الوسم: هوية

  • اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    اللّغة العربية… حاملة راية الحضارة الإنسانية

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ولغتهم العربية ما كان لهم فضل على الحضارة الإنسانية منذ فجر الإسلام… فلنحك نقطة في بحر فضل اللّغة العربية على العالم.

    منذ فجر التاريخ وعبر آلاف السنين، اتّخذت العربية مكانةً مرموقةً بين لغات العالم، تاركةً بصمةً حضاريةً خالدةً عبر مسار الزمن. ومن ذلك حملها لنواة الأديان الأكثر انتشاراً في عالم اليوم. فمَا هي الثمار التي جنتها البشرية من رحلةٍ استمرّت 1400 سنة الأخيرة مع لغة الظاء؟

    تُعدّ اللّغة العربية حاملةً راية حضارةٍ عريقةٍ، غنيّةٍ بالعلوم والآداب والفلسفة. تابعها العصر الإسلامي الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث شهدت ازدهارًا في مختلف المجالات العلمية والفكرية. إليك بعض العلوم التي نشأت وتطورت باستخدام اللّغة العربية:

    أسهم الأطباء والعلماء بتطوّر كبير في الطبّ باللّغة العربية، بواسطة تأليف الكتب والموسوعات التي تعالج مختلف الأمراض وطرق العلاج. وبالعربية كُتب “القانون في الطبّ” و”الحاوي في الطبّ”، والذين كانا مرجعًا طبيًا لقرون في الشرق والغرب. وبقيت العربية لغة تدريس الطب في أوروپا مثلاً لأكثر من خمس قرون.

    وبالعربية انفصلت الكيمياء كعلم عن الخيمياء مع العلماء العرب مثل جابر بن حيان، الذي يعدّ “أبو الكيمياء”. وأدخل العلماء العرب مفاهيم مثل التقطير والتبلور والتصعيد.

    بالعربية نما علم الصيدلة كعلم منفصل عن الطب، حيث قام العلماء بتصنيف الأدوية وتحضير الوصفات الصيدلانية ووضع معايير للجودة. الزهراوي، الذي ألف كتاب “التصريف لمن عجز عن التأليف”، يعدّ من الروّاد في هذا المجال، وقد أسهم كتابه في تطور الجراحة والصيدلة. فهو أبو الصيدلية.

    بالعربية ازدهر علم الفلك في العالم، حيث قام العلماء ببناء المراصد وتطوير الأدوات الفلكية مثل الأسطرلاب. كانوا يدرسون حركة الكواكب والنجوم وألّفوا الزيجات الفلكية التي تحتوي على جداول معقّدة لحركات الأجرام السماوية. البتّاني مثلاً هو أبو علم الفلك المعاصر.

    في الرياضيات. نجد البغدادي الخوارزمي، الذي يُعدّ أحد أعظم الرياضيّين، أسهم في تأسيس الجبر والخوارزميّات، وأدخل نظام الأرقام العربية، الذي يعتمد على النظام العددي وأصبح أساس النظام العددي المستخدم اليوم في كل أرجاء العالم.

    بالعربية ألّف الجزري كتابه “كتاب في معرفة الحيل الهندسية” والذي ضمّ تصاميم لأجهزة ميكانيكية متطورة مثل الساعات المائية. وكان له فضل اختراع المحرّك المعاصر وعلبة المحرّكات (التروس) والبسطون (المكبس).

    بالعربية تأسّس علم البصريّات وعلم المناظير. ابن الهيثم البصري، مؤلف “كتاب البصريات” و”كتاب المناظر”، قدم نظريات هامة حول كيفية عمل العين وكيف يتم تشكيل الرؤية. واخترع القُمرة (الكميرا).

    ابن العوام وأبو زكريا القسطلاني كتبوا كتبًا هامة في الزراعة، تضمّنت وصفًا لطرق الزراعة، وتحسين التربة، وتقنيات الري، وتصنيف النباتات. كتاب ابن العوام “الفلاحة الأندلسية” يعتبر مرجعًا مهمًّا في هذا العلم، ويقوم عليه علم الزراعة الحديث.

    الفارابي وابن مسكويه من الفلاسفة الذين بحثوا في الأخلاق والقانون، مقدّمين أفكارًا حول العدالة والحكم الرشيد والسلوك الأخلاقي. وعلومهم التي قدّموها باللّغة العربية صارت أساساً لفلسفة الأخلاق في علوم غرب أوروپا الحديثة.

    هذه العلوم تطورت في بيئة ثقافية غنية ومتفاعلة، حيث كانت اللّغة العربية هي وسيلة تدوين المعرفة ونقلها. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذه الفترة هو ابتكار نظام التعليم النظامي لتدريس اللّغة العربية والفقه، ولم يزل هذا النظام قائماً مستخدماً في أنحاء العالم المختلفة إلى اليوم.

    اليوم تُعدّ اللّغة العربية لغةً رسميةً لأكثر من 25 دولة، ومعترف بها كلغة أقلّية في أكثر من 40 دولة غيرها، منها الولايات المتحدة الأميركية. ويتحدّثها أكثر من نصف مليار شخص حول العالم.  وتؤدّي دورًا هامًا في التواصل بين الشعوب العربية، ونشر المعرفة والثقافة. كما تُعدّ لغةً دينيةً للقرآن الكريم، ما يمنحها مكانةً مقدسةً لدى المسلمين.

    السؤال الأهم، هو طوال 1400 سنة، ماذا قدّم كارهوا اللّغة العربية اللاعربيّين منكري الحضارة العربية؟

    مراجع

    1. الرصافي، مصطفى صادق. “من تاريخ الحضارة العربية.”
    2. حسين، محمد كامل. “تاريخ الفكر الإسلامي.”
    3. رصا، رجاء نعمة. “اللغة العربية وآدابها في العصر الإسلامي.”
    4. السيد، رشدي. “فجر العلم في الحضارة الإسلامية.”
    5. رضا، محمد عبد الحليم. “العلوم عند العرب.”
    6. الخوارزمي، محمد بن موسى. “الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة.”
    7. ابن النديم، محمد بن إسحاق. “الفهرست.”
    8. ابن سينا. “القانون في الطب.”
    9. جابر بن حيان. “كتاب الكيمياء.”
    10. البتاني، عبد الرحمن بن عمر. “الزيج الصابي.”
    11. ابن الهيثم، حسن بن الهيثم. “كتاب المناظر.”
    12. الجزري، بديع الزمان أبو العز. “كتاب في معرفة الحيل الهندسية.”
    13. ابن العوام، أبو زكريا يحيى. “كتاب الفلاحة الأندلسية.”
    14. ابن رشد، أبو الوليد. “تهافت التهافت.”
    15. الفارابي، أبو نصر. “آراء أهل المدينة الفاضلة.”
    16. ابن مسكويه، أحمد بن محمد. “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.”
  • يجب أن يتوقّف نشر خرافة قوميّة الأكاديّين

    يجب أن يتوقّف نشر خرافة قوميّة الأكاديّين

    من الخرافات التي دأب عليها مستشرقي الحِقْبَة الاستعمارية؛ اختراع أمّم وقوميّات بناء على أسماء عواصم دولهم… ولو تمكّن لهم اليوم لتحدّثوا مثلاً في القوميّة القاهرية بدل المصرية، والقومية البغدادية، والقومية السُّعُودية! المهم عندهم ألّا يقال: شعوب عربية.

    هذه الأكذوبة هي خرافة اللّغة الأكادية والحضارة الأكادية والأمّة الأكادية… والمكذوب على لسانه فيها هو عالم الأشّوريّات القدير إگناس گلِب Ignace Gelb. الذي برهن، ومن لحظة اكتشافه الأوّل للعاصمة أگَّدة (أقَّدة) أنّ اسم المدينة منسوب إلى اسم أسلاف العرب القدرو، وأنّ معنى اسم القدرو الأصلي هو البنّائين والمنظِّمين.

    بعد هذا الاكتشاف، كُذب على لسانه، واخترعت القوميّة الأگّديّة، دون أيّ اعتبار إلى أنّ أگَّد كان مجرّد اسم دولة منسوب إلى اسم عاصمتها، إحدى دول شعب المنطقة العربية.

    في النقوش العراقية استخدمت النصوص الأگّدية كلمة أگَّدة، وهي مشابهة للكلمة السومرية أقاد 𒀝 التي تعني “بناء” أو “تنظيم” أو “تشييد” أو “توجيه”.

    كذلك الكلمة الأگّدية أگّيدُ (أكيدو) 𒀕𒅖𒋾𒄿 ومعناها “باني”، وهي مرتبطة أيضاً بكلمة أگَّد ومطابقة للكلمة السومريّة أقّيدُ بنفس المعنى، باستبدال حرف ق بحرف گ.

    اسم أگَّدة مشتقّ في الأساس من اسم شعب القِدرو (گِدْرُ) 𒆕𒉈𒇓 (جِدرو)، وهم قبيلة سومريّة كانت تعيش في منطقة أگَّد، سجّلت مسماريّات أُرُگ (أوروك) تسميتهم بصيغة أُگِّد (أُقِّد) 𒀠𒆗𒀖.

    عدد من علماء الآثار شاركوا گلِب نظريّته ودافعوا عن الصلة بين قوم گِدرُ (قِدرو) والعرب. ومن هؤلاء العلماء متخصّص الأشّوريّات نيقولاس پوستگيٓت والآثارية جوان أوتس، الذين يرون أنّ قوم گِدرُ كانوا مجموعة إثنيّة مميّزة منحدرة عن السومريّين وسلف للعرب.

    عُرف عن قوم الگِدرُ مهارتهم في البناء والهندسة، ويُنسب إليهم بناء مدينة أگَّدة التي كانت عاصمة الإمبراطورية الأگّديّة. وهذا يشير إلى أنّهم كانوا شعباً متقدّماً تقنيّاً وذا ثقافة راقية. ويرى پوستگيٓت أنّ لغة قوم گِدرُ مرتبطة باللّغة العربية ولهجاتها. وعليه، فالتاريخ واضح في أنّ عرب اليوم هم نسل حضارات أگّد وسومر.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {الأگّديّين: أسلافنا القِدرو} مع مراجعها على مدوّنة البخاري من هنا

  • لماذا يهمّنا نفي خرافة اللاعربيّين

    لماذا يهمّنا نفي خرافة اللاعربيّين

    لماذا يهمّنا نفي خرافة اللاعربيّين وتأكيد عروبة أسلافنا الأگّديّين والفِنيقيّين والآراميّين والأشوريّين، ما هي نتيجة هذا الإثبات؟

    سيكون لمثل هذا الإثبات نتائج واسعة النطاق، سواء على المستوى التاريخيّ أو الثقافيّ أو السياسيّ.

    على المستوى التاريخيّ، سيؤدّي ذلك إلى تغيير جذري في فهمنا للتاريخ القديم للمنطقة العربيّة. سيؤكّد ذلك أنّ الحضارات العربيّة القديمة كانت أكثر تنوّعاً وتطوّراً ممّا كان يُعتقد سابقاً. كما سيقدّم أدلّة جديدة على العلاقات بين الحضارات العربية القديمة والحضارات الأخرى في المنطقة، مثل الحضارة التركيّة القديمة والحضارة الإغريقية القديمة.

    على المستوى الثقافيّ، سيؤدّي ذلك إلى تعزيز الشعور بالوحدة العربيّة بين الشعوب العربيّة. سيؤكّد ذلك على أنّ الشعوب العربيّة لها تاريخ مشترك أطول ممّا كان يُعتقد سابقاً. كما سيوفّر أدلّة جديدة على التراث الثقافي العربي المشترك.

    على المستوى السياسي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الشعور بالمطالبة بالأراضي العربيّة القديمة. سيعني ذلك أن الشعوب العربية لديها مطالب تاريخيّة على الأراضي التي كانت تحت سيطرة الأگّديّين والفِنيقيّين والآراميّين والأشوريّين في الماضي. ويمكن أن يؤدّي ذلك تلقائيّاً إلى إضعاف أساطير القوميّين في البلدان التي تسيطر حاليّاً على هذه الأراضي.

    في حال تمسّكنا بحقيقة أنّ أسلافنا الأگّديّين والفِنيقيّين والآراميّين والأشوريّين عرب، فستكون هذه بيّنة مهمّة لها آثار عميقة على فهمنا للتاريخ العربيّ والثقافات العربيّة.

  • جذور الحضارة العربية تسبق الإسلام

    جذور الحضارة العربية تسبق الإسلام

    يدّعي الشعوبيّون واللاعربيّون أنّ العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ويُنكرون علينا تحدّثنا بالحضارة العربية وبتراثها، ويجبرننا على تسميتها بالحضارة الإسلامية، على أساس أنّها نشأت بـ”تعريب الحضارات الحقيقية”، وهذا غير صحيح. في البلاد العربيّة، لا يسبق الحضارة العربيّة غيرها.

    وجود الحضارة العربيّة يسبق وجود الإسلام، بالتالي لم يبدأ الإسلام الحضارة العربيّة. والفكر الإسلامي نفسه هو إحدى نتائج هذه الحضارة العربيّة. بالتالي الإسلام هو جزء من الحضارة العربيّة، لا كلّها.

    واستمدّ هذا الفكر الإسلامي رقيّه من رقيّ الحضارة العربيّة؛ لا العكس. تماماً كحال فلسفات الأديان التي سبقته وانتشرت في العالم عن الحضارة العربيّة. فأساس الحضارة الإسلامية هو الحضارة العربية.

    ومن جهة أخرى، الإسلام ومع أنّه اليوم دين الأغلبيّة من العرب. لكن، ليس كلّ العرب مسلمين. وغير المسلمين من العرب كذلك من أهل الحضارة العربيّة.

    والدفاع عن الهويّة العربيّة ليس دفاعاً عن القوميّة العربيّة بالضرورة. الهويّة العربية لا تحتاج إلى فكر قومي كي تكون لها معالم وسمات. الهويّة العربيّة واضحة بسماتها وهي التي ظُلمت، وليس القوميّة العربيّة.

    أستغرب من يقول أنّ العرب كانوا لا شيء قبل الإسلام. وحضارة اليمن وما قدّمته من علوم الهندسة والاقتصاد لا شيء!؟ وحضارة النهرين والشام وما قدّمته من علوم الفكر والصناعة لا شيء!؟ والفلسفة والتشريع الطائي قبل الإسلام لا شيء!؟ إن اكتفيت بسيرة طيء ودولها وحدها؛ أفيض في المنجزات الحضارية على ما قدّمته روما والصين وما كان بينهما.

    من يقول لك أنّ العرب ما كانوا شيئاً قبل الإسلام، هو مردّد للدعاية الشعوبيّة الفارسيّة، ومن صفّ كارهي العرب… من يقول لك أنّ العرب كانوا لا شيء قبل الإسلام، أخرسه فوراً فهو يريد تحطيم الهُوِيَّة العربيّة، ولا يخيفه شيء في هذا العالم كما تخيفه قوّة الهُوِيَّة العربيّة. الهُوِيَّة العربيّة حضارة من بداية وجودها، هي المدنيّة وهي أصل فكرة الحكومة والإمارة والشرع والقانون.

    لا يوجد حضارة معزولة في هذا العالم، الحضارة هي أثر تفاعل الشعوب والأمم. والحضارة العربيّة لم تكن معزولة عن جوارها وقدّمت، كغيرها، الكثير من المنجزات العلميّة، التي لولاها، لما كان في العالم الكثير من عادات اليوم. النقد الدُّوَليّ وأصول التعاملات المالية هي منجز عربي. فكرة التشريع والقانون هي منجز عربي. الفلسفة هي منجز عربي. علم الفلك هو منجز عربي. معدن البرونز هو منجز عربي. التحوّل من الحديد إلى النحاس هو منجز عربي. علم الساعات هو منجز عربي. كل هذا ولم يكن الإسلام قد وُلد بعد.

    لو لم يكن في العربيّ جذوة الحضارة السامية من الأساس لما استطاع نشر الإسلام متراً واحداً خارج بلده العربيّ. طالمَا أنّك تؤمن أنّ الإسلام دين مرسل من عند الله، فيجب أن تؤمن كذلك بأنّ الله ما اختار العرب لنشر الإسلام عن فوضى وفراغ. إنّما اختار من يستطيع برقيّ حضارته أن يكون الوجه الأجمل للإسلام.

  • قصّة قبيلة جيس العربية

    قصّة قبيلة جيس العربية

    واحدة من القصص التي تغيظ العربفوبيّين وبني اللاعربيّة هي قصّة قبيلة جيس العربية، لأنّ الجيس إحدى أنسال الفنيقيّين الباقية إلى اليوم، ولا يقدر أحد على إنكار عروبتها، ولا يسمح الجيس لتافه أن يقول فيهم أنّهم مستعربين… وأوّل ردود اللاعربيّين على هذه القصة تكون دوماً بنفي عروبة تاريخ الجيس.

    قبيلة جيس هم جَمجمة من جماجم العرب، أي من ساداتهم. ويُعتقد أنّ عرب الجيس هم رؤساء القيسيّين ما بعد الإسلام، إذ أنّ حلف الجيس هو أمراء أغلب دول القيسيّين. وعلى خلاف ما يُعتقد، أنّ نشاط قبائل الجيس كان في خلاء شبه الجزيرة العربية فقط، ما قبل الإسلام. فإنّ من أصول وأفرع الجيس ملوك مملكة حِمْصَ. أكبر وأهمّ الممالك الدينية في العهد الروماني.

    في القرن ١٠ ق.م. خسر عبدة مي (الشمس) معبدهم المقدّس في مدينة الرقّة التي فيها معبد داگون المقدّس، وانتقلت القداسة من بعدها إلى مدينة حِمْصَ في سوريَا. وانتقل إليها حجّ الفنيقيّون من كلّ أنحاء البحر المتوسط. وفي حِمْصَ، نشأت في القرن الثالث قبل الميلاد مملكة إميسان الغربية (مملكة إميسه) المقدّسة برئاسة الفيلسوف يمليكو 𐡉𐡌𐡋𐡊𐡅 (توفّى 245 ق.م) وانتشر مذهبه الفلسفي في كلّ أرجاء المملكة السلوقيّة وبين العديد من القبائل الإغريقيّة والفرنجيّة والتركيّة في البلقان. وانتشرت فلسفة يمليكو داعياً إلى عبادة إله الجبل 𐡁𐡋𐡄𐡀𐡂𐡀𐡋 والحجر الأسود المقدّس الذي أرسله إله الجبل من السماء، ثمّ أودعه العرب في معبد إله الجبل المقدّس في مدينة حِمْصَ مزيّنا بشكل الشمس.

    أبناء شمس إگِرَم 𐡔𐡌𐡔𐡂𐡓𐡌 (شمسيغرام) هؤلاء كانوا من الجيس، سمّاهم العرب بالجيسيّين والجسياسيّين والجسّاسين والغسياسيّين والغسّاسين والغسيانيّين والغسّان. إحدى ملوكهم يمليكو الأوّل 𐡉𐡌𐡋𐡊𐡅 (حفيد يمليكو الفيلسوف، وتوفّى 31 ق.م) حمل لقب “فيلارخ العرب” أي بابا العرب المقدّس. هؤلاء الجيس سمّاهم الرومان الگَيُس Gaius وسمّاهم الإغريق غايوس أو گايُّس Γάϊος وكذلك قايّوس Κᾱ́ῐ̈ος و قَيس Κάης تحوير بصيغة نسبة عن الكلمة العربية القديمة قيّن التي تعني في الإغريقيّة والسلاڤيّة والتركيّة القديمة: ملك.

    للمزيد اقرأ تدوينتي {قبيلة جيس العربية، إحدى أنسال الفنيقيّين الباقية إلى اليوم} على مدوّنة البخاري من هنا

    الخارطة هي خارطة فنيقيا في القرنين الثاني والثالث، رسمتها وفقاً لكتابات القدّيس هپّوليتُس (هيبوليتوس الرومي)، وهي ذاتها مملكة حمص، إميسان الغربية، إميسه، التي تحالفت مع الرومان ثمّ صارت بعدها جزء من الإمبراطورية.

  • نسر العرب

    نسر العرب

    على أهل فكرة اللاعربيّة الخجل والاستحياء عند التكلّم بذمّ في العرب لإنكار الحضارة العربية.

    النسر، الذي تتغنّى به أغلب الرموز السياسيّة اليوم، على أنّه تراث روماني أو إغريقي، هو في الواقع من التراث العربي… لم يعرف التاريخ بلداً عربياً قديماً لم يتّخذ من النسر رمزاً له، قبل الإغريق وقبل الرومان، ومن عصر المورو. حتّى أنّ المدن العربية كانت تضع رمز النسر على مداخلها بديلاً عن اسم الهُوِيَّة العربية.

    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.
    الصورة ملتقطة في البتراء في الأرْدُنّ سنة 1950 وهي اليوم من مقتنيات مكتبة الكونگرس الأميركي.

    الصورة هنا من القرن الأوّل، نحت نبطي لنسر يحمل البرق تحت مخالبه، كان النسر رمز شائع مرتبط بالإله العربي الأعلى دُسارة أو دوشرع (ذو الشرى)، وتركت العرب الدواسر له منحوتات على نطاق واسع في مقابر الحجر في البتراء بصفة مصدر للحماية الإلهية ضدّ اللصوص وتجده في كلّ مكان إن جلت حوران أو الأرْدُنّ أو فلسطين أو السُّعُودية، وكذلك في العديد من المدن المهجورة في الجزيرة العربية.

    وذو الشرى هو ابن عشتار، استمرّت عبادته عند بعض العرب من العهد السومري حتّى العهد المسيحي، وبأسماء مختلفة. وفي آخر عهوده العربية عُرف عبدته باسم الدوسريّين، وكان منهم والد الإمبراطور الروماني فيليپ العرب. حتّى يكاد علم الآثار أن يقول أنّ الديانة المسيحيّة التي حاول فيليپ تحويل روما إليها هي في الواقع ديانة ذو الشرى نفسها.

    {ذو الشرى} 𐢇𐢎𐢕𐢏𐢄𐢇 هو اسمه المعيني اليماني، أمّا اسمه النبطي فكان {دوشرع} 𐢅𐢈𐢝𐢛𐢀، وفي بعض اللّهجات اليمانية كذلك {ذو سراة} و {دوسرات} ومنه اسم جبال السرات والسروات الممتدّة اليوم في المملكة السُّعُودية واليمن، وعلى أعلى قممها تتربّع مدينة المحجّ القديمة لذو الشرى: مدينة القليس؛ صنعاء.

    اسمه السومري هو {شره} 𒀭𒁈 (شرع، ساره) وهو ابن {إننّة} العذراء؛ التي عُرفت ومنذ العصر البابلي باسم عشتار، بتشكيلاته المختلفة. وكان شره هو القمح وهو الشعير وهو واهب الخير والحبوب، ومن جسده أكلت الناس خبزاً كافياً كلّ يوم (خبز الشعير) ومن دمه شربت الناس خمراً شافياً كلّ يوم (البيرة ولاحقاً نبيذ العنب).

    قدّست العرب النسر والطير منذ العهد الموري الأوّل، عهد المورو (الأمو، الأموريّين) الذين كانوا إذا مات منهم أحد، رفعوا جسده إلى أعلى قمم الجبال لتأكلها النسور، وظنّوا هكذا أنّ الخالق يستعيد الجسد المَيِّت فترفعه إليه النسور. وعليه عدّوا أن النسر المحلّق هو عين اللّه ترقب الناس من العُلا، فهو الرقيب من يخبر اللّه عن العصاة كي ينولوا العقاب. وهو العتيد من يحمل البرق كي يضرب به المفسدين في الأرض. وهو الرسول من يحمل شرع اللّه إلى أهل الأرض فتنتظم حياتهم.

    يعود استعمال النسر كرمز سياسي بين العرب إلى أكثر من خمس آلاف سنة، طالمَا أنّه كان بالأساس رمزاً دينياً وإلى زمن يعود عمقاً إلى ثماني آلاف سنة على الأقل.

    كامل التدوينة مع المراجع على مدوّنة البخاري من هنا

  • جذور المعتقدات العربية القديمة

    جذور المعتقدات العربية القديمة

    لا أقدر على السخرية من معتقدات أسلافنا العرب، وأديانهم التي قدّست السمك والأفاعي والثيران والوعول والأيائل والنسور والذئاب والبوم وغيرها من الحيوانات. ولا أغفر لأهل العربفوبيا واللاعربية سخريتهم من أسلافي العرب.

    حين درست فلسفة تلك المعتقدات القديمة وجدت أنها بدأت بمفهوم شكر المخلوق امتناناً للتضحية بجسده غذاء حياة الإنسان. فصارت الناس تصلّي للحيوان بعد صيده امتناناً وشكراً له لمعروفه.

    ثمّ صارت الناس تشكر الخالق على توفير هذه المخلوقات زاداً للحياة، وتعبّر عن شكرها هذا بواسطة أكل واحترام أكل هذه المخلوقات، والاحتفال بمواسم خاصّة للتعبير عن هذا الشكر.

    مثلاً، العربي القديم ومن حسن الأخلاق فيه، شعر بالامتنان للسمكة التي صادها وأكلها، فقد ماتت لتمنحه وأولاده حياتها كي يستمروا. فصار يحترم تقدمة هذه السمكة ويضع معروفها على رأسه.

    ثمّ ذهب إدراكه أن لا بدّ للسمكة من خالق يوفّر وجودها ويكرّسها لحياة الإنسان، فصار يجلّ ويحترم هذا الخالق ويتعبّد امتناناً لمعروفه.

    هذا العربي قديماً لم يعبد السمكة، فهو يقتلها ويأكلها يوميّاً. إنما شكرها امتناناً لفضلها على حياته. وصار يعقد الاحتفالات الدينية لشكر السمك وخالق السمك، وليس للتعبّد للسمك.

    فهذا العربيّ قديماً ما شعر بالاستعلاء على مخلوقات الأرض، إنما رأى نفسه معها سواء، فخجل أمام تضحية السمكة، وشكرها باحترامها.

    وكعادة الأديان في كلّ عصر، انحرف بعض أتباعها لاحقاً عن المفهوم الأول، وصاروا يتعبّدون للسمك ويحرّمون أكله، تكرار للاحترام القديم؛ دون فهم لفحوى العقيدة الأولى.

    المعتقدات العربيّة القديمة بدأت كلّها على أساس الامتنان وشكر المعروف، قبل الغرق في فلسفة الخطايا ودفع العقوبات. وهذه أخلاق عالية تُحترم. ولو خالفت معتقداتنا المعاصرة.

  • العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة

    العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة

    العربفوبيا، والشعوبيّة، واللاعربيّة هي مصطلحات تُستخدم لوصف أنواع مختلفة من التحيّز والمواقف تجاه العرب والثقافة العربية. إليك تعريف كلّ منها:

     العربفوبيا Arabophobia 

    ومعناها الحرفي: اضطراب رُهاب العرب

    العربفوبيا هي مصطلح يُستخدم لوصف الخوف، والكراهيَة، أو التحيّز ضدّ العرب. يمكن أن يشمل هذا: الخوف أو الكراهيَة للّغة العربيّة، أو الثقافة العربيّة، أو الأديان السائدة في الدول العربيّة مثل الإسلام. العربفوبيا واحدة من أشكال ذُهان العنصريّة والتمييز الذي يمكن أن يؤدّي إلى سوء التفاهم، والإقصاء الاجتماعي، وأحيانا العنف ضدّ الأفراد العرب، سواء البدني أو اللّفظي.

    كثيراً ما تتطوّر أعراض العربفوبيا إلى الإسلامفوبيا، من باب أن العربي لا يقدر على إنتاج ديانة راقية.

     الشعوبيّة Shu’ubiyya

    الشعوبية كانت في الأصل حركة ثقافيّة وسياسيّة داخل الإسلام، دعت إلى القوميّة؛ أي رفض مفهوم الأمّة الإسلاميّة وتفضيل الهويّات الشعوبيّة على الهُوِيَّة الدينيّة. لكن، حين رأت هذه الحركة ارتباط الإسلام بسمات الهُوِيَّة العربيّة، تحوّلت إلى حركة لانتقاد العروبة نفسها وتفضيل العجم على العرب، وتشجيع الفصل بين الإسلام وسمات العروبة، وتحقير العرب.

     اللاعربيّة Anti-Arabism

    اللاعربيّة كما اللاساميّة هي موقف أو إيديولوجيّة تتضمّن التحيّز ضدّ العرب وثقافتهم وتاريخهم. هذا يشمل إنكار إنجازات الحضارة العربيّة وتقليل شأن دور العرب في التاريخ العالمي والمساهمات الثقافيّة. واللاعربيّة يمكن أن تتّخذ أشكالاً متعدّدة من التمييز، بما في ذلك التمييز العنصري والثقافي والديني ضدّ الأشخاص الذين ينتمون إلى الهويّة العربيّة أو يعبّرون عن الثقافة العربيّة.

    تتجلّى اللاعربيّة في العديد من السياقات، مثل الإعلام والسياسة والتعليم والممارسات الاجتماعيّة، حيث يُصوّر العرب بطريقة سلبيّة، وإنكار دورهم التاريخي والحالي في الحضارة الإنسانيّة.

    مقارنة مع العربفوبيا والشعوبية

    العربفوبيا تشير إلى الخوف غير المنطقي والكراهيّة أو التحيّز ضدّ العرب، وقد تتداخل مع اللاعربيّة ولكنّها تركّز أكثر على الخوف والنفور العاطفي.

    الشعوبيّة في الاستخدام الحديث، تشير إلى تفضيل الهويّات القوميّة الأخرى على حساب الهُوِيَّة العربيّة، سواء داخل المجتمعات العربيّة أو خارجها. وهي هكذا جزء من العربفوبيا.

    إنّ اللاعربية كإيديولوجية إنكاريّة تؤدّي إلى تشويه صورة العرب والتقليل من شأن مساهماتهم الثقافية والحضارية، ممّا يساهم في تغذية الصور النمطية السلبية والتمييز ضدّهم. وما يسق إليها هو اضطراب العربفوبيا.

  • حضارة أوسان

    حضارة أوسان

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، ألم يسمعوا بحضارة أوسان؟

    حضارة أوسان (ملكه أوسه‌ن 𐩣𐩤𐩨𐩥𐩫𐩬𐩣 𐩱𐩠𐩣𐩲𐩵𐩷𐩣) في اليمن وشرق أفريقيا هي واحدة من أهمّ الحضارات العربية القديمة، وتركت إرثاً حضارياً غنيّاً يمتدّ إلى يومنا هذا. إذ ازدهرت حضارة أوسان في الحِقْبَة بين القرن ٨ ق.م والقرن الأول ميلادية. وكانت عاصمتها مدينة مسورة ثم هجر يهر، التي تقع في محافظة شبوة جَنُوب اليمن. وتميزت حضارة أوسان بمهاراتها المعمارية والزراعية المتطوّرة، حيث كانت تبني مدناً وحصوناً ضخمة، وتستخدم تقنيّات متقدّمة في الزراعة.

    كما سيطرت حضارة أوسان على طرق التجارة البحرية بين الهند واليمن وشرق أفريقيا، وكانت تؤدّي دوراً مهمّاً في التجارة بين هذه المناطق. وأسّست حضارة أوسان مستعمرات ومراكز تجارية على سواحل القرن الأفريقي، لذلك سُمّيت سواحل شرق أفريقيا في تلك الحِقْبَة بالساحل الأوساني نسبة إلى حضارة أوسان. حتّى أنّ بحر العرب كلّه حمل اسم بحر أوسان لمدّة ستّ قرون! وبعد تدمير السبئيّين لمملكة أوسان، نزح أغلب سكّانها وملوكها وتابعوا حياة أملاكهم في “الساحل الأوساني” شرق أفريقيا وفي الحبشة وغرب الهند، حيث استمرّت اللّغة الأوسانية وتطوّرت إلى لغات غيرها.

    تعدّ حضارة أوسان شاهداً آخر على عمق التاريخ الحضاري العربي وتفوّقه في مجالات متعدّدة. وما هي سلطنة كِلوة الإسلامية إلّا امتداد لحضارة أوسان وتراثها. إذ اشتهرت حضارة أوسان بمهاراتها المعمارية المتطورة، حيث كانت تبني مدناً وحصوناً ضخمة. وعُثر على العديد من الأبنية الأثرية التي تعود إلى حضارة أوسان، والتي تتميّز بتصميمها الفريد ودقّة بنائها. كذلك تميّزت حضارة أوسان بمهاراتها الزراعية المتطوّرة، حيث كانت تمارس الزراعة على نطاق واسع. واستخدمت حضارة أوسان تقنيّات متقدّمة في الزراعة، مثل الري والاستخدام المكثّف للأسمدة. كما لعبت حضارة أوسان دوراً مهمّاً في التجارة بين الهند واليمن وشرق أفريقيا وأوروپا. وأسّست مستعمرات عربية ومراكز تجارية على سواحل القرن الأفريقي، ممّا ساعد على ازدهار التجارة بين هذه المناطق.

    تركت حضارة أوسان إرثاً حضارياً غنيّاً يمتدّ إلى يومنا هذا. كما تركت حضارة أوسان آثاراً عميقة على مناطق سلطنة كلوة السابقة (كينيا وتنزانيا وموزامبيق ومدغشقر)، وذلك لعدّة أسباب، منها القرب الجغرافي، والتواصل التجاري، والهجرة. كذلك هاجر العديد من العرب من حضارة أوسان إلى شرق أفريقيا، بما في ذلك، المنطقة التي صارت لاحقاً سلطنة كِلوة، ثم منطقة اللّغة السواحلية.

    الخريطة للمناطق التي ثبتت تبعيّتها لحضارة أوسان، سواء على المستوى السياسي أو التجاري، ونرى أنّها سيطرت على مناطق حساسة من المضائق البحرية، من تركيا وقبرص حتى سيناء والقلزم، بالإضافة إلى مداخل الخليج العربي. كامل الساحل الشرقي لأفريقيا ومعظم الساحل الغربي للهند. وقسم كبير من الحبشة (إرتريا وإثيوپيا).

    للمزيد اقرأ تدوينتي {سلطنة كِلوة} على مدونة البخاري من هنا

  • خيمة البدوي أم قصر الملك: هل العمارة هي المقياس الحقيقي للحضارة؟

    خيمة البدوي أم قصر الملك: هل العمارة هي المقياس الحقيقي للحضارة؟

    يهاجمك العربفوبيّين دائماً بأنّ العرب ما كانت لهم حضارة قبل الإسلام، محتجّين بأنّ شبه جزيرة العرب تخلو من آثار عمرانية تسبق حِقْبَة الحكم الروماني لبعض بلاد العرب، ويقولون أنّ شعباً بجمل وخيمة لا ينتج حضارة! ومع أنّني أرفض هذا البيان بالمطلق، لكثرة الآثار العمرانية القديمة في جزيرة العرب. لكن، أحبّ اليوم أن أناقش هذه الفكرة الغبيّة التي تربط “الحضارة” بـ”العمارة”. وتسعدني مساهمتك في هذا النقاش في التعليقات.

    العمارة والآثار هما من أبرز العناصر التي تُظهر تاريخ وحضارة المجتمعات المختلفة عبر العصور، ويمكن للنقاش حول ما إذا كانتا تمثّلان مظهراً من مظاهر التقدّم الحضاري أن يتّخذ أبعاداً متعدّدة، تشمل الجوانب الفنية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية.

    في وجهة النظر الأولى: العمارة كمؤشر على التقدم الحضاري. يرى أنصار هذا الرأي أنّ العمارة تعبّر عن:

    • الابتكار والإبداع: حيث تُظهر الأساليب المعمارية القدرة الإبداعية للمجتمعات في توظيف الموارد المتاحة وتسخيرها لخدمة احتياجاتها.
    • التطوّر التقني: إذ يتطلّب بناء الهياكل الضخمة والمعقّدة تطوير تقنيّات ومواد بناء جديدة، ممّا يدل على مستوى معيّن من التقدّم التكنولوجي.
    • الازدهار الاقتصادي: فإنشاء المباني الضخمة والفخمة يستلزم موارد مالية هائلة، مما يُظهر الاستقرار الاقتصادي.
    • التنظيم الاجتماعي: إذ تدلّ القدرة على إدارة وتنفيذ مشروعات عمرانية كبرى على مستوى معيّن من التطوّر الإداري والحكومي.

    في وجهة النظر الثانية: العمارة ليست المؤشّر الوحيد للتقدّم. يرى أصحاب هذا الرأي علامات التقدّم الحضاري في:

    • التقدّم الفكري والثقافي: قد يرتبط التقدّم الحضاري بدرجة أكبر بالفلسفة والآداب والعلوم والفنون. وهذه يقدر عليها رحّال في خيمة.
    • التطوّر الأخلاقي والقانوني: حيث إنّ القوانين والأعراف الأخلاقية المتقدّمة قد تُظهر تطوراً حضارياً أكثر من المنشآت. وهذه يقدر عليها رحّال في خيمة.
    • الاستدامة البيئية: فالحضارات التي تعايشت مع البيئة بشكل مستدام قد تعدّ أكثر تقدّماً من تلك التي خلّفت آثاراً عمرانية أضرّت بالبيئة. وهذه يتفوّق فيها رحّال في خيمة.
    • التقدّم الاجتماعي: حيث يمكن قياس التقدّم الحضاري بواسطة مدى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والحريّات. وهذه يقدر عليها رحّال في خيمة.

    بالخلاصة:

    تُعدّ العمارة والآثار عناصر بالغة الأهمّية لفهم التاريخ البشري وتطوّر الحضارات، إلّا أنّها مجرّد جانب واحد من جوانب عدّة؛ تشكّل معادلة التقدّم الحضاري. فهذا التقدّم مفهوم شامل ومتعدّد الأبعاد، يمكن قياسه بمعايير مختلفة، منها التقنيّة والاقتصاد والمجتمع والثقافة والفكر والأخلاق. فالكثير من “حضارات” اليوم تستورد قدرات غيرها لإنشاء العمارات العملاقة والمشاريع العمرانية الضخمة، غير أنّها ليست فعلاً من منجزاتها، ولو أنّها باقية آثار في أرضها… كما فعلت روما قديماً حين استوردت معمارياً عربياً من دمشق لإعادة تصميم المدينة، ولم تزل تفخر إلى اليوم بأحد أعظم منجزاته؛ الپانَثيون.

    وعلى هذا، العمارة كمؤشّر على التقدّم قد تكون مظهراً مهمّاً، غير أنّها ليست كافية بمفردها، وينبغي النظر إلى التقدم الحضاري كمفهوم متعدّد الأوجه. فالمجتمعات التي تحقّق التوازن بين الجوانب المادية والمعنوية، مع احترام البيئة وترسيخ العدالة، هي الأكثر تقدّماً بمعنى شامل. ويكمن التحدّي إذاً في تحقيق هذا التقدّم المستدام في كافة أبعاد الحضارة الإنسانية.

    شخصياً، لا أعتقد أنّ العمارة والآثار العمرانية مؤشّر حقيقي على الحضارة في التاريخ الإنساني. إنّما الفلسفة هي أوّلاً أبرز الدلائل التي تساعدني على تقييم ثقافة لمنحها صفة حضارة. الفلسفة تعني وجود نقاش فكري حقيقي وتعني وجود هيكلية علمية وبدن واعي في مجتمع متقدّم، على المستوى الأخلاقي والمعرفي.

    في الصورة إبريق سوري بديع من الخزف مصنوع على شكل ثور بإبداع رائع عمره حوالي ٣٤٠٠ سنة… والحقيقة أنّ هذا الإبريق صناعة جماعة كان اسمهم شعب المارليك أو المَرلِك أو المرلق، وهتي الجماعة كانت شعب بدوي رحّال باستمرار في المنطقة ما بين گيلان على ساحل البحر الطبري والساحل السوري عبر الجزيرة وإيلام. لكنّ هذا الشعب أبدع بصناعة الخزف ووصل إلى مستوى الخزف الصُّلْب الذي نعرفه اليوم… قبل أربع آلاف سنة… في الواقع المَرلِك أحد الأدلّة على أنّ الشعوب ليست بحاجة استقرار وعمارة لتطوير صناعات متطوّرة تبيعها للناس في كلّ مكان.

    الإبريق ارتفاعه 21 سم وعرضه 25 سم. والقطعة سرقتها فرنسا من الساحل السوري ومعروضة في متحف اللّوڤر في پاريس.