الوسم: مجتمع

  • كيف نتفاعل مع كارهي العرب على السوشلميديا

    كيف نتفاعل مع كارهي العرب على السوشلميديا

    أحياناً تصادف في التعليقات تعليقاً من شخص جاهل يعاني من الغرور المعرفي. وهذه المتلازمة ملازمة لأهل العربفوبيا واللاعربية.

    أعتقد أنّه من الأفضل ألّا نقول شيئاً لمثل هؤلاء الأشخاص. فالجهل والغرور صفتان مزدوجتان لا يمكن كسرهما بالكلام. بدلاً من ذلك، يجب علينا أن نكون قدوة حسنة بالعلم والتواضع، وأن نساعد الآخرين بلطف وصبر. فالحكمة تأتي من الممارسة والتجربة، لا من النقاشات. علينا أن نركّز طاقتنا على مساعدة من يرغبون في التعلّم بدلاً من إضاعة وقتنا مع من لا يريدون ذلك.

    ويقصد علم النفس بالغرور المعرفي الميل إلى المبالغة في تقييم المعارف والقدرات الذاتية، والاعتقاد الخاطئ بامتلاك مستوى عال من الكفاءة والخبرة في مجال ما، مع عدم الاستعداد لتقبّل وجهات النظر الأخرى والانفتاح على أفكار جديدة قد تصحّح هذا التصوّر المغالى فيه.

    وبذلك يجمع هذا التعريف بين عناصر الغرور والتفكير المغلق وانعدام الوعي بالذات التي تميّز شخصية المغرور معرفياً.

    في الأدب العربي يمكن وصف هذا الشخص بأنه:

    • جاهل: لا يمتلك المعرفة والفهم الكافيين في مجال ما.
    • مغرور: يظن أنه يمتلك المعرفة والفهم الكافيين في حين ليس كذلك.
    • منغلق: لا يرغب في تعلم أشياء جديدة أو تصحيح فهمه الخاطئ.
    • متعالي: ينظر للآخرين من منطلق الاستعلاء وكأنه أعلم منهم.
    • غير قابل للنقد: لا يقبل النقد أو النصح ويرفض الاعتراف بجهله.
    • جامد: لا يطور معارفه ولا يوسع آفاقه الفكرية.

    إذاً الجهل والغرور والتعالي وعدم الانفتاح على المعرفة هي السمات الرئيسية لشخصية العربفوبي واللاعربي.

    من منظور علم النفس وعلم الاجتماع، يمكن تعريف العربفوبي على النحو التالي:

    • يعاني من التفكير المغلق Closed-mindedness: وهو ميل الفرد إلى رفض وجهات نظر مخالفة لمعتقداته، وعدم الانفتاح على أفكار جديدة.
    • يعاني من الغرور الزائف Hubris: وهو شعور مبالغ فيه بالثقة الزائدة بالنفس والاعتقاد الخاطئ بتفوّق المعرفة الشخصية.
    • يعاني من انعدام الوعي بالذات Lack of self-awareness: عدم القدرة على التقييم الدقيق للذات ونقاط القوة والضعف الشخصية.
    • يعاني من التأكيد الزائد على الذات Self-enhancement: الميل إلى التركيز على جوانب القوّة وتجاهل نِقَاط الضعف للحفاظ على تقدير الذات.
    • يعاني من انخفاض مستوى النضج المعرفي Low cognitive maturity: عدم القدرة على التفكير المجرد وتقييم الأفكار بموضوعية.

    فالعربفوبي إذاً يجمع بين عدّة اضطرابات نفسية ومعرفيّة تؤدي إلى تشوّه نظرته لذاته وللمعرفة.

  • العربفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية

    العربفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية

    لحركات الـ #عربفوبيا والـ #لاعربية آثار سيّئة على المجتمع العربي والمجتمع الإنساني كلّه:

    مثلاً، تؤدّي إلى شعور العرب بالتهميش والإقصاء، ممّا قد يؤدّي إلى زعزعة استقرار المجتمعات العربية وزيادة التوتّرات الاجتماعية. كما تخلق جوّاً من الكراهيَة والعنف ضدّ العرب، ممّا قد يسوق إلى أعمال العنف والإرهاب. كذلك تعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات العربيّة، حيث تمنع الاستثمارات الأجنبية والتبادل الثقافي.

    كذلك تؤدّي إلى مزيد من الانقسام والتعصّب بين المجتمعات، ممّا قد يؤدّي إلى الحروب والصراعات. كما تمنع التبادل الثقافي والحضاري بين المجتمعات، ممّا يحدّ من التقدّم الإنساني. بالإضافة إلى أنّها تعزّز ثقافة الكراهيَة والعنف، ممّا يهدد السلام والأمن العالميّين.

    في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، وبسبب العربفوبيا واللاعربيّة، تواجه الجالية العربية تمييزاً في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم والعمل والسكن. أمّا في أوروپا، فتتعرّض الجاليات العربية لهجمات عنصرية وكراهية. وحتّى في الشرق الأوسط، أدّت العربفوبيا إلى تصاعد الصراعات الطائفية والسياسية. وفي الجزائر تسوق اللاعربيّة إلى المزيد من الانقسامات في المجتمع الجزائري، ما يمنع تركيز المواطنين على التقدّم وازدهار البلد.

    من المهمّ أن ندرك أنّ العربفوبيا واللاعربيّة هما شكلان من أشكال العنصرية والتمييز، وهما تهديد للمجتمع العربي والمجتمع الإنساني كليًّا. فيجب علينا جميعاً أن نكافح ضدّ هذه الظواهر السلبيّة، وأن نسعى إلى بناء عالم يسوده السلام والتفاهم بين جميع الشعوب.

  • الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    الهُوِيَّة العربية بين الأصالة والمعاصرة

    لماذا يخجل العرب بالتصريح علناً بآثار حضارتهم العربية؟ ولماذا يستحي العربي عن القول أن هذه الآثار في بلاد العرب هي آثار أجداد العرب؟

    بينما نرى كارهي العرب وناكري الحضارة العربية، لا يستحون عن السرقة وعن القول بصوت مرتفع بأنّ آثار أجدادنا هي لأجدادهم، بل وينسبنها لخرافاتهم بكل وقاحة.

    يقول المثل: المال الداشر بيعلّم السرقة… ونحن دشّرنا آثار أجدادنا لغيرنا ليسرقها، لأننا نستحي عن القول بكل صراحة أنها آثار أجدادنا وأنها عربية، لأنّ أجدادنا، من نهر زرافشان إلى محيط الأطلس، عرب مثلنا.

    مسألة الخلط بين الهُوِيَّة العربية والحضارات القديمة مثل حضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، لطالما شكلت تحدّيا كبيرا أمام فهمنا لتراثنا وهويتنا العربية. فالكثير منّا مازال يعتقد أنّ الآثار القديمة في بلاد العرب هي آثار لحضارات أخرى غير عربية، في حين الواقع أن تلك الحضارات كانت حضارات عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

    فهويّتنا العربية ليست وليدة الإسلام فحسب، بل سبقته بآلاف السنين. حيث عاش أجدادنا العرب على هذه الأرض وتركوا لنا إرثا حضاريا عظيما في مجالات عديدة. لكن الجهل بالتاريخ وعدم الثقة بالنفس وقلّة الجهود المبذولة في نشر الوعي، أدّت إلى طمس هذه الحقيقة لدى الكثيرين من شبابنا.

    علينا كعرب أن نستعيد ثقتنا من جديد من طريق تعزيز معرفتنا بتاريخنا الحضاري العريق، ونشر الوعي بأهمّية المحافظة على هويّتنا واعتزازنا بإرثنا الحضاري. يجب إدراج دراسة تاريخ الحضارة العربية بعمق في مناهجنا التعليمية، وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال، لنتعرّف على تراثنا ونفتخر به ونستفيد من الدروس والعبر في بناء حاضرنا ومستقبلنا.

    كما يجب محاربة الجهل والأفكار الخاطئة التي تشوه صورة حضارتنا العريقة. لن يتأتّى لنا ذلك إلا من طريق نشر التعليم والثقافة والإعلام. فالاعتزاز بهويّتنا وجذورنا العربية أينما كنّا، هو السبيل لاستعادة مكانتنا الحضارية وريادتنا في مجالات العلم والمعرفة. إن شاء الله ستزدهر أمتنا من جديد.

    المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    خريطة: المساحة ما بين هذه النُّقَط الحمراء جميعاً تحتوي على وجود عربي مستمر من 3500 سنة على الأقل.

    لحضارات المشرق العربي أثر وتأثير كبير على قارّات العالم القديم طوال الـ3500 سنة الماضية، وقد تجلّى ذلك في المجالات التالية:

    • العلوم والتكنولوجيا: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الاختراعات والاكتشافات:
      • الكتابة: حيث كانت بلاد ما بين النهرين مهدًا لظهور الكتابة المسمارية، وهي أول نظام كتابة معروف في العالم.
      • الرياضيات: حيث كان البابليون بارعين في الرياضيات، وقد طوروا العديد من المفاهيم الرياضية الأساسية، مثل الجبر والهندسة.
      • الفلك: حيث كان البابليّون والمصريّون بارعين في الفلك، وقد طوروا العديد من المفاهيم الفلكية الأساسية، مثل التقويم.
      • الطب: حيث كان المصريّون بارعين في الطبّ، وقد طوّروا العديد من التقنيات الطبّية المتقدّمة، مثل الجراحة وعلاج الجروح.
    • الدين والفلسفة: كان المشرق العربي أيضاً مهداً للعديد من الأديان والفلسفات التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأديان والفلسفات:
      • اليهودية: حيث كانت اليهودية أول ديانة توحيدية في العالم، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الإله الواحد.
      • المسيحية: حيث نشأت المسيحية في المشرق العربي، وقد ساهمت في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم الثالوث.
      • الإسلام: حيث نشأ الإسلام في المشرق العربي، وقد ساهم في تطوير العديد من المفاهيم الدينية والفلسفية الأساسية، مثل مفهوم التوحيد.
    • الفنون والعمارة: كان المشرق العربي مهداً للعديد من الأشكال الفنية والمعمارية التي كان لها تأثير عميق على تطور الحضارات الإنسانية، ومن أبرز هذه الأشكال:
      • العمارة: حيث تميزت العمارة في المشرق العربي بأشكالها الرائعة، مثل الأهرامات المصرية والمدن البابلية.
      • الفنون التشكيلية: حيث تميزت الفنون التشكيلية في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل اللّوحات المصرية وفسيفساء الفينيقيين.
      • الموسيقى: حيث تميزت الموسيقى في المشرق العربي بأشكالها المتنوعة، مثل الموسيقى العربية والموسيقى اليهودية المعاصرة.

    ومن الأمثلة على تأثير حضارات المشرق العربي على قارات العالم القديم:

    • انتشار الكتابة: انتشرت الكتابة المسمارية من بلاد ما بين النهرين إلى العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مثل الحضارة المصرية والحضارة الفينيقية.
    • التبادل التجاري: كان المشرق العربي مركزاً تجارياً مهمّاً في العالم القديم، ممّا أدّى إلى انتشار الأفكار والثقافات بين الحضارات المختلفة.
    • الغزوات العسكرية: شنت حضارات المشرق العربي العديد من الغزوات العسكرية على العديد من الحضارات الأخرى في العالم القديم، مما أدّى إلى انتشار ثقافاتها وتأثيراتها.

    عموماً، يمكن القول أنّ حضارات المشرق العربي كانت لها تأثير عميق وملموس على تطور الحضارات الإنسانية في جميع أنحاء العالم.

    برأيك، لماذا يستهدف الجميع الهويّة العربيّة؟ ويشتغلون على تزييفها؟

    تمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي شعوراً بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه، وتجعله يشعر بالارتباط بتاريخه وحضارته، ممّا يعزّز من ثقته بنفسه وشعوره بالكرامة.

    وتساعد الهويّة العربيّة الإنسان العربيّ على التواصل مع الآخرين من أبناء ثقافته، ما يسهّل عليه التعبير عن نفسه وفهم الآخرين.

    وتمنح الهويّة العربيّة الإنسان العربي القدرة على الإبداع والابتكار، ممّا يساهم في تقدمه وازدهار حياته.

    يجب أن يتمّ تدريس التاريخ العربي والثقافة العربية بشكل سليم في المدارس والجامعات، حتّى يتمكّن الطلّاب من التعرّف على هويّتهم وتاريخهم بشكل صحيح. ويجب أن يحرص الإعلام العربي على نقل الصورة الصحيحة عن الهويّة العربيّة والتاريخ العربي، ومقاومة أيّ محاولات لتزييف هذه الصورة. ويجب أن يتمّ دعم الفنون والثقافات العربيّة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على هويّتها وتميّزها.

    الحفاظ على الهويّة العربيّة والدفاع عن تاريخها ومقاومة تزويره، هو واجب كل إنسان عربيّ، فهو أمر لا يقل أهمّيّة عن الحفاظ على الأرض والوطن.

    العروبة في جوهرها قيم نبيلة وإنسانية سامية. العروبة هي حياة مشتركة قائمة على التعاون والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة. وهي أخلاق سمحاء مستمدّة من تعاليم تراثنا الحنيف وآدابنا الراقية.

    والعروبة شهامة وشجاعة والتصاق بالأرض والدفاع عن الحقوق. كما أنّها تحضّر ورقي في العلم والفكر وسمو في الفن والأدب. والعروبة كرم وجود وبذل من غير حدود. لذلك يجب أن نتمسّك بعروبتنا ونعتز بها، ونسعى لتطويرها نحو الأفضل دائماً.

    أكثر العلوم التي أحبّها هي الفيزياء والتاريخ… الفيزياء أرشدتني إلى طريق فهم الحياة، والتاريخ جذبني إلى علوم الجغرافيا والسوسيولوجيا والإتيمولوجيا، وأكثر بكثير من علوم الأحياء…

    تعلّمت من دراسة التاريخ أنّ الثابتة الوحيدة في أيّ معرفة هي أنّها متغيرة. حتّى أكثر اليقينيّات رسوّا تنجرف كوريقة يابسة متى أزالها كشف جديد. وهذه حقيقة برهنتها فيزياء الكم.

    لذا وصلت إلى قناعة أنّ من أساسيات الإدراك: الإنكار. وإنكار البديهيّات هو أوّل الفتوحات المعرفيّة؛ وعماد اليقين. ولو أنّ الظاهر يبدو دائماً وكأنّ إنكار البديهيّات هادم لليقين. لكنّ اليقين هشّ وضعيف جداً إذا لم تدعمه عمدانٌ جذورها الإنكار. إذ أنّ الشكّ هو طريق اليقين.

    من دون فعل الشكّ لا نحصل على معرفة. إنّما نتّجه صوب الرسوب والتخامد، ولا منفعة للحياة من الرواسب.

    ومن باب المعرفة، أعتقد أنّ أبرز النِّقَاط والموضوعات التي يجب على شباب العرب مناقشتها باستمرار، في هذه المرحلة:

    • الاعتزاز باللغة العربية وأهمّية المحافظة عليها
    • التاريخ والتراث والثقافة العربية المشتركة
    • العلاقة بين العروبة والإسلام
    • قيم الكرم والتسامح والتضامن الاجتماعي
    • الوحدة العربية والتحدّيات التي تواجهها
    • انتقادات لفكرة القومية العربية
    • الهُوِيَّة العربية في مواجهة التغريب

    ويمكن تحقيق ذلك من طريق التركيز على:

    • تأكيد أهمّية المحافظة على الهُوِيَّة والتاريخ العربي في مواجهة محاولات التشويه أو التزييف.
    • ضرورة تصحيح مسار تدريس التاريخ والثقافة العربية في المناهج التعليمية، بعيدًا عن الأفكار المغلوطة.
    • دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الهُوِيَّة، ومقاومة محاولات تزييفها.
    • أهمّية دعم الثقافة والفنون العربية لتعزيز الانتماء الحضاري.
    • ضرورة غرس قيم الانتماء الوطني والدفاع عن الهُوِيَّة لدى الأجيال الجديدة.
    • التأكيد على أن الاعتزاز بالتاريخ والإرث الحضاري لا يتنافى مع التقدم والازدهار.

    تعدّ الهُوِيَّة العربية من الموضوعات الشائكة والمعقدة التي لا تزال تثير جدلاً واسعاً بين المثقفين والمفكرين العرب. فالبعض يرى أن الهُوِيَّة العربية ثابتة وراسخة، في حين يرى آخرون أنها مهددة ومنقوصة. وتنبع هذه الاختلافات من وجهات نظر متباينة حول التاريخ والحضارة والثقافة العربية.

    فمن جهة، هناك من ينظر إلى الماضي العربي القديم بعين الإعجاب والتقدير، حيث كانت الحضارة العربية الإسلامية رائدة في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والآداب، وانتشرت اللغة العربية والثقافة العربية في أصقاع الأرض. لكن من جهة أخرى، يرى البعض الآخر أن هذا الماضي بالكاد يمثل الواقع الحالي للعرب، إذ تراجعت مكانتهم ودورهم الحضاري، وأصبحوا يعانون من تخلف سياسي واقتصادي وثقافي.

    وقد أدت هذه الازدواجية في نظرة العرب إلى أنفسهم وتاريخهم إلى إشكاليات كثيرة في تحديد معالم الهُوِيَّة العربية المعاصرة. فالبعض ينادي بالتمسك الحرفي بالتراث ورفض الانفتاح على الثقافات الأخرى، في حين يدعو آخرون إلى الانصهار الكامل في الحداثة الغربية والتخلي عن كل ما هو عربي تقليدي.

    والحقيقة أن كلا الموقفين يفتقر إلى التوازن. فالمطلوب هو الجمع بين الاعتزاز بتراثنا وهويتنا العربية من جهة، وبين الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي من جهة أخرى. إننا بحاجة إلى نهج وسطي متزن يراعي خصوصيتنا الحضارية مع السعي نحو التجديد والإبداع، نهج يوفق بين الأصالة والمعاصرة، فنأخذ من تراثنا وثقافتنا ما يعزز هويتنا، ونتفاعل مع الآخرين بما يخدم مصالحنا ويحقق طموحاتنا.

    في النهاية، الهُوِيَّة العربية ليست شيئًا جامدًا بل هي حالة من التفاعل المستمر مع تراكمات الماضي وتطلعات الحاضر والمستقبل. وما دمنا نؤمن بأنفسنا ونعتز بانتمائنا، فإننا قادرون على تجاوز أزمات الهُوِيَّة وبناء مستقبل عربي أفضل يواكب التقدم والازدهار البشري.

  • الهُوِيَّة العربية والإسلامية: تأمّلات الشباب العربي

    الهُوِيَّة العربية والإسلامية: تأمّلات الشباب العربي

    زغبتُ الأحبّة المتابعين على فيٓسبوك في استطلاع رأي دام ثلاث أيّام. وبواسطته تحقّقت من آراء شباب مجتمعنا العربي المتنوّع، باستطلاع آراء عيّنة شملت أكثر من ٣٠٠ شخص. أغلب العينة ذكور، من جيل ما بين ٢٥-٣٥ سنة، من مختلف البلاد العربية، والأغلبية الساحقة أظهرت عدم رضى عن الحدود السياسية الحالية لبلادهم.

    قدّمتُ خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين، وكان المُلفت أنّ أغلب المعلّقين تعامل مع الخارطة على أنّها تمثيل للدولة الإسلامية في عهدها الذهبي. وفي المجمل، تعكس التعليقات مجموعة متنوّعة من الردود والآراء في الخريطة، بدءًا من الاستحسان والرغبة في التغيير، إلى النقد التاريخي والجغرافي، وصولاً إلى التشكيك في الدقّة والذهاب إلى السلبية.

    خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين
    خارطة غير دوليّة، ملوّنة، مجرّدة من أيّ تصنيفات وعناوين

    عمومًا يمكن تلخيص الآراء كما يلي:

    1. رغبة في التغيير والوحدة: بعض المعلّقين أبدوا إعجابهم بالخريطة وقدّموا تعليقات إيجابية تّجاهها، معبّرين عن رغبتهم في رؤية تحقيق هذه الرؤية أو الخارطة، في حين أبدى آخرون رغبتهم في الوحدة.
    2. النقد التاريخي والجغرافي: العديد من التعليقات تناولت الجوانب التاريخية والجغرافية للخريطة. بعض المعلّقين ناقشوا الأماكن التي سيطر عليها العرب أو المسلمين تاريخياً. كما أشار بعضهم إلى أنّ الخريطة تفتقد لبعض المناطق التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الإسلامية في فترات معينة من التاريخ.
    3. الشكوك حول الدقّة والتحقّق: بعض المعلّقين استفسروا حول دقّة الخريطة وما إذا كانت تعكس بشكل صحيح التاريخ أو الواقع الجغرافي. كانت هناك بعض الاعتراضات حول تقسيم بعض المناطق أو الدول.
    4. التعليقات السلبية: بعض المعلّقين أبدوا تعليقات سلبية حول الخريطة، معتبرين أنّها غير واقعية أو أنّها قد تسبّب المزيد من التوتّرات السياسية أو الجغرافية. ومن هؤلاء كان القوميّون الكرد والقوميّون المصريّون، والوطنيّون المتمسّكون بالأنظمة الحاكمة في بلادهم.

    وبشكل تفصيلي آخر:

    • – بعض المعلّقين أبدى إعجابه بالخريطة ووصفها بالجميلة والمنطقية وأنها تمثّل حلمهم.
    • – البعض الآخر انتقد عدم دقّة الخريطة حَسَبَ رأيهم، مثل عدم ضم سيناء لمصر أو ضم مكة والمدينة لليمن.
    • – هناك من طالب بإضافة مناطق غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا للخريطة.
    • – بعض التعليقات تحدّثت عن الخلافات التاريخية بين مناطق الشام والعراق ومن يملك أحقّيّة كل منطقة.
    • – عدّة تعليقات ذكرت أنّ المهمّ ليس مساحة الأرض بل نوع الحكم والحرّية التي يتمتّع بها الشعب.
    • – تعليقات أخرى تحدّثت عن أهمّية الوحدة الإسلامية بغض النظر عن الحدود الجغرافية.
    • – وكان هناك بعض التعليقات المعارضة تماماً لفكرة الخريطة أصلاً.

    عمومًا، نرى تباين واختلاف كبير في وجهات النظر حول هذا الموضوع الحساس. وبناءً على تحليل التعليقات، أقدّر النسب المئوية لكل فئة من فئات المعلقين كالتالي:

    نتيجة استطلاع إعادة تخطيط الحدود
    نتيجة استطلاع إعادة تخطيط الحدود
    • – المؤيدون للخريطة والفكرة: حوالي 25%
    • – المنتقدون لعدم دقة الخريطة: حوالي 15%
    • – المتحدّثون عن الخلافات التاريخية: حوالي 15%
    • – الداعون للوحدة الإسلامية: حوالي 15%
    • – المطالبون بإضافة مناطق: حوالي 10%
    • – المهتمّون بنوع الحكم أكثر من الحدود: حوالي 10%
    • – المعارضون تماماً: حوالي 10%

    في الختام، يمكن القول أنّ تباين الآراء في الخارطة المقدّمة يعكس التنوّع الكبير والتعقيد في الثقافة والهوية العربية والإسلامية. يُظهر استطلاع الرأي هذا أنّ الكثير من المتابعين لديهم أفكار وآراء مختلفة في الحدود السياسية والجغرافية، وما يمثلها تاريخياً وعلى الواقع. من الواضح أنّ هناك رغبة في التغيير وفي الوحدة بين بعض الشباب العرب، في حين يركز البعض الآخر على الجوانب التاريخية والجغرافية.

    هذا الاختلاف في الآراء يبرز التحديات التي تواجهها الفكرة العمومية للوحدة العربية أو الإسلامية، ويوضح الحاجة لمزيد من الحوار والمناقشة حول هذه القضايا. وفي ضوء هذه النتائج، يتعيّن علينا أن نعترف بأنّ الطريق نحو الوحدة والتغيير ليس سهلاً، وأنّه يتطلب تفهّماً وتقديراً أعمق لتعقيدات التاريخ والجغرافيا والهوية الثقافية. وفي النهاية، يجب أن نتذكّر دائماً أنّ الأهمّ من الحدود الجغرافية هو الحرّية والعدالة والرفاهية لجميع الشعوب، بغضّ النظر عن اسم المكان الذي يعيشون فيه.

  • في سردية الأصالة: رحلة استكشاف الذات

    في سردية الأصالة: رحلة استكشاف الذات

    إذًا، ما أنا اليوم؟

    باعتقادي الشخصي، إذا أردت قتل إنسان فعلًا، فكلّ ما عليك فعله، هو إقناعه بأنّه ليس في حاجة إلى أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة: ما أنا اليوم؟ من أنا؟ ما هي هويّتي الفرديّة؟ وما هي هويّتي التراثيّة؟ ولكي تقتله تمامًا وتمحو وجوده إلى العدم، أقنعه بأجوبة جاهزة، مسبقة الصنع، تقنعه بأنّه يعرف حتمًا أجوبة هذه التساؤلات.

    فمَا هي معاني هذه المصطلحات؟ ما هي الهويّة الفرديّة؟ وما هي الهويّة التراثيّة؟ وكيف تتشكّل بهم ذات الإنسان وهويّته؟

    لنبدأ بالهوية الفرديّة

    مفهوم الهُوِيَّة الفردية على بساطته هو مفهوم معقّد ومتعدّد الأوجه، يشمل جوانب مختلفة من مفهوم الذات لدى الشخص، والوعي الذاتي، والشعور بالتفرّد الشخصي. يتشكّل بواسطة مجموعة من العوامل، بما في ذلك التأثيرات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية.

    الصفات الجينيّة، الموروثة من آبائنا، تساهم في العديد من جوانب هويّتنا الفرديّة، مثل المظهر الجسدي، والمزاج، وحتّى بعض سمات الشخصيّة (الطبيعة). يلعب تركيبنا الجيني دورًا في تشكيل صفاتنا وخصائصنا الفريدة. كذلك تساهم تجاربنا الشخصيّة وأفكارنا وعواطفنا بشكل كبير في إحساسنا بالذات. تشمل الجوانب النفسيّة الرئيسة للهويّة الفرديّة احترام الذات والفعّالية الذاتية والوعي الذاتي. معتقداتنا ومواقفنا وقيمنا ودوافعنا هي أيضًا مكوّنات مهمّة لهويتنا.

    التراث والمجتمع الذي نشأنا فيه لهما تأثير عميق على تكوين هويّتنا. إذ يمكن للقيم والأعراف والتقاليد الثقافيّة تشكيل معتقداتنا وسلوكيّاتنا والطريقة التي نرى بها أنفسنا. تؤدّي أدوارنا الاجتماعية وعلاقاتنا وتفاعلاتنا بالآخرين أيضًا دورًا أساسيًا في تشكيل مفهومنا الذاتي. ويعدّ الشعور القوي والمترابط بالذات أمرًا ضروريًا للرفاهية العامّة والصحّة العقليّة. الأشخاص الذين لديهم فهم واضح لهويّتهم الفرديّة يكونون عمومًا أكثر مرونة، ولديهم آليّات تكيّف أفضل، ولديهم إحساس أكبر بالهدف والمعنى من الحياة. 

    طوال حياتنا، تخضع هويّتنا الفرديّة للتطوير والتحوّل المستمر. تتّضح هذه العملية بشكل خاص خلال مدّة المراهقة، عندما يبدأ الأفراد في استكشاف وترسيخ شعورهم بالذات. تشير نظريّات مختلفة، مثل مراحل التطوّر النفسي الاجتماعي لإرك إركسون، إلى أنّ تشكيل الهويّة هو عملية تستمرّ مدى الحياة تتضمن مواجهة التحديّات والصراعات المختلفة وحلها.

    وإرك إركسون Erik Homburger Erikson هو عالم نفس تنموي ومحلل نفسي ألماني-أميركي. عاش في القرن العشرين.

    الهويّة الفرديّة مهمّة لعدّة أسباب، لأنّها تُؤدّي دورًا محوريًا في تشكيل تجارِب حياة الشخص ورفاهيّته وقدرته على العمل بفعّالية في المجتمع. ولهذه الأهميّة عدّة جوانب منها الوعي الذاتي، آلية صنع القرارات، الصحّة النفسية، العلاقات الاجتماعية، الهُوِيَّة التراثية، الفاعلية الشخصية، وغرض الحياة ومعناها.

    الإحساس الواضح بالهوية الفردية يعزّز الوعي الذاتي، وهو الذي يمكّن الشخص من فهم أفكاره وعواطفه ونقاط قوته وضعفه بشكل أفضل. هذا الوعي الذاتي يعزّز النمو والتطور الشخصي. كما تساعد الهُوِيَّة الفردية القوية الأشخاص على اتّخاذ قرارات مستنيرة تساير قيمهم ومعتقداتهم وأهدافهم. يمكن أن يؤدّي هذا الوضوح في اتّخاذ القرار إلى مزيد من الرضا والنجاح في مختلف جوانب الحياة، مثل المهنة والعلاقات والإنجازات الشخصية.

    يساهم الشعور المتماسك والمستقرّ بالذات في تحسين الصحّة العقلية والرفاهية العامة. الأشخاص الذين لديهم فهم واضح لهويتهم الفردية يكونون عمومًا أكثر مرونة، ولديهم آليات تكيّف صحية، ويمكنهم الحفاظ على نَظْرَة إيجابية للحياة حتّى في أثناء المواقف الصعبة. كذلك تؤثر الهُوِيَّة الفردية في كيفية تفاعل الشخص مع الآخرين وتشكيل الروابط الاجتماعية. يمكّن الإحساس الواضح بالذات الناس من إنشاء حدود صحّية، والتواصل بفعالية، وبناء علاقات هادفة قائمة على التفاهم والاحترام المتبادلين.

    يساعد فهم الهُوِيَّة الفردية الإنسان في تقدير التراث الاجتماعي للفرد والتواصل معه. يعزّز هذا الارتباط الشعور بالانتماء والفخر والتقدير لتنوّع الخبرات البشرية. كما يُمكِّن الإحساس المتطوّر بالهوية الفردية الأشخاص من التحكّم في حياتهم واتّخاذ الخيارات التي تساير قيمهم وتطلّعاتهم. هذا الشعور بالقدرة الشخصية يمكن أن يؤدّي إلى زيادة الثقة بالنفس والشعور بالاستقلالية.

    وفوق كلّ هذا، يمكن للهوية الفردية القوية أن توفّر إحساسًا بالهدف والمعنى من الحياة، وتوجيه الشخص نحو وجود مُرضٍ وذو مغزى. يمكن أن يساهم هذا في زيادة الشعور بالرضا والسعادة.

    طيّب، لنتحدّث أكثر عن التراث وعلاقته بالهويّة

    يمكن للهوية التراثية أن تؤثّر بشكل كبير على هُوِيَّة الشخص الفردية وبطرق مختلفة، لأنّها توفّر سياقًا لفهم الذات والعالم. ومن هذه الطرق مثلًا القيم والمعتقدات، الأعراف والتوقّعات الاجتماعية، اللّغة، التقاليد والشعائر، نموذج القدوة والرموز التراثية، التكيّف والتكامل الثقافي، والأخلاط.

    تُعدّ اللّغة مكوّنًا أساسيًا للهوية التراثية، فهي لا تعمل بصفة وسيلة للتواصل فقط بل إنّها تحمل أيضًا المعاني والتعبيرات والمفاهيم التراثية. يمكن للّغة تشكيل عمليّات تفكير الفرد، ونظرته للعالم، والتعبير عن الذات، وعلى هذا التأثير على هويّته الفردية. 

    تُعرّف الهُوِيَّة التراثية الأفراد على مجموعة من القيم والمعتقدات ووجهات النظر التي غالبًا ما تشكّل أساس أنظمة معتقداتهم الشخصية. يمكن لهذه القيم والمعتقدات أن توجّه أفكار الأفراد وعواطفهم وأفعالهم، وتشكّل إحساسهم العام بالذات. كما أنّ لكلّ ثقافة معاييرها الاجتماعية وتوقّعاتها التي تحكم السلوك المقبول وأنماط الاتّصال والعلاقات الشخصية. يمكن أن تشكّل هذه المعايير والتوقّعات كيف يرى الأفراد أنفسهم ويتفاعلون مع الآخرين، ممّا يؤثّر على مفهومهم الذاتي وهويّتهم الاجتماعية.

    يمكن للممارسات والتقاليد والشعائر الاجتماعية أن تساهم في هُوِيَّة الفرد بواسطة تعزيز الشعور بالانتماء والاستمرارية والارتباط بتراثه الاجتماعي. المشاركة في هذه الأنشطة يمكن أن تساعد الأفراد على فهم جذورهم والقيم التي تدعم هويّتهم. كما تزوّد الهُوِيَّة الثقافية الأفراد بنماذج يحتذى بها ورموز تراثية يمكن أن تُلهم وتؤثّر في تطلّعاتهم وقيمهم وصورتهم الذاتية. يمكن أن تكون هذه “القدوات” أمثلة لما هو ممكن في سياق تراثي معيّن والمساهمة في تطوير هُوِيَّة الفرد.

    بالنسبة للأفراد الذين يعيشون في سياقات متعدّدة المرجعيّات التراثية أو يهاجرون إلى ثقافة مختلفة، يمكن لعملية التكيّف والتكامل الثقافي أن تتحدّى هويّتهم الفردية وتعيد تشكيلها. قد يواجهون تحوّلًا في قيمهم ومعتقداتهم وسلوكيّاتهم في أثناء تنقّلهم في تعقيدات بيئتهم الثقافية الجديدة. كما تتأثّر الهُوِيَّة الفردية أيضًا بتقاطع الهويّات التراثية المتعدّدة، مثل الإثنية والجنسية والدين والطبقة الاجتماعية. يمكن أن يخلق هذا التقاطع تجارِب ووجهات نظر فريدة من نوعها تساهم في إحساس الشخص بالذات.

    الهُوِيَّة التراثية، أطوار قمر!

    ويمكن أن تتغيّر الهويّات التراثية بمرور الوقت بسبب عوامل مختلفة مثل التجارِب الشخصية والسياقات الاجتماعية والسياسية والهجرة والتعرّض للثقافات المختلفة. ومن الطرق التي يمكن أن تتغيّر بها الهويات التراثية التثاقف، الاستيعاب، التطور الثقافي، النموّ الشخصي والتطوّر، التغيّرات الاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين الثقافات.

    عندما ينتقل الأفراد إلى بلد أو ثقافة جديدة، قد يمرّون بعملية التثاقف، حيث يتكيّفون مع قيم ومعتقدات وممارسات الثقافة الجديدة. يمكن أن تؤدّي هذه العملية إلى تغييرات في هويّتهم التراثية لأنّها تدمج جوانب الثقافة الجديدة في مفهومهم الذاتي. وقد يصل الأمر إلى الاستيعاب، وهو شكل متطرّف من التثاقف، حيث يتبنى الأفراد قيم ومعتقدات وممارسات ثقافة جديدة، غالبًا على حساب هويّتهم التراثية الأصلية. يمكن أن تؤدّي هذه العملية إلى تغيير كبير في الهُوِيَّة التراثية للفرد.

    من جهة ثانية، الثقافات ليست جامدة؛ إنّما هي كالكائن الحيّ، تتطوّر وتتغيّر بمرور الوقت بسبب عوامل مختلفة مثل العولمة والتقدّم التكنولوجي والتبادل بين الثقافات. مع تغيّر الثقافات، تتغيّر كذلك الهويات التراثية للأفراد الذين يشكلون جزءًا من تلك الثقافات. ومع نموّ الأفراد وتطوّرهم، قد تتغيّر قيمهم ومعتقداتهم وممارساتهم، ممّا يؤدّي إلى تحوّلات في هويّتهم الثقافية. يمكن أن تتأثّر هذه العملية بعوامل مثل التعليم والتعرّف بالأفكار الجديدة والتجارب الشخصية.

    تغييرات الثقافة في السياق الاجتماعي والسياسي، مثل التحوّلات في السياسات الحكومية أو الحركات الاجتماعية أو الأحداث التاريخية، يمكن أن تؤدّي إلى تغييرات في القيم والمعتقدات والممارسات الثقافية. يمكن لهذه التغييرات، بدورها، أن تؤثّر على الهويّات التراثية للأفراد داخل تلك الثقافة. ويمكن أن يؤدّي الانخراط في علاقات وثيقة بأشخاص من خلفيّات تراثية مختلفة إلى تغييرات في الهُوِيَّة التراثية للفرد، حيث قد يتبنّون قيمًا ومعتقدات وممارسات جديدة من شركائهم أو أصدقائهم.

    كيف أنجو في بحر من الهويّات التراثية المتلاطمة؟

    من الضروري إدراك أنّ الهويّات التراثية مرنة ويمكن أن تتطوّر بمرور الوقت، حيث يتكيّف الأفراد مع التجارِب والسياقات الجديدة. تتيح هذه المرونة للناس التنقّل في تعقيدات عالم مترابط ومتنوّع بشكل متزايد. وقد يكون التوفيق بين الهويّات التراثية المتضاربة أمرًا صعبًا، لكنّه ضروري للنموّ الشخصي والرفاهية. ومن الاستراتيجيّات التي تساعد الأفراد على التنقّل ودمج الهويات الثقافية المتعدّدة التأمّل الذاتي، التعليم وتطوير الفهم، الحِوار المفتوح، البحث عن أرضية مشتركة، تقبّل التعقيد والمرونة، إنشاء توليفة شخصية، التِماس الدعم، والاحتفال بالتنوع.

    تأمّل في ذاتك، انخرط في التفكير الذاتي لاستكشاف وفهم الجوانب المختلفة لهويّاتك التراثية. ضع في اعتبارك كيف شكّلت كلّ هويّة قيمك ومعتقداتك وخبراتك ونظرتك للعالم. فكّر في مناطق الصراع داخلك والأسباب الكامنة وراء التوترات. وتعرّف إلى تواريخ وقيم وتقاليد الثقافات المختلفة التي تتعرّف عليها. يمكن أن يساعدك تطوير فهم أعمق لكل ثقافة على اكتساب نَظْرَة ثاقبة لجذور النزاعات وتقدير الجوانب الفريدة لكلّ هُوِيَّة.

    انخرط في محادثات صريحة وصادقة مع أفراد العائلة والأصدقاء والمعارف من خلفيّات تراثية مختلفة. يمكن أن توفّر مشاركة تجاربك والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين رؤى قيّمة وتساعدك على التنقّل في هويّاتك التراثية المتضاربة. حدّد القيم والمعتقدات والخبرات المشتركة عبر الهويّات التراثية المختلفة. إذ يمكن أن يساعدك التأكيد على هذه القواسم المشتركة في بناء شعور أكثر تماسكًا وتكاملًا بالذات.

    من المهم أن تدرك أنّ هويّتك ليست ثابتة ولا جامدة ولكنّها جانب مرن ومتطوّر من ما هو أنت. احتضن تعقيد هويّاتك التراثية المتعدّدة وكن منفتحًا على التكيّف والتغيير عندما تواجه تجارِب ووجهات نظر جديدة. طوّر توليفة شخصية لهويّاتك الثقافية تتضمّن الجوانب التي تقدّرها من كلّ ثقافة. قد تتضمّن هذه العملية مزج عناصر من ثقافات مختلفة، وتبنّي بعض الجوانب ورفض البعض الآخر، أو إنشاء هُوِيَّة تراثية ثقافية جديدة وفريدة من نوعها تعكس تجاربك الفردية.

    تواصل مع الآخرين الذين يشاركونك تجارِب مماثلة للهويّات التراثية المتضاربة، سواء من طريق مجموعات الدعم أو المنتديات عبر الإنترنت أو الشبكات الاجتماعية. يمكن أن توفّر مشاركة خبراتك والتعلم من الآخرين رؤى قيمة وإحساسًا بالصداقة الحميمة. احتضن تنوّع هويّاتك التراثية واعتبرها مصدر قوّة وليست مصدرًا للصراع. احتفل بوجهات النظر المختلفة والمهارات والخبرات الفريدة التي تجلبها هويّاتك التراثية المتعدّدة إلى حياتك وعلاقاتك.

    طيّب، ما أنا العربي اليوم؟

    كشخص عربي، ستتأثر هويّتك الفردية والتراثية بمجموعة متنوّعة من العوامل، بما في ذلك خلفيّتك الإقليمية والإثنية والدينية واللّغوية، فضلًا عن تجاربك الشخصية وقيمك ومعتقداتك. من الضروري الانتباه إلى أنّ الهُوِيَّة الفردية فريدة لكلّ شخص، وهي مزيج من التأثيرات المختلفة التي تجعلك ما أنت عليه. فمن أنت؟ وماذا يمكنك أن تقدّم كعربي إلى هذا العالم؟

    على صعيد الهُوِيَّة التراثية، التراث العربي غني ومتنوّع وله تاريخ طويل وتقاليد عريقة. قد تتضمّن بعض جوانب هويتك التراثية بصفة شخص عربي اللّغة، والدين، والقيم، والتقاليد والعادات، والتاريخ.

    اللّغة العربية بلهجاتها المختلفة وجه موحّد للتراث العربي. وهي ليست وسيلة تواصل فحسب، بل هي أيضًا وسيلة للتعبير عن القيم التراثية والمعتقدات والشعر والأدب. وإلى جانب اللّغة فإنّ الإسلام هو الدين السائد في العالم العربي، ويؤثّر على العديد من جوانب التراث العربي، بما في ذلك القيم والتقاليد والممارسات المشتركة. ومع ذلك، من المهمّ أن نعترف بوجود مسيحيّين ويهود عرب، هذه الأديان العربية القديمة، بالإضافة إلى أفراد من ديانات أخرى أو لا دين لهم، ممّا يساهم في تنوع الثقافة العربية.

    غالبًا ما يركّز التراث العربي بشدّة على قيم مثل الأسرة والضيافة والكرامة والاحترام. يمكن أن تشكّل هذه القيم نظرتك للعالم وعلاقاتك وسلوكك. ويشتهر التراث العربي بتقاليده وعاداته الثرية كالفن والموسيقى والرقص والمطبخ والاحتفالات. قد تلعب هذه الجوانب من التراث دورًا في هويّتك الشخصية وتوفّر إحساسًا بالارتباط بتراثك.

    للعالم العربي تاريخ طويل ومعقّد، بما في ذلك المساهمات في العلوم والرياضيّات والأدب والفلسفة. يمكن أن يثري فهم تاريخك التراثي هويّتك ويوفّر لك الشعور بالفخر والانتماء. 

    على صعيد الهُوِيَّة الفردية، ستتشكّل هويّتك الفردية بواسطة مزيج من خلفيّتك التراثية وتجاربك الشخصية وقيمك ومعتقداتك وتطلّعاتك. سيحدّد هذا المزيج الفريد من العوامل شعورك بالذات ونظرتك إلى الحياة.

    فبصفتك شخصًا عربيًا، يمكنك أن تقدّم للعالم منظورًا فريدًا يعتمد على تراثك الثقافي وتجاربك الشخصية. ويمكن أن تشمل هذه المساهمات على تعزيز التبادل الثقافي، ومدّ الجسور، والتعبير الإبداعي، والإنجازات الأكاديمية والمهنية، والمشاركة الاجتماعية والسياسية.

    من طريق مشاركة تراثك وتقاليدك وخبراتك مع الآخرين، يمكنك تعزيز فهم وتقدير أكبر لتنوّع الخبرات البشرية. وبصفتك شخصًا يتمتّع بخلفية تراثية فريدة، يمكنك تأدية دور في سدّ الفجوات بين المجموعات الثقافية المختلفة وتعزيز الحِوار والتفاهم والتعاون. 

    للثقافة العربية تراث غني في الفن والموسيقى والأدب والشعر. بواسطة الانخراط في التعبير الإبداعي، يمكنك المساهمة في النسيج الثقافي العالمي وتعزيز فهم وتقدير الثقافة العربية. ويمكن لوجهة نظرك وخبراتك الفريدة أن تساهم في التقدّم في مختلف المجالات، مثل العلوم والتكنولوجيا والتعليم والفنون.

    ومن طريق المشاركة في الحركات الاجتماعية والسياسية أو الانخراط في خدمة المجتمع، يمكنك المساعدة في مواجهة التحدّيات العالمية الملحّة والمساهمة في التغيير الإيجابي. وهناك طرق عدّة للانخراط في التعبير الإبداعي والمساهمة في النسيج الثقافي العالمي. منها مثلًا الفنون البصرية، والتأليف، والموسيقى، والرقص، والمسرح وفنّ الأداء، وصناعة الأفلام، وفنون الطهي، والحِرف والتصميم، والمشروعات الفنية المجتمعية، والتدريس والإرشاد.

    الرسم والخطّ والنحت والتصوير والفن الرقمي كلّها أشكال من التعبير البصري. يمكنك إنشاء عمل فني يظهر تراثك الثقافي أو تجاربك الشخصية أو منظورك الفريد ومشاركتها في المعارض أو المنصّات عبر الإنترنت أو الأنشطة الفنية المحلية. ويُعدّ التأليف وسيلة قوية للتعبير عن الذات ويمكن أن يتّخذ أشكالًا عدّة، مثل الشِعر أو القصص القصيرة أو الروايات أو المقالات أو التدوينات. اكتب عن مواضيع ذات مغزى بالنسبة لك، واستكشف خلفيتك التراثية، أو شارك الخبرات الشخصية للتواصل مع القرّاء وتعزيز التفاهم.

    ألّف أو أدّ أو أنتج موسيقى مستوحاة من تراثك الثقافي أو تجاربك الشخصية. يمكنك التعاون مع موسيقيّين آخرين من خلفيّات متنوّعة لإنشاء موسيقى مدمجة أو تجرِبة أنواع وأنماط مختلفة. والرقص لغة عالميّة تتجاوز الحدود الثقافية. تعلّم الرقصات التقليدية من عاداتك العربية، أو صمّم رقصاتك التي تعكس هويّتك الفريدة. واعرضها في الأنشطة الثقافية أو التجمّعات المجتمعية أو شارك عروضك على الإنترنت.

    شارك في أو أنشئ إنتاجًا مسرحيًا أو عروض كلمات منطوقة أو فنون أداء تستكشف موضوعات تتعلّق بتراثك العربي مع تجاربك الشخصية والقضايا المعاصرة. هذه طريقة ممتازة للتواصل مع مختلف الجماهير وتعزيز الحِوار. واصنع أفلامًا قصيرة أو وثائقية أو أفلامًا روائية تسرد قصصًا مستوحاة من تراثك العربي مع تجاربك ووجهات نظرك الفريدة. شارك عملك بواسطة مهرجانات الأفلام أو المنصّات عبر الإنترنت أو عروض المجتمع.

    يعدّ الطعام جانبًا أساسيًا من التراث وطريقة قوية للجمع بين الناس. شارك تراثك العربي في الطهي عن طريق طهي أطباق تقليدية، أو ابتكار أطباق مُدمجة بثقافات مختلفة، أو شارك بتعليم دروس طبخ عربي من مطبخك التراثي. 

    انخرط في الحِرف التقليدية أو المعاصرة، مثل الفخّار أو النسيج أو التطريز أو تصميم الأزياء، والتي تعكس ثقافتك العربية وإبداعك الشخصي. وتعاون مع الآخرين في مجتمعك لإنشاء تطبيقات فنّية عامة أو جداريات أو حدائق مجتمعية تحتفي بالتنوع وتعزز التبادل الثقافي. وشارك مهاراتك الإبداعية ومعارفك مع الآخرين من طريق تقديم ورشات أو دروس أو برامج إرشادية. هذه طريقة رائعة لتمكين الآخرين من استكشاف إبداعاتهم والمساهمة في النسيج الثقافي.

    أهميّة هذا الموضوع لا تقتصر على تقديم التراث العربي لأهل الثقافات المختلفة، بل إنّ مشاركة أبناء مجتمعك العربية على القيام بهذه الأنشطة يعزّر الهُوِيَّة التراثية ويدعم إحساسك بهويّتك الفردية. والهويّة الفردية والتراثية، عند الفرد العربي، أهمّ وأعلى درجة من أهميّة تعريف العالم بالتراث العربي.

    وأختم باقتباس…

    ~ عالم النفس الاجتماعي الأميركي ديڤد مايرز David G. Myers

    مراجع ومواد للتوسّع

    • الهُوِيَّة والعصر الحرج، إريك إريكسون. (1968).
    • أنا، يهوداه هاريس. (2014). يتناول مفهوم الذات وتشكيل الهُوِيَّة.
    • نظرية الهُوِيَّة: التطوّر النفسي والاجتماعي والثقافيّ، روبرت بروسفيلد وهوارد فاينبرگ. (2010).
    • قصة العرب: من قبل ظهور الإسلام إلى العصر الحاضر، جون بارتليت. (2013).
    • الثقافة المادية والتراث الثقافي، توني بنت. (2015).
    • ذاتية الذات والمجتمع، جورج هربرت ميد. منشورات الجامعة الأمريكية في القاهرة. (2000).