الوسم: لاعربية

  • في تأصيل دفتر

    في تأصيل دفتر

    كلمة دفتر واحدة من أقدم الكلمات العربيّة وأكثرها إثارة للاهتمام. لبقائها على معناها، ولانتشار في أدبيّات الشعوب المجاورة، مع الحفاظ على معناها القدير. وبالمناسبة، يشيع المستشرقون أنّ كلمة دفتر عن أصل إغريقي هو دِيپتِرا διφθέρα وكذب هؤلاء، وسأشرح السبب.

    في الأصل كلمة دفتر عن السومريّة، ونشأت عن اسم منضدة الكاتب {دُب} 𒁾 وبسببها حافظ أهل العراق حتّى القرون الوسطى المتأخّرة على تسمية المحبرة دُبّة، لأنّها القارورة التي توضع على منضدة الكاتب. والكاتب كما هو من خمس آلاف سنة إلى القرن 19. شخص يتقن الكتابة فينصب منضدة في السوق، وتذهب إليه الناس ليكتب لها ما تشاء بمقابل. والكتب في العهد السومريّ كتب بالمسماريّة وأنيطت به الأمانة فصار محلّفاً، تثق الحكومة بما يكتب، وهي فعلاً مهنة كانت مطلوبة طالما أنّ أدوات الكتابة ما كانت متاحة لكلّ الناس، وما كان السبب الأميّة؛ إنّما: التوثيق من جهة، وصعوبة توفّر مواد الكتابة من جهة ثانية. 

    هذا الكاتب كان اسمه بالسومريّة: دُبسَر 𒁾𒊬. وهذه التسمية من جمع كلمتين:

    دُب بمعنى منضدة الكتابة + سَر بمعنى الكتابة. أي اسم فعل الكتابة.

    واسم الكاتب في السومريّة دُبسَر صار في العهد الأگّدي: طُپشَرُّم بإبدال الدال طاء، والباء پاء، والسين شين. وتحوّلت كذلك كلمة دُب المنضدة إلى طُپُّ بنفس الرسم السومري 𒁾.

    وعن اسم الكاتب في الأگّدية طُپشَرُّم خرجت كلمة طبشورة، أي حجر الكتابة (الحوّار).

    ولو ذهبت إلى كاتب في السوق في مدينة أگّد تريد أن تسأله مهنته فتسأله: 
    طُپشَرُّم أتَّ؟ 𒌅𒌒𒊭𒊒𒌝 𒀜𒋫 أي: أُتطبشر أنت؟
    وسيجيبك: طُپشَرُّم أناكُ. 𒌅𒌒𒊭𒊒𒌝 𒀀𒈾𒆪 أي: طُبشَريٌّ أنا.

    تخيّل لمدرسة: إدُبَك من العهد الأگّدي
    تخيّل لمدرسة: إدُبَك من العهد الأگّدي

    بسبب اسم منضدة الكتابة السومريّة دُب صار اسم المدرسة: إدُبَك 𒂍𒁾𒁀𒀀 ونشأ بالتالي مصطلح التأديب بمعنى التعليم. والأدب بمعنى المنشورات المكتوبة.

    وبسبب كلمة دُب السومريّة صار اسم القلم: گِدُبَك 𒄀𒁾𒁀 (جِدُبَك).

    وفي العهد الأخميني صار اسم منضدة الكاتب: دِيپِه 𐎮𐎡𐎱𐎡 (دِيفِه) تحوير عن السومرية دُب.

    نقش لكتبة: دباسرة، من عهد أسوريا-نينوى
    نقش لكتبة: دباسرة، من عهد أسوريا-نينوى

    المهم، في العهد البابلي اخترع الناس الكتاب. وبدلاً عن اللوح (الدف) والصلصال صارت الناس تكتب على صفحات من الجلد أو القيمش أو البردي، وصارت تجمعها لفافات مطوّلة أو مطويّة في كتاب. ولهذا تغيّر معنى اسم الكاتب إلى الكتاب نفسه.

    في العهد الآرامي-البابلي تغيّرت كلمة دُبسَر السومريّة إلى دپتره דפתרא (دفتره) وكانت بألف {دفترا} إذا قصدت الشيء الذي يُكتب عليه، وبهاء {دفتره} إذا قصدت من يقوم بفعل الكتابة.

    في العهد السرياني نشأت كلمة دِپتراء ܕܦܬܪܐ (دِفتراء) التي تشير إلى ورق البرشمان الجلدي، سواء أكان لفافة أو مجموعة من الأوراق. وصارت الكتابة على هذا الدِفتراء أسهل، والكاتب يجلس أمامك على منضدته ببساطة، يخطّ بالحبر على البرشمان بدل السطر بطبشورة على دفّ أو السطر على صلصال. ثمّ، ما إن انتهى من الكتابة، يجفّف الحبر بالطبشور ويطوي صفحة البرشمان ويعطيكها.

    الكلمة الآراميّة دپتره بمعنى الشيء الذي يُكتب عليه، انتقلت عبر الفنيقيّين إلى المقدونية القديمة فصارت: دِپتيره 𐀇𐁇𐀨، ثمّ انتقلت من المقدونيّين إلى الإغريق فصارت: دِپطيره διφθέρα وبنفس المعنى… وقد وُجدت كذلك كتابات إغريقية ذكرت اسم دفّ الكتابة بنفس الاسم السومري-الأخميني دِپسيره διψάρα والياء هنا مائلة صوب الياء. وهو فعلاً دفّ، رقاقة جلد مشدودة على إطار من الخشب، كانت تُستعمل للكتابة.

    بالخلاصة، كلمة دفتر عن دِفتراء السريانيّة عن دفتره الآراميّة عن طُپشَره (دُپشَره) الأگّديّة عن دُبسَر السومريّة. وشكراً لأسلافنا العرب على اختراع أدوات للكتابة، ووسيلة لحفظ ونقل الكلام مكتوب.

    كما هي منشورة على مدوّنة البخاري

  • في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    في تأصيل كلمة ثور وعلاقتها بكلمة تورُس

    واحدة من أهمّ الكلمات في تراث العرب. مسؤولة عن حرفين من أهمّ وأوّل أحرف لغتنا العربيّة؛ حرف الألف، وحرف التاء. وسبب لخروج كلمات طور و توراه و حكمة التاو.

    هي كلمة ثور، وبشكلها المعاصر قديمة جدّاً. فهي في البداية {ثَوْرُ} وكانت تشير إلى ذكر كل حيوان ثدي مستأنس ذو قرون. فلم يكن الثور هو ذكر البقر فقط، بل كان كذلك هو الوعل والشاة والظبي وغيرهم.

    في الآرامية كان اسمه تَورا תַּוְרָא والألف الأخيرة مائلة صوب الياء. وعنها في السريانيّة تَورا و تَوراء ܬܱ݁ܘܪܳܐ. وعن الآراميّة كذلك في الپهلويّة توور (توڤر) و تَوَر. وعنها في الفارسيّة تاول (تاڤل). وعن الآراميّة كذلك في التركيّة القارلوقية تَوَر. وفي الأرمينية تَڤَر.

    قبلها كانت في الأگّديّة شورُم 𒋗𒌑𒊒 وفي الإبلاويّة شُلُم 𒄞𒌉 وفي الأُگاريتيّة ثور 𐎘𐎗. وعنها في الكنعانيّة شور و صور و سور שׁוֹר. وفي الفنيقيّة كذلك شور و صور 𐤔𐤓.

    في السبئيّة ثور وكُتبت بشكلين 𐩻𐩥𐩧 و 𐩻𐩧 على نمط الكتابة الفنيقي. وعنها في القتبانيّة ثور 𐩻𐩥𐩧. وفي المعينيّة ثور 𐩻𐩥𐩧.

    وعليه فقد تعدّدت طرق لفظ الكلمة في العربيّة القديمة ما بين شور، شل، ثور، صور، تور.

    لمّا عبد الحثيّون وعل العرب المقدّس حداد، كتبوا اسمه في نقوشهم: تَرُ، تَور، تَورو. ومع توسّع حكم الحثيّين في الأناضول وشرق أوروپا وصلت ديانتهم؛ عربيّة الأصل، إلى تلك البلاد، ووصل عبرها لفظ تَوروس Ταῦρος إلى اللّغة الإغريقية كاسم لكوكبة الثور في أبراج السماء. واستعمل الإغريق تسمية هذا البرج على مجموعة من القبائل التركية التي كانت تعيش في مرتفعات القرم وعبدت برج الثور. وبسبب هؤلاء صار اسم الجبال نفسها بالإغريقيّة كذلك جبال تَوروس (طوروس، طور).

    عن الحثّيّة كذلك صارت الكلمة في اللاتينية تَورُس taurus عن كلمة متداولة في إيطاليا من قبل ميلاد اللّغة اللاتينيّة وقبل نشوء روما، هي كلمة تَوروس tauros التي تشير إلى الثور البرّي وإلى حيوان الأُرْخُص الذي انقرض سنة 1627، وكان الحيوان الذي استأنسه الناس قبل البقر المعاصر، ويصل طول قرنه حتّى 80 سم.

    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).
    رسم لتوضيح الفرق ما بين حيوان الأُرْخُص المنقرض (على اليسار) الثور الأصلي، والثور المعاصر (على اليمين).

    هذه الشعوب القديمة التي عاشت في إيطاليا عبدت الثور كذلك كما العرب القدامى وكما الحثّيين، ولهذا صارت كلمة تَوروس Ταῦρος الإغريقيّة تعبّر عن إله مقدّس تماماً كمنزلة كلمة تَورا תַּוְרָא الآراميّة ومنزلة كلمة صور שׁוֹר الكنعانيّة ومنزلة كلمة ثور 𐩻𐩥𐩧 السبئيّة.

    يقابل المعبود ثور في الشرق، المعبود أپِس 𓃾 في مصر القديمة، واسمه ورمزه هو سبب وجود شكل حرف ا في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤀، وهو كذلك سبب وجود شكل حرف ت في جميع الأبجديّات القديمة والحديثة، تنوّعاً عن الفنيقيّة 𐤕. وتنوّعت أسماءه بتنوّع رؤاه الفلسفيّة، فهو ألِپ و ألِف و أوخ و خَپِس و خيپو و خَپِى و خَپِعنخ و هِپو… وعدّ المصريّون القدامى فرس النهر من تجسيداته، ولو أنّه بغير قرنين.

    لمّا عبد الأجداد الثور أطلقوا على الحكمة والشريعة اسم تاو (طاو) ذات اسم الثور تَورا، وخرج عن هذه التسمية حرف تاو 𐤕 الفنيقي الذي انتشر في أبجديّات العالم الغربي بشكله المعاصر T. ويُعتقد أنّ اسم كتاب التَوراة תּוֹרָה يعني في الواقع كتاب جمع الحكمة والشريعة (التاو) المأخوذ عن اسم الثور المقدّس تَورا תַּוְרָא.

  • في مسألة الخليج العربي والخرافة الفارسيّة

    في مسألة الخليج العربي والخرافة الفارسيّة

    لربّما لم يعرف العالم لصوص تاريخ أوقح من القوميّين الفرس ودولة رضا شاه پهلوی والجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة. يزوّرون التاريخ في پروپاگندا شديدة الخبث تسرق تراث حضارات أمم برمّتها، لصناعة تاريخ فارسيّ، ما وُجد قط.

    ومن ذلك منازعة العرب على بلادهم وتراثهم وحتّى تركة أجدادهم. ومنها بحرهم الأهمّ على مستوى التراث، خليج العرب، الخليج الأحمر، أقدم ضفاف حضارات العرب.

    الزعم الفارسي

    تدّعي الجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة أنّ الخليج العربي هو خليج فارسي من الأساس، وتطالب بتعميم هذه التسمية بديلة عن تسمية الخليج العربي… وما يزعج إيران فعلاً بتسمية الخليج العربي أنّها تذكّر العالم بالبلاد العربيّة المحتلّة، التي كانت على الضفة الشرقيّة للخليج، قبل أن تستولي عليها إيران سنة 1925، ثمّ تعمل جهدها لتغيير ديموغرافيتها العربيّة. واليوم تريد الجمهوريّة الإيرانيّة محو ذكر هذه البلاد من التراث كلّه، لا بل والاستيلاء على تراث بلاد العرب على الضفّة الغربيّة للخليج كذلك.

    ويستعين القوميّون الفرس بدليل واحد فقط من التاريخ العربي، يستعملنه بكثرة شهادة على أنّ العرب قديماً استعملوا تسمية الخليج الفارسي اسماً للخليج العربي. ويزعم قوميّي الفرس أنّ مَطْرَان منبج {محبوب بن قسطنطين} قد سجّل في كتابه من القرن العاشر تسمية الخليج الفارسي، وهو يؤرّخ للدولة العبّاسيّة والخلافة فيها. لكنّني راجعت الكتاب وما وجدت في نصوصه العربيّة ذكر الخليج الفارسي ولو مرّة واحدة. غير أنّها مذكورة في التَّرْجَمَةً الفرنسيّة للكتاب. ويمكنك مطالعة كتاب المَطْرَان محبوب بنفسك من هنا.

    وللحقّ، وردت كلمة خليج فارس على خرائط القرون القليلة الماضية اسماً للخليج الداخل في محافظة فارس الإيرانية شمال شرق الخليج العربي. في الوقت الذي حمل فيه الخليج عموماً تسمية خليج البصرة. أي أنّ خليج فارس كان جزء من خليج البصرة، لا كلّه. في حين أنّ أدبيّات الممالك الإيرانيّة القديمة جميعاً سمّت هذا الخليج باسم خليج الطاژيّين أي العرب (الطائيّين).

    خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.
    خريطة بلاد الأزد من الطائيّين (الطاژيگان) حول الخليج العربي.

    مع ذلك، حتّى لو سلّمنا جدلاً بأنّ أحداً في الماضي قد استعمل تسمية خليج فارسي على هذا البحر، فمن كان؟ ولأجل أيّ دولة سيستعمل هذه التسمية؟

    • الأخمينيّين آريّين، يعودون بأصولهم إلى مملكة آريا على نهر المُرغاب في أفغانستان. استجلبهم الأسوريّون مماليك لحكم إيلام. ثمّ خرجوا منها يحرّرون البلاد من الميديّين ويعيدون توحيدها.
    • الأشكان الپارثيّين تُرك من الساكا الطوران، يعودون بأصولهم إلى منطقة ضفاف نهر الپنج في طاجيكستان المعاصرة. ثاروا على السلوقيّين ثمّ زحفوا عليهم واستبدلنهم.
    • الساسان پُنجابيّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة مدينة ٹيکسلا شمال پاكستان المعاصرة. استجلبهم الأشكان مماليك، فانقلبوا عليهم وسلبنهم السلطة بالدين.

    فمن هم الفرس الذين منح العالم تسمية الخليج بالفارسي لأجلهم؟ ليس في التاريخ مكان لهذه الخرافة.

    خديعة القوميّة الفارسيّة

    في الواقع، وبرغم حداثة تسمية الخليج العربي. لكن، مع ذلك، لم يسبقنا أحد نحن أبناء القرن العشرين، إلى تسمية هذا البحر بالخليج الفارسي، ولا يطلق عليه هذه التسمية إلا الجمهوريّة الإيرانية وراثة عن مملكة الشاه پهلوی. فمن مصائبنا المعاصرة تَرْجَمَة كلمة Persian بأشكالها المختلفة وحيثما وردت بكلمة فارسي. وهذه تَرْجَمَة خاطئة لمعنيين متعارضين، تستعملها پروپاگندا القومية الفارسية لسرقة تراث المنطقة كلّه وتزوير التاريخ. 

    كلمة Persian الإنگليزيّة تشير في الواقع إلى الهضبة الإيرانيّة، ولا تعني الهويّة الفارسيّة كهويّة قوميّة. أصلها من الكلمة الإنگليزية القديمة percynne عن الفرنسية القديمة persien عن اللاتينيّة Persiānus عن الإغريقيّة Περσίς پيرسيس (والياء الأولى هنا هي ألف مائلة صوب الياء) المقتبسة عن اللّقب الذي منحه الملوك الأخمينيّين لأنفسهم: أسرة پارسه 𐎱𐎠𐎼𐎿. فهو في البداية اسم أسرة وقبيلة وليس اسم بلد. على سياق أسماء من مثل: السعوديّة، الهاشميّة، المتوكّليّة… وهكذا. لهذا، ينبغي أن تُترجم كلمة Persian حيثما وردت وبلغات أوروپا بالمختلفة، بكلمة إيراني، لا بكلمة فارسي. والهضبة الإيرانيّة متعدّدة الهويّات الإثنيّة.

    والتسمية التي اتّخذتها الأسرة الأخمينيّة پارسه من الأساس هي اسم قبيلتها من قبل تأسيس العرش الأخميني، حين كانت لم تزل تعيش على ضفاف نهر المُرغاب في مملكة كان اسمها آريا (أريو، هَرَيڤه) جَنُوب أفغانستان المعاصرة. فالتسمية في الأصل هي {پَارَشُ} أو {پَارَچُ} परशु التي تعني فأس المحارب، تطوير عن الأگّديّة {پاشُ} 𒂆 التي تعني فأس. وهو فعلاً رمز قبيلة قورش مؤسّس الدولة الأخمينيّة وسلاحها الأوّل. ومع تميّز القبيلة الأخمينيّة بمهمّات حربيّة في خدمة الدولة الأسوريّة الحديثة صار اسمها بلسانها {پَارْشُ} पर्शु تحوير عن اسم سلاح الفأس. وهو الاسم الذي تحوّل إلى {پَارْسُ} بقلب ش إلى س.  

    سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده
    سلاح المحارب الأخميني، والپارش في يده، رسم Dario T. W.

    ولمّا حكم الأخمينيّون إمبراطوريّة واسعة سجّلها الإغريق كلّها باسم پارسه، ثمّ تراجعت جغرافيّة هذه التسمية مع تقهقر مساحة الدول اللاحقة إلى الهضبة الإيرانيّة وحدها. هذا مع التأثير المباشر الذي صنعه الملوك السلوقيّين حين غيّروا اسم الدولة كلّها في الأدب الإغريقي إلى سوريا بدلاً پارسه، مستعيدين الاسم الإمبراطوري الأخميني والأسوري. فصارت پيرسيس تشير إلى وسط الهضبة الإيرانيّة وحدها، خصوصاً تلك المساحة الصغيرة التي خصّها السلوقيّين باسم پيرسيس، وهي التي تحوّل اسمها في العهد الإسلامي إلى مملكة فارس ثمّ صارت اليوم محافظة فارس الإيرانيّة، التي عُرفت كذلك باسم مملكة شيراز، حين كان اسم شيراز نفسها مدينة فارس.

    ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق
    ممالك الإمبراطورية الأخمينية ونقرأ فيها موضع پيرسيس وآريا في الشرق

    المهم، بنتيجة هذه التعابير الجغرافيّة في الأدب الإغريقي وكلّ من ورث عنه في أوروپا، صار البحر شرق جزيرة العرب يحمل في بعض الآداب الغربيّة تسمية بحر پيرسيس أو خليج پيرسيس، وهي تسمية لا تشر بأيّ شكل من الأشكال إلى ترجمتها الخاطئة: خليج فارسي، لأنّها تشير إلى إقليم سياسي زال من الوجود قبل 2500 سنة. ولم يكن فارسيّاً من الأساس، إنّما كان آريّاً أخمينيّاً.

    ولأجل ذلك، نالت في الأدب الروماني سمة پيرسيس Περσίς أو پيرسيانُس Persiānus كلّ الدول التي حكمت أجزاء من الهضبة الإيرانية، سواء أكانت ممالك أزديّة طائيّة عربيّة أو ساكيّة تركيّة أو پشتونيّة وغيرها. ولهذا، لا يصحّ تَرْجَمَة كلمة Persian في كلّ مكان وردت فيه بكلمة فارسي، فليست كلّ شعوب المنطقة فارسيّة ولا كانت ممالكها كلّها فارسيّة، ولا يقصد المصطلح القوميّة الفارسيّة من الأساس.

    مع ذلك فإنّ الجغرافيا الرومانيّة منحت الخليج تسمية الخليج العربي، ويظهر ذلك بوضوح في أدبيّات رسائل المحامي الدبلوماسي پليني الأصغر Gaius Plinius Caecilius Secundus من القرن الأوّل. ويقول بأنّ سكّان سواحله جميعاً من العرب. على الضفّتين الشرقيّة والغربيّة.

    أسماء الخليج العربي عبر التاريخ

    حمل الخليج العربي، وعلى لسان أهله وسكّانه، عدّة أسماء على مرّ التاريخ. آخرها كان خليج البصرة (بصرة كورفزي) لأنّ إيالة البصرة أحكمت عليه سيطرتها في العهد العثماني، وهي التسمية الأطول عمراً، لأنّها موروثة عن عهد عمر بن الخطّاب حين كان خليفة الدولة الإسلاميّة، وورد ذكر الخليج في مراسلاته باسم بحر البصرة، ولو أنّ فترات من الدولة العبّاسيّة غيّرت اسمه إلى خليج العراق، أو بحر العراق. مقارنة ببحر الشام على الغرب.

    خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.
    خريطة العربيّة من كتاب أطلس المسافر، من رحلة ملك إيطاليا ڤيتّوريو إمانويله Vittorio Emanuele Ferdinando Maria Gennaro di Savoia إلى فلسطين وسوريا والأردن سنة 1887، يوم كان لم يزل أمير ناپلس، قبل تنصيبه ملكاً.

    ومن أسمائه العربية كذلك بحر مُسَنْدَم على اسم رأس مُسَنْدَم العُماني. وبحر القطيف على اسم ميناء القطيف البحراني في المملكة السعوديّة. بالإضافة إلى اسم البحرين كذلك. وقبلها حمل الخليج اسم مملكة هرمز العبّاسيّة المعروفة كذلك باسم خانيّة بستك و إمارات عرب الهولة.

    قبل ذلك عُرف الخليج العربي في نقوش إمبراطوريّات العراق القديمة باسم البحر الأدنى (الأخفض) وبحر الجَنُوب وبحر الكلدان وبحر ميسان والبحر المرّ، وهي التسمية الأخيرة قبل نشوء الإمبراطوريّة الأخمينيّة. في العهد الأخميني كان اسمه {البحر} فقط دون نسبة، ثمّ أعقب الأخمينيّين السلوقيّين الذين أطلقوا عليه تسمية خليج العرب والخليج الأحمر (نسبة إلى لون العرب الإثني). ثمّ حكم الأشكان والساسان الذين أطلقوا عليه تسمية بحر الطاژيگان أي بحر الطائيّين، وكان الخليج فعلاً محكوم بمحيطه كلّه بممالك أزديّة طائيّة.

    تسمية طاژيگان أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان بضفّتيها الشرقيّة والغربيّة. ولمّا ثارت مگان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى الضفة الغربيّة، وإلى بلخ في أفغانستان. ثمّ سار على طول الساحل الغربي يهجّر العرب ويخرّب مدنهم. ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحِيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب. لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم شرق الخليج وتحريرها.

    خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.
    خارطة عن دراسة للأستاذ مايكل إيزادي للمناطق الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط ونلاحظ عليها وحدة ثقافة الخليج العربي، بضفافه جميعاً.

    استبدال تسمية خليج البصرة

    في فترة ثلاثينيّات القرن 19 نزل الخليج العربي كاملاً تحت الهيمنة البريطانيّة، فحاولت بريطانيا سنة 1840 تغيير اسم الخليج إلى بحر بريطانيا Britain Sea وهو ما بدأ كلّ هذه البلبلة حول تسمية الخليج ونسبته القوميّة.

    تجاهلت دول المنطقة الرغبة البريطانيّة وحافظت بأغلبها على تسمية خليج البصرة، حتّى فترة دولة رضا شاه پهلوی، الذي أزال التركمان عن السلطة في إيران ورغب بفرض حضور قومي فارسي على كلّ الصعد. وبعد أن ابتلعت دولته هدايا بريطانيا، التي سلّمته كامل الساحل الشرقي للخليج العربي بدوله العربية، بدأ في فترة ثلاثينيّات القرن 20 باستعمال تسمية خليج فارس في صحافته المحلّيّة بدلاً عن تسمية خليج البصرة ليؤكّد تفوّق الحضور الفارسي في المنطقة. وفي ردّ عليه بدأت الصِّحافة في بعض الدول العربيّة باستعمال تسمية الخليج العربي، خصوصاً تلك الصِّحافة التي نالت سلفاً دعماً وتمويلاً من أسرة الشيخ خزعل الكعبيّ.

    سنة 1955 قام البريطاني تشارلز بلگريڤ Charles Belgrave باستعمال تسمية الخليج العربي بدلاً عن خليج بريطانيا، وكان آنذاك مستشار حكّام البحرين، وشخصية تمثّل الإمبراطوريّة البريطانيّة. فكان بالتالي أوّل شخصيّة غربيّة رفيعة المستوى تصرّح بتسمية الخليج العربي. وما هي إلا خمس سنوات حتّى اعتمدت الدول العربيّة المستقلّة تسميّة الخليج العربي بديلة عن خليج البصرة.

    سنة 1974 قام شاه إيران الابن ولأوّل مرّة باستعمال تسمية الخليج الفارسي في مقابلة مع الصِّحافة الأميركية، وكانت المرّة الأولى التي تخرج فيها هذه التسمية إلى فضاء دوليّ. ثمّ سنة 2010 فرضت إيران على شركات الطيران التي تستعمل أجواءها استعمال تسمية الخليج الفارسي، أو تُحرم من الطيران فوق إيران.

    احتلال إيران للساحل الشرقي

    خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925
    خريطة دول عربيّة ابتلعتها إيران سنة 1925

    في فترة الحرب العالمية الأولى سقطت إمارات عرب الهولة العبّاسيّة تحت الاحتلال البريطاني المطلق، ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي عزلت محمد رضا خان البستكي العباسي عن مُلكه بعد دوام 3 قرون، وغيّرت اسم بلاده إلى شهرستان بندرعبّاس، ثم إلى محافظة هرمزگان، مع تعيين ابن محمد رضا خان البستكي العباسي محافظاً عليها.

    قبلها كانت مشيخة بني كعب الناصريّة قد نزلت تحت الحماية البريطانية سنة 1890، التي غيّرت اسمها إلى مشيخة المحمّرة. ثم سنة 1925 سلّمتها بريطانيا لدولة رضا شاه پهلوی، التي اعتقلت الشيخ خزعل الكعبيّ مع أبنائه على يختهم الخاص واختطفتهم، ثمّ أسرتهم في طِهران، ثمّ أعدمتهم سنة 1936، بينما نشرت قوّاتها في الأحواز وضمّت الناصريّة بشكل نهائيّ إلى إيران. بعد أن عاشت دولة عربيّة مستقلّة مدّة 235 سنة. 

    أمّا منطقة أبو شهر فقد كانت مقتسمة ما بين القواسم والكعبيّين، وكان القواسم قد حاولوا الاستقلال عن الكعبيّين من الأساس. ثمّ، لمّا أسقط الإنگليز حكم القواسم جَنُوب أبو شهر وعدوا الشيخ خزعل الكعبي بإعادة سيطرة المشيخة الناصريّة على أبو شهر كلّها، وجعلوا مكتب الارتباط التجاري ما بين المحمّرة وبريطانيا في مدينة أبو شهر. وذلك إغراء للشيخ خزعل لإيقاف التقارب مع روسيا وإيقاف مشروع ميناء لنجة الروسي العسكري سنة 1902. وبالفعل صار شريط أبو شهر تحت السيادة الناصريّة دوليّاً، ولو أنّه بقي تحت الإدارة البريطانيّة فعليّاً. هكذا إلى أن سلّمت بريطانيا مشيخة المحمّرة للاحتلال الإيراني سنة 1925.

    أمّا القسم الأخير من بلاد العرب على الساحل الشرقي للخليج العربي، وهو گوادر في الجَنُوب على بحر العرب، فقد تخلّت عنه سلطنة عُمان سنة 1958 لمصلحة الحكومة الپاكستانية، وانتهى هكذا أي وجود سياسي للعرب على الساحل الشرقي.

    الخليج العربي بحر للعرب من قديم الأزمان، ليس باسم على ورق وحسب، بل هويّة وحضارة وتراث.

  • الخوارزميات علم عربي والخوارزمي عربي

    الخوارزميات علم عربي والخوارزمي عربي

    باستمرار يدّعي اللاعربيّون بأنّ أعظم علماء الحساب، الخوارزمي، تركي أو فارسي وغير عربي. وينسبنه إلى أوزبكستان… أنا من أوزبكستان ويشرّفني أنّ يحمل الخوارزمي اسم خيوة إحدى مدن أوزبكستان، لكن الرجل ليس من عندنا، إنما هو عراقي بغدادي.

    {أبو عَبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى الخَوارِزمي} ويكنّى كذلك بأبو جعفر، وُلد في بغداد سنة 781. أبوه موسى وُلد كذلك في بغداد، وكان أبو موسى (أي جدّ الخَوارِزمي وربّما جدّ أبيه) قد هاجر إلى بغداد من خيوة لما كانت تدير ولاية عبّاسيّة اسمها خوارزم (چوارزميا) 𐬓𐬁𐬌𐬭𐬌𐬰𐬆𐬨. وكما أسلفت، الخوارزمي بغدادي، ولد في بغداد ونشأ فيها ودرس فيها واشتغل فيها، وصعد في المراتب حتى عيّنه المأمون أمينا (رئيساً) للمكتبة العبّاسيّة الوطنيّة. ثمّ صعد منها لرئاسة جامعة دار الحكمة سنة 813 وبقي في منصبه هذا حتى سنة 833. كل ما أنجزه الخوارزمي عربي عراقي 100٪ وخرج عن أهمّ جامعات عصرها. دار الحكمة في بغداد.

    في سوريا وفلسطين والأردن اليوم الكثير من البخاريّين الذين يحملون لقب البخاري. هاجر أجدادهم إلى الشام قبل مئة ومئتين وثلاث مئة سنة… من وصل جدّه منهم إلى الشام في القرن 17 أو 18 وهو اليوم لا يتحدّث التركية ولا يستعمل غير العربيّة. هل يجوز أن يقال فيه اليوم أنّه أوزبكي غير شامي أو غير عربي؟ فقط لأنّه يحمل لقب بخاري! لا، هذا لا يجوز. ومحمّد الخوارزمي مثلهم، حمل لقب الخوارزمي لكنّه عراقي بغدادي، لم يعرف في حياته غير بغداد، وما اشتغل في غيرها.

    {مُحَمَّد الخَوارِزمي} أبدع علم الجبر، وبدأ ما نسمّيه اليوم بالخوارزميّات Algorismus، وهي التي تسيّر كل الأجهزة الذكيّة في كلّ مكان. وهي التي أعاد {أبو الحسن أحمد بن ابراهيم الإقليدسي} تطويرها في دمشق بعد ثلاث قرون وصنعها بشكلها المعاصر، وهو من سمّاها بالخوارزميّات، بالمناسبة. ويبقى هذا إبداع عراقي ومن حقّ العراق والعرب جميعاً الفخر به.

    يمكن تنزيل كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي لمن أحبّ قراءته من هنا

    أوزبكستان فخورة بهذا الرجل العراقي بالطبع، وخيوة فخورة بأنّه حمل اسم بلدها، لكنّه عراقيّ من بغداد. وهذا تمثاله العملاق على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان، حيث كُتب الأبِسْتاق أوّل مرّة، وحيث عاش زرادشت.

    تمثال الخوارزمي على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان
    تمثال الخوارزمي على مدخل قلعة إچان في مدينة خيوة في أوزبكستان

    {أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري} ولأنّه كان ربّما يكره الخوارزمي سمّاه في تدويناته: {محمد بن موسى الخوارزميّ المجوسيّ القطربّليّ}… إهانة له بأنّه من قطربل (قطرب) بالقرب من بغداد وليس من بغداد نفسها. وبأنّه مجوسي غير مسلم. لكن، ما سجّله الخوارزمي في مقدّمة كتابه {الجبر} يُظهر بوضوح أنّه كان مسلماً ملتزماً على عقيدة بغداد والخلافة العبّاسيّة في القرن التاسع.

  • لو لم أكن عربيّ الأبوين

    لو لم أكن عربيّ الأبوين

    لو لم أكن عربيّ الأبوين لتمنّيت أن أكون عربياً، لأنّ من يطّلع على ما قام به العرب من خِدْمَات للإنسانيّة، وللعلم والحضارة العالمية ليَقف إجلالاً للعلماء العرب في عصورهم الزاهية وإمبراطوريّتهم الواسعة.

    ولو لم أكن عربيّ الأبوين نسباً لتمنّيت أن أكون عربيّاً بالولاء، ذلك لأنّ المسلمين قديماً، على اختلاف ألوانهم، وأجناسهم، قد انتسبوا إلى قبائل عربيّة، وأُسر عربيّة، وأعلام من العرب؛ رجالاً ونساء، وأصبحوا منهم، لا يختلفون عنهم في الحقّ، ولا واجب. اعتزّوا بالعرب، وعلت مكانتهم بهم وبالإسلام.

    ولو لم أكن عربيّاً نسباً أو ولاء لتمنّيت أن أكون عربيّاً بالثقافة. ذلك لأنّ اللّغة العربيّة، والثقافة الإسلاميّة، كونتا شعوباً وأجيالاً من الناس ما زالت مخلصة للعرب، تحبّهم كأنفسهم أو أكثر حبّاً، لأنّ العربيّة لغة القرآن الكريم هي لغة رسول الله ص ولغة أصحابه وهم من العرب. وعروبة الثقافة كعروبة النسب.

    ما سبق، كتبه المؤرّخ العراقي الأستاذ أبو رجاء ناجي معروف عبد الرزاق العبيدي الأعظمي، وتركه في كتابه الرائع: {عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية في المشرق الإسلامي}. وهو موسوعة تحقيقيّة من جزئين في ألف ومئة صفحة، أثبت فيها الدكتور معروف زَيف تنسيب أكثر من ثلاثمئة عالم عربي إلى الفرس. ما يوضح بجلاء سَعَة انتشار المدن العربيّة عبر غرب ووسط آسيا حتّى القرن 11. وسعة التطوّر والتفوّق العلمي الذي امتازت به هذه المدن العربيّة، قبل أن تُكره على التحوّل إلى الفارسيّة، ثمّ تزال بجهد من إيلخانات فارس المغول في القرن 13.

    يمكن تنزيل كتاب الأستاذ معروف من هنا

    ويمكنك كذلك قراءته وتنزيله من هنا

    في كتاب الأستاذ ناجي معروف ستتضّح لك الصورة في أنّ ألقاباً مثل الرازي والنيسابوري والجرجاني والأصفهاني والسمرقندي… هي في الواقع أنساب عربيّة وليست أعجميّة. وسترى بجلاء وبوضوح أنّ الدول الفارسيّة من أمثال الصفاريّين والسامانيّين وغيرهم قد سرقت الحضارة العربيّة فنسبنها لأنفسهم، فجعلنها فارسيّة، فقط ليقولوا أنّ العرب ما أبدعوا ولا أضافوا شيئاً إلى هذا العالم. وهو كذب وافتراء صريح.

    عُيّن الأستاذ ناجي معروف مدرّساً في الإعدادية المركزية في بغداد. ثم سافر إلى فرنسا في عام 1935م ملتحقاً بالبعثة العلمية فدرس في جامعة السوربون ومتحف اللوفر بإشراف الأستاذ (ديموبين) وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في التاريخ، وكان عنوان أطروحته “المدرسة لمستنصرية” وبسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال الألمان مدينة باريس عاد إلى بغداد، قبل أن يناقش أطروحته وعاد معه الدكتور مصطفى جواد، والدكتور سليم النعيمي، وهما مثله كانوا بانتظار مناقشة الرسالة.

    أبو رجاء ناجي معروف عبد الرزاق العبيدي الأعظمي، مؤرخ عراقي، أستاذ التاريخ في جامعة بغداد، ألّف فيه مجموعة من الكتب، وهو عضو المجمع العلمي العراقي. وينتمي إلى قبيلة العبيد العربية الزبيدية القحطانية الحميرية، وأهل مدينة الأعظمية في بغداد أغلبهم من أبناء هذه القبيلة، وهو شقيق عواد معروف و أحمد معروف ووالد خلدون ناجي معروف وعم بشار عواد معروف.

    عمل الأستاذ ناجي معروف بعد عودته إلى العراق من فرنسا في مديرية الآثار العامة بعد فشل ثورة مايس في عام 1941م، ثمّ اعتُقل ولبث في المعتقل ثلاث سنوات. وفي عام 1946م عُيّن مديراً لأوقاف بغداد، ثم عُيّن بعد ذلك عميداً لكلية الإمام الأعظم. وعُيّن في عام 1952م، عميداً لكلية الشريعة، وفي عام 1963م، عُيّن عميداً لكلية الآداب بجامعة بغداد. وفي عام 1965م، عُيّن عضواً في مجلس الخدمة.

    وفي عام 1972م انتخب الأستاذ ناجي معروف عضواً عاملا في المجمّع العلمي العراقي. كما انتخب عضواً في مجمع اللّغة العربية بدمشق في سوريا. وعُيّن أستاذاً في قسم التاريخ للدراسات العليا في جامعة بغداد، وكان عضواً في مجلس أمانة بغداد. ومن أهم إنجازاته على الصعيد الشخصي أنّه كان أحد المساهمين في تأسيس جمعية منتدى الإمام أبي حنيفة في الأعظميّة عام 1968م، وانتخب رئيساً لها مدة تسع سنوات حتى وفاته، ولقد سعى بواسطتها لإنشاء المساجد والجمعيات الخيرية في القرى والأرياف.

    ـ

    الصور لريفيّين عرب من قرية جيناو العربيّة في قشقداريا الأوزبكيّة. مقدّمة من الخدمة الصحفية للإدارة الإقليمية لتنمية السياحة في منطقة قشقداريا، أوزبكستان.

  • الطاجيك العرب

    الطاجيك العرب

    عندنا في تراث أوزبكستان تعني كلمة طاجيك حرفياً العرب. كلّ العرب. وهي مستقاة من التسمية الساسانية لبطيء وكانت طاژيگ.

    فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية
    فتاة طاجيكية بملابس طاجيكية تقليدية

    في القرن الثالث سنة 240 نجح أردشير الأوّل بفتح مگان لمصلحة الساسان، ومگان آنذاك هي سلطنة عُمان المعاصرة وكلّ الساحل الغربي للخليج العربي (البحرين)، وميسان جَنُوب العراق، ومحافظة هرمزگان في إيران المعاصرة. وهي جميعاً ديار لطيء آنذاك.

    تسمية طاژيگي أطلقها الساسان في الأساس على سكّان سواحل الخليج العربي من العرب، وبالأخص مگان… أي الأزد. ولمّا ثارت عُمان وقبائل العرب على الحكم الساساني في القرن الرابع نفى الشاه شاپور الثاني سكّان القسم الشرقي من عُمان (هرمزگان) إلى منطقتين هنّ مدينة عُمان نفسها، ومدينة بلخ في ولاية آريا على نهر المرغاب في أفغانستان المعاصرة، فتوسّع هؤلاء العرب منها وصارت لهم طاجيكستان الشرقيّة (آريا الشِّمالية – ما وراء النهر)، التي ترى اليوم جمهوريّة طاجيكستان على جزء منها. لكنّ السامان والصفاريّين، وللقضاء على كلّ أثر للطاهريّين العرب في تركستان، أكرهوا هؤلاء الطاجيك العرب في القرن التاسع على استبدال العربيّة بالفارسيّة، ثم قام الاتّحاد السوڤييتي بتدريسهم في المدارس أنّهم فرس في الأساس.

    شاپور الثاني لم يكتف بطرد الكثير من العرب عن سواحل الخليج العربي ودفعهم نحو القسم الغربي من شبه الجزيرة العربية. بل صعد إلى العراق، وكان آنذاك باسم أسور إستان (سوريا) فحارب قبيلة إياد المالكة للبلد. ثمّ نفى تغلب إلى جزيرة البحرين وإلى قرية حتّا في دولة الإمارات العربية المتّحدة المعاصرة. كما نفى بني عبد القيس وبني تميم إلى جِبَال ٱلْحَجَر الواقعة اليوم شرق سلطنة عُمان. كما نفى بني بكر إلى مدينة كرمان وشمال ولايتها. ونفى بني حنظلة إلى ضواحي مدينة الأهواز (الأحْوَازْ) في إيران المعاصرة. ثمّ قام شاپور الثاني بإخلاء العرب تماماً عن شريط الباطنة الساحلي في عُمان واستبدلهم بجند من عنده (1). ثمّ أخيراً أمر ببناء سور قرب الحيرة في العراق سمّاه {وَر إطاژيگانْ} أي سور العرب (2). لمنع العرب عن القيام بعمليات تستهدف العودة إلى أوطانهم وتحريرها.

    وكان العرب وبخاصّة الأزد، قد ثاروا على الحكم الساساني وقادوا حرباً عظيمة على الشاهنشاهية الساسانية وصلت فيها جيوشهم حتى مدينة شهر گور المدينة المعروفة اليوم باسم فيروزآباد داخل فارس نفسها. ولو تابعوا ووصلوا شيراز لكانت انتهت دولة الساسان من وقتها وصارت كلّها عربية (3). وكان الأزد آنذاك على حكم مگان كلّها بشطريها (عُمان + هرمزگان) بالإضافة إلى میسان جَنُوب العراق المعاصر. ثمّ ردّ شاپور الثاني بحرب أباد فيها الكثير من العرب، ووصل بحملة التدمير حتّى يثرب المدينة المنوّرة (4)، ودمّر مدن العرب، وردم مياههم، ونفى معاقل قبائلهم (5). ولقّبه العرب آنذاك {ذو الأكتاف} (6).

    بعد تلك الحرب، فرضت الحكومة الساسانيّة على سكّان أسورإستان (العراق) وشرق شبه الجزيرة العربيّة التحوّل إلى الديانة الزرادشتية (7)، وهو ما قاد سريعاً إلى ثورات تالية متكرّرة تسبّبت في القرن السادس بنفي بني تغلب سكّان أسورإستان غرباً إلى القسم الروماني من مملكة أورهي (الرها) ومن ثمّ استقرارهم في مدينة المعرّة في سوريا المعاصرة. واختتم الساسان تلك الثورات العربيّة بتنصيب ملك اللّخميين المنذر الثالث بن النعمان ملكاً على مگان (عُمان) (8).

    المراجع

    1 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa 

    2 Bosworth, C. E. (1983). “Abnāʾ”. Encyclopaedia Iranica, Vol. I, Fasc. 3. pp. 226–228. https://go.monis.net/SjjtWI 

    3 Daryaee, Touraj (July 20, 2009a). “ŠĀPUR II”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/uN4QTV 

    4 Potts, Daniel T. (2012). “ARABIA ii. The Sasanians and Arabia”. Encyclopaedia Iranica. https://go.monis.net/nV3fov 

    5 Frye, R. N. (1983). “The Political History of Iran under the Sassanians”. In Yarshater, Ehsan (ed.). Cambridge History of Iran. Vol. 3. London: Cambridge University Press. pp. 116–181.

    6 Daryaee, Touraj (2009b). Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire. I.B.Tauris. pp. 1–240. https://go.monis.net/UVPAYa 

    7 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 593–613. https://go.monis.net/CBakb5 

    8 Bosworth, C.E. (1975). “Iran and the Arabs before Islam”. The Cambridge History of Iran, Volume 3 (1): The Seleucid, Parthian and Sasanian periods. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 600. https://go.monis.net/CBakb5 

  • منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    منهجة تدمير الهُوِيَّة العربيّة

    يعاني التاريخ العربي المدرّس في مدارسنا من عدّة مشكلات، من أبرزها غياب الرواية العربية الأصيلة وسيطرة الروايات الأجنبية المشوّهة للتاريخ العربي. وفي هذه التدوينة أطرح وجهة نظري حول أسباب هذه المشكلة وسبل معالجتها.

    لا يوجد نسخة عربية من التاريخ العربي المدرّس في مدارس اليوم العربية. نسخة التاريخ العربي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الأوروپية، لا العربية. ونسخة التاريخ الإسلامي التي يدرسها أبناء العرب اليوم هي وجهة النظر الفارسية والتركية والقوقازية، لا العربية.

    من دراستي التاريخ وجدت أنّ من علّم التاريخ إلى الأجيال العربية في القرن العشرين اشتغل على خطّة ممنهجة، لإحباط الروح العربية وتدميرها وإخضاعها بالدونيّة.

    كقوّة استعمار في أيّ بلد حول العالم تكون لك القدرة على الكذب كما تشاء، لتشويه أرواح الشعوب المستعمرة من تحتك. وهذا بالضبط ما فعله الاستعمار غرب الأوروپي بالعرب. حين أقنع الاستعمار القديم العرب أنّ كلّ الآثار في بلادهم ليست لهم، إنّما لحضارات قديمة لا تمت بالصلة إلى العرب. نشأت الأجيال في غربة عن تراثها. ترى الآثار في أرضها ثمّ تقول هذه صنيعة الآخرين، نحن لم نصنع.

    جيل وجيلين وصارت سنّة العرب إنكار تراث الآباء والأجداد، باتت روح العرب خجولة بموقعها، ترى أنّها لا تصنع. وهكذا، تلقائياً صار أبناء اللّغة العربية يرون أنفسهم غزاة، حفاة عراة، يعيشون على أنقاض الحضارات القديمة. وخطأ شاعت أقوال “الآراميّين غير العرب”، و”الأگّديّين غير العرب”، و”السبئيّين غير العرب”، و”المصريّين القدماء غير العرب”… سخافات لا غاية منها إلّا نفي الذات عن الذات. ولم يبق إلّا القول بأنّ العرب غير العرب.

    نفس المنهج يتّبعه الأميركيّون اليوم حين يقنعون شعوب مصر والعراق أنّ الآثار العظيمة في بلادهم هي من صنيعة الفضائيّين، كي لا يقتنع المصريّ وابن العراق أنّه حفيد صُنّاع حضارات عِظام. وذات المنهج تتّبعه ذات القوّة الأميركية كذلك في الپيرو والمكسيك وپاكستان واليابان وغيرها من حضارات العالم القديمة… لا يوجد فضائيّين، نحن نسل صنّاع هذه الحضارات القديمة.

    كلّ ما درستُه من الآثار والنقوش والتدوينات القديمة واللّغات وأنظمة الكتابة والوقائع التاريخيّة… كلّها تقول أنّ العرب المعاصرين هم استمرار وثيق للأسلاف، استمرار ليس فيه انقطاع ولا تغيير ولا تبديل. لكنّ العرب بتغيير أديانهم استنكروا أنسابهم بأصولهم، ثمّ فتحوا الباب لأدوات الاستعمار تطبخ الذهن العربيّ كما تشاء.

    هذي الآثار الكثيرة في بلاد العرب هي صنيعة أجداد العرب. كلّها آثار حضارات صنعها العرب وأسلاف العرب. كلّ لغات المنطقة القديمة هي اللّغات العربيّة القديمة، لا وافدة من الفضاء ولا من الصين. لم يحدث تعريب. هي اللّغات الّتي تطوّرت حتّى صارت اللّغة العربيّة المعاصرة. والعرب هم نسل وسلالة من عاشوا ورفعوا عمدان الحضارة في بلاد العرب. وكلّ ما يخالف هذا؛ خرافات وأساطير لا تهدف إلّا لهدم عزوة الروح العربية في بلادها.

    يؤدي تشويه وتزييف التاريخ العربي إلى أثر سلبي كبير على الهُوِيَّة العربية، ومن أبرز هذه الآثار:

    • الشعور بالدونية وعدم الاعتزاز بالهوية العربية، لأن التاريخ يقدم وكأن العرب لا إنجازات لهم.
    • فقدان الثقة بالنفس والإحساس بالعجز، فالتاريخ المشوّه يوحي أن العرب عاجزون عن الإنجاز.
    • الشعور بالغربة والانفصال عن التراث والإرث الحضاري، فالتاريخ ينسب الإرث لغير العرب.
    • ضعف الانتماء والهوية الجمعية، فالشعور بالانتماء يتأثر سلبًا عندما يُشوَّه تاريخ الجماعة.
    • انتشار الأساطير والخرافات التي تزرع الشكوك حول الهُوِيَّة العربية.
    • سهولة التأثر بالأفكار الهدامة التي تستغل هذا الفراغ في الهُوِيَّة.

    لذا، من الضروري إعادة كتابة التاريخ بموضوعية لبناء هُوِيَّة عربية معتزّة بنفسها وبإرثها الحضاري. ويجب عليها اتّخاذ بعض الخطوات التي لتعزيز الوعي بتاريخنا العربي:

    • إصلاح مناهج تدريس التاريخ في المدارس والجامعات بما يركز على التاريخ العربي ويقدم وجهة نظر عربية أصيلة.
    • تشجيع البحث الأكاديمي الجاد في التاريخ العربي ونشر الدراسات والبحوث الموثقة.
    • إنتاج برامج وأفلام وثائقية تروي التاريخ العربي بصدق وموضوعية.
    • تنظيم معارض ومتاحف تسلط الضوء على الحضارات والإنجازات العربية.
    • الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي لنشر الوعي.
    • إحياء المناسبات والأعياد التاريخية وربطها بالشباب.
    • إشراك المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع في مبادرات تعزيز الوعي التاريخي.
    • تفعيل دور الأسرة في غرس حب التاريخ والاعتزاز به لدى الأجيال الجديدة.

    إنّ إحياء الروح العربية يتطلّب جهداً مضاعفاً لإعادة كتابة تاريخنا بعيداً عن التشويه والتزييف، والاعتزاز بهويّتنا وإرثنا الحضاري العريق. وعلى مؤسّساتنا التعليمية والثقافية تحمّل مسؤولياتها في نشر الوعي بتاريخنا وتصحيح مسار تعليمه في مدارسنا.

    كما هي منشورة على مدوّنة البخاري