّة الأمازيغيّة أسطورة قوميّتهم المفترضة، عثروا في البادية الجزائريّة والليبيّة على نقوش وكتابات بأحرف قديمة غير مألوفة، فقالوا هذه أحرفنا القديمة التي أبادها العرب! ثمّ اشتغلوا على إعادة إحياء هذه الأحرف واستنباط نظام كتابة جديد يخدم خرافات الأمازيغيّة ودعايتها.

    منحوا هذه الأبجديّة اسم {تيفيناغ} تحوير عن {تَفِناق}؛ التي أجمع العديد من علماء الألسن على أنّها صيغة جمع مؤنّثة مبربرة عن التسمية اللاتينيّة Punicus التي تعني پونيقي أي فنيقي. وهي دمج البادئة تَـ التي تشير إلى التأنيث بالصفة فِناق التي تعني فنيقي، وهي صيغة واضحة العروبة. وبهذا يكون معنى تسمية تَفِناق حرفيّاً: الأحرف الفنيقيّة.

    يمكن التأكّد من هذه النظريّة في كتاب الأميركي Thomas G. Penchoen الذي نشره عبر جامعة ڤيرجينيا سنة 1973 تحت عنوان Tamazight of the Ayt Ndhir.

    وتقرأ عنها كذلك في الصفحات 112-116 في كتاب جامعة أوكسفورد The World’s Writing Systems لسنة 1996 الذي يحتوي على مقالة Michael O’Connor : The Berber scripts، التي يشرح فيها كذلك حيرة القوميّين الأمازيغ في مطلع ظهورهم في المملكة المغربيّة قبل عقدين، بين اختيار الأبجديّة العربيّة أو اللّاتينيّة؛ لكتابة اللّغة الأمازيغيّة الجديدة، ثمّ الرسوّ على فكرة ابتكار أبجديّة جديدة مستنبطة من تلك النقوش القديمة؛ البدويّة الفنيقيّة، لصناعة وهم الأقدميّة.

    وتقرأ عنها كذلك في مقالة Salem Chaker البحثيّة ذات العنوان L’ECRITURE LIBYCO-BERBERE : Etat des lieux et perspectives من هنا

    وفي الخلاصة، هذه الأحرف وباعتراف التسمية البربريّة نفسها، هي أحرف كانت في نظرهم ومن العهد الروماني أحرف فنيقيّة تبنّاها بدو البربر وكتبوا نقوشهم بها، ثمّ انقرضت مع استبدالها أخيراً باللاتينيّة خلال العهد الروماني. وقد أخطأت حكومات البلاد المغاربيّة بالاعتراف بهذه الكتابة وبإضافتها إلى الشاخصات واللافتات الرسميّة في البلاد. وكان يمكن الاعتراف بالخرافة الأمازيغيّة استثناءً شرط كتابتها بالحرف العربي. حرف البلاد المغاربيّة الرسمي.

    بعد هذا، ادّعى القوميّون الأمازيغ أنّهم سكّان شمال أفريقيا الأصليّين الذين جاء العرب الفنيقيّون إلى بلادهم واحتلّوها، ثمّ من بعدهم اللّاتين الرومان، ثمّ من بعدهم العرب المسلمين. ثمّ، لمّا اكتشفوا أنّ خرافة نقوشهم كلّها مبنيّة على حقيقة أنّ الأحرف هذه هي في الأساس وافدة من جنوب شبه العربيّة، ولها دول وحضارات قديمة هناك، صاروا يتحدّثون عن أمازيغ اليمن وعُمان ويتفنّنون في تكبير الكذبة وتطويرها… وما هي غير كرة ثلج تتدحرج وتكبر في طريقها لهرس الجميع… وغداً يقولون أنّ العرب أساساً أمازيغ، حين تعجز سطورهم عن محو عروبة هذه البلاد: بلاد المغرب العربي.

    سكّان شمال أفريقيا الأصليّين هم العرب. كلّ حضارات بلاد المغرب العربي ومن فجر التاريخ هي حضارات عربيّة. لا يوجد أثر لحضارة محلّيّة في المنطقة لم تبنه أياد وأفكار عربيّة قديمة، والعرب المغاربة هم سكّان البلاد المغاربيّة الأصليّين. أمّا من يدّعون اليوم أنّهم أمازيغ، فهم في الواقع نسل الضيوف والوافدين الذي وطّنهم الرومان في هذه البلاد أو استحضرهم الفنيقيّون مماليك من غير بلاد. إذا كانوا من غير العرب. وهؤلاء غير البربر، الذين لم تذكرهم وثيقة رومانيّة واحدة غير أنّهم بدو الفنيقيّين الوافدين من الشرق، سراسين Saracenus أو حِميريّين Hamiorum.

    هذا يعني أنّ من يدّعون اليوم أنّهم أمازيغ هم سلالة بقايا أوروپيّين وأفارقة استوطنوا بلاد المغرب العربي خلال أكثر من 2500 سنة، ثمّ يسرقون اليوم تراث بدو الفنيقيّين أهل البلاد، ويدّعونه لأنفسهم، ثمّ يقولون أنّ كلّ أثر فنيقي في البلاد هو أثر أمازيغي، لإثبات أقدميّة تراثهم الوافد.

    وهذا يعني، أنّ من يدّعي اليوم أنّه الأصلي والأصل في البلاد، هو في الواقع وافد أجنبي، فتح له أهل البلاد العرب ديارهم يحلّ فيها أهلاً… فلا يجوز له سرقة البلاد من أهلها، والادّعاء بوقاحة أنّه أصل فيها.

    مراجع ومصادر

    1. Penchoen, Thomas G. (1973). Tamazight of the Ayt Ndhir. Charlottesville: University Press of Virginia.
    2. O’Connor, Michael. (1996). “The Berber scripts” في The World’s Writing Systems، edited by Peter T. Daniels and William Bright, 112-116. Oxford: Oxford University Press.
    3. Chaker, Salem. “L’ECRITURE LIBYCO-BERBERE: Etat des lieux et perspectives” (مقالة بحثية ذات صلة بالموضوع، يمكن البحث عنها للحصول على معلومات أكثر تفصيلاً).
    4. Brett, Michael, and Elizabeth Fentress. (1996). The Berbers. Oxford: Blackwell Publishers.
    5. Camps, Gabriel. (1996). Les Berbères: Mémoire et Identité. Paris: Errance.
    6. McDougall, James. (2006). History and the Culture of Nationalism in Algeria. Cambridge: Cambridge University Press.
    7. Brett, Michael, and Werner Forman. (1983). The Moors: Islam in the West. New York: Orbis Publishing.
    8. Julien, Charles-André. (1970). Histoire de l’Afrique du Nord: Tunisie – Algérie – Maroc. Paris: Payot.
    9. Hachid, Malika. (2000). Les premiers Berbères. Aix-en-Provence: Edisud.
    10. Abun-Nasr, Jamil M. (1987). A History of the Maghrib in the Islamic Period. Cambridge: Cambridge University Press.

    كما هي منشورة على مدوّنة البخاري