الوسم: مدوّنة البخاري

  • اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ولغتهم العربية ما كان لهم فضل على الحضارة الإنسانية منذ فجر الإسلام… فلنحك نقطة في بحر فضل اللّغة العربية على العالم.

    منذ فجر التاريخ وعبر آلاف السنين، اتّخذت العربية مكانةً مرموقةً بين لغات العالم، تاركةً بصمةً حضاريةً خالدةً عبر مسار الزمن. ومن ذلك حملها لنواة الأديان الأكثر انتشاراً في عالم اليوم. فمَا هي الثمار التي جنتها البشرية من رحلةٍ استمرّت 1400 سنة الأخيرة مع لغة الظاء؟

    تُعدّ اللّغة العربية حاملةً راية حضارةٍ عريقةٍ، غنيّةٍ بالعلوم والآداب والفلسفة. تابعها العصر الإسلامي الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث شهدت ازدهارًا في مختلف المجالات العلمية والفكرية. إليك بعض العلوم التي نشأت وتطورت باستخدام اللّغة العربية:

    أسهم الأطباء والعلماء بتطوّر كبير في الطبّ باللّغة العربية، بواسطة تأليف الكتب والموسوعات التي تعالج مختلف الأمراض وطرق العلاج. وبالعربية كُتب “القانون في الطبّ” و”الحاوي في الطبّ”، والذين كانا مرجعًا طبيًا لقرون في الشرق والغرب. وبقيت العربية لغة تدريس الطب في أوروپا مثلاً لأكثر من خمس قرون.

    وبالعربية انفصلت الكيمياء كعلم عن الخيمياء مع العلماء العرب مثل جابر بن حيان، الذي يعدّ “أبو الكيمياء”. وأدخل العلماء العرب مفاهيم مثل التقطير والتبلور والتصعيد.

    بالعربية نما علم الصيدلة كعلم منفصل عن الطب، حيث قام العلماء بتصنيف الأدوية وتحضير الوصفات الصيدلانية ووضع معايير للجودة. الزهراوي، الذي ألف كتاب “التصريف لمن عجز عن التأليف”، يعدّ من الروّاد في هذا المجال، وقد أسهم كتابه في تطور الجراحة والصيدلة. فهو أبو الصيدلية.

    بالعربية ازدهر علم الفلك في العالم، حيث قام العلماء ببناء المراصد وتطوير الأدوات الفلكية مثل الأسطرلاب. كانوا يدرسون حركة الكواكب والنجوم وألّفوا الزيجات الفلكية التي تحتوي على جداول معقّدة لحركات الأجرام السماوية. البتّاني مثلاً هو أبو علم الفلك المعاصر.

    في الرياضيات. نجد البغدادي الخوارزمي، الذي يُعدّ أحد أعظم الرياضيّين، أسهم في تأسيس الجبر والخوارزميّات، وأدخل نظام الأرقام العربية، الذي يعتمد على النظام العددي وأصبح أساس النظام العددي المستخدم اليوم في كل أرجاء العالم.

    بالعربية ألّف الجزري كتابه “كتاب في معرفة الحيل الهندسية” والذي ضمّ تصاميم لأجهزة ميكانيكية متطورة مثل الساعات المائية. وكان له فضل اختراع المحرّك المعاصر وعلبة المحرّكات (التروس) والبسطون (المكبس).

    بالعربية تأسّس علم البصريّات وعلم المناظير. ابن الهيثم البصري، مؤلف “كتاب البصريات” و”كتاب المناظر”، قدم نظريات هامة حول كيفية عمل العين وكيف يتم تشكيل الرؤية. واخترع القُمرة (الكميرا).

    ابن العوام وأبو زكريا القسطلاني كتبوا كتبًا هامة في الزراعة، تضمّنت وصفًا لطرق الزراعة، وتحسين التربة، وتقنيات الري، وتصنيف النباتات. كتاب ابن العوام “الفلاحة الأندلسية” يعتبر مرجعًا مهمًّا في هذا العلم، ويقوم عليه علم الزراعة الحديث.

    الفارابي وابن مسكويه من الفلاسفة الذين بحثوا في الأخلاق والقانون، مقدّمين أفكارًا حول العدالة والحكم الرشيد والسلوك الأخلاقي. وعلومهم التي قدّموها باللّغة العربية صارت أساساً لفلسفة الأخلاق في علوم غرب أوروپا الحديثة.

    هذه العلوم تطورت في بيئة ثقافية غنية ومتفاعلة، حيث كانت اللّغة العربية هي وسيلة تدوين المعرفة ونقلها. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذه الفترة هو ابتكار نظام التعليم النظامي لتدريس اللّغة العربية والفقه، ولم يزل هذا النظام قائماً مستخدماً في أنحاء العالم المختلفة إلى اليوم.

    اليوم تُعدّ اللّغة العربية لغةً رسميةً لأكثر من 25 دولة، ومعترف بها كلغة أقلّية في أكثر من 40 دولة غيرها، منها الولايات المتحدة الأميركية. ويتحدّثها أكثر من نصف مليار شخص حول العالم.  وتؤدّي دورًا هامًا في التواصل بين الشعوب العربية، ونشر المعرفة والثقافة. كما تُعدّ لغةً دينيةً للقرآن الكريم، ما يمنحها مكانةً مقدسةً لدى المسلمين.

    السؤال الأهم، هو طوال 1400 سنة، ماذا قدّم كارهوا اللّغة العربية اللاعربيّين منكري الحضارة العربية؟

    مراجع

    1. الرصافي، مصطفى صادق. “من تاريخ الحضارة العربية.”
    2. حسين، محمد كامل. “تاريخ الفكر الإسلامي.”
    3. رصا، رجاء نعمة. “اللغة العربية وآدابها في العصر الإسلامي.”
    4. السيد، رشدي. “فجر العلم في الحضارة الإسلامية.”
    5. رضا، محمد عبد الحليم. “العلوم عند العرب.”
    6. الخوارزمي، محمد بن موسى. “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة.”
    7. ابن النديم، محمد بن إسحاق. “الفهرست.”
    8. ابن سينا. “القانون في الطب.”
    9. جابر بن حيان. “كتاب الكيمياء.”
    10. البتاني، عبد الرحمن بن عمر. “الزيج الصابي.”
    11. ابن الهيثم، حسن بن الهيثم. “كتاب المناظر.”
    12. الجزري، بديع الزمان أبو العز. “كتاب في معرفة الحيل الهندسية.”
    13. ابن العوام، أبو زكريا يحيى. “كتاب الفلاحة الأندلسية.”
    14. ابن رشد، أبو الوليد. “تهافت التهافت.”
    15. الفارابي، أبو نصر. “آراء أهل المدينة الفاضلة.”
    16. ابن مسكويه، أحمد بن محمد. “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.”
  • يجب أن يتوقّف نشر خرافة قوميّة الأكاديّين

    يجب أن يتوقّف نشر خرافة قوميّة الأكاديّين

    من الخرافات التي دأب عليها مستشرقي الحِقْبَة الاستعمارية؛ اختراع أمّم وقوميّات بناء على أسماء عواصم دولهم… ولو تمكّن لهم اليوم لتحدّثوا مثلاً في القوميّة القاهرية بدل المصرية، والقومية البغدادية، والقومية السُّعُودية! المهم عندهم ألّا يقال: شعوب عربية.

    هذه الأكذوبة هي خرافة اللّغة الأكادية والحضارة الأكادية والأمّة الأكادية… والمكذوب على لسانه فيها هو عالم الأشّوريّات القدير إگناس گلِب Ignace Gelb. الذي برهن، ومن لحظة اكتشافه الأوّل للعاصمة أگَّدة (أقَّدة) أنّ اسم المدينة منسوب إلى اسم أسلاف العرب القدرو، وأنّ معنى اسم القدرو الأصلي هو البنّائين والمنظِّمين.

    بعد هذا الاكتشاف، كُذب على لسانه، واخترعت القوميّة الأگّديّة، دون أيّ اعتبار إلى أنّ أگَّد كان مجرّد اسم دولة منسوب إلى اسم عاصمتها، إحدى دول شعب المنطقة العربية.

    في النقوش العراقية استخدمت النصوص الأگّدية كلمة أگَّدة، وهي مشابهة للكلمة السومرية أقاد 𒀝 التي تعني “بناء” أو “تنظيم” أو “تشييد” أو “توجيه”.

    كذلك الكلمة الأگّدية أگّيدُ (أكيدو) 𒀕𒅖𒋾𒄿 ومعناها “باني”، وهي مرتبطة أيضاً بكلمة أگَّد ومطابقة للكلمة السومريّة أقّيدُ بنفس المعنى، باستبدال حرف ق بحرف گ.

    اسم أگَّدة مشتقّ في الأساس من اسم شعب القِدرو (گِدْرُ) 𒆕𒉈𒇓 (جِدرو)، وهم قبيلة سومريّة كانت تعيش في منطقة أگَّد، سجّلت مسماريّات أُرُگ (أوروك) تسميتهم بصيغة أُگِّد (أُقِّد) 𒀠𒆗𒀖.

    عدد من علماء الآثار شاركوا گلِب نظريّته ودافعوا عن الصلة بين قوم گِدرُ (قِدرو) والعرب. ومن هؤلاء العلماء متخصّص الأشّوريّات نيقولاس پوستگيٓت والآثارية جوان أوتس، الذين يرون أنّ قوم گِدرُ كانوا مجموعة إثنيّة مميّزة منحدرة عن السومريّين وسلف للعرب.

    عُرف عن قوم الگِدرُ مهارتهم في البناء والهندسة، ويُنسب إليهم بناء مدينة أگَّدة التي كانت عاصمة الإمبراطورية الأگّديّة. وهذا يشير إلى أنّهم كانوا شعباً متقدّماً تقنيّاً وذا ثقافة راقية. ويرى پوستگيٓت أنّ لغة قوم گِدرُ مرتبطة باللّغة العربية ولهجاتها. وعليه، فالتاريخ واضح في أنّ عرب اليوم هم نسل حضارات أگّد وسومر.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {الأگّديّين: أسلافنا القِدرو} مع مراجعها على مدوّنة البخاري من هنا

  • قصّة قبيلة جيس العربية

    قصّة قبيلة جيس العربية

    واحدة من القصص التي تغيظ العربفوبيّين وبني اللاعربيّة هي قصّة قبيلة جيس العربية، لأنّ الجيس إحدى أنسال الفنيقيّين الباقية إلى اليوم، ولا يقدر أحد على إنكار عروبتها، ولا يسمح الجيس لتافه أن يقول فيهم أنّهم مستعربين… وأوّل ردود اللاعربيّين على هذه القصة تكون دوماً بنفي عروبة تاريخ الجيس.

    قبيلة جيس هم جَمجمة من جماجم العرب، أي من ساداتهم. ويُعتقد أنّ عرب الجيس هم رؤساء القيسيّين ما بعد الإسلام، إذ أنّ حلف الجيس هو أمراء أغلب دول القيسيّين. وعلى خلاف ما يُعتقد، أنّ نشاط قبائل الجيس كان في خلاء شبه الجزيرة العربية فقط، ما قبل الإسلام. فإنّ من أصول وأفرع الجيس ملوك مملكة حِمْصَ. أكبر وأهمّ الممالك الدينية في العهد الروماني.

    في القرن ١٠ ق.م. خسر عبدة مي (الشمس) معبدهم المقدّس في مدينة الرقّة التي فيها معبد داگون المقدّس، وانتقلت القداسة من بعدها إلى مدينة حِمْصَ في سوريَا. وانتقل إليها حجّ الفنيقيّون من كلّ أنحاء البحر المتوسط. وفي حِمْصَ، نشأت في القرن الثالث قبل الميلاد مملكة إميسان الغربية (مملكة إميسه) المقدّسة برئاسة الفيلسوف يمليكو 𐡉𐡌𐡋𐡊𐡅 (توفّى 245 ق.م) وانتشر مذهبه الفلسفي في كلّ أرجاء المملكة السلوقيّة وبين العديد من القبائل الإغريقيّة والفرنجيّة والتركيّة في البلقان. وانتشرت فلسفة يمليكو داعياً إلى عبادة إله الجبل 𐡁𐡋𐡄𐡀𐡂𐡀𐡋 والحجر الأسود المقدّس الذي أرسله إله الجبل من السماء، ثمّ أودعه العرب في معبد إله الجبل المقدّس في مدينة حِمْصَ مزيّنا بشكل الشمس.

    أبناء شمس إگِرَم 𐡔𐡌𐡔𐡂𐡓𐡌 (شمسيغرام) هؤلاء كانوا من الجيس، سمّاهم العرب بالجيسيّين والجسياسيّين والجسّاسين والغسياسيّين والغسّاسين والغسيانيّين والغسّان. إحدى ملوكهم يمليكو الأوّل 𐡉𐡌𐡋𐡊𐡅 (حفيد يمليكو الفيلسوف، وتوفّى 31 ق.م) حمل لقب “فيلارخ العرب” أي بابا العرب المقدّس. هؤلاء الجيس سمّاهم الرومان الگَيُس Gaius وسمّاهم الإغريق غايوس أو گايُّس Γάϊος وكذلك قايّوس Κᾱ́ῐ̈ος و قَيس Κάης تحوير بصيغة نسبة عن الكلمة العربية القديمة قيّن التي تعني في الإغريقيّة والسلاڤيّة والتركيّة القديمة: ملك.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {قبيلة جيس العربية، إحدى أنسال الفنيقيّين الباقية إلى اليوم} على مدوّنة البخاري من هنا

    الخارطة هي خارطة فنيقيا في القرنين الثاني والثالث، رسمتها وفقاً لكتابات القدّيس هپّوليتُس (هيبوليتوس الرومي)، وهي ذاتها مملكة حمص، إميسان الغربية، إميسه، التي تحالفت مع الرومان ثمّ صارت بعدها جزء من الإمبراطورية.

  • قصّة مبخرة دمشقية سحرية وتزوير فرنسي

    قصّة مبخرة دمشقية سحرية وتزوير فرنسي

    إنكار الحضارة العربية هو كإنكار كُرَوِيّة كوكب الأرض… فإليك قصّة مبخرة دمشقية سحرية وتزوير فرنسي

    استمتع معي بالنظر إلى جمال هذه التحفة العربية من القرن 13 والتي في صنعتها بَذْرَة تقنيّة تخدم اليوم روّاد الفضاء، ولا تخلو مركبة طائرة منها.

    هذه مبخرة نحاسيّة صنعها صنّاع دمشقيّون في القرن 13، وتُظهر القدرة العربية على إبداع أفكار مبتكرة في الهندسة الميكانيكية. وتتميّز بآليّة معقّدة تسمح للفحم المشتعل بالبقاء مستقرّاً حتى ولو تأرجحت أو سقطت الكرة. وتعتمد هذه التقنية على نظام “الجُنْبُل”، الذي اختُرع على يد العرب في القرن التاسع واستُخدم بعدها في الملاحة البحرية.

    المبخرة صُنعت لخيمة الملك المملوكي قُطُز، وربّما كان الغرض منها إشعال البَخُور لتحقيق جوّ من الطُمَأنينة والراحة. وعلى الرغم من إبداع العلماء العرب في تطوير تقنية “الجُنْبُل”، إلّا أنّ بعض الأوروپيين، نسبوا هذا الاختراع خطأ لعلماء بيزنطيّين. مستندين إلى تزوير كذّاب ومزوّر فرنسي من القرن 13 اسمه {ڤيار دو أونكور}.

    وباعتقادي، يجب أن تخرج هذه التحفة إلى العلن، لأنّها أحد الأدلّة العلمية على سبق العرب في اختراع الجُنْبُل وفضلهم على هذه التقنية العظيمة. وتبقى هذه المبخرة العجيبة شاهدًا حيًّا على الإبداع العربي الذي أثرى تاريخ العلوم والتقنية.

    للمزيد من التفاصيل والمراجع اقرأ تدوينتي {حكاية مبخرة دمشقية سحرية وتزوير فرنسي} على مدوّنة البخاري من هنا

  • نسر العرب

    نسر العرب

    على أهل فكرة اللاعربيّة الخجل والاستحياء عند التكلّم بذمّ في العرب لإنكار الحضارة العربية.

    النسر، الذي تتغنّى به أغلب الرموز السياسيّة اليوم، على أنّه تراث روماني أو إغريقي، هو في الواقع من التراث العربي… لم يعرف التاريخ بلداً عربياً قديماً لم يتّخذ من النسر رمزاً له، قبل الإغريق وقبل الرومان، ومن عصر المورو. حتّى أنّ المدن العربية كانت تضع رمز النسر على مداخلها بديلاً عن اسم الهُوِيَّة العربية.

    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.
    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.

    الصورة هنا من القرن الأوّل، نحت نبطي لنسر يحمل البرق تحت مخالبه، كان النسر رمز شائع مرتبط بالإله العربي الأعلى دُسارة أو دوشرع (ذو الشرى)، وتركت العرب الدواسر له منحوتات على نطاق واسع في مقابر الحجر في البتراء بصفة مصدر للحماية الإلهية ضدّ اللصوص وتجده في كلّ مكان إن جلت حوران أو الأرْدُنّ أو فلسطين أو السُّعُودية، وكذلك في العديد من المدن المهجورة في الجزيرة العربية.

    وذو الشرى هو ابن عشتار، استمرّت عبادته عند بعض العرب من العهد السومري حتّى العهد المسيحي، وبأسماء مختلفة. وفي آخر عهوده العربية عُرف عبدته باسم الدوسريّين، وكان منهم والد الإمبراطور الروماني فيليپ العرب. حتّى يكاد علم الآثار أن يقول أنّ الديانة المسيحيّة التي حاول فيليپ تحويل روما إليها هي في الواقع ديانة ذو الشرى نفسها.

    {ذو الشرى} 𐢇𐢎𐢕𐢏𐢄𐢇 هو اسمه المعيني اليماني، أمّا اسمه النبطي فكان {دوشرع} 𐢅𐢈𐢝𐢛𐢀، وفي بعض اللّهجات اليمانية كذلك {ذو سراة} و {دوسرات} ومنه اسم جبال السرات والسروات الممتدّة اليوم في المملكة السُّعُودية واليمن، وعلى أعلى قممها تتربّع مدينة المحجّ القديمة لذو الشرى: مدينة القليس؛ صنعاء.

    اسمه السومري هو {شره} 𒀭𒁈 (شرع، ساره) وهو ابن {إننّة} العذراء؛ التي عُرفت ومنذ العصر البابلي باسم عشتار، بتشكيلاته المختلفة. وكان شره هو القمح وهو الشعير وهو واهب الخير والحبوب، ومن جسده أكلت الناس خبزاً كافياً كلّ يوم (خبز الشعير) ومن دمه شربت الناس خمراً شافياً كلّ يوم (البيرة ولاحقاً نبيذ العنب).

    قدّست العرب النسر والطير منذ العهد الموري الأوّل، عهد المورو (الأمو، الأموريّين) الذين كانوا إذا مات منهم أحد، رفعوا جسده إلى أعلى قمم الجبال لتأكلها النسور، وظنّوا هكذا أنّ الخالق يستعيد الجسد المَيِّت فترفعه إليه النسور. وعليه عدّوا أن النسر المحلّق هو عين اللّه ترقب الناس من العُلا، فهو الرقيب من يخبر اللّه عن العصاة كي ينولوا العقاب. وهو العتيد من يحمل البرق كي يضرب به المفسدين في الأرض. وهو الرسول من يحمل شرع اللّه إلى أهل الأرض فتنتظم حياتهم.

    يعود استعمال النسر كرمز سياسي بين العرب إلى أكثر من خمس آلاف سنة، طالمَا أنّه كان بالأساس رمزاً دينياً وإلى زمن يعود عمقاً إلى ثماني آلاف سنة على الأقل.

    كامل التدوينة مع المراجع على مدوّنة البخاري من هنا

  • العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة

    العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة

    العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة هي مصطلحات تُستخدم لوصف أنواع مختلفة من التحيّز والمواقف تجاه العرب والثقافة العربية. إليك تعريف كلّ منها:

     العربفوبيا Arabophobia 

    ومعناها الحرفي: اضطراب رُهاب العرب

    العربفوبيا هي مصطلح يُستخدم لوصف الخوف، والكراهيَة، أو التحيّز ضدّ العرب. يمكن أن يشمل هذا: الخوف أو الكراهيَة للّغة العربيّة، أو الثقافة العربيّة، أو الأديان السائدة في الدول العربيّة مثل الإسلام. العربفوبيا واحدة من أشكال ذُهان العنصريّة والتمييز الذي يمكن أن يؤدّي إلى سوء التفاهم، والإقصاء الاجتماعي، وأحيانا العنف ضدّ الأفراد العرب، سواء البدني أو اللّفظي.

    كثيراً ما تتطوّر أعراض العربفوبيا إلى الإسلامفوبيا، من باب أن العربي لا يقدر على إنتاج ديانة راقية.

     الشعوبيّة Shu’ubiyya

    الشعوبية كانت في الأصل حركة ثقافيّة وسياسيّة داخل الإسلام، دعت إلى القوميّة؛ أي رفض مفهوم الأمّة الإسلاميّة وتفضيل الهويّات الشعوبيّة على الهُوِيَّة الدينيّة. لكن، حين رأت هذه الحركة ارتباط الإسلام بسمات الهُوِيَّة العربيّة، تحوّلت إلى حركة لانتقاد العروبة نفسها وتفضيل العجم على العرب، وتشجيع الفصل بين الإسلام وسمات العروبة، وتحقير العرب.

     اللاعربيّة Anti-Arabism

    اللاعربيّة كما اللاساميّة هي موقف أو إيديولوجيّة تتضمّن التحيّز ضدّ العرب وثقافتهم وتاريخهم. هذا يشمل إنكار إنجازات الحضارة العربيّة وتقليل شأن دور العرب في التاريخ العالمي والمساهمات الثقافيّة. واللاعربيّة يمكن أن تتّخذ أشكالاً متعدّدة من التمييز، بما في ذلك التمييز العنصري والثقافي والديني ضدّ الأشخاص الذين ينتمون إلى الهويّة العربيّة أو يعبّرون عن الثقافة العربيّة.

    تتجلّى اللاعربيّة في العديد من السياقات، مثل الإعلام والسياسة والتعليم والممارسات الاجتماعيّة، حيث يُصوّر العرب بطريقة سلبيّة، وإنكار دورهم التاريخي والحالي في الحضارة الإنسانيّة.

    مقارنة مع العربفوبيا والشعوبية

    العربفوبيا تشير إلى الخوف غير المنطقي والكراهيّة أو التحيّز ضدّ العرب، وقد تتداخل مع اللاعربيّة ولكنّها تركّز أكثر على الخوف والنفور العاطفي.

    الشعوبيّة في الاستخدام الحديث، تشير إلى تفضيل الهويّات القوميّة الأخرى على حساب الهُوِيَّة العربيّة، سواء داخل المجتمعات العربيّة أو خارجها. وهي هكذا جزء من العربفوبيا.

    إنّ اللاعربية كإيديولوجية إنكاريّة تؤدّي إلى تشويه صورة العرب والتقليل من شأن مساهماتهم الثقافية والحضارية، ممّا يساهم في تغذية الصور النمطية السلبية والتمييز ضدّهم. وما يسق إليها هو اضطراب العربفوبيا.

  • حضارة أوسان

    حضارة أوسان

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ألم يسمعوا بحضارة أوسان؟

    حضارة أوسان (ملكه أوسه‌ن 𐩣𐩤𐩨𐩥𐩫𐩬𐩣 𐩱𐩠𐩣𐩲𐩵𐩷𐩣) في اليمن وشرق أفريقيا هي واحدة من أهمّ الحضارات العربية القديمة، وتركت إرثاً حضارياً غنيّاً يمتدّ إلى يومنا هذا. إذ ازدهرت حضارة أوسان في الحِقْبَة بين القرن ٨ ق.م والقرن الأول ميلادية. وكانت عاصمتها مدينة مسورة ثم هجر يهر، التي تقع في محافظة شبوة جَنُوب اليمن. وتميزت حضارة أوسان بمهاراتها المعمارية والزراعية المتطوّرة، حيث كانت تبني مدناً وحصوناً ضخمة، وتستخدم تقنيّات متقدّمة في الزراعة.

    كما سيطرت حضارة أوسان على طرق التجارة البحرية بين الهند واليمن وشرق أفريقيا، وكانت تؤدّي دوراً مهمّاً في التجارة بين هذه المناطق. وأسّست حضارة أوسان مستعمرات ومراكز تجارية على سواحل القرن الأفريقي، لذلك سُمّيت سواحل شرق أفريقيا في تلك الحِقْبَة بالساحل الأوساني نسبة إلى حضارة أوسان. حتّى أنّ بحر العرب كلّه حمل اسم بحر أوسان لمدّة ستّ قرون! وبعد تدمير السبئيّين لمملكة أوسان، نزح أغلب سكّانها وملوكها وتابعوا حياة أملاكهم في “الساحل الأوساني” شرق أفريقيا وفي الحبشة وغرب الهند، حيث استمرّت اللّغة الأوسانية وتطوّرت إلى لغات غيرها.

    تعدّ حضارة أوسان شاهداً آخر على عمق التاريخ الحضاري العربي وتفوّقه في مجالات متعدّدة. وما هي سلطنة كِلوة الإسلامية إلّا امتداد لحضارة أوسان وتراثها. إذ اشتهرت حضارة أوسان بمهاراتها المعمارية المتطورة، حيث كانت تبني مدناً وحصوناً ضخمة. وعُثر على العديد من الأبنية الأثرية التي تعود إلى حضارة أوسان، والتي تتميّز بتصميمها الفريد ودقّة بنائها. كذلك تميّزت حضارة أوسان بمهاراتها الزراعية المتطوّرة، حيث كانت تمارس الزراعة على نطاق واسع. واستخدمت حضارة أوسان تقنيّات متقدّمة في الزراعة، مثل الري والاستخدام المكثّف للأسمدة. كما لعبت حضارة أوسان دوراً مهمّاً في التجارة بين الهند واليمن وشرق أفريقيا وأوروپا. وأسّست مستعمرات عربية ومراكز تجارية على سواحل القرن الأفريقي، ممّا ساعد على ازدهار التجارة بين هذه المناطق.

    تركت حضارة أوسان إرثاً حضارياً غنيّاً يمتدّ إلى يومنا هذا. كما تركت حضارة أوسان آثاراً عميقة على مناطق سلطنة كلوة السابقة (كينيا وتنزانيا وموزامبيق ومدغشقر)، وذلك لعدّة أسباب، منها القرب الجغرافي، والتواصل التجاري، والهجرة. كذلك هاجر العديد من العرب من حضارة أوسان إلى شرق أفريقيا، بما في ذلك، المنطقة التي صارت لاحقاً سلطنة كِلوة، ثم منطقة اللّغة السواحلية.

    الخريطة للمناطق التي ثبتت تبعيّتها لحضارة أوسان، سواء على المستوى السياسي أو التجاري، ونرى أنّها سيطرت على مناطق حساسة من المضائق البحرية، من تركيا وقبرص حتى سيناء والقلزم، بالإضافة إلى مداخل الخليج العربي. كامل الساحل الشرقي لأفريقيا ومعظم الساحل الغربي للهند. وقسم كبير من الحبشة (إرتريا وإثيوپيا).

    للمزيد اقرأ تدوينتي {سلطنة كِلوة} على مدونة البخاري من هنا

  • لماذا لم تنشأ الحضارة الإسلامية في السُّعُودية وقطر والإمارات كما في بلاد الروم والفرس؟ نظرة تاريخية

    لماذا لم تنشأ الحضارة الإسلامية في السُّعُودية وقطر والإمارات كما في بلاد الروم والفرس؟ نظرة تاريخية

    أمسِ تحدّتني واحدة من العربفوبيّات لأستجمع شجاعتي وأجيبها عن سؤال غريب. ومع أنّني استغرب عَلاقة الموضوع بالشجاعة، غير أنّني أحبّ تقديم إجابة. 

    كان سؤالها “ليش الحضارة الإسلامية صارت في دول الروم والفرس وما صارت في السُّعُودية وقطر والإمارات؟” وبصراحة، لم أفهم في سؤالها ماذا تقصد بدول الروم والفرس. فأهمّ مراكز الحضارة الإسلامية في عصر الإسلام الذهبي لم تكن في دول للروم أو للفرس، إنّما كانت (على ترتيب النشاط): بغداد، دمشق، القاهرة، الرقّة، قرطبة، بخارى، سمرقند، الري، مكّة المكرّمة، المدينة المنوّرة، بيت المقدس، فاس، الرباط، مُرسيّة، تونس، طرابلس (الغرب)، المُكلّا، الغيضة، عتق، شبوة، عدن، زبيد، تعز، صنعاء… والمملكة الرسوليّة بالعموم كانت دولة علماء، أطبّاء وفلكيّين، حكموا المملكة ملوكاً وعلماء، وهذه ليست للفرس ولا للروم.

    من جهة ثانية، لم أفهم تماماً سبب تحديدها “السُّعُودية وقطر والإمارات” في سؤالها. لربّما جهلها بالتاريخ يدفعها للظنّ ألّا بلاد لغير “الروم والفرس” في هذا العالم سوى هذه البلدان الثلاث. وهذا طبيعي حين تكون من بنات العربفوبيا. مع ذلك، هذه إجابة على سؤالها، دون زيادة، عسى أن ترضيها وترضي جمع العربفوبيّين واللاعربيّين كذلك.

    وأحبّ أن أذكر هنا، أنّ إقناع العربفوبيّين واللاعربيّين لا يهمّني فعلاً، فهؤلاء عقدوا العزم على كراهة العرب ومعاداة العرب وجعلوا ديدنهم نكران الحضارة العربية ونفي عروبة شعوب العرب، لمحو التاريخ العربي تمهيداً لمحو الهُوِيَّة العربية بالمطلق من هذا العالم. وهذا ما يهمّني فعلاً، يهمّني أن يحافظ أبناءنا وبناتنا في نفوسهم على هويّة عربية صحيحة وسليمة من خرافات وسموم العربفوبيّين واللاعربيّين هؤلاء.

    عربفوبي
    عربفوبي

    للأسف، التوثيق التاريخي للإنجازات العلمية في المناطق التي تشمل اليوم السُّعُودية وقطر والإمارات محدود بالمقارنة مع بعض المراكز العلمية الأخرى في العالم الإسلامي مثل بغداد، القاهرة، تعز، وقرطبة خلال العصور الذهبية. ببساطة، لأنّها لم تكن مراكز قيادات سياسية على صعيد دُوَليّ. ومع ذلك، سأحاول تقديم معلومات أكثر تحديداً حول المنجزات العلمية في هذه المناطق:

    لنبدأ مع السُّعُودية: مع أنّ معظم الإنجازات العلمية التي نسبت إلى الحضارة الإسلامية لم تكن منسوبة مباشرة إلى منطقة قلب الجزيرة العربية، إلا أن هناك بعض الجوانب التي يمكن الإشارة إليها في علم الفلك والتقويم، ففي السُّعُودية الحالية، ولا سيما في مكّة والمدينة، كان هناك اهتمام بتحديد الأوقات الدقيقة للصلاة ومواقع النجوم والأهلة، الأمر الذي كان له بالغ الأهمية في تحديد الأشهر الهجرية ومواسم الحج. لهذا نشأت أكاديميّات فلكية ذات مراصد مهمّة، درست الفلك وأخرجت فلكيّين مهمّين، كانت لهم الكلمة العلمية في عموم العالم الإسلامية.

    رسم تخيّلي رمزي للفلكيّين في الحجاز في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي رمزي للفلكيّين في الحجاز في القرون الوسطى

    منطقة قطر كان لها تاريخ طويل في الملاحة البحرية، فتطوير تقنيات الملاحة البحرية وأساليب صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ. كان القطريّون يعتمدون على المعرفة العميقة بالتيارات البحرية والنجوم للإبحار والعودة إلى سواحلهم. ويعتمد العالم على خبرائهم لتطوير هذه العلوم. بالإضافة إلى صناعة السفن، إذ أنّ تطوير تقنيات بناء السفن الخشبية التي كانت تستخدم في الإبحار والتجارة، وهذا يشمل معرفة بالهندسة البحرية وتصميم السفن. وكانت في قطر والإمارات أكاديميّات مهمّة للهندسة البحرية بقيت حتى عهد استيلاء بريطانيا على الخليج العربية في القرن ١٩. وفي القرون الوسطى كانت الساحل الغربي للخليج العربية هو المصدر الأوّل للسفن في كل بلاد العالم.

    رسم تخيّلي رمزي لصناعة السفن في قطر في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي رمزي لصناعة السفن في قطر في القرون الوسطى

    الإمارات، وخاصّة منطقة العين، كانت معروفة بنظام الري التقليدي: نظام الأفلاج: وهو نظام معقّد لتوزيع المياه يتألّف من قنوات تحت الأرض تنقل المياه من الآبار إلى المناطق الزراعية. هذا النظام يظهر معرفة متقدمة بالهيدرولوجيا وإدارة الموارد المائية. فضلاً على ذلك، يجدر الذكر أنّ البيئة الصحراوية والساحلية في الإمارات طورت معرفة خاصة في العديد من المجالات، مثل المعمار والبناء كتطوير تقنيات البناء المناسبة للظروف الصحراوية، مثل تقنيات التبريد الطبيعي واستخدام مواد البناء المحلية. وفي الزراعة والرعي كان تطوير أساليب زراعية معينة للتكيف مع البيئة القاحلة، مثل استخدام نظم الري المحورية وأساليب الزراعة الموسمية.

    رسم تخيّلي لمنطقة العين في الإمارات العربية المتحدة في القرون الوسطى
    رسم تخيّلي لمنطقة العين في الإمارات العربية المتحدة في القرون الوسطى

    من الجدير بالذكر أنه في السنوات الأخيرة، تمّ الاهتمام بشكل متزايد في تلك المناطق بالحفاظ على التراث وتوثيق الإنجازات التاريخية. وقد شمل هذا إعادة بناء وصيانة الأفلاج والآثار التاريخية الأخرى، وكذلك دراسة التقاليد البحرية والصحراوية والأساليب التقليدية في الملاحة والزراعة والبناء.

    مع الرغم من أن هذه المناطق لم تكن مراكز علمية بارزة في العصور الوسطى بالمقارنة مع بعض المناطق الأخرى في العالم الإسلامي، إلا أنها كانت لها إسهامات مهمّة في مجالات مثل الملاحة البحرية وإدارة الموارد المائية والزراعة والبناء، والتي كانت تظهر التكيف مع البيئة المحلية والمعرفة العملية المتوارثة.

    بكلّ حال، يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأن العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ثم، على نهج غرب الأوروپيين، يبارزونك بدليل من خيالهم أن جزيرة العرب صحراء خالية من الحضارات القديمة.

    لو افترضنا، كما يريدون، أنّ بلاد العرب تقتصر على جزيرة العرب فقط. ولو تساهلنا وقلنا أن ّجزيرة العرب لا تشمل العراق والشام، فنحن نمسك بأرض تعاقبت عليها الحضارات منذ القِدم. حضارات تركت بصماتها الواضحة على التاريخ والتراث العربي والإنساني. مثل حضارات سبأ ومعين وحضرموت والقتبان ودلمون ومگان والأنباط والدادان وغيرهم الكثير.

    رسم تخيّلي رمزي لمعالم الحضارة العربية قبل الإسلام في منطقة جَنُوب جزيرة العرب
    رسم تخيّلي رمزي لمعالم الحضارة العربية قبل الإسلام في منطقة جَنُوب جزيرة العرب

    حضارة سبأ اشتهرت بالزراعة المتقدّمة والتجارة، واشتهرت كذلك بتقدّمها ببناء السدود، ومن أشهرها سد مأرب، الذي كان يُعد من أعظم السدود في العالم القديم.

    حضارة معين اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن واخترعت بعضها، واشتهرت كذلك بصناعة الفَخَّار المزخرف.

    حضارة حضرموت اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الأختام. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط سواحل بحر العرب جميعاً، من الهند إلى الصومال إلى جَنُوب أفريقيا.

    حضارة دلمون اشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك بصناعة الحلي والمجوهرات. وامتدّت شبكتها التجارية البحرية تربط جَنُوب شرق آسيا بالخليج العربي.

    حضارة الأنباط ورثت حضارة دادان والپونت واشتهرت بالتجارة وصناعة المعادن، واشتهرت كذلك ببناء المدن المحفورة في الصخر. من الحجاز إلى تركيا المعاصرة.

    حضارة مگان أعظم حضارات الخليج العربي. نقلت العالم إلى العصر النحاسي، واشتهرت بصناعة المعادن والتجارة البحرية، وابتكرت العديد من أنواع السفن. وامتلكت أعظم شبكة نقل بحري في العالم القديم.

    تميزت هذه الحضارات بتقدّمها الحضاري في مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة والتجارة والصناعات والعمارة والفنون. وتعدّ هذه الحضارات القديمة جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وتراث شبه الجزيرة العربية، حيث ساهمت في تشكيل الهُوِيَّة العربية وإثراء الثقافة العربية.

    تتمثّل أبرز منجزات الحضارات القديمة في شبه الجزيرة العربية في ابتكارات الزراعة والتجارة والصناعة والعمارة والفنون.

    ساهمت هذه الحضارات في تطوير الزراعة في العالم، حيث طورت أساليب الري الحديثة، وتقنيّات تخزين الماء. وزرعت المحاصيل المختلفة، مثل القمح والشعير والتمر. وهي محاصيل لم يعرفها العالم قبلهم.

    كانت هذه الحضارات العربية من أهمّ مراكز التجارة في العالم القديم، حيث ربطت بين الحضارات الأخرى في آسيا وأفريقيا وأوروپا. وابتكرت أنظمة النقد الدولي ومبادئ التجارة الدولية.

    ازدهرت الصناعات المختلفة في هذه الحضارات، مثل صناعة المعادن وصناعة الفَخَّار وصناعة الحلي والمجوهرات. وابتكرت أصناف جديدة من المعادن. أهمّها النحاس والبرونز والفولاذ.

    تميّزت هذه الحضارات بعمارتها الرائعة، حيث شيّدت المعابد والقصور والمدن المحفورة في الصخر. وازدهرت الفنون المختلفة في هذه الحضارات، مثل الفنون التشكيلية والفنون الأدبية والموسيقى.

  • حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    حين تتحوّل العقائد إلى قوميّات

    لمّا أخذ القشتاليّون إشبيلية عدّوا أنفسهم يحرّرون “بلادهم” من الحكم المغربي، بناء على الدعاية التي نشرتها البابويّة الرومانيّة، التي أطلقت صفة {حرب الاسترداد} على حروب الإبادة الجماعيّة لغير الكاثوليك في إبيريا. المسألة بالنسبة لهم ما كانت تحرير إبيريا من المسلمين، إنّما كانت بشكل أكثر خصوصيّة، تحرير الأندلس من المغاربة. لأنّ الأندلس وحتّى ذلك التاريخ كانت تحت سلطة دولة تعصمها مدينة مراكش في المغرب الموحّديّة.

    أي أنّ القشتالي لم ينظر إلى غير الكاثوليكي على أنّه مواطن أندلسي، إنّما غسلت الپروپاگندا الرومانيّة دماغه حتّى اقتنع أن اليهوديّ والمسلم والأريوسي والكاثاري (وغيرهم) مستوطن من بقايا الاحتلال المغربي، وعليه الرحيل إلى المغرب. أي أنّ الفترة السابقة لحكم المغاربة للأندلس كانت ممسوحة تماماً من ذاكرة القشتالي لا يوجد فيها غير أساطير مذابح المغاربة في حقّ الكاثوليك.

    كانت إشبيلية في القرن 13 أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصوناً، وأكثرها سكاناً، ومركزاً لحكومة دولة مراكش الموحّديّة في الأندلس. وتوالت عليها حكومات متعدّدة؛ فتارّة تحت طاعة الموحّدين، وتارة أخرى تخلع طاعتهم، إلى أن ألقت بمقاليدها عن رضى واختيار إلى دولة قشتالة المسيحيّة، بسقوط دولة الموحّدين في المغرب ونشوء دولة المرينيّين سنة 1244.

    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius
    خارطة لمملكة الأندلس (إشبيلية) من القرن 17 رسمها راسم الخرائط الهولاندي يان يانسونيّيس Jan Janssonius

    سنة 1244 ولحماية استقلاله عن المرينيّين، قام حاكم إشبيلية {يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبى بكر} المعروف باسم {أبو عمرو بن الجد} بتوقيع معاهدة مع قشتالة تنصّ على أن تكون مملكة إشبيلية (أي مملكة الأندلس) تابعة لمملكة قشتالة، وأن يحضر اجتماعات البلاط القشتالي لأنّه أصبح أحد ملوك المملكة القشتالية، وأن يؤدّي الجزية لملك قشتالة، وأن يقدّم له العون متى طلب إليه ذلك.

    ثمّ استجلب {بن الجد} حرّاساً حفصيّين من تونس لحماية عرشه واستبداده بالحكم، وكان الحفصيّون قد تعاهدوا مع القشتاليّين كذلك. فثار الناس على {أبو عمرو بن الجد} بعد سنتين وخلعوه وأعلنوا بطلان المعاهدة، ما أغضب الملك القشتالي {فرناندو الثالث} فأمر قوّات غرناطة وقرطبة النصريّة بالزحف واستعادة السلطة في إشبيلية، ونجحت تلك القوّات بعد حصار سنة ونصف وأخضعت إشبيلية للعرش القشتالي، ونفي مسلميها ويهودها إلى غرناطة.

    بعد دخول قوّات ملك قشتالة {فرناندو الثالث} إشبيلية نهاية سنة 1248، وكانت قوّات مسلمة بالمناسبة بقيادة حاكم غرناطة {الغالب بالله محمد بن يُوسُف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر}، دخلت مملكة إشبيلية الحماية القشتالية وتغيّرت فيها السلطة إلى أيدي المسيحيّين ولو أنّ الحكومة بقيت مشتركة مسيحية-مسلمة حتّى القرن 15 وعهد طرد المورسكيّين. وبقيت الدولة على حالها ستّ قرون إلى أن قامت إسپانيا بحلّ مملكة إشبيلية سنة 1833 وبدأ من بعدها عهد الإفقار والقمع القومي.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {مملكة إشبيلية وبذور نهضة المجتمع غرب الأوروپي} من هنا

  • كيف سقطت غرناطة

    كيف سقطت غرناطة

    في مثل اليوم 2 كانون الثاني يناير من سنة 1492 انتهى في غرناطة حكم العرب وانتقلت أسرة بنو نصر منفية إلى فاس في المغرب. وأعتب على من يلوم العثمانيّين على “سقوط غرناطة” في حين الواقع أنّ إزالة حكم المسلمين فيها كان بموجب رضى من الخلافة العبّاسيّة في القاهرة، واتّفاق مع سلطنة المماليك فيها.

    في الصورة أدناه مقطع من الخطّ الزمني لأحداث الشرق الأوسط، وتظهر فيها الحرب العثمانيّة-المملوكيّة، والتي على غير ما يُعتقد، بدأت سنة 1485 وانتهت سنة 1517 بانتصار العثمانيّة وإزالة السلطنة المملوكيّة من الوجود. ونلاحظ على هذا الخطّ الزمني أهمّ التفاصيل: استيلاء المماليك الجركس على الحكم في القاهرة سنة 1382. اندلاع أوّل حرب مملوكية-عثمانية سنة 1485 والتحالف المملوكي-الإسپاني في نفس السنة. ثمّ، نهاية إمارة غرناطة النصريّة في نهاية هذه الحرب الأولى سنة 1492.

    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517
    الخطّ الزمني للحرب العثمانية-المملوكيّة 1485-1517

    وللردّ على التحالف المملوكي-الإسپاني، تحالفت السلطنة العثمانيّة مع إمارة النصريّين في غرناطة، التي قبلت بنشر قوّات عثمانية في غرناطة. وفي ذات الوقت سعى النصريّين للخلاص من الهيمنة القشتالية، والتحوّل عن وعود حماية مغربيّة لن تتحقّق، فتأمّلوا ضمان الاستقلال بحماية عثمانيّة. غير أنّ القوّات الإسپانيّة نجحت بإسقاط غرناطة قبل وصول القوّات العثمانيّة، التي أعاقتها القوّات البحريّة المملوكيّة وأخّرت وصولها.

    هذه الخارطة هنا هي لإمارة غرناطة سنة إعلانها 1230 وقبل خسارة قرطبة وإشبيلية وبَلَنْسِيَة. وأنصحك اليوم بقراءة ثلاث من تدويناتي. الأولى في تفاصيل {حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة} والثانية هي تدوينة {پروپگندا سقوط الأندلس} التي أتحدّث فيها باختزال عن تاريخ سقوط الأندلس كلّها. والثالثة هي تدوينة {عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيّين} التي أتحدّث فيها عن پروپگندا فتح الأندلس.

    حرب المماليك والعثمانيين ونهاية إمارة غرناطة

    پروپگندا سقوط الأندلس

    عبد العزيز بن موسى ملك القوط الغربيين

    ومن المهمّ أن نتذكّر أن سقوط غرناطة ما كان مجرّد سقوط حكم إسلامي في إبيريا، إنّما كان إبادة جماعية وتطهير عرقي نال مجتمعاً أوروپيّاً، انتهى بإكراه الناس على تغيير أديانها وهويّاتها الثقافيّة، وطرد الطوائف التي خالفت طائفة الحكم من بلادها. وفي منظوري، لا تختلف فعائل القشتاليّين عمّا فعله هيتلر في النصف الأوّل من القرن العشرين.